يحبس العالم أنفاسه ترقبًا لما سيسفر عنه التصعيد الإسرائيلي الإيراني الأخير الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين الطرفين، وذلك بعدما اتخذت المواجهات منحى أخر، متجاوزة استراتيجية الدبلوماسيتين، الناعمة والخشنة، معًا، وسط مخاوف من مخاطر الانزلاق نحو أتون حرب مفتوحة قد تضطر قوى إقليمية ودولية للانخراط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومنذ فجر الجمعة 13 يونيو/ حزيران الجاري، تشهد سماء الشرق الأوسط حراكا جويًا استثنائيًا، معركة حامية الوطيس من طراز خاص بين طيران جيش الاحتلال الإسرائيلي من جانب، وصواريخ ومسيرات إيران من جانب أخر، فيما تقبع دول المنطقة فوق فوهة بركان من الترقب لمآلات هذا التصعيد الذي يلقي بظلاله القاتمة على المشهدين، الإقليمي والدولي.
في تصريحات لكبار قادة الجيش الإيراني، فإن الهجمات الصاروخية لن تقتصر على العمق الإسرائيلي وإنما ستتوجه خلال المرحلة القادمة لضرب القواعد الأمريكية في المنطقة، حسبما نقلت وكالة “فارس” الإيرانية، فيما أكد مسؤول إيراني كبير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن إيران ستكثف هجماتها على “إسرائيل” وستستهدف القواعد الإقليمية لأي دولة تحاول الدفاع عنها، وهو ما يعني أن ساحة المواجهة ربما تتجاوز الجغرافيا الإسرائيلية الإيرانية المحدودة.
في القلب من هذا المشهد المرتبك تقف دول الخليج، التي بادرت ببيانات إدانة وشجب، على حافة القلق، تتابع تلك التطورات التي تهدد الاستقرار الإقليمي وتدفع المنطقة بأسرها نحو نفق مظلم من الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية، انطلاقًا من مقاربات واعتبارات دقيقة، تفرض على الموقف الخليجي حسابات إجبارية وتحركات منضبطة تجنبًا للتورط في تلك المواجهات التي تتعامل معها الدول النفطية بميزان حساس.
تصعيد مختلف يعمق حساسية الموقف الخليجي
تجدر الإشارة بداية إلى أن التصعيد هذه المرة مختلفًا تمامًا عما كان عليه في السابق، وذلك في ضوء عدد من المؤشرات:
– الإيغال الإسرائيلي في استهداف قيادات الصفين الأول والثاني في الجيش الإيراني، وقصف بعض المرتكزات التي تعتمد عليها طهران في مشروعها النووي، فضلا عن تدمير عدد من القدرات العسكرية المتمثلة في المنصات الصاروخية والدفاع الجوي، الأمر الذي وضع النظام الإيراني في مأزق أخلاقي وسياسي كبير، أمام الشارع الإيراني داخليًا والمجتمع الدولي خارجيًا، إذ بات عليه الرد الفوري والرادع، والذي تجاوز النزعة الانتقامية إلى الدفاع عن بقاء النظام واستمرارية الجمهورية الإسلامية على خارطة النفوذ الإقليمي والدولي.
– قوبل هذا التصعيد برد إيراني مختلف، والذي حمل اسم “عملية الوعد الصادق 3” تلك التي تضمنت رشق تل أبيب ومحيطها بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة على 6 موجات في غضون ساعات قليلة، وهو ما يختلف شكلا ومضمونا عن الهجومين الإيرانيين السابقين، واللذين حملا نفس الاسم تقريبا، الأول “الوعد الصادق 1″، ونفذ في أبريل/نيسان 2024، والثاني “الوعد الصادق 2″، ووقع في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
– أحدثت الضربات الإيرانية تحديدًا خسائر قوية في الداخل الإسرائيلي، لم تعرفها منذ نشأتها في خمسينات القرن الماضي، حيث لأول مرة يتم استهداف العمق الإسرائيلي بعشرات الصواريخ الباليستية التي أسفرت عن 3 قتلى و172 مصابا، رغم اختباء الغالبية العظمى من السكان في الملاجئ بناء على أوامر داخلية.
