تُعد مؤسسة MyCARE (Humanitarian Care Malaysia) واحدة من أبرز الكيانات الإنسانية غير الحكومية في ماليزيا، حيث تأسست في البداية عام 2010 تحت اسم Aqsa Syarif، ثم تحولت إلى MyCARE في عام 2014، لتصبح مظلة تنسيقية تجمع عدة منظمات إنسانية، من بينها Aqsa Syarif وi4Syria وSalam Iraq وRose2Rose.
منذ انطلاقتها، تبنّت رؤية تتجاوز الإغاثة التقليدية نحو العمل الإنساني المنظّم ذي الطابع الأخلاقي العابر للحدود. لذا، وضعت فلسطين وقضيتها في قلب أجندتها الإنسانية والسياسية، انطلاقًا من إيمانها بأن العدالة لا تكتمل إلا بتحرير الإنسان من الاحتلال والظلم، وبرز هذا جليًا في مشاركات MyCARE الميدانية ضمن قوافل وأساطيل كسر الحصار عن غزة، وعلى رأسها أسطول الحرية (سفينة مافي مرمرة) الذي حاز اهتمامًا عالميًا واسعًا منذ عام 2010.
كما شاركت المؤسسة في قافلة فيفا فلسطين التي انطلقت برًا من لندن إلى غزة، في سياق تحركات دولية شعبية هدفها كسر جدار الحصار السياسي والإعلامي المضروب على القطاع، وتواصلت مشاركاتها، فكان للمؤسسة حضورٌ في “سفينة النساء إلى غزة” عام 2016، وفي سفينة “العودة” عام 2018، كما ساهمت بقوة في الإعداد والمرافقة الإعلامية لأسطول “الحرية” في نسخته المقررة لعام 2024.
ولتسليط الضوء على أهمية القوافل البرية والأساطيل البحرية لكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، نحاور في “نون بوست” السيد قمر الزمان شهر الأنوار، الرئيس التنفيذي لمؤسسة MyCARE في ماليزيا وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية، وعمل لأكثر من 25 عامًا في شركات تكنولوجيا كبرى قبل أن ينتقل إلى العمل الإنساني عام 2013 عبر منظمة أقصى شريف (Aqsa Syarif).
وبالتزامن مع اندماج عدة منظمات ماليزية في إطار واحد هو MyCARE، واصل قمر الزمان عمله الإنساني من موقعه رئيسًا تنفيذيًا للمؤسسة الجديدة مع بداية عام 2014، حيث قاد بعثات إنسانية إلى غزة وسوريا ولبنان وآتشيه والصومال وبنغلادش، كما ساهم في افتتاح مكتب رسمي للمؤسسة في غزة.
وعلى مدى عقدٍ كامل من عمله الإنساني، برز قمر الزمان بدوره الفاعل في تعزيز التضامن الماليزي مع قضايا المستضعفين حول العالم، وخاصة في فلسطين، كما دفع نحو توسيع شبكة الشراكات الإنسانية الدولية لها.
ما الذي ألهم MyCARE للمشاركة، وكيف تُقيّم كرئيس تنفيذي، الأثر العام لهذه المهام في تحدي الحصار المفروض على غزة؟
منذ تأسيسها، تبنّت مؤسسة MyCARE نهجًا يتجاوز تقديم الدعم الإغاثي والمالي، إلى دور مناصرة واضح يهدف إلى كشف حقيقة المعاناة الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة المحاصر. لقد شكّلت مشاركتها في سفينة “مافي مرمرة” عام 2010، وكذلك في قافلة “فيفا فلسطين” من لندن إلى غزة، نقطة تحول في انخراطها العملي والميداني في المبادرات الدولية التضامنية.
تواصلت مشاركاتها في مبادرات لاحقة مثل “سفينة النساء إلى غزة” في 2016 وسفينة “العودة” في 2018. ما يلفت النظر أن قيادات هذه الأساطيل هم غالبًا من غير المسلمين ومن دول غربية، ما يعكس اتساع الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية.
