يقف الشرق الأوسط على حافة انفجار متكرر، مع تصاعد قرع طبول الحرب على وقع التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة، وإيران من جهة أخرى، إذ دفع التشاؤم الذي طوّق جولات المفاوضات الخمسة بين طهران وواشنطن، والتي انطلقت في أبريل/نيسان الماضي في العاصمة العُمانية مسقط، وما تلاها من تحفظ إيراني على المقترح الأمريكي الأخير بشأن الاتفاق النووي المرتقب، الخيار العسكري ليدخل بورصة التكهنات بعدما كان خيارًا مستبعدًا.
شهدت الساعات القليلة الماضية تسارعًا مٌريبًا في تطورات الأحداث التي تشي بأن المنطقة تتهيأ لحدث جلل، وأنها باتت على بعد خطوات من اندلاع صدام من الصعب استشراف مآلاته، إذ أصدرت الخارجية الأمريكية أوامرها بمغادرة جميع العاملين غير الأساسيين من السفارة الأميركية وأفراد عائلاتهم في بغداد والبحرين والكويت.
تزامن ذلك مع أوامر مشابهة أصدرها وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين من بعض الأماكن بمنطقة القيادة الوسطى بالشرق الأوسط، فيما نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين عسكريين التنسيق بين وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين وحلفاء وشركاء واشنطن في المنطقة للحفاظ على الجاهزية.
صحيفة "واشنطن بوست": السفارات الأميركية والقواعد بالشرق الأوسط في حالة طوارئ في ظل القلق من ضربة إسرائيلية تستهدف إيران#أميركا#قناة_الحدث pic.twitter.com/L6vAdFKjw5
— ا لـحـدث (@AlHadath) June 12, 2025
وفي رده على سؤال وجه إليه بشأن أسباب طلب المغادرة الطوعية لعائلات العسكريين الأميركيين منطقة الشرق الأوسط، أجاب الرئيس دونالد ترامب قائلا: “لكي لا يكونوا في خطر وسنرى ما سيحدث”، وفي تصريح أخر قال إنه “واثق الآن أكثر من أي وقت مضى بأن جيش الولايات المتحدة سيضيف مجدا تلو الآخر في الأيام القادمة”، دون توضيح قصده من وراء ذلك.
التحركات الأمريكية المثيرة للجدل وتصريحات ترامب الفضفاضة والتي تفتح الباب على مصراعيه أمام كافة الاحتمالات والتكهنات تزامنًا مع تصعيد الخطاب الإسرائيلي ضد طهران، قوبلت بتحذير إيراني شديد اللهجة، والتلويح باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة في حال القيام بأي عمل عسكري، مما كان له أثره على ارتفاع أسعار النفط نتيجة المخاوف من تصعيد محتمل في الشرق الأوسط.. فهل بات الصدام الذي يخشاه الجميع أقرب من أي وقت مضى؟
حراك مثير للقلق
حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، فإن السفارات والقواعد العسكرية الأميركية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وضعت في حالة تأهب قصوى تحسبا لهجوم إسرائيلي محتمل على إيران، فيما نقلت عن دبلوماسي قوله إن واشنطن تراقب “الوضع بقلق ونعتقد أنه أخطر من أي وقت مضى”، كما نقلت عن مصادر أن “قلق مسؤولي الاستخبارات الأميركية يتصاعد خشية قيام إسرائيل بضرب إيران دون موافقة واشنطن”.
ترامب وفي أول تصريح له إزاء تلك التطورات قال إن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي “على الأطلاق”، فيما نقلت شبكة “سي بي إس” عن مصادر أنه تم إبلاغ المسؤولين الأميركيين بأن “إسرائيل” مستعدة تماما لشن عملية عسكرية ضد إيران، وأن واشنطن تتوقع أن ترد إيران باستهداف مواقع أميركية في العراق.
وزارة الخارجية الأميركية هي الأخرى أصدرت تحذيرا من السفر إلى العراق في المستوى الرابع، وأرجعت سبب ذلك إلى ما سمته “الإرهاب والصراع المسلح والاضطرابات المدنية”، كما قال مسؤول أمني عراقي ومصدر أميركي إن السفارة الأميركية في العراق تستعد لإخلاء منظم نظراً لتزايد المخاطر الأمنية في المنطقة، تزامنًا مع استعدادات مماثلة تجريها وزارة الخارجية الأميركية لإصدار أوامر لموظفي سفارتي واشنطن في البحرين والكويت غير الأساسيين وأفراد عائلاتهم بمغادرة البلدين.
تلك الأنباء والتي في أغلبها عبارة عن بيانات وتحذيرات إعلامية لم تؤكدها رسميًا سفارات الولايات المتحدة في البلدان الثلاثة، الكويت والبحرين والعراق، تأتي في وقت تسعى فيه أمريكا لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة، من خلال نشر حاملات الطائرات “يو إس إس هاري إس رومان” و”كارل فينسون” إلى جانب طائرات القصف الاستراتيجي بي-52 وبي-2.
وتحاول الولايات المتحدة عبر ثنائية تعزيز القوة العسكرية والدبلوماسية تبني استراتيجية جديدة للردع، فبجانب تكثيف التواجد العسكري الأمريكي تسعى واشنطن للحفاظ على استقرار نسبي في الشرق الأوسط، حفاظا على مصالحها الإقليمية، وهي المعادلة التي تحتاج إلى توازن دقيق بين استعراض القوة والمساعي الدبلوماسية، إذ إن أي خلل في إدارة تلك المعادلة كفيل أن يشعل المنطقة خاصة في بيئة إقليمية معقدة.
ضربة عسكرية ضد طهران.. احتمال وارد
يبقى احتمال توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية احتمالا قائما وبقوة، وربما تتزايد معدلات حدوثه اليوم مقارنة بما كانت في السابق، فإيران اليوم في أوهن حالاتها منذ عقود طويلة، خاصة بعد الضربات التي تلقتها مؤخرًا، سواء في سويداء القلب في طهران أو لدى أذرعها الإقليمية في لبنان وسوريا واليمن، وهو ما يجعل توجيه ضربة أخرى أمر ممكن وغير مستبعد.
ويرى مراقبون أن الوقت اليوم بات ملائما لتوجيه مثل تلك الضربة التي تأجلت أكثر من مرة لاعتبارات ومقاربات أمنية وسياسية، وأن الهزات التي تعرض لها الإيرانيون خلال العام الأخير دشّنت أرضية من الاستسلام وقبول هكذا ضربات حتى لو كان الهدف المشروع والحلم النووي، وهي السردية التي يروج لها إسرائيليًا خاصة عن طريق اليمين المتطرف.
على الجانب الأمريكي، فإن تقليم أظافر طهران حلم يداعب خيالات كل من يسكن البيت الأبيض بلا شك، لكنه الحلم المحفوف بالمخاطر والملغم بعشرات القنابل الموقوتة التي لا تحبذ الولايات المتحدة إشعالها في هذا التوقيت الذي تسعى فيه لتكريس قوتها الاقتصادية والتعافي من الأزمات التي تعرضت لها البلاد مؤخرًا وكان لها تأثيرها في تصاعد غضب الشعب الأمريكي.
غير أن التطورات والاحتجاجات التي يشهدها الشارع الأمريكي مؤخرًا، تنديدًا بسياسات ترامب وإدارته لبعض الملفات وعلى رأسها ملف الهجرة والاقتصاد، ربما تٌسرع الخطى نحو القيام بعمل عسكري ضد طهران، يسحب البساط تدريجيًا من تحت الحراك الشعبي، ويمتص رويدًا الغضب الداخلي، ويوجه الأنظار لما هو خارج الحدود الأمريكية.
إسرائيليًا، فإن رئيس الوزراء المأزوم، بنيامين نتنياهو، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، والذي يواجه تهم فساد قد تدفعه لقضاء بقية حياته داخل السجن، يبحث عن مخرج من هذا المأزق، استنادًا إلى استراتيجية القفز للأمام التي يجيدها، وبطبيعة الحال ليس هناك أفضل من تنفيذ ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، كرهان يكسب به المعركة ويسحب الأضواء من تحت أقدام كافة التهديدات والمخاطر التي يواجهها في الداخل.
غير أن “إسرائيل” وحدها لا يمكنها القيام بتلك العملية دون دعم أمريكي مباشر، وهو ما يعني ضرورة انخراط الولايات المتحدة في تلك الضربة إذا ما أرادت أن تكون نافذة وتحقق أهدافها بدقة، لكن التورط الأمريكي في حرب غير مضمونة النتائج، قد يأت بنتائج عكسية على المصالح الأمريكية وسياساتها الدولية ربما يفوق تأثير الضربة ذاتها.
