في العقد الثاني من الألفية، عاشت مصر واحدةً من أهم التحولات السياسية في تاريخها الحديث، بدأت بثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت نظامًا استمر ثلاثين عامًا، وأطلقت انفتاحًا غير مسبوق في المشهد السياسي والحزبي، امتد ليشمل طيفًا واسعًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
لكن سرعان ما انقلب هذا الحلم إلى كابوس، مع تصاعد الاستقطاب، وبلغت الأزمة ذروتها عندما خرجت حشودٌ غاضبة في 30 يونيو 2013 تطالب بعزل الرئيس المنتخب، متهمةً إياه بالفشل وأخونة الدولة، فتدخل الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي مطيحًا بالرئيس في 3 يوليو 2013، وطارحًا خارطة طريق جديدة.
وفي حين رأى أنصار هذا المسار تصحيحًا للثورة وإنقاذًا للبلاد، اعتبره المعارضون انقلابًا على أول تجربة ديمقراطية في البلاد وعودةً للحكم العسكري.
وفي كل الأحوال، شكّل هذا الحدث زلزالًا سياسيًا أعاد رسم المشهد بشكل جذري، فلم يقتصر على إزاحة الإخوان من السلطة كما طالب متظاهرو 30 يونيو، بل انتهى أيضًا بإجهاض التجربة السياسية الأكثر تنوعًا في تاريخ مصر، ما بدد المكاسب التي انتزعها المصريون عقب ثورة يناير 2011.
وبين لحظة الانفتاح ولحظة الانغلاق، تتجلى ملامح أزمة سياسية عميقة لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. في هذا التقرير، يسلط نون بوست الضوء على التعددية الحزبية في مصر خلال تلك السنوات المفصلية، متتبعًا التحولات الكبرى بين الحلم الذي وُلد في ميادين يناير، والواقع الذي انتهى إلى مشهد سياسي مُقيَّد ومُحتكَر.
المشهد السياسي قبل ثورة يناير
فرض جمال عبد الناصر نظام الحزب الواحد، ولم يسمح بتأسيس أي أحزاب سياسية جديدة خلال فترته. ومع تولي السادات الحكم، سمح بهامش سياسي محدود في منتصف السبعينيات، أسفر عن بروز ثلاثة أحزاب رئيسية: مصر العربي الاشتراكي، والأحرار الاشتراكيون، والتجمع التقدمي الوحدوي.
وفي عام 1978، أسس السادات الحزب الوطني ليكون الذراع السياسية لنظامه، وتولى رئاسته حتى اغتياله، ثم ورثه عنه حسني مبارك.
خلال حكم مبارك، احتكر الحزب الوطني المجال السياسي، وفي الوقت ذاته، استحدث النظام أحزابًا معارضة شكلية لتحسين صورته وإعطاء انطباعٍ بوجود ديمقراطية، لكنه منع ظهور تعددية حقيقية حتى داخل هذا الإطار المحدود، وظل الحزب الوطني مسيطرًا على مفاصل الحياة السياسية بالكامل.
وفي سياق انفتاحٍ نسبي وضغط دولي للإصلاح، برز حزبان معارضان خلال سنوات الألفية الأولى: الأول، حزب الغد، الذي أسسه أيمن نور عام 2004 بعد انشقاقه عن الوفد، لكن سرعان ما زُجَّ به في السجن بسبب ترشحه ضد مبارك في انتخابات 2005.
والثاني، حزب الجبهة الديمقراطية، الذي تأسس عام 2007 بقيادة أسامة الغزالي حرب بعد استقالته من الحزب الوطني. كما برزت جماعة الإخوان، التي شاركت في الانتخابات عبر تحالفات مع قوى معارضة جديدة، ونجحت في بناء تحالفات سياسية.
مع ذلك، سرعان ما قيَّد نظام مبارك هذا الهامش السياسي المحدود، فابتداءً من عام 2006 شهدت البلاد تراجعًا كبيرًا في الحريات السياسية، تجلّى في تصاعد القمع ضد المعارضين، والتزوير المُمنهج للانتخابات، إلى جانب تعديلات دستورية أُقرّت عام 2007، وزادت من القيود المفروضة على المجال السياسي. كما أصبحت عملية الانخراط في الحياة الحزبية تمر عبر لجنة شؤون الأحزاب الخاضعة لهيمنة الحزب الوطني، ممّا مكّن النظام من إحكام سيطرته الكاملة على المشهد الحزبي.
نتيجةً لذلك، تنامت مشاعر الإحباط بين المصريين إزاء إمكانية تحقيق إصلاح سياسي حقيقي، لا سيما مع صعود جمال مبارك كأحد أبرز الفاعلين في المشهد السياسي، مدعومًا بتحالفٍ واسع ضم رجال أعمال مقربين من السلطة، وقيادات الحزب الوطني، وأجهزة الأمن، إضافةً إلى بعض النