مضى الأسبوع الأول من الحرب التي شنّتها “إسرائيل” على إيران وبدأتها في 13 من حزيران/ يونيو الجاري، حرب بدأتها “إسرائيل” واستطاعت خلال ساعات فقط اغتيال جلّ القيادة العسكرية العليا في إيران، مع اغتيال أكثر من 10 علماء نوويين، إضافةً إلى شلّ منظومات الدفاع الجوي الإيرانية.
بعد أن استطاعت إيران استيعاب الضربة، بدأت سلسلة عمليات إطلاق صواريخ بالستية وفرط صوتية تستهدف المدن المحتلة في “إسرائيل”، ما تسبّب حتى الآن بدمار واسع لم تشهده “إسرائيل” منذ احتلالها المدن الفلسطينية وإعلانها دولة عام 1948.
ومع تطوّرات الوضع الإقليمي والحرب بين الجانبين، واحتمالية دخول الولايات المتحدة في الحرب مع “إسرائيل” ضد إيران لاستهداف منشآت نووية، باتت الأجواء العراقية ممرًا للطائرات المقاتلة والمسيّرة الإسرائيلية، فضلًا عن طائرات التزوّد بالوقود الإسرائيلية التي تعلو سماء البلاد.
سيناريوهات عديدة
تبرز 3 سيناريوهات أمام العراق فيما يتعلق بالوضع السياسي والأمني على حدّ سواء، إذ يتساءل العديد من المراقبين عن الوضع السياسي والأمني في البلاد فيما إذا استمرّت الحرب أو انتهت بين طرفي النزاع دون تدخّل الولايات المتحدة.
يأتي السيناريو الأول الذي يتمحور حول فرضيّة دخول واشنطن الحرب إلى جانب “إسرائيل” دون أن تتدخّل الفصائل المسلّحة “الميليشيات” الموالية لإيران في هذه الحرب، وما قد تُقدِم عليه واشنطن في هذه الحالة.
أما السيناريو الأكثر خطورة، والذي تخشاه الحكومة وتحذّر منه، فيتمثّل بدخول واشنطن الحرب إلى جانب “إسرائيل”، مع تدخّل الميليشيات العراقية الموالية لطهران واستهدافها للمصالح الأميركية واستخدامها للمسيّرات ضد “إسرائيل”، وهو ما قد يؤدّي إلى استهداف واشنطن وتل أبيب للعراق ودخول البلاد في فصل جديد.

في غضون ذلك، يبدو السيناريو الأخير الأشدّ خطورة على العراق، والذي إن حدث، فإنّه يعني تغيّرًا شاملًا في معادلات الأمن والسياسة في العراق، حيث ترجّح كافة التحليلات أن أيّ تدخّل للفصائل في الصراع الإيراني الأميركي الإسرائيلي سيكون بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للولايات المتحدة لاستهداف هذه الفصائل وجميع مصالحها السياسية والاقتصادية، إضافةً إلى احتماليّة كبيرة لتعرّض قادة هذه الفصائل لاستهدافات مباشرة.
أما فيما يتعلّق بتبعات ذلك سياسيًا، فإنّ خطوة مشابهة قد تؤدّي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرض عقوبات اقتصادية على العراق أو تقليص واردات العراق من الدولار الأميركي القادم من الحساب العراقي ضمن الفيدرالي الأميركي، والذي يعني بالمحصّلة محاصرة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اقتصاديًا وشلّ عملها وقدرتها على التحرّك، بما قد يُؤجّج الشارع العراقي في حال تطوّرت الأوضاع ومُسّت بقوت العراقيين.
مخاوف من انجرار العراق إلى قلب الصراع الإيراني الإسرائيلي
يقول المحلّل السياسي سجاد جياد: “يوجد خطر كبير جرّاء إمكانية امتداد التصعيد إلى العراق”، إذ لطالما شكّل ساحةً للصراعات الإقليمية، وهو ما قد يُضاعف مخاوف العراقيين من انزلاق البلاد نحو الحرب المستعرة بين طهران وتل أبيب.
في السياق، يرى المحلّل السياسي تامر بدوي أنّه كلّما تراجعت إيران في الحفاظ على قوّتها النارية لمواجهة الاستهداف الإسرائيلي لها، فإنّ ذلك يعني زيادة احتماليّة تورّط المجموعات العراقية المسلّحة الموالية لها في الصراع، مبيّنًا بالقول: “تحاول إيران تجنيب شبكتها الأضرار الجانبية، من خلال إبقاء حلفائها الإقليميين في وضع التأهّب، إلا أنّ هذا الموقف يمكن أن يتغيّر”.
