في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة 13 حزيران/يونيو 2025، شنّت إسرائيل واحدة من أعنف عملياتها العسكرية ضد إيران، في هجوم واسع النطاق أُطلق عليه اسم “الأسد الصاعد”، حيث استهدفت العملية أكثر من مئة موقع استراتيجي داخل العمق الإيراني، من بينها منشآت لتخصيب اليورانيوم في نطنز، ومختبرات يُشتبه في استخدامها لتصنيع رؤوس نووية، بالإضافة إلى قواعد تطوير وإطلاق الصواريخ الباليستية.
جاءت هذه الضربات في خضمّ تصعيد غير مسبوق في التوترات بين طهران وتل أبيب، بعد انهيار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في الدوحة، وفشل محاولات الوساطة الدولية لاحتواء الأزمة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد لوّح مرارًا بأن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك قدرة نووية عسكرية، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بتنفيذ ضربة استباقية “لمنع الكارثة”، حسب وصفه.
ردّ إيران جاء سريعًا، إذ أطلقت أكثر من مئة طائرة مسيّرة باتجاه أهداف داخل الأراضي الإسرائيلية، في خطوة تعكس استعداد الطرفين للذهاب بعيدًا في المواجهة، ما يهدد بتحول النزاع إلى حرب إقليمية شاملة.
في خضمّ هذه العملية، ركّزت الضربات الإسرائيلية على مقرّات ومراكز قيادة عسكرية شديدة التحصين، بعضها يقع في عمق الأرض، وتمت حمايتها بأنظمة دفاعية وتقنيات تمويه متقدمة، ما أسفر عن مقتل نخبة من كبار القادة العسكريين الإيرانيين الذين لعبوا أدوارًا محورية في تطوير برنامج إيران الصاروخي وتحديث منظوماتها الدفاعية
يستعرض هذا المقال الشخصيات الإيرانية الرفيعة المستوى التي قضت خلال هذا الهجوم ووقعت أسماؤها ضمن الخسائر التي أعلنت عنها وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في طهران.
قادة رفيعو المستوى
في قلب عملية “الأسد الصاعد”، استهدفت الغارات الإسرائيلية أربعة من أبرز القادة العسكريين في منظومة الحرس الثوري الإيراني، ممن شكّلوا على مدى عقود العمود الفقري للعقيدة العسكرية والسياسية للجمهورية الإسلامية:
اللواء حسين سلامي (1960–2025)

- هو القائد العام للحرس الثوري الإيراني، وأحد أكثر القادة تعبيرًا عن الخطاب المتشدد في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
- وُلد في كلبايكان، بمحافظة أصفهان، وتم قبوله عام 1978 في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة إيران للعلوم والتقنية.
- التحق بالحرس الثوري مع اندلاع الحرب العراقية–الإيرانية، وتولى قيادة قوات جوية على جبهات كردستان، منها تشكيلات كربلاء والإمام الحسين ومقر نوح.
- بعد الحرب، أكمل دراسته ونال درجة الماجستير في إدارة الدفاع، ثم انخرط في المجال الأكاديمي والعسكري في آنٍ معًا.
- ترأس جامعة القيادة والأركان، ثم شغل منصب نائب العمليات في هيئة الأركان، ثم قائدًا لسلاح الجو في الحرس بين عامي 2005 و2009، قبل أن يصبح عضوًا بهيئة التدريس في جامعة الدفاع الوطني العليا.
- في عام 2019، عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي قائدًا عامًا للحرس الثوري، ليصبح الوجه العسكري الرسمي للعقيدة الدفاعية الإيرانية في مرحلة بالغة الحساسية.
- أدرج اسمه في قائمة العقوبات الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب في أبريل 2019، ضمن حزمة استهدفت الحرس كمنظمة إرهابية.
اللواء محمد حسين باقري (1960–2025)

- هو رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية منذ عام 2016، والمهندس البيروقراطي للعقيدة الدفاعية خارج حدود البلاد.
- وُلد في منطقة هريس بمحافظة أذربيجان الغربية، ويحمل درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية.
- شغل سابقًا رئاسة جهاز استخبارات هيئة الأركان العامة، ودَرّس الجغرافيا السياسية في الجامعة العليا للدفاع الوطني.
- تولى التنسيق العملياتي لفيلق القدس، خاصة في الملف السوري، حيث شارك ميدانيًا في عمليات عسكرية في سوريا أسفرت عن مجازر بحق المدنيين.
- يُعد أحد رموز “شبكة القيادة” في الحرس إلى جانب محمد علي جعفري، علي فدوي، وغلام علي رشيد.
- عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي رئيسًا لهيئة الأركان في 28 حزيران 2016، خلفًا للواء فيروز آبادي الذي شغل المنصب لقرابة ثلاثة عقود.
اللواء غلام علي رشيد (1953–2025)