ومن أبرز الارتدادات السلبية التي يتخوف منها الأمريكي إذا ما انخرط في ضربة للمنشآت الإيرانية انسحاب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي وتسريع عملية تخصيب اليورانيوم كرد فعل محتمل، كذلك توتير الأجواء مع حلفاء طهران، الصين وروسيا تحديدًا، والمتوقع ألا يقفا متفرجين على هذا التصعيد واستهداف حليفهما بهذه الطريقة.
وكانت الخارجية الصينية قد أعربت أكثر من مرة عن دعمها لإيران في التوصل إلى حل “يراعي المخاوف المشروعة لكل الأطراف من خلال الحوار والتفاوض”، داعية إلى حل القضية النووية الإيرانية بالوسائل السياسية والدبلوماسية، كما تحتفظ موسكو بعلاقات جيدة مع طهران التي تعدها من الدول الصديقة والحليفة.
كما أن الإقدام على خطوة كهذه وبهذه الطريقة، استراتيجية العصى الغليظة، يحتاج إلى تنسيق مسبق مع الحلفاء الغربيين، وهو أمر صعب حدوثه حاليًا في ظل الأجواء المتوترة بسبب سياسات ترامب الحمائية والتي وسعت الهوة بينه وبين قادة القارة العجوز، الأمر ذاته مع الحليف الخليجي الذي من المستبعد الانجرار نحو هذا المسار، وكانت بعض دول الخليج قد أعلنت وبشكل رسمي رفضها استخدام القواعد الأمريكية التي في بلدانهم ضد طهران.
تكتيك تفاوضي
القراءة الثانية المحتملة لهذا الحراك والتصعيد الإقليمي، تأتي في سياق التكتيك التفاوضي الذي تمارسه الولايات المتحدة للضغط على طهران، لإبداء المزيد من المرونة على طاولة المفاوضات والتخلي عن موقفها المتشدد بشأن التخصيب وامتلاك برنامج نووي مكتمل، خاصة في ظل تمسك كل طرف بموقفه ورفض التراجع خطوة للخلف.
وتجيد أمريكا توظيف استراتيجية المفاوضات تحت وقع التهديد لتحقيق أهدافها المنشودة، وسبق وأن استخدمتها أكثر من مرة، مع إيران وغيرها، لعل أخرها ما سبق جولات التفاوض الأخيرة في مسقط وروما، حيث التهديدات التي أصدرها ترامب بصورة مباشرة وكاشفة والتي تخيّر طهران بين المفاوضات والرد العسكري الحاسم والسريع.
رافقها تحشيد عسكري كبير، وأجواء ملتهبة فرضتها واشنطن بإرسال ست قاذفات قنابل من طراز بي-2 إلى القاعدة العسكرية الأمريكية البريطانية في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، بالتزامن مع تكثيف القصف على اليمن.
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت عن مسؤول إيراني قوله إن التهديد العسكري كان دائما جزءا من تكتيكات التفاوض الأميركية مع إيران، فيما أكد مسؤول إيراني أخر لوسائل إعلام إيرانية عدم وجود مؤشرات حالية على توتر عسكري بين طهران وواشنطن، مشيرا إلى أن الهدف الأميركي يتركز على ممارسة الضغوط لإجبار إيران على تقديم تنازلات.
ويستند هذا الرأي إلى عدة مؤشرات تستبعد الإقدام على عملية عسكرية مباشرة، منها أنه لم يطرأ أي تغيير على العمليات في أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة، قاعدة العديد الجوية في قطر، ولا الظفرة في الإمارات، كما أنه لم يصدر أي أمر إخلاء للموظفين أو العائلات المرتبطة بالسفارة الأميركية في الدوحة، ولا نظيرتها في أبو ظبي، حيث تعملان بشكل طبيعي ومعتاد دون أي تغيرات تلوح في الأفق.
حتى الموظفين الذين طالبتهم الخارجية الأمريكية بالمغادرة في سفارات الولايات المتحدة لدى العراق والبحرين والكويت، ليسوا من الأساسيين، فيما نفت بعض تلك السفارات ما تردد بشان مغادرة موظفيها، كما نقلت قناة “فوكس نيوز” عن مسؤولين دفاعيين قولهم إنه “لن يتم إجلاء أي جندي أميركي من الشرق الأوسط”، الأمر الذي يشي بأن ما يحدث لا يصب في اتجاه الضغط واللعب بتلك الورقة لإجبار الإيرانيين على الرضوخ.