وفي العراق، تنتشر مصالح أميركية عديدة، من أهمّها قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غرب البلاد، والتي تضمّ حاليًا ما لا يقلّ عن 4 آلاف جندي أميركي، فضلًا عن وجود السفارة الأميركية ببغداد، وقاعدة فيكتوريا العسكرية الأميركية ضمن مطار بغداد الدولي، إضافةً إلى قنصلية واشنطن في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
وأيّ استهداف مباشر لهذه المصالح يعني أنّ واشنطن ستردّ بالقوّة العسكرية الضاربة التي هدّد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مشهد قد يُعيد إلى الأذهان ما حدث في نهاية ولاية ترامب الأولى عندما استهدفت واشنطن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إضافةً إلى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد الدولي عام 2020.
من جانبه، يرى خبراء عسكريّون أنّ تدخّل الفصائل العراقية في النزاع بين “إسرائيل” وإيران، واحتماليّة دخول واشنطن على الخط، سيعني تغيّرًا شاملًا في الوضع الأمني العراقي، وسيكون الذريعة التي ستعمل واشنطن على استغلالها لإنهاء ملف هذه الفصائل بالكامل.

يذهب في هذا المنحى الخبير العسكري حسن العبيدي، الذي يرى أنّ واشنطن وتل أبيب على حدّ سواء لن تقبلا بعد الآن بوجود أيّ قوّة تُهدّد مصالحهما، لا سيما واشنطن، التي يبدو أنّها، وبعد ما حصل، لن تترك أيّ احتماليّة لاستهداف قوّاتها في العراق، فضلًا عن أنّ تدخّل الفصائل العراقية سيُشجّع واشنطن على تنفيذ تهديداتها ضد الحكومة العراقية، والتي كانت واضحة من خلال محاصرة القوى السياسية التابعة لهذه الفصائل ومعاقبتها ماليًا وتجفيف مواردها.
وفيما يتعلّق بإمكانيّة استهداف هذه الفصائل، يتابع العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أنّ ما حدث خلال الأسبوع الأول من حرب “إسرائيل” ضد إيران بيّن، بما لا يدع مجالًا للشك، مدى التكنولوجيا المتقدّمة في التجسّس والمراقبة والاختراق الذي تعرّضت له الجمهورية الإيرانية، رغم ما تتمتّع به من أجهزة أمنيّة وأنظمة دفاع جوي ومخابرات واستخبارات ذات قدرات كبيرة ومعروفة.
فضلًا عن سيادتها على مجالها الجوي قبل الحرب، مضيفًا أنّ العراق يفتقر إلى جميع ما كانت تتمتّع به إيران. وبالتالي، فإنّ واشنطن، بطائراتها المسيّرة التي لا تغادر الأجواء العراقية حتى قبل الحرب، لديها إمكانيّات مضاعفة سواء في التجسّس أو العمل العسكري، وفق قوله.
ويرى المحلّل السياسي العراقي عبد القادر النايل دور الميليشيات العراقية بـ”الفعّال” في حال قرّرت المشاركة في الحرب، خاصّةً أنّها، ومنذ أشهر، تحشد قدراتها الماليّة والأمنيّة. ويؤكّد النايل أنّ هناك معلومات مؤكّدة تشير إلى خريطة انتشار الميليشيات العراقية، مبيّنًا أنّ كتائب حزب الله العراقي تنتشر في مناطق جرف الصخر جنوب بغداد، حيث تحوّلت إلى مركز لتجميع وتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة، وسط تضاريس زراعيّة كثيفة يصعب مراقبتها، بحسبه، مع إمكانيّات عسكريّة كبيرة.
وبيّن أنّ بادية السماوة بمحافظة المثنى على الحدود العراقية السورية باتت مقرًا ومرتعًا لهذه الميليشيات، حيث تستخدم مواقع سرية تحت الأرض كقواعد محتملة لاستهداف مناطق في دول الخليج، إضافةً إلى منطقة عكاشات في منطقة القائم، أقصى غربي محافظة الأنبار، والتي تضمّ مركزًا لإطلاق الصواريخ لاستهداف تل أبيب والقواعد الأميركية بالمنطقة.
ويختتم النايل حديثه بالإشارة إلى منطقة جبل سنجار، أقصى غربي محافظة نينوى شمالًا، حيث يؤكّد وجود عدد من ضبّاط الحرس الثوري، إلى جانب صواريخ ومسيّرات جاهزة للاستخدام، وفق قوله.
السيناريو الثاني
عن احتماليّة تدخّل الفصائل المسلّحة في الصراع الذي بدأته “إسرائيل” ضد إيران، فإنّ احتماليّة تدخّل واشنطن في الحرب لا تزال قويّة، إلا أنّ سيناريو عدم دخول الفصائل المسلّحة العراقية في أتون هذه الحرب يبدو منطقيًّا حتى الآن، لا سيما بعد أكثر من أسبوع على بدئها.