- قائد مقر “خاتم الأنبياء” المشترك، وأحد أبرز المنظرين الاستراتيجيين في القيادة العليا للقوات المسلحة.
- وُلد عام 1953، وكان من الضباط البارزين خلال الحرب العراقية–الإيرانية، حيث عمل إلى جانب قاسم سليماني في تأسيس شبكات القيادة العملياتية.
- تقلد منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة، قبل أن يُعيّن قائدًا لمقر “خاتم الأنبياء” المركزي، وهو المركز المعني بالتخطيط والتنسيق الدفاعي العام.
- اضطلع بأدوار محورية في هندسة الدعم الإيراني للمحور الإقليمي في سوريا، دون أن يُعرف عنه انخراط مباشر في العمليات القتالية خارج إيران.
- يعتبر من رجال الظل في النظام العسكري الإيراني، ورأس حربة في تفعيل نظرية “الحرب غير المتكافئة” التي اعتمدها الحرس.
العميد البحري علي شمخاني (1955–2025)
- الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير الدفاع الإيراني بين 1997 و2005، وأحد أبرز المهندسين السياسيين للربط بين المؤسسة العسكرية والدبلوماسية.
- وُلد في مدينة الأهواز لأسرة عربية تنتمي لإقليم خوزستان، ودرس الزراعة، ثم نال ماجستيرًا في الشؤون العسكرية وآخر في الإدارة.
- تولى خلال الحرب العراقية–الإيرانية قيادة قوات خوزستان، ثم القيادة بالإنابة لقوات تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 598، المعني بوقف الحرب.
- شغل منصب قائد سلاح البحرية في كل من الجيش النظامي والحرس الثوري، وكان له دور فاعل في دمج البحرية ضمن العقيدة الهجومية للحرس.
- أشرف على توقيع اتفاقيات التعاون العسكري مع دمشق، ولعب دور الوسيط في التواصل غير المباشر بين طهران والفصائل الفلسطينية.
- نال أوسمة شرف من دمشق وبيروت، وكان يعتبر الجسر التنفيذي بين القرار الاستراتيجي في طهران والعمليات العسكرية على الأرض في سوريا ولبنان.
سردار امير علي حاجی زاده (1962–2025)

- هو قائد قوات الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني منذ عام 2009، والمسؤول الرئيسي عن برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية.
- وُلد عام 1962 في طهران، وانضم إلى الحرس الثوري عام 1980، وشارك في الحرب العراقية–الإيرانية ضمن وحدات التسبّب (التكتيك الخصوصي).
- قاد هجمات استراتيجية بارزة، منها ضربات دير الزور الصاروخية عام 2017 ضد داعش، وعملية الرد التي أُطلق عليها “شهيد سليماني” في 8 يناير 2020 ضد قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، إضافةً إلى غارات ضد أهداف أميركية وأخرى لداعش في شرق الفرات بسوريا.
- طبّق رؤية الاستقلال الدفاعي عبر تطوير منظومة الصواريخ والطائرات المسيرة محليًا بعد تحوّل إيران عن شراء الصواريخ من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
- فُرضت عليه عقوبات أميركية في 24 يونيو 2019 بتهمة إدارة برنامج الصواريخ الباليستية، وتبعتها عقوبات كندية في 2022 ضمن حزمة استهداف نشطاء ملف حقوق الإنسان.
- يُعتبر من أبرز وجوه “محور المقاومة”، حيث نال وسام “الفتح” من المرشد الأعلى عام 2024 تقديرًا لدوره في هجوم طهران الصاروخي على “إسرائيل”.
سرلشكر داوود شيخيان

- هو قائد الدفاع الجوي في قوة الجو–فضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني، والمسؤول المباشر عن إدارة منظومات الرادار والتصدي الجوي ضمن استراتيجية “الدفاع بعمق” لحماية المنشآت النووية والعسكرية الحساسة.
-
قاد جهود التصدي للهجمات الجوية والإلكترونية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وكان أحد أبرز مهندسي بنية الدفاع الجوي الإيرانية الحديثة.
-
قُتل صباح يوم 13 يونيو 2025 في ضربة إسرائيلية استهدفت مركز قيادة تحت الأرض خلال اجتماع رفيع المستوى لقيادة قوات الجو–فضاء،
العلماء النوويون
لم تقتصر الضربات الإسرائيلية على البنية العسكرية، بل امتدت بدقة إلى العقول التي تقف خلف المشروع النووي الإيراني، مستهدفة ستة من أبرز العلماء العاملين في مجالات تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي، والذين شكّلوا العمود التقني الصلب للبرنامج الذري في نطنز وسواها وهم:
د. فريدون عباسي دواني (1958–2025)

- الرئيس الأسبق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ومن الشخصيات العلمية والعسكرية البارزة في ملف إيران النووي.
- وُلد في مدينة آبادان جنوب البلاد، وينتمي في الأصل إلى قرية دوان بمحافظة فارس.
- حاصل على بكالوريوس في الفيزياء النووية من جامعة شيراز، وماجستير من جامعة فردوسي في مشهد، ودكتوراه في الهندسة النووية من جامعة أمير كبير.
- خدم في الحرس الثوري عقب الثورة الإسلامية، وشارك في جهود “جهاد سازندگي” أثناء الحرب العراقية–الإيرانية، قبل أن ينتقل إلى المسار الأكاديمي.
- يرأس قسم الفيزياء في جامعة الإمام الحسين، وأسس مختبرات متخصصة في أبحاث النيوترونات وتفاعلات الجسيمات عالية الطاقة.
- عُيّن رئيسًا لمنظمة الطاقة الذرية عام 2011 بقرار من الرئيس محمود أحمدي نجاد، ورفض خلال تولّيه التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما زاد من التوترات الدولية حول الملف الإيراني.
- يرتبط اسمه ببرامج التسلّح النووي الإيراني، وكان عضوًا في فريق العالم محسن فخري زاده، مع دور مباشر في تطوير مصادر النيوترون المستخدمة في الاختبارات المتقدمة.
- فُرضت عليه عقوبات من مجلس الأمن الدولي عام 2007 بموجب القرار 1747، شملت تجميد أصول ومنعه من السفر، وتبعتها عقوبات أوروبية وأسترالية.
- نجا من محاولة اغتيال للموساد في 29 نوفمبر 2010، حين وُضعت عبوة ناسفة تحت سيارته، مما أدى إلى إصابته هو وزوجته بجروح، وقتل زميله العالم مجيد شهرياري في هجوم مماثل.
- انتُخب نائبًا في البرلمان الإيراني عام 2020 عن دائرة كازرون وكوهچنار، وترأس لجنة الطاقة، وبرز بمواقفه المتشددة تجاه الغرب ورفضه الاتفاق النووي المعدل.
د. محمد مهدي طهرانجي (1965–2025)

- فيزيائي نظري ورئيس جامعة آزاد الإسلامية، شغل مناصب أكاديمية وعلمية بارزة في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في إيران.
- وُلد في طهران عام 1965، ودرس الفيزياء النظرية في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا (MIPT)، إحدى أعرق الجامعات التقنية في روسيا.
- بدأ مسيرته الأكاديمية أستاذًا في جامعة الشهيد بهشتي، حيث تخصّص في فيزياء الليزر والبلازما، وترأس لاحقًا معهد أبحاث الليزر والبلازما التابع لها.
- تولّى رئاسة جامعة الشهيد بهشتي، ثم شغل منصب رئيس فرع طهران المركزي في جامعة آزاد، قبل أن يُعيّن رئيسًا للجامعة على المستوى الوطني، وهي من أكبر شبكات التعليم الجامعي في إيران.
- يحمل رتبة أستاذ متفرغ ضمن المجلس الأعلى للثورة الثقافية، برقم عضوية 41، وهي أعلى مرتبة علمية في النظام الأكاديمي الإيراني.
- امتدت مجالات أبحاثه إلى فيزياء الحالة الصلبة، تكنولوجيا النانو، الموصلية الفائقة، والخصائص المغناطيسية والإلكترونية للمواد، وكان أحد الوجوه العلمية الإيرانية الأكثر نشاطًا في مجال تطوير التطبيقات النووية السلمية.
- فرضت عليه وزارة الخارجية الأميركية عقوبات في مارس 2020، إلى جانب أربعة من العلماء العاملين في برنامج إيران النووي، ووصفتهم واشنطن بأنهم “مرتبطون بأنشطة انتشار نووي محتملة”.
أمير حسين فقيهي
عضو هيئة التدريس في كلية الهندسة النووية بجامعة الشهيد بهشتي، ونائب مدير منظمة الطاقة الذرية ومدير معهد أبحاث العلوم والتكنولوجيا النووية.
عبد الحميد منوشهر
عميد كلية الهندسة النووية في جامعة الشهيد بهشتي.
أحمد رضا ذو الفقاري
مسؤول فني في تشغيل أجهزة الطرد المركزي
مطلبي زاده
متخصص في معالجة فلوريد اليورانيوم
وعمل هؤلاء جميعًا في منشأة نطنز ومعهد الفيزياء التطبيقية الإيراني، وكانوا جزءًا من فرق تطوير أجهزة الطرد المركزي والتعامل مع المواد المشعة. لم تسجل لهم مشاركات معروفة خارج نطاق البحث العلمي والتقني، ما يعزز الطابع البحثي الصرف لوظائفهم.
ويمثّل هذا الهجوم غير المسبوق – من حيث دقته ونطاقه ونتائجه – نقطة تحوّل خطيرة في نمط الصراع بين إيران و”إسرائيل”. فمن استهداف القيادات الميدانية إلى ضرب قلب البنية العلمية والعسكرية للنظام، بدا أن العملية تهدف إلى إحداث شلل استراتيجي يصعب تعويضه بسرعة.
لكن السؤال الآن حول ما إن كانت هذه الضربة ستجبر إيران على إعادة حساباتها والتراجع خطوة إلى الوراء، أم بداية لسلسلة ردود تقود إلى دوامة عنف مفتوحة؟