فضلا عن تدمير 9 مبانٍ بشكل كامل في رمات غان وسط “إسرائيل”، بينما تضررت مئات المباني، فيما تم إجلاء أكثر من 100 إسرائيلي تعرضت مبانيهم للقصف، بينما وصفت القانة الـ 13 الإسرائيلية الدمار الذي لحق بمنطقة تل أبيب الكبرى بـ “غير المسبوق”.
– تجاوز التهديد حاجز الجغرافية الإسرائيلية الإيرانية، ونسفه للمقاربات الدبلوماسية التقليدية، فالمعركة بالنسبة لطهران باتت معركة وجود في المقام الأول، حيث التهديد الإيراني المباشر باستهداف القواعد الإقليمية لأي دولة تحاول الدفاع عن “إسرائيل”، مع إبلاغ طهران وبشكل رسمي لكل من باريس ولندن وواشنطن بأنها ستشن هجمات واسعة النطاق ضد إسرائيل وستوسع مجال استهدافاتها الإقليمية.
صاروخ ايراني واحد فقط سقط في ريشون لتسيون وأحدث هذا الحجم من الدمار.
فكيف سيكون المشهد إذا تساقطت عليكم 2000 صاروخ. pic.twitter.com/goyDIkKzwb
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) June 14, 2025
– إطالة أمد المواجهات التي لم تعد مقتصرة على ضربة في مواجهة ضربة، سرعان ما تنقضي في غضون ساعات قليلة، كما حدث في المرتين السابقتين، أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024، إذ تشير التقديرات إلى احتمالية استمرار هذا التصعيد بتلك الوتيرة المتسارعة قرابة أسبوعين أو عشرة أيام، وهو ما يعني احتمالية تدحرج كرة النار واتساع رقعة الاحتراق التي قد تطال بعض الدول والقوى الإقليمية وفي القلب منها دول الخليج بطبيعة الحال.
وضع هذا التصعيد الاستثنائي الخليج في موقف حرج، حيث زادت من وضعيته المتأزمة الناجمة عن:
– علاقة الخليج الجيدة بالمعسكر الغربي ممثلا في الولايات المتحدة، الداعم الأبرز والأول للهجوم الإسرائيلي، كذلك علاقة بعض العواصم الخليجية الحميمية بتل أبيب، خاصة الإمارات والبحرين، حيث التنسيق والتفاهم المشترك منذ إبرام اتفاقية أبراهام منتصف سبتمبر/أيلول 2020، والتعاون الفني والتكنولوجي العسكري بين الطرفين.
– احتضان دول الخليج لأكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي يثار الحديث بشأن دور محتمل لها في دعم الهجمات الإسرائيلية المتكررة على إيران، ما يجعلها في مرمى التهديد الإيراني باستهداف القواعد الداعمة لـ “إسرائيل” في تلك الضربات.
– طبيعة الرد الإيراني وسرعة التعافي المؤقت بعد الضربة التي تلقتها باستهداف نخبتها العسكرية، والاستعادة النسبية لتوازن الردع الاستراتيجي، وتجاوز الخطوط الحمراء وعدم الالتزام بالسقف الدبلوماسي المتعارف عليه، مما زاد من وتيرة القلق والتخوفات بشأن تأثير هذا التوازن على المنطقة، إذ لم تعد المعركة ذو اتجاه واحد كما يتوقع.
كما كشف التعاطي الإعلامي الخليجي إزاء هذا التصعيد حالة الارتباك التي تعاني منها عواصم الدول النفطية، البداية كانت مع التباين المتوقع في مسارات التغطية وفق أجندة وأيديولوجيات كل قناة، بعد الإعلان عن الهجوم الإسرائيلي، حيث تضخيم “العربية ” و”سكاي نيوز عربية” من الخسائر الإيرانية وتمرير السردية الإسرائيلية من خلال الاعتماد على المصادر الإخبارية العبرية، في مقابل التوازن النسبي لـ “الجزيرة” التي حاولت قدر الإمكان نقل وجهتي النظر ريثما تتضح الصورة.