إذ إنّ هذه الفصائل باتت تمتلك أذرعًا سياسيّة ونوّابًا في البرلمان، وبعض هذه الفصائل لديها وزراء في حكومة السوداني، بما يعني أنّها تعي جيّدًا المنزلق الذي قد يذهب إليه العراق في حال جَرِّه إلى هذه الحرب، مع وجود كيان إسرائيلي مسلّح بأعتى الأسلحة الأميركيّة والغربيّة الفتّاكة.
لن يبقى الوضع السياسي في العراق بعد انتهاء الحرب بين طهران وتل أبيب على حاله، ففي أسوأ الأحوال، فقد يتصاعد الضغط الأميركي الأمني والسياسي والاقتصادي على العراق، لأجل حلّ الحشد الشعبي ونزع سلاح الفصائل
فيما لا يستبعد المحلّل علي البيدر أن يتحوّل العراق إلى ميدان صراع مفتوح بين إيران من جهة، والولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة أخرى، حيث يقول إنّه، وفي حال جَرِّ العراق إلى الحرب، فإنّ القوى العراقية ستنقسم إلى 3 أقسام: الأوّل سيلتزم الحياد، والآخر سيلتزم الصمت، فيما سيقف القسم الثالث إلى جانب إيران ويقترب منها أكثر، وفق قوله.
أمّا السيناريو الأقلّ خطورة، فيتمثّل في استمرار الصراع بين “إسرائيل” وإيران دون تدخّل واشنطن، ودون أن تتدخّل الفصائل العراقية، بما يعني إمكانيّة توصّل طهران وواشنطن إلى اتفاق يوقف البرنامج النووي والصاروخي، مقابل إيقاف “إسرائيل” لضرباتها، وهو ما يعني انتهاء الحرب بين طرفي النزاع.
وفي حال حصل ذلك، على الرغم من استبعاده حتى الآن، فإنّ التأثيرات السياسيّة لهذه الحرب ستكون كبيرة على الوضع السياسي والأمني في العراق، حيث ستشهد البلاد تحوّلات سياسيّة ملحوظة في المدى القريب والمتوسّط.
التأثيرات السياسية
لن يبقى الوضع السياسي في العراق بعد انتهاء الحرب بين طهران وتل أبيب على حاله، ففي أسوأ الأحوال، وهي احتماليّة تدخّل واشنطن والميليشيات العراقية، فإنّ الوضع السياسي سيتعرّض لزلزال كبير يتمثّل باستحالة إجراء الانتخابات التشريعيّة المقبلة في نوفمبر/ تشرين الأوّل القادم، إضافةً إلى تصاعد الضغط الأميركي الأمني والسياسي والاقتصادي على العراق، لأجل حلّ الحشد الشعبي ونزع سلاح الفصائل، وهنا ستكون هذه الفصائل في أضعف حالاتها.
كما أنّ هناك سيناريو آخر، يتمثّل بأنّه، وفي حال لم تتدخّل هذه الميليشيات في الحرب، فإنّه، وفي حال توقّفها، فإنّ إيران ستنكفئ داخليًّا على نفسها، لأجل لملمة أوضاعها الداخليّة ومعالجة الاختراق الأمني الذي تعرّضت له، والذي تسبّب بالقضاء على الصفّ الأوّل من قادتها وعلمائها، فضلًا عن الخسائر الاقتصاديّة الفادحة التي تعرّضت لها، والتي ستعني عدم إمكانيّة تجدّد دعمها لحلفائها الإقليميين.
كما أنّ الخسائر التي مُنِيَت بها إيران قد تُحرّك واشنطن لفرض شروط أخرى بعيدًا عن الملف النووي والصاروخي، والتي قد يكون من ضمنها التخلّي عن جميع حلفائها الإقليميين وتسليم ملفّاتهم لواشنطن، وهو ما قد يكون منطقيًّا لإيران للحفاظ على بعض ما لديها من أوراق قوّة أخرى، قد تتمثّل بإبقاء البرنامج النووي السلمي ومفاعل بوشهر، مع نزع جميع أدوات تخصيب اليورانيوم بأيّ نسبة كانت.
أخيرًا، فإنّ السيناريو الذي قد يبدو أقلّ وطأةً فيما يتعلّق بالوضع العراقي، فإنّه، وفي حال عدم تدخّل الميليشيات، فإنّ واشنطن ستعمل على حلحلتها، مستعينةً بالعصا الاقتصاديّة وملفّ العقوبات الاقتصاديّة، وزيادة مخاطره على الشارع العراقي، الذي قد يشهد انتفاضة أخرى ضدّ الفساد المستشري في البلاد، الذي تقوده الطبقة الحاكمة.