في مايو/ أيار 2018، وجّه المذيع الأمريكي السابق في شبكة “سي إن إن”، كريس كومو، سؤالًا يحتمل الإجابة بنعم أم لا، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “هل تمتلك إسرائيل قدرات وأسلحة نووية؟”.
صمت نتنياهو طويلًا، وتنهد بصعوبة، وأجاب بسخرية إجابة بدت غير مقنعة: “لطالما قلنا إننا لن نكون أول من يقدم النووي في الشرق الأوسط”. ليعيد كومو السؤال مرة أخرى، لكن في رأي نتنياهو كانت هذه “أفضل إجابة يمكن الحصول عليها”.
بهذا الغموض المتواصل، ظلّت “إسرائيل” تحتفظ بسر ترسانتها النووية لأكثر من ستة عقود، وهي سياسة انتهجها كل من حكمها على مر العقود، وتندرج تحت المصطلح العبري “عموميت” أو الغموض المتعمد لسياسة الملف النووي.
فما قصة مفاعل ديمونا النووي؟ ولماذا تخفيه “إسرائيل” عن أنظار العالم أجمع منذ عقود؟
مشروع نووي إسرائيلي بأيدي فرنسية
منذ الإعلان عن قيام “إسرائيل” على أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، أصبح أول رئيس وزراء، ديفيد بن غوريون، “مهووسًا” بتطوير القدرة على امتلاك الأسلحة النووية كأداة لردع أعداء “إسرائيل” المتخيلين، حتى إنه عبّر عن ذلك صراحة أمام الكنيست في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1956، قائلًا: “أعتقد أننا بحاجة إلى أسلحة نووية لحالات الطوارئ القصوى”، وأمل أن تُقنع الدول العربية في النهاية بقبول وجود “إسرائيل”.
بدأ بن غوريون المشروع النووي الإسرائيلي منذ منتصف حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي، حيث أمر بالبحث عن علماء يهود في أوروبا، وأعلن عن تأسيس هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية في عام 1952، وعملت منذ ذلك الوقت على استخراج اليورانيوم من صحراء النقب بشكل متسارع.
وبعد نحو 5 سنوات من المفاوضات مع فرنسا، وقّعت “إسرائيل”، في أواخر سبتمبر/ أيلول عام 1957، اتفاقية مع باريس تقضي بإنشاء مفاعل نووي في ديمونا من خلال الاستعانة بالعلماء الفرنسيين، لأغراض ادّعت “إسرائيل” حينها أنها سلمية، وتتمثل في توفير المياه للأراضي الزراعية في صحراء النقب، كما روّج بن غوريون.
وفي موقع صحراوي يبعد نحو 90 كيلومترًا من مدينة القدس، ونحو 35 كيلومترًا من حدود الأردن، وأبعد بقليل عن حدود مصر بنحو 65 كيلومترًا، تدفق المهندسون الفرنسيون لبناء المجمع النووي الإسرائيلي، الذي تضمّن مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية، ومفاعلًا نوويًا، ومحطة إعادة معالجة قادرة على فصل البلوتونيوم عن وقود المفاعل المستهلك، والتي كانت أشد سرية من المفاعل النووي نفسه.
وبحلول نهاية الخمسينيات، وخلال فترة لم تكن فيها سوى ثلاث دول تمتلك أسلحة نووية، بدت ديمونا وكأنها مدينة فرنسية، إذ كان 2500 مواطن فرنسي يعيشون فيها، وافتتحت لهم المدارس، وامتلأت شوارع المدينة بسيارات “رينو” الفرنسية.
إلا أن العمال في المدينة كانوا قد مُنعوا من الكتابة مباشرة إلى أقاربهم وأصدقائهم في فرنسا أو أي مكان آخر، حسب ما نقله الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش في كتابه “الخيار شمشون”، المسمى تيمنًا باسم أحد قضاة “إسرائيل” في التوراة.
وخلال فترة امتدت لثلاث سنوات (1965 – 1967)، حققت “إسرائيل” إنجازات نووية غير مسبوقة. فبحلول عام 1965، أكملت محطة فصل البلوتونيوم السرية تحت الأرض، وبحلول عام 1966، كانت تتحرك بسرعة نحو عتبة الأسلحة النووية في ديمونا وهيئة تطوير الأسلحة الإسرائيلية “رافائيل”، وبدأت في إنتاج البلوتونيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة.
وبحسب ما ذكر مؤسس وأول مدير عام لـ”رافائيل”، مونيا مردور، في مذكراته، أُجري اختبار ذو أهمية خاصة في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966، وكان – وفق قوله – “نهاية حقبة من التطوير، وخطوة جلبت أحد أنظمة الأسلحة الأساسية إلى مراحلها النهائية من التطوير والإنتاج في رافائيل”.
وعشية حرب يونيو/ حزيران 1967، وضعت “إسرائيل” خطة طوارئ لتفجير قنبلة نووية كدليل على قدرتها الجديدة، في حال وقوع “سيناريو أكثر تطرفًا” يهدد وجودها. ولتنفيذ الخطة، قامت “إسرائيل” سرًا بتجميع جهازين أو ثلاثة أجهزة انفجار نووي لأول مرة.
كان موقع التجميع في مكان آخر في “إسرائيل”، لكن الفريق استخدم أنوية بلوتونيوم منتجة في ديمونا، ولم يكن أحد يعلم أو يشتبه في ذلك آنذاك، ولم يُكشف النقاب عنه إلا في عام 2017، أي بعد 50 عامًا من حرب عام 1967، عندما نُشرت شهادة أحد المنظمين الرئيسيين للجهود بعد وفاته.
تطوير تحت أعين أمريكا
لم تكن أعين الولايات المتحدة مغمضة عن التطورات في ديمونا، إذ أجبر الرئيس الأمريكي جون كينيدي “إسرائيل” على قبول زيارات منتظمة للمفتشين الأمريكيين للتأكد من صحة المزاعم الإسرائيلية. لكن، في ظل معارضة أمريكية شرسة قادها كينيدي ضد المشروع النووي الإسرائيلي، كان قادة الاحتلال مصممين على تحقيق أهدافهم، وكان الخداع جانبًا أساسيًا في التنفيذ المتواصل لرحلتهم النووية.
حاولت “إسرائيل” إخفاء أمر وجود سلاح نووي في الشرق الأوسط المضطرب عن الولايات المتحدة، بل ادّعت لسنوات أنه مشروع معمل نسيج. وأكد بن غوريون، في بيانه أمام الكنيست في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1960، ردًا على ضغوط أمريكية، بناء مفاعل ديمونا، لكنه زعم أنه “مفاعل أبحاث سيخدم احتياجات الصناعة والزراعة والصحة والعلوم”.
أصبح تصريح بن غوريون، منذ ذلك الحين، أساسًا لقصة مضللة استخدمتها “إسرائيل” لسنوات، كلما زار مفتشون أمريكيون ديمونا. لكن تقارير الاستخبارات الأمريكية في ذلك الوقت كشفت الأمر، وتوصلت إلى مدى جاهزية المشروع، وكيف أخفته “إسرائيل”، وعملت عليه تحت أنظار الأمريكيين، وكيف عرقلت الجهود الأمريكية للكشف عن مفاعلها النووي السري.
وانعكس هذا الغموض في أول تقرير استخباراتي خاص بشأن ديمونا، صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1960، والذي تضمن تحديدًا واقعيًا بأن “إسرائيل” منخرطة في بناء مجمع مفاعلات نووية في النقب بالقرب من بئر السبع، وأشار إلى أن “إنتاج البلوتونيوم لأغراض الأسلحة كان هدفًا رئيسيًا واحدًا على الأقل”.
ومع ذلك، ووفقًا لتقرير الزيارة الأولى في مايو/ أيار 1961، أخبر مدير ديمونا، إيمانويل برات، العلماء الأمريكيين أن هدف ديمونا هو اكتساب “خبرة في بناء منشأة نووية تهيئ إسرائيل للطاقة النووية على المدى البعيد”، استنادًا إلى مفاعل بحثي فرنسي التصميم. وأبلغهم زورًا أن ديمونا مؤسسة تكنولوجية واسعة النطاق تدرّب العلماء الإسرائيليين على معظم جوانب دورة الوقود النووي لأغراض سلمية مختلفة.
