ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدار الأسبوع الماضي، انخرطت إسرائيل في حملة قصف جوي مطوّلة على إيران لتحقيق شيء لم تفعله أي دولة أخرى من قبل: الإطاحة بحكومة والقضاء على قدراتها العسكرية الرئيسية باستخدام القوة الجوية وحدها.
إن محاولة إسرائيل تحقيق هذه الأهداف الطموحة للغاية من خلال حملة جوية وشبكات استخبارات متطورة دون نشر جيش بري ليس لها سابقة في الحروب الحديثة.
لم تنجح الولايات المتحدة أبدًا في تحقيق مثل هذه الأهداف من خلال الاكتفاء بالقصف الجوي خلال حملات القصف الاستراتيجي الضخمة في الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، وحرب الخليج، وحروب البلقان، وحرب العراق. كما لم ينجح الاتحاد السوفيتي وروسيا في ذلك أيضًا في أفغانستان أو الشيشان أو أوكرانيا.
إسرائيل نفسها، لم تحاول أبدًا تحقيق مثل هذا الهدف في صراعات سابقة في العراق أو لبنان أو سوريا، أو حتى في عمليتها الأخيرة في غزة.
حققت إسرائيل، التي تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط، نجاحات تكتيكية عديدة باستخدام القوة الجوية الدقيقة والمعلومات الاستخباراتية المتطورة منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فقد اغتال الجيش الإسرائيلي كبار القادة في المنظمات التابعة لإيران، بما في ذلك الكثير من قيادات حزب الله المتوسطة والعليا.
وفي تبادل سابق لإطلاق الصواريخ في أبريل/ نيسان الماضي، دمر الجيش الإسرائيلي مجموعة متنوعة من الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، وأدت هجماته الأخيرة على إيران إلى مقتل كبار قادة الحرس الثوري، وتدمير أنظمة اتصالات مهمة للنظام، وإلحاق أضرار بأهداف اقتصادية حساسة، وإضعاف بعض جوانب البرنامج النووي الإيراني.
لكن حتى مع استمرارها في تحقيق انتصارات فردية، يبدو أن إسرائيل تقع في فخ “القنبلة الذكية”، حيث أن الثقة المفرطة بالأسلحة الدقيقة والمعلومات الاستخباراتية تعطي قادة إسرائيل إحساسًا بالقدرة على وقف البرنامج النووي الإيراني وإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وتجعل إسرائيل في الآن ذاته أقل أمنًا من السابق.
مهما كانت القوة الجوية مُوجهة وكثيفة، فإنها لا تضمن تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، ولن تُمهد الطريق لتغيير النظام. في الواقع، قد تشير الوقائع التاريخية إلى أن ثقة إسرائيل المفرطة في أسلحتها المتقدمة تقنيًا، يمكن أن تُقوّي عزيمة إيران وتُؤدي إلى نتائج عكسية: أي أن تجعل إيران أكثر خطورة بامتلاك أسلحة نووية.
ودون غزو بري (وهو أمر مستبعد للغاية) أو دعم أمريكي مباشر (قد تتردد إدارة ترامب في تقديمه)، فإن نجاحات إسرائيل العسكرية في إيران وخارجها قد تكون قصيرة الأجل.
قوة ساحقة؟
لا يرجع الدافع وراء ضربات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية إلى الخوف من قدرة إيران على صنع سلاح نووي (في عام 2025، من المؤكد أن إيران قادرة على إتقان تقنية عمرها 80 عامًا تُستخدم في صنع أسلحة نووية بدائية كتلك التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي)، بل من الخوف من أن إيران قد تكون على وشك الحصول على المادة الانشطارية الأساسية لصنع الأسلحة النووية.
يمكن لإيران تطوير هذه المادة بطريقتين: تخصيب خام اليورانيوم لتحقيق نقاء النظائر اللازمة لتصنيع قنبلة نووية في مناجم خام اليورانيوم الإيرانية، وفي مصنع تحويل اليورانيوم إلى غاز في أصفهان، ومنشآت التخصيب في فوردو ونطنز (التي تضررت إلى حد ما جراء الضربات الإسرائيلية)؛ والثانية تنقية البلوتونيوم، وهو ناتج ثانوي طبيعي في أي مفاعل نووي، مثل مفاعل إيران التشغيلي في بوشهر.