وقد شكّلت هذه المبادرات منصة فاعلة لنقل الصوت الفلسطيني للعالم، ليس فقط على المستوى الإنساني، بل كأداة استراتيجية لفضح الحصار وكشف عدم شرعيته. في هذا السياق، ترى MyCARE أن مشاركتها تعكس التزامًا أخلاقيًا ودينيًا بضرورة أن يكون للمسلمين دور قيادي في هذه التحركات، لا أن يقتصر دورهم على مستوى المتابع أو المتبرع فقط.
ما الخطط أو الاستراتيجيات المستقبلية التي تضعها MyCARE للحفاظ على زخم قوافل التضامن، خاصة في ظل تزايد العقبات السياسية واللوجستية؟
تسعى MyCARE إلى تجاوز العقبات السياسية واللوجستية المتزايدة عبر توظيف الأدوات التقنية الحديثة لنشر الرواية الفلسطينية وتعزيز التوعية الجماهيرية. وتؤمن المؤسسة بأن الحفاظ على الزخم يتطلب ليس فقط تكرار المبادرات، بل تطوير آلياتها، ومنها إشراك شخصيات ذات تأثير واسع في الرأي العام، خاصة من خارج العالم الإسلامي.
في هذا الصدد، يشكل الإعلام أداة حيوية، سواء عبر تغطيات إخبارية موسّعة أو من خلال توظيف شبكات التواصل الاجتماعي. وترى MyCARE أن الرهان على الإعلام ليس تكتيكًا مرحليًا، بل استراتيجية مستدامة لنقل أصوات الفلسطينيين وتثبيت قضيتهم في الوجدان العالمي
هل يمكنك مشاركتنا بعض التحديات الكبرى – سواء كانت سياسية أو قانونية أو تشغيلية – التي واجهتموها أثناء التحضير وتنفيذ الأسطول؟
واجهت MyCARE وفريقها تحديات معقدة خلال تحضير وتنفيذ مشاركتهم في أسطول الحرية. هذه التحديات تشمل الجوانب القانونية مثل مسألة تسجيل السفن تحت علم دول داعمة، حيث شهدت تجارب سابقة انسحاب دول مثل غينيا بيساو في اللحظات الأخيرة، ما أثّر على انطلاقة الأسطول.
كما تشمل الصعوبات وجود طواقم ملاحية متمرسة، واختيار موانئ آمنة للانطلاق، بالإضافة إلى تأمين التمويل الكافي لكل مرحلة من مراحل التحرك.
إلى جانب ذلك، هناك أهمية قصوى لتوقيت الإعلان عن الرحلة وطبيعة الركاب المشاركين فيها، خاصة إن كانوا شخصيات ذات تأثير عالمي، فكل تفصيل صغير قد يُحدث فارقًا في ضمان السلامة وتحقيق الأثر الإعلامي المطلوب. لذلك، ترى المؤسسة أن القدرة على تحويل هذه التحديات إلى فرص هو سرّ النجاح في مثل هذه المبادرات.
نستطيع القول هُنا، أنك إذا لعبت أوراقك جيدًا، فستحصل على الاهتمام اللازم، وستضمن أيضًا سلامة الرحلة.
في ظل استمرار رفض “إسرائيل” لهذه المهمات، كيف تخطط MyCARE للإبقاء على القضية حية وفعّالة في الخطاب الدولي والرأي العام؟
رغم الرفض الإسرائيلي المتواصل لأي محاولة لكسر الحصار، إلا أن MyCARE ترى في المبادرات المتكررة، خاصة تلك المدعومة بتغطية إعلامية واسعة، وسيلة فعالة لإبقاء القضية الفلسطينية حية في الضمير العالمي.
كل محاولة، حتى وإن لم تصل إلى غزة، تُحدث صدى سياسيًا وإعلاميًا وتدفع بمزيد من الوعي الشعبي والدبلوماسي.