لشرعنة هذه الرواية، التزمت “إسرائيل” – وفقًا لصحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية – بحملة تضليل شاملة، لم تتطلب إخفاء محطة الفصل تحت الأرض فحسب، بل أيضًا تمويه مكونات أخرى في موقع ديمونا، لتقديم صورة ذات مصداقية، وإن كانت زائفة، عن المفاعل واستخدامه. وهو ما زاد من إصرار الإدارة الأمريكية وقتها على ضرورة إرسال بعثة لزيارة المفاعل النووي.
وهذا ما حدث فعلًا بعد تنصيب ليفي أشكول رئيسًا للوزراء في يونيو/ حزيران عام 1963، حيث وافق على السماح لعملاء أمريكيين بإجراء زيارات منتظمة إلى مفاعل ديمونا النووي، وصلت إلى 6 عمليات تفتيشية أمريكية سنوية بين عامي 1964 و1969.
جاءت تلك العمليات بعد رفض “إسرائيل” طلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المفاعل النووي. ووفقًا لصحيفة “الغارديان” البريطانية، استبدلت “إسرائيل” ذلك بفيزيائيين أمريكيين، ولم تسمح لهم بجمع العينات أو استخدام معداتهم الخاصة، بل وصل الأمر إلى منعهم من استكشاف أماكن سرية داخل المجمع النووي، من خلال بناء جدران زائفة حول المصاعد التي تهبط 6 طوابق إلى مصنع إعادة المعالجة تحت الأرض، والذي عُرف لاحقًا بالموقع “ماشون- 2”.
اتسمت تلك العملية بالتعقيد سياسيًا وفنيًا، فقبل وصول أي فريق تفتيش أمريكي، كان العاملون في ديمونا يعملون لأسابيع لجعل الخداع يبدو مقنعًا. وبعد أن قبل الفريق – الذي لم يدرك مدى تعقيد المكائد الإسرائيلية لإخفاء آليات ديمونا الداخلية – الادعاءات الإسرائيلية بمعناها الظاهري، أكد أن ديمونا في طريقها لأن تصبح مركزًا أكاديميًا وتعليميًا لتعزيز العلوم والتكنولوجيا.
نتيجة لذلك، زعمت جميع تقارير الزيارات الأمريكية أنها لم تعثر على أي دليل ملموس، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر، على سعي “إسرائيل” إلى امتلاك قدرة عسكرية نووية، في وقت كثرت فيه الشكوك حول علاقة مشروع ديمونا بالأسلحة وليس البحث.
وبالتزامن مع هذه الزيارات التفتيشية، رفضت “إسرائيل” توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي التي أُبرمت عام 1968. ومنذ ذلك الوقت، تطور دور واشنطن من مخادع غير متعمد إلى شريك متردد، وبدأت الرواية الأمريكية تأخذ منحى موازيًا للرواية الإسرائيلية بشأن امتلاك دولة الاحتلال أسلحة نووية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1963، وبعد اغتيال كينيدي، الذي مثّل نقطة تحول هامة في موقف واشنطن تجاه المشروع النووي الإسرائيلي، قرر البيت الأبيض، بقيادة ليندون جونسون، عدم قول أي شيء عن برنامج “إسرائيل” النووي. وتم إضفاء الطابع الرسمي على هذا القرار في اجتماع عُقد في البيت الأبيض عام 1969، بين خَلَفه، الرئيس ريتشارد نيكسون، ورئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير.
وافق الرئيس الأمريكي حينها على عدم الضغط على تل أبيب للتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ما جعلها واحدة من أربع دول فقط لم تنضم قط إلى هذه المعاهدة، في حين تعهدت مائير بألّا تكون “إسرائيل” الدولة الأولى التي تملك سلاحًا نوويًا في الشرق الأوسط، ولن تفعل أي شيء لجعل وجوده علنيًا.
وبعد سنوات من هذه الصفقة السرية بين واشنطن وتل أبيب، وتحديدًا في سبتمبر/ أيلول عام 1979، اكتشف قمر صناعي أمريكي وميضًا مزدوجًا لاختبار سلاح نووي قبالة سواحل جنوب أفريقيا. وبعد التحقيق، تبيّن أنها تجربة نووية أجرتها “إسرائيل” بالتعاون مع جنوب أفريقيا، وتكتمت عليها أمريكا كعادتها، في إطار الاتفاق مع حكومات الاحتلال المتعاقبة.