وفي ذات السياق نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين، امريكي وإسرائيلي، أن الرئيس دونالد ترامب أبلغ نتنياهو بمعارضته القيام بعمل عسكري ضد إيران في الوقت الحالي، إذ يعتقد أن هناك فرصة وأن الوقت لا يزال متاحا للتوصل إلى اتفاق نووي وتذليل العقبات التي تعرقل مسار المفاوضات.
مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قرارًا بعدم امتثال #إيران لالتزاماتها بالضمانات النووية pic.twitter.com/tbFoRVdco4
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 12, 2025
وإلى جانب الضغط العسكري هناك ضغط دبلوماسي أخر، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن الرئيس الأميركي قوله إنّ “ثقتنا في إبرام اتفاق مع إيران تقلّصت”، كما نقلت شبكة “فوكس نيوز”، عن مصادر مسؤولة في الإدارة الأميركية، قولها إن “إيران يبدو أنها تماطل في المفاوضات من دون إحراز تقدم ملموس”.
هذا بخلاف ما نقلته وكالة “بلومبرغ” السفير الأميركي في “إسرائيل”، مايك هاكابي، الذي قال إنه على طهران وقف تخصيب اليورانيوم بصورة كاملة، وعدم السعي لامتلاك سلاح نووي، مضيفاً أن ترامب “قال إن لصبره حدوداً، رغم تأكيده أنه لا يريد سفك الدم” في معالجة الملف النووي الإيراني.
علاوة على ذلك، هناك التقرير الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يدين إيران ويتهمها بعدم الامتثال لالتزاماتها بشأن الضمانات النووية، وهو التقرير الذي رفضته طهران، والمتوقع أن توظفه كل من واشنطن وتل أبيب للضغط عليها، إما على طاولة المفاوضات أو من خلال التصعيد المباشر بين الطرفين.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة العمانية مسقط، الجولة السادسة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية، بتاريخ 15 يونيو/حزيران الجاري، حسبما أكد وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، حيث من المتوقع أن يلتقي المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لمناقشة الرد الإيراني على المقترح الأميركي الأخير.
طهران تحذر
لم تقف طهران مكتوفة الأيدي، إذ شنت سيلا جارفًا من التحذيرات والتهديدات على لسان نخبتها السياسية والعسكرية، البداية كانت مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي اتهم الولايات المتحدة بالعجز عن فرض حصار على بلاده، مضيفًا أن إيران لن تخضع لمنطق القوة فيما يخص البرنامج النووي.
أما وزير الدفاع، العميد عزيز نصير زاده، فهدد بشكل مباشر من أن طهران ستستهدف قواعد أميركية في المنطقة إذا اندلع صراع مع واشنطن، مضيفًا في لقاء له مع عدد من الصحفيين “إذا لم تصل المفاوضات النووية الي نتيجة وفرض علينا الصراع، وفي حال وقوع أي عدوان محتمل، فإن الخسائر على الجانب الآخر ستكون أكبر وستضطر الولايات المتحدة إلى مغادرة المنطقة لأن جميع قواعدها في متناول أيدينا، ويمكننا الوصول إليها، وسنستهدفها جميعا في الدول المضيفة”.
من جانبه أكد قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، على جاهزية بلاده لمواجهة أي حروب، مضيفًا في إفادة صحفية له بأن طهران اعتادت اصطفاف القوى الكبرى ضدها، وتابع “العدو يهددنا في بعض الأوقات، لكن نقول إننا مستعدون لأي سيناريوهات وأي ظروف.. نحذر العدو بألا يرتكب أي أخطاء، وأن يفكر جيدا في تداعيات إجراءاته.. جاهزون ومستعدون لمواجهة أي حروب على أي مستويات”.
🟥 قائد الحرس الثوري الاسلامي الإيراني اللواء حسين سلامي :
طالما واجهنا اصطفاف القوى الكبرى في العالم ضدنا واليوم أيضا نشهد ذلك.
نعيش منذ سنوات في قلب حرب شاملة ونواجه على المستوى الاقتصادي حربا عالمیة.
نحذر العدو من ارتكاب الأخطاء ونؤكد جاهزيتنا لكل سيناريويو pic.twitter.com/wa7LVSg1RO
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) June 12, 2025
في ذات السياق، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول إيراني أن طهران، على مستوى قيادتيها السياسية والعسكرية، ناقشت كافة السيناريوهات المطروحة في حال الاعتداء عليها، خاصة من “إسرائيل”، وأنها وضعت خطة رد تتضمن هجوما مضادا فوريا على “إسرائيل” بمئات الصواريخ الباليستية.