ثم التحول اللافت في منحى التغطية شكلا ومضمونًا، بعد الرد الإيراني الذي جاء صادمًا للكثير من المتابعين، إذ تبنى الإعلام الخليجي مقاربة أخرى تعزف على وتر المخاطر المحتملة جراء هذا التصعيد على الاستقرار والأمن الإقليمي، والتركيز على الموقف الخليجي الرسمي المندد بالهجمات الإسرائيلية والداعي للحل الدبلوماسي.
إدانة خليجية.. موقف رسمي موحد
لم يتأخر الرد الخليجي إزاء هذا التصعيد طويلا، عكس المرات السابقة، حيث تبنت العواصم الخليجية مجتمعة خطابًا سياسيًا رسميًا منددًا بالضربة الإسرائيلية ومحذرًا من التصعيد الإقليمي وتداعياته على أمن واستقرار، ومطالبًا بضبط النفس واللجوء إلى الخيارات الدبلوماسية.
البداية كانت مع السعودية التي أعربت عن إدانتها واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية التي وصفتها بـ “السافرة” تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نعتتها بـ “الشقيقة” في تطور لافت في الخطاب السياسي السعودي تجاه طهران، معتبرة ذلك مساسًا بسيادة وأمن الدولة الإيرانية، وانتهاكاً ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، يتطلب قيام المجتمع الدولي ومجلس الأمن بمسئولياته الكاملة إزاءه.
رد الفعل السعودي لم يقف عند حاجز البيانات الرسمية وفقط، فوفق ما ذكرت الخارجية السعودية فإن وزيرها أجرى اتصالات سريعة مع نظرائه الإيراني والمصري والأردني والقطري لبحث تداعيات الهجوم، ومحاولة تكثيف الجهود الدبلوماسية لتخفيف التوتر ووقف هذا التصعيد واللجوء إلى الحلول السياسية.
حتى الإمارات التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الكيان الإسرائيلي بادرت هي الأخرى بإدانة الاستهداف العسكري الإسرائيلي، معبرة عن قلقها إزاء استمرار التصعيد وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة، فيما أكدت وزارة خارجيتها في بيان لها أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع، والتأكيد على الالتزام بالقوانين الدولية واحترام سيادة الدول، وضرورة حل الخلافات عبر الوسائل الدبلوماسية بعيداً عن لغة المواجهة والتصعيد.
#بيان | تعرب المملكة العربية السعودية عن إدانتها واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة التي تمس سيادتها وأمنها وتمثل انتهاكاً ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية. pic.twitter.com/7lE0D6lkLK
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) June 13, 2025
أما قطر فكان ردها متناسقًا مع مواقفها السابقة، حيث أعربت عن استنكارها للهجوم الإسرائيلي، معتبرة إياه انتهاكًا صارخًا لسيادة إيران وأمنها، وخرقا واضحا لقواعد ومبادئ القانون الدولي، لافتة أن هذا التصعيد يأتي في سياق نمط متكرر من السياسات العدوانية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتعرقل الجهود الرامية إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية، مطالبة المجتمع الدولي بوقف هذه التجاوزات الخطيرة قبل فوات الأوان، فيما أجرى رئيس الوزراء وزير الخارجية اتصالات مع وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وإيران.
البحرين هي الأخرى والتي تحيا علاقاتها مع تل أبيب أزهى عصورها التاريخية، أعربت عن إدانتها للهجوم الإسرائيلي، محذرة من تداعياته الخطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي، داعية إلى التهدئة وضبط النفس وخفض حدة التوتر، مشددة على ضرورة مواصلة المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي الإيراني، وأهمية إنهاء هذا الصراع الاقليمي لصالح جميع شعوب المنطقة.
وأخيرًا جاء الموقف العُماني أكثر وضوحًا، فبحكم العلاقات القوية التي تربطها بطهران، حملت السلطنة “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد وتداعياته، داعية في بيان لها المجتمع الدولي إلى “اتخاذ موقف واضح وحازم لوقف هذا النهج الخطير، الذي يهدد بإقصاء الحلول الدبلوماسية وتقويض أمن واستقرار المنطقة”، معتبرة أن الهجوم الإسرائيلي على إيران “يمثل تصعيدا خطيرا ومتهورا، ويشكل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، كما يمثل سلوكا عدوانيا مرفوضا ومستمرا يقوض أسس الاستقرار في المنطقة”.