بعد ذلك، مضت “إسرائيل” في بناء ترسانتها النووية في صمت، ورعاية أمريكية متعاقبة مع كل رئيس جديد، إلى أن وقعت الفضيحة الكبيرة عام 1986، بعد أن كشف عالم الذرة الإسرائيلي موردخاي فعنونو سر “إسرائيل” الذي تخفيه عن العالم أجمع منذ عقود، ليجري اختطافه من قبل الموساد، والحكم عليه بالسجن 18 عامًا.
كان ظهور فعنونو، الذي فقد عمله في مفاعل ديمونا عام 1985، بمثابة الصدمة، إذ كشف خلال لقاء مع صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية عن امتلاك “إسرائيل” ترسانة نووية، وعرض لقطات من فيلمين مصنّفين تحت بند “سري للغاية”، يشرحان جانبًا من الأعمال التي تجري في مفاعل ديمونا، والمعدات التي تُستخدم في استخراج المواد الإشعاعية المخصصة للإنتاج العسكري، ونماذج معملية للأجهزة النووية الحرارية.
كشفت تلك التسريبات، الأولى من نوعها، أن طاقة المفاعل الإسرائيلي تبلغ 26 ميغاوات، وأن “إسرائيل” ربما طوّرت قدراته ليعمل بنحو 150 ميغاوات. وتبلغ معدّلات إنتاج البلوتونيوم فيه نحو 40 كيلوغرامًا سنويًا، وهو ما يكفي لصنع 100 إلى 200 سلاح، بقوة تفجيرية يصل قدر كل منها إلى 20 كيلو طن، وهي نفس قوة القنبلة التي ألقتها أمريكا على ناجازاكي اليابانية.
الغموض النووي المتعمد
منذ البداية، اعتبر قادة الاحتلال مشروع ديمونا سرًا لم يكن يعلمه سوى قلة قليلة من طرفي الاتفاقية الفرنسية الإسرائيلية، واتبعت “إسرائيل” عمدًا سياسة غامضة للردع النووي، أي لا تنفي امتلاكها أسلحة نووية ولا تؤكد حتى يومنا هذا، رغم أن كثيرًا من قادة العالم يعتقدون أنها الدولة الأولى والوحيدة في الشرق الأوسط التي امتلكت أسلحة نووية، وسادس أكبر قوة نووية في العالم بعد أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
كما وفّرت الصفقة السرية بين نيكسون ومائير غطاءً لذلك، ولا تزال كل من واشنطن وتل أبيب تفضلان غض الطرف عن هذه الأحداث، كما لو لم تحدث قط. فمنذ إبرام هذه الصفقة، لم يقر أي رئيس أمريكي بها أو بوجود القنبلة الإسرائيلية، ناهيك عن تجنب الضغط على “إسرائيل” للتوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ما أبقى تل أبيب خارج إطار مطرقة الوكالة الدولية، بينما تعتبر إيران، الموقعة على الاتفاقية، واحدة من أكثر الدول التي خضعت لجولات تفتيش من قبل الوكالة.
وسبق للدول الأعضاء في وكالة الطاقة أن أجهضوا قرارًا طرحته دول عربية عام 2010، يدعو “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. وقادت الولايات المتحدة حملة التصويت ضد مشروع القرار غير الملزم أصلًا، بذريعة أن قرارًا كهذا قد يعطّل جهود حظر السلاح النووي في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يمكن أن نفهم انتقاد نتنياهو العلني لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، ووصفه إياه بـ”الشخص الذي تحدث بأسلوب غير مناسب”، وهذا يجسد علاقة بين الوكالة الدولية وتل أبيب، لخصتها صحيفة “هآرتس” بوصفها “المنظمة التي تملك فيها إسرائيل هيمنة ثابتة”.