تواجه إسرائيل ثلاثة عوائق أمام تدمير هذه المنشآت بالكامل. أولاً، يقع جزء كبير من البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك منشآت تخصيب اليورانيوم، في أعماق الأرض. تقع منشأة فوردو المتطورة على عمق مئات الأقدام تحت جبل، وهناك منشأة جديدة تحت الأرض في نطنز، على عمق مماثل لفوردو، وهي قيد الإنشاء منذ عدة سنوات.
حتى الآن، لم تستهدف إسرائيل منشأة فوردو إطلاقًا، واقتصرت هجماتها على منشآت توليد الطاقة في منشأة نطنز بدلاً من محاولة تدمير أجهزة الطرد المركزي ومخزونات اليورانيوم المخصب المدفونة على عمق 75 قدمًا تحت سطح الأرض.
ولا توجد أدلة متاحة تشير إلى امتلاك إسرائيل القدرة الجوية الكافية على حمل القنابل الكبيرة الخارقة للتحصينات التي طورتها الولايات المتحدة، والتي يبلغ وزنها 30 ألف رطل، وستكون ضرورية لشن هجوم جوي لتدمير فوردو بالكامل.
ويشير عدم محاولتها حتى الآن مهاجمة المباني الأقل عمقًا في نطنز إلى أنها مقيدة، إما من الولايات المتحدة أو بسبب محدودية قدرتها النارية على تدمير هذه المنشآت الأقل حصانة. ويبدو أن القادة العسكريين الإسرائيليين يعترفون بحقيقة مفادها أن تنفيذ عملية حاسمة ضد فوردو سيكون أمرًا مستحيلًا دون دعم أميركي: فقد أكد وزير الدفاع السابق يوآف غالانت أن الولايات المتحدة “ملزمة” بالانضمام إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني.
ماذا لو انضمت الولايات المتحدة، بقنابلها الخارقة للتحصينات، إلى الهجوم؟ هل تستطيع إسرائيل بالفعل القضاء على برنامج الأسلحة الإيراني بهذا الدعم؟ حتى لو استجاب الرئيس دونالد ترامب لطلب غالانت بقصف فوردو، وحتى لو تمكنت قنابل الولايات المتحدة الضخمة الخارقة للتحصينات من اختراق أعمق المباني في فوردو، ستظل الولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان تحديات أكبر في القضاء على قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية.
لن تكون هناك لحظة حاسمة يمكن فيها للبلدين أن يستنتجا بثقة مطلقة أن إيران لا تستطيع المضي قدمًا في مشروعها النووي بشكل سري. بل على العكس، فإن هجومًا بمساعدة الولايات المتحدة على منشآت إيرانية سيضع الولايات المتحدة في مرمى نيران إيران النووية مباشرةً بدلاً من حل المشكلة نهائيًا.
ثانيًا، يمثل مفاعل بوشهر، الذي يقع على بُعد حوالي 18 كيلومترا جنوب شرق مدينة بوشهر، تحديًا كبيرًا. يمكن تعديل المفاعل لإنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في الأسلحة النووية، ولا يمكن استبعاد هذا الخطر ما دام المفاعل قائمًا. ولكن إذا دمّرت إسرائيل مفاعل بوشهر، فقد تُخاطر بانبعاث سحابة إشعاعية تُشبه كارثة تشيرنوبيل فوق مدينة بوشهر التي يقطنها نحو 200 ألف نسمة، وكذلك فوق التجمعات السكانية في أنحاء الخليج العربي. ومن شأن هذه الخطوة أن تُثير ردًا انتقاميًا إيرانيًا بالصواريخ الباليستية ضد المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا.
أما الأمر الأخير والأهم، فهو أنه سيظل هناك غموض كبير بشأن حالة العناصر المتبقية والقدرة على إعادة تشكيلها حتى بعد الضربات الجوية المكثفة ضد المنشآت النووية. ومن دون إجراء عمليات تفتيش في المواقع، لن تكون إسرائيل قادرة على إجراء عمليات تقييم موثوق بها للأضرار التي لحقت بقدرات إيران على تخصيب اليورانيوم والمخزونات الموجودة من اليورانيوم المخصب.