التوازن والمقاربات الثلاثة
حالة الضبابية التي تخيم على المشهد الشرق أوسطي جراء هذا التصعيد، وتصاعد المخاوف بشأن مآلاته، تدفع دول الخليج -وبشكل برغماتي بحت- لتبني موازنة دقيقة في مواقفها، والتزام الحياد النسبي بين “إسرائيل” وإيران، والنأي بنفسها قدر الإمكان لتجنب التورط وأن تصبح طرفًا أو جزءً من هذا الصراع الذي لا يعرف أحد مداه.
أعلنت الحكومات الخليجية مواقفها مبكرًا، منذ مواجهات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أكدت مجتمعة، بما فيها البلدان ذات العلاقات الحميمية مع تل أبيب، عدم السماح لـ”إسرائيل” ولا إيران باستخدام مجالاتها الجوية، وهي الرسالة التي أكدت عليها مجددًا خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض الشهر الماضي، في محاولة للبقاء خارج الصراع والوقوف على مسافة واحدة من طرفي المواجهة.
وتنطلق دول الخليج في موقفها الرامي إلى النأي بالنفس عن الانجرار في أتون تلك المعركة، مستندة إلى مقاربات ثلاثة، شكلت مجتمعة سقفًا موحدًا وخطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، إذ أن تخطي أي من تلك المقاربات سيضع الخليج برمته في مواجهة مصير مجهول على كافة المستويات.
أولا: المقاربة السياسية
تؤمن بلدان الخليج بشتى توجهاتها أن الانحياز والاستقطاب في مثل هذه الأزمات مغامرة محفوفة المخاطر، خاصة وأنها في مرمى الطرفين، وعليه تحاول التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفاءهما الأوروبيين أبناء المعسكر الغربي من جانب، وإيران وحلفاءها في المعسكر الشرقي من جانب أخر، وعليه تقف على ذات المسافة من طهران وتل أبيب حفاظا على خارطة علاقاتها المتوازنة.
في ذات السياق، يرى الخليجيون إن إضعاف إيران وإسقاطها بالشكل الكامل في ظل هشاشة المشهد الإقليمي وحالة الفوضى التي تخيم عليه لا يخدم مصالحهم على الإطلاق، رغم الخلاف الأيديولوجي التاريخي بينهما، إذ إن إبعاد طهران عن الساحة وتراجع نفوذها جذريًا بتلك الضربات الإسرائيلية الأمريكية القاسية سيخلق حتمًا فراغ استراتيجي في المنطقة، وهو الفراغ الذي ستملأه “إسرائيل” بطبيعة الحال، ما يتسبب في خلل في موازين القوى لصالح الكيان المحتل.
وهو الخلل الذي يمهد الطريق نحو تدشين شرق أوسط جديد على الطريقة الأمريكية والمقاس الصهيوني، يهندس خارطة المنطقة بما يخدم التفوق الإسرائيلي الكاسح على المستوى الإقليمي، وهو ما لا تريده العواصم الخليجية بما فيها الداعمة والمطبعة والمتناغمة مع الكيان الإسرائيلي.
سمو #ولي_العهد والرئيس الأمريكي يبحثان في اتصال هاتفي التطورات التي تشهدها المنطقة بما في ذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وناقش الجانبان أهمية ضرورة ضبط النفس وخفض التصعيد وأهمية حل كافة الخلافات بالوسائل الدبلوماسية، مؤكدين أهمية استمرار العمل المشترك لتحقيق الأمن… pic.twitter.com/JhUcwdRxeU
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) June 13, 2025
من زاوية أخرى يأتي هذا التصعيد في وقت تعزز فيه دول الخليج علاقاتها مع طهران بعد سنوات من التوتر، حيث تحاول السعودية ومعها بلدان إقليمية أخرى، خليجية على وجه الخصوص- الاستثمار في مقاربة إقليمية جديدة تستند على دمج إيران في المنظومة الشرق أوسطية، وتحييد مخاطرها عبر بناء أرضية من المصالح المشتركة، والعمل على الاستفادة من تحسّن العلاقات معها لتجنّب أن تصبح جزءا من تصعيد بين “إسرائيل” وإيران، ومن هنا جاء الدعم الخليجي المباشر للجهود الدبلوماسية العُمانية بشأن الملف النووي واحتضانها لجولات التفاوض مع الولايات المتحدة.