وفي تقييم استراتيجي لغموض “إسرائيل”، يلاحظ المؤرخ الإسرائيلي شلومو أرونسون أن “الانتشار النووي الغامض قد يترك انطباعات متناقضة تمامًا، إما أن يكون هذا الوضع أسهل إدارة من الوضع العلني، لأن عدم الوضوح يسمح بالمناورة، أو أنه أصعب إدارة لأنه كذبة، أو خرق لقاعدة دولية، أو محاولة يائسة من دولة منبوذة للحفاظ على وجودها الهش”.
ويضيف أرونسون أيضًا أن “إسرائيل” اختارت التعتيم درعًا لاستثنائيتها النووية، لأن الردع النووي يهدف إلى ردع الهجمات على حدودها السيادية. ونظرًا لأن المجتمع الدولي في خلاف مع مطالبات “إسرائيل” بالأراضي التي استولت عليها، فإن حدود “إسرائيل” لا تزال غير واضحة. ومع ذلك، أفلتت، على مدى العقود الأخيرة، من حين لآخر، من نيتها ومبرراتها وراء برنامجها النووي المبهم.
خفايا الترسانة النووية الإسرائيلية
بالنظر إلى السرية التي تحيط ببرنامجها، لا يزال عدد الأسلحة التي تمتلكها “إسرائيل” غير مؤكد، لكن تقديرات غربية حديثة تشير إلى أنها تمتلك ما لا يقل عن 80 رأسًا حربيًا نوويًا، ينتشر على شكل “ثالوث نووي” بين القوات البرية والجوية والبحرية. وتلك ترسانة أصغر من دول مثل فرنسا والصين وبريطانيا، ولكن حجمها لا يزال كبيرًا بالنظر إلى أن خصومها ليس لديهم أي سلاح نووي.
ورغم تحدي “إسرائيل” وخداعها لرئيسين أمريكيين في سعيهما وراء ذلك، إلا أن رسالة بريد إلكتروني خاصة سُربت من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولن باول، لمّحت إلى امتلاك “إسرائيل” لترسانة من 200 رأس نووي. ومع ذلك، لا تُعرف هوية الشخصيات التي تمتلك الوصول إلى “الزر النووي”، بسبب الغموض الشديد. إلا أن تقارير تشير إلى وجود مجموعة صغيرة، تتمثل في رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، وربما رئيس الأركان، وبعض الوزراء الآخرين.
إضافة إلى ذلك، تعاقدت “إسرائيل” لشراء غواصات نووية من ألمانيا تحمل اسم “الدولفين”، وقادرة على حمل صواريخ مزودة برؤوس نووية، وباستطاعتها البقاء في عرض البحر لعدة أيام.
كما حصلت على 3 غواصات في تسعينيات القرن الماضي، وتسلمت الغواصة الرابعة في مايو/ أيار 2012، ومن المفترض أنها تسلمت الغواصة الخامسة عام 2015، وحصلت على أخرى أكثر تطورًا عن سابقتها في عام 2018، ستمكنها من إطلاق صواريخها المحمّلة برؤوس نووية من نوع “بوباي”، بمدى يصل إلى 1500 كيلومتر.
ولا تزال “إسرائيل” تعمل بصمت وسرية تامة على توسعة برنامجها النووي، وتطوير منشأة ديمونا التي تنتج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة لبرنامج القنبلة النووية الإسرائيلي. فوفق صور أقمار صناعية نشرتها وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، في فبراير/ شباط 2021، يشهد المفاعل أكبر مشروع إنشائي له منذ عقود، حيث ظهرت أعمال حفر قرب المفاعل القديم، بحجم ملعب كرة قدم، ومن المحتمل أن يكون عمقها عدة طوابق تحت الأرض، ولا يزال سر البناء الجديد غير معلوم، في ظل الغموض النووي الذي تنتهجه “إسرائيل”.
كل ذلك جعل من مفاعل ديمونا، الذي تجاوز عمره الافتراضي بـ 40 عامًا، خطرًا بالدرجة الأولى على “إسرائيل” والعرب المحيطين بها. إلا أن حكومة الاحتلال ما زالت تتعامل معه كالبقرة المقدسة التي يُمنع المساس بها، في حين أن أي استهداف للمفاعل قد ينسف فكرة وجود “إسرائيل”، ليصبح سلاحها النووي، الذي يشكل سببًا لتفوقها على جيرانها، هو نفسه نقطة ضعفها.