ومن غير المرجح أن تسمح إيران للمفتشين الدوليين، ناهيك عن الفرق الأمريكية أو الإسرائيلية، بتقييم درجة الضرر الذي لحق بمخزونات اليورانيوم المخصب بدقة، أو تحديد ما إذا كانت المعدات أو المواد الصالحة للاستخدام قد أزيلت قبل الضربات أو بعدها، أو تحديد مواقع تصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي المحلية الإيرانية.
يمكن لفرق الكوماندوز أن تحاول تنفيذ عمليات استطلاع في المواقع المستهدفة، ولكنها ستواجه مخاطر كبيرة في مواجهة القوات الإيرانية. هذا الافتقار إلى المعلومات الدقيقة يعني أن إسرائيل – حتى بمساعدة الولايات المتحدة – لن تكون واثقة أبدًا من أن إيران لم يعد لديها القدرة على صنع القنبلة النووية، وستتفاقم المخاوف بشأن امتلاك إيران للسلاح النووي سرًا، وهو ما يعكس المخاوف التي دفعت الولايات المتحدة في عام 2003 إلى شن حرب برية لغزو العراق بحثًا عن أسلحة دمار شامل غير موجودة.
سوء تقدير في قراءة الإحصاءات
توضح الإحصاءات المتاحة عن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب استحالة تحقيق هدف إسرائيل المعلن المتمثل في تفكيك البرنامج النووي بشكل كامل ودائم. وحتى لو افترضنا أن الغارات الإسرائيلية قد دمرت فعليًا جميع المواد المخصبة في نطنز، فإن مخزون إيران المخصب بنسبة 60 بالمئة لا يزال موجودًا في فوردو.
ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في مايو/ أيار، يبلغ هذا المخزون 408 كيلوغرامات، بعد أن كان 275 كيلوغرامًا في فبراير/ شباط، وهي كمية كافية لإنتاج عشر أسلحة نووية بعد بضعة أسابيع من التخصيب الإضافي (يلزم 40 كيلوغرامًا لإنتاج سلاح نووي واحد).
وإذا لم تتمكن الغارات الجوية من ضمان تدمير أكثر من 90 بالمئة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة في فوردو، وهي مهمة شاقة حتى لو انضمت الولايات المتحدة إلى الهجوم، فإن إيران ستحتفظ بكمية من المواد الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل، وربما أكثر، ناهيك عن 276 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، والتي ستكون كافية لصنع قنبلتين إضافيتين.
وبما أن إيران زادت من معدل تخصيب اليورانيوم بشكل كبير جدًا، فإن منع إمكانية إعادة بناء البرنامج النووي بشكل كامل سيتطلب من إسرائيل تدمير جزء كبير من أجهزة الطرد المركزي، فضلًا عن منشآت تصنيعها التي لم يتم الكشف عن مواقعها أبدًا.
وبينما تسعى إيران جاهدة لإخفاء قدراتها المتبقية، ستضطر الاستخبارات الإسرائيلية إلى الاعتماد على تقديرات فضفاضة ستزداد غموضًا مع مرور الوقت، بينما تمتلك إيران كل الحوافز لإعادة تجديد منشآتها التي لا تزال قائمة في محاولة لتطوير سلاح نووي بأقصى سرعة.
الأنظمة الجديدة لا تأتي من السماء
القيود التكتيكية التي تمنع إسرائيل من القضاء بشكل تام على قدرة إيران على صنع الأسلحة النووية، تفسر سعي إسرائيل لتغيير النظام. فإذا كان من غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية إلى تدمير قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية، فإن استبدال النظام الإيراني بحكومة جديدة قد يبدو حلًا جذابًا لمعضلة إسرائيل الاستراتيجية. وقد ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل إلى أن حملة القصف الإسرائيلية تركت النظام الإيراني “ضعيفًا” بشكل خطير وعرضة لثورة شعبية.