المؤسسة تعوّل على موجة التضامن المتصاعدة منذ اندلاع “طوفان الأقصى” وما تبعه من جرائم موثقة ضد المدنيين. هذا الزخم، إن تم استثماره جيدًا، يخلق فرصة لتوسيع دائرة المتضامنين وإعادة صياغة الخطاب الدولي ليكون أكثر إنصافًا للفلسطينيين.
ترى MyCARE أن رواية المقاومة المدنية، القائمة على اللاعنف والتحدي السلمي، هي أحد أقوى الأسلحة المتاحة حاليًا، خاصة في ظل تفوّق الطرف الآخر في العتاد العسكري والدعم السياسي الغربي.
هل تسعى MyCARE أو ترحب ببناء شراكات مع منظمات دولية مثل وكالات الأمم المتحدة لتعزيز الجانب القانوني والإنساني لجهودكم؟
تحظى MyCARE بوضع خاص في النظام الأممي، إذ تتمتع بعضوية استشارية خاصة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC)، ما يمنحها مجالًا للتفاعل مع الهيئات الدولية وتقديم مداخلات رسمية.
وكثيرًا ما تؤكد المؤسسة انفتاحها التام على أي شراكات مع وكالات أممية ومنظمات دولية لتعزيز الطابع القانوني والإنساني لأنشطتها، سواء من حيث تأمين الحماية للمشاركين أو التأكيد على شرعية هذه التحركات بموجب القانون الدولي الإنساني.
حيث تعتبر المؤسسة أن تطوير هذه الشراكات هو أحد السبل الرئيسية لحماية المبادرات التضامنية من التقييد أو التشويه، خاصة في ظل الاتهامات الإسرائيلية المتكررة.
كيف تصف مستوى الدعم المجتمعي والمؤسسي في ماليزيا والمنطقة لهذه المهمات على مرّ السنوات؟ هل نما، تغير، أم واجه انتكاسات؟
شهدت MyCARE في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في الدعم الشعبي والمؤسسي، سواء في ماليزيا أو في دول الجوار. ففي عام 2024 وحده، تلقت المؤسسة أكثر من 100 طلب من ناشطين ومنظمات غير حكومية يرغبون في المشاركة في أسطول كان من المقرر أن ينطلق من إسطنبول.
وبعد عملية فرز دقيقة، تم اختيار 14 مشاركًا من ماليزيا إلى جانب آخرين من المنطقة، ورغم أن الخطة لم تكتمل نتيجة سحب غينيا بيساو للعلم الذي كانت السفينة ستبحر تحته، فإن الحماس الشعبي لم يخفت، بل زاد إصرار المشاركين والداعمين على المضي قدمًا في هذه المبادرات.
وهكذا فإن المؤسسة وجدت أن الدعم الإقليمي يعكس إدراكًا متزايدًا بأن التضامن مع فلسطين لم يعد حكرًا على النخب السياسية أو الدينية، بل أصبح جزءًا من الضمير الجماعي لشعوب المنطقة.
أخيرًا، ما الرسالة التي تود توجيهها إلى الحركات الشبابية والفاعلين في المجتمع المدني حول العالم الراغبين في الانخراط في عمل فعّال من أجل فلسطين؟
دعونا لا نصمت. في فعالية إطلاق سفينة “مادلين” مؤخرًا في كاتانيا، عبرت غريتا ثونبرغ عن أكثر ما يخيفها، ولم يكن الرحلة إلى غزة، بل صمت الناس في العالم تجاه الإبادة الجماعية في غزة التي تُبث مباشرة على الهواء.
لذا فإن رسالتنا في MyCARE هي دعوة واضحة للحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني حول العالم إلى كسر حاجز الصمت والتحرك الفعّال لنصرة فلسطين، ففي سياق حرب الإبادة المتواصلة في غزة، لم يعد الصمت موقفًا محايدًا، بل هو تواطؤ ضمني، لذا يجب التضامن الفعّال والملتزم، بعيدًا عن الشعارات العابرة، والانخراط العملي في حملات، مبادرات، وأساطيل تهدف إلى إعادة الإنسانية إلى واجهة التعامل مع قضية فلسطين.