ثانيًا: المقاربة الاقتصادية
تعتمد دول الخليج في اقتصادياتها على عوائد النفط، المرتبطة بشكل أو بأخر بحالة الاستقرار الإقليمي، وهو المورد السهل والسريع التأثر بأي تطورات إقليمية أو دولية تهدد منظومة الاستقرار، فكما أن “رأس المال جبان” كما يقول خبراء الاقتصاد، فإن سوق الطاقة أكثر جبنًا، إذ يتطلب حاضنة من الهدوء والأمان وعدم الفوضى.
وفي حال تصعيد الأجواء بين إيران و”إسرائيل” وما يتوقع أن ينجم عنها من اتساع لرقعة الصدام، فإن هناك انعكاسات كارثية على سوق الطاقة، الأمر يزداد قلقًا إذا ما تعرضت الممرات البحرية الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي لأي تهديد، مثل مضيقي هرمز وباب المندب، وهو ما لوحت به طهران، الأمر الذي يضرب حركة التجارة العالمية في تلك الممرات في مقتل، وينذر بكوارث وخيمة على اقتصاديات العالم وليس دول المنطقة فقط.
وليست التجارب السابقة ببعيد، حيث تعرضت مصافي النفط في السعودية والإمارات إلى استهدافات على أيدي الحوثيين المدعومين إيرانيًا أكثر من مرة، وهو ما كان له انعكاساته على إنتاج تلك المصافي وأسعار الطاقة، الدروس ذاتها كشفتها الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على أسواق الطاقة العالمية.
ثالثًا: المقاربة الأمنية
الموقع الجيوسياسي الخليجي في منتصف الجبهة بين طرفي الصراع، إيران و”إسرائيل”، جعلها في مرمى الاستهداف إذا ما تورطت وسقطت في فخ الاستقطاب، ومن ثم يسعى الخليج جاهدًا للحفاظ على سياسة التهدئة، وتجنّب الانجرار إلى صراع مفتوح، وهو ما تكشفه رسائل الطمأنة المرسلة لجميع الأطراف، حيث التأكيد على عدم استخدام المجال الجوي الخليجي ولا دعم مسبق لأي طرف.
ومما يزيد من الوضعية الأمنية المتأزمة خليجيًا وجود قواعد عسكرية أميركية في أراضيها، تلك التي قد تصبح أهدافًا محتملة إذا تصاعد التوتر، ومن ثم فالمهمة صعبة وتحتاج إلى حراك دبلوماسي مكثف، للخروج من فخ الاستقطاب، وإبعاد التهم الموجهة سابقًا بشأن استخدام تلك القواعد في استهداف الداخل الإيراني.
ولعل التهديدات الإيرانية الأخيرة بشأن استهداف أي بلد يدعم “إسرائيل” في عملياتها العسكرية الأخيرة، والتلويح بتوسعة رقعة الصراع، رسالة إنذار شديد اللهجة لكل بلدان المنطقة، تدفع الجميع بلا شك نحو إعادة تقييم الموقف وفق مقاربات مختلفة، وإن كانت مؤقتة، من أجل العمل على تجنب السقوط في هذا الفخ.
في الأخير، يُتوقع أن تكثف دول الخليج جهودها الدبلوماسية، مستغلة علاقاتها الجيدة بكل من تل أبيب وواشنطن من جانب، وطهران من جانب أخر، لتخفيف حدة التوتر في أسرع وقت ممكن، واحتواء التصعيد قبل تجاوزه الخطوط ما بعد الحمراء، والدفع نحو الخيار الدبلوماسي والجلوس على طاولة المفاوضات، فالوساطة هنا لم تعد مجرد رفاهية سياسية تسعى من خلالها الدول النفطية لتعزيز نفوذها الإقليمي بل فرض عين للحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي والأمني.