لكن في المقابل، لم تغلق إيران الباب أمام المفاوضات والحل السلمي، فكما أعرب ترامب عن أمله في التوصل إلى اتفاق عبر الطرق الدبلوماسية بدلا من التصعيد، أكد وزير الخارجية الإيراني أن التوصل إلى اتفاق “يضمن استمرار الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، هو أمر في متناول اليد”، مضيفًا في تصريحات له عقب وصوله إلى العاصمة النروجية للمشاركة في “منتدى أوسلو العالمي للسلام” بدورته الثانية والعشرين، أنه “من الممكن التوصل إليه بسرعة”.
عراقجي وفي تغريدة له على حسابه على منصة “إكس”، كتب يقول إن “مثل هذا الاتفاق، يمكن أن يعود بالنفع على الطرفين”، موضحاً أن فرص التوصل إليه “تتوقف على استمرار برنامج التخصيب الإيراني تحت إشراف كامل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفع العقوبات بشكل فعّال”، مغازلا واشنطن بالتأكيد أن ما تطرحه الإدارة الأميركية حول عدم تسلح إيران نووياً “يتماشى مع عقيدتنا النووية، ويمكن اعتباره أساساً لاتفاق ممكن”.
وكانت طهران قد كشفت مؤخرًا عن عملية استخباراتية ناجحة استطاعت من خلالها الحصول على العديد من الأوراق والخرائط والوثائق الخاصة بالمنشآت النووية الإسرائيلية ونقاط التمركز والتخزين، في رسالة تحذيرية مفادها أن المنظومة النووية الإسرائيلية في مرمى الصواريخ الباليستية الإيرانية إذا ما فكرت “إسرائيل” شن أي عملية ضد الداخل الإيراني.
أكسيوس: المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مسقط يوم الأحد المقبل لمناقشة الرد الإيراني على مقترح واشنطن بشأن برنامج طهران النووي #إيران #أميركا #النشرة_الصباحية #قناة_العربية pic.twitter.com/IRCofMpUU5
— العربية (@AlArabiya) June 12, 2025
في ضوء ما سبق، لا يمكن التقليل من احتمالات الصدام بين “إسرائيل” والولايات المتحدة من جانب وإيران من جانب أخر، في ظل التوتر المتصاعد والضغوط الإسرائيلية للدفع نحو هذا المسار الذي يراه نتنياهو ويمينه المتطرف إجباريًا، وفي ظل ما يمتلكه الطرفان من قدرات وإمكانيات عسكرية ونووية قوية، حتى بعد الضربات التي تلقتها طهران، فإن نشوب مواجهة من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة بأسرها.
على الجانب الأخر، تبقى رغبة الطرفين، طهران وواشنطن، في تجنيب الدخول في حرب مفتوحة، غير مضمونة النتائج، ضبابية المآلات، استراتيجية ثابتة، حتى وإن كان المقابل ممارسة كل طرف أقصى أنواع الضغط الممكنة لإجبار الطرف الأخر على الرضوخ وإبداء المزيد من المرونة على طاولة التفاوض.
مقاربة أخرى ليست ببعيدة عن مخيلة ترامب وإدارته عند مناقشة خطوة استهداف إيران عسكريًا، تتمحور حول محاولة واشنطن الإبقاء على إيران كـ “دولة وظيفية” تقوم بخدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة، بقصد أو دون قصد، وذلك عبر شيطنتها من أجل ابتزاز العرب وتفريغ خزائنهم نظير صفقات السلاح الباهظة، أو على الأقل تحييدها عن استهداف الحليف الإسرائيلي، لتبقى كل من طهران وتل أبيب الدولتان الوظيفيتان اللتان تخدمان الولايات المتحدة بإخلاص غير مسبوق، كل حسب موضعه والدور المرسوم له.
في الأخير، يظل هذا التصعيد منضبطًا بلجام المقاربات، مقيدًا بخطوط حمراء، محصورًا في سياق الضغوط، طالما لا تزال المفاوضات جارية، خاصةً مع التأكيد على انعقاد الجولة السادسة من المباحثات في مسقط، بمشاركة كل من عراقجي وويتكوف، وإن كان هذا لا ينفي أن الخيارات كلها وبلا استثناء مطروحة على الطاولة وبنسب متقاربة.