لكن تغيير النظام هدف طموحٌ للغاية، فهو لا يتطلب فقط قطع رأس القيادة الإيرانية العليا بأكملها وإزالة المتشددين من مفاصل الحكومة، بل يتطلب أيضًا تنصيب حكومة حليفة مستعدة للتخلي عن بقايا البرنامج النووي الإيراني الحالي وضمان عدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية في المستقبل.
بعبارة أخرى، ستحتاج إسرائيل إلى نسخة مما فعلته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عندما أوعزتا بانقلاب عسكري عام 1953 للإطاحة بالزعيم الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق واستبداله بنظام محمد رضا بهلوي المدعوم من الغرب.
ولكن على عكس انقلاب الولايات المتحدة وبريطانيا على مصدق، أو الانقلابات الأخرى التي نُفذت بنجاح برعاية أجنبية، ستحاول إسرائيل استخدام القوة الجوية كأداة رئيسية للإطاحة بالنظام القائم، بدلاً من الاعتماد على مجموعة محلية من القادة العسكريين أو المدنيين الإيرانيين. ومن المرجح أن تُثير هذه الاستراتيجية معارضة شديدة للتدخل العسكري الأجنبي، دون تحقيق الهدف المطلوب، أي الإطاحة بحكومة الجمهورية الإسلامية.
فالقوة الجوية، حتى عند اقترانها بالجهود الاستخباراتية، لم يسبق لها أن أطاحت بأي حكومة. منذ ظهور نظريات القصف الاستراتيجي في الحرب العالمية الأولى، دافع المنبهرون بالقوة الجوية عن فكرة أن حملات القصف، إذا نُظمت بشكل صحيح، يمكن أن تُشجع السكان على الثورة ضد حكوماتهم.
ومنذ ذلك الحين، حاولت الجيوش تنفيذ مجموعة واسعة من الخطط، بما في ذلك القصف المكثف للمدن لإجبار المدنيين على الانتفاض ومطالبة حكوماتهم بتقديم التنازلات الضرورية لوقف الهجمات. وفي أكثر من 40 حالة قصف استراتيجي منذ الحرب العالمية الأولى وحتى حرب الخليج الأولى عام 1991، لم تنجح مثل هذه الجهود -سواء كانت مركزة وثقيلة أو خفيفة ومتفرقة- في إجبار المدنيين على النزول إلى الشوارع بأعداد كبيرة لمعارضة حكوماتهم.
لم يغير اختراع الأسلحة الدقيقة منذ أكثر من 30 عامًا هذه الحقيقة، فحتى مع وجود “القنابل الذكية” عالية الدقة، والمعلومات الاستخباراتية، غالبًا ما يعتمد قتل القادة من الجو على الحظ.
في عام 1986، نفذت الولايات المتحدة أول ضربة دقيقة للتخلص من الدكتاتور الليبي معمر القذافي، وأصابت العملية خيمته، لكنه كان قد غادرها قبل الهجوم. ادعى القذافي أن ابنته قُتلت، مما أدى إلى قيام ليبيا بتفجير انتقامي استهدف طائرة بان آم الرحلة 103 عام 1988، والذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين.
كما حاولت الولايات المتحدة دون جدوى قتل الرئيس العراقي صدام حسين بضربات جوية دقيقة في 1991 و1998 و2003، آملة في كل مرة أن تفي المعلومات الاستخباراتية بالغرض، لكن الغزو البري الأمريكي وحده هو ما أنهى حكم صدام حسين.
وحتى عندما تقتل الضربات الجوية قائدًا ما، فإن النتيجة نادرًا ما تكون إيجابية. في عام 1996، قتلت روسيا الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف بصواريخ مضادة للإشعاع بعد تحديد موقع إشارة هاتفه أثناء مكالمة مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين. وسرعان ما تولى زعيم جديد أكثر تطرفًا زمام الأمور، وطرد القوات الروسية من الشيشان، مما أدى إلى اندلاع حرب برية وحشية لاستعادة الحكم الموالي لموسكو في المنطقة بعد ثلاث سنوات.
لم تنجح الضربات الجوية في تغيير الأنظمة خلال عصر الدقة إلا عندما استُخدمت جنبًا إلى جنب مع القوات البرية المحلية في تطبيق لنموذج “المطرقة والسندان“، كما فعلت الولايات المتحدة للإطاحة بطالبان في أفغانستان عام 2001، والقذافي عام 2011. ولكن على عكس الولايات المتحدة في أفغانستان وليبيا، لا يبدو أن إسرائيل مستعدة أو قادرة على القيام بمثل هذه العمليات البرية الكبرى في إيران بهدف إسقاط النظام الإيراني.
وأخيرًا، فإن أكبر عائق أمام تنصيب حكومات صديقة هو الشعور الشعبي أو القومي في البلد المستهدف، فالنزعة القومية تميل إلى التصاعد بسرعة عندما يواجه الشعب احتمال الرضوخ لحكم أجنبي، وخاصة إذا كان تغيير النظام هو هدف التدخل العسكري الأجنبي.
هذا هو السبب الرئيسي في أن جهود الولايات المتحدة لتثبيت أنظمة ديمقراطية ظاهريًا في العراق وأفغانستان قوبلت بالإرهاب، وهو السبب في أن الغزو العسكري الإسرائيلي الحالي لغزة واجه صعوبات مماثلة.
لا تؤدي الغارات الجوية التي تستهدف القادة المحليين إلا إلى تفاقم هذه النزعة، فالاستياء المحلي من القيادة، مهما كانت حدته، لا يعني رغبة السكان في أن يحكمهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، طرف أجنبي مستعد لقتل أي قائد يختلفون معه.
ولعل إسرائيل قد تعلمت من تجربتها في هذا السياق: ففي كل مرة قطعت فيها رأس زعيم ما، لم يكن خليفته أكثر ودًا تجاه الحكومة الإسرائيلية، وإيران ليست استثناءً.
الوقوع في الفخ
لا يمكن للقوة الجوية الإسرائيلية أن تقضي بشكل حاسم على البرنامج النووي الإيراني، إذ يمكن لإيران أن تعيد تجميع برنامجها بشكل سري، مع تقلص الرقابة الغربية والمعلومات الاستخباراتية. وإذا كان لدى إسرائيل خطة لشن انقلاب عسكري ضد الحكومة الإيرانية، فمن المحتمل أن تكون قد نفذتها بالفعل.
ومن دون تدخل الولايات المتحدة، لن يكون لدى إسرائيل خيارات جيدة في مواجهة إيران التي ستصبح أكثر خطورة مما كانت عليه في أي وقت مضى.
في الوضع الراهن، يتصاعد الصراع إلى “حرب مدن” بين تل أبيب وطهران، حيث تهاجم كل من إسرائيل وإيران المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، ومع تصاعد الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، من المرجح أن يزداد إصرار الطرفين على المواجهة، مع عواقب وخيمة متفاقمة.
من جانبها، شجعت إدارة ترامب إسرائيل في حربها على غزة، وهددت بشن ضربات عسكرية ضد إيران في الفترة التي سبقت المفاوضات النووية، وهي المفاوضات التي يبدو الآن أنها أصبحت غير ممكنة تمامًا. وبعد أكثر من عشرين عامًا من شن حربها الاستباقية في العراق، ربما تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل في حربها ضد إيران.
لكن التدخل الأمريكي ليس حتميًا. وإذا التزمت إيران بضبط النفس، فقد يقتنع ترامب بعدم الانضمام إلى ما قد يصبح حربًا أبدية أخرى.
لقد تطلب الأمر حدوث هجمات 11 سبتمبر/ أيلول لتحفيز واشنطن على شن حرب وقائية ضد العراق، وفي غياب استفزاز كبير، لن يرضى سوى قلة من القادة الأمريكيين – خاصةً من يهتمون بصورتهم كترامب – بمغامرة أخرى من هذا النوع.
في هذه الحالة، ستبقى إسرائيل وحيدة في مواجهة احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية بشكل سري. في النهاية، قد لا تجد إسرائيل مفرًا من وهم القنبلة الذكية، أو من الوقوع في مستنقع آخر في الشرق الأوسط.
المصدر: فورين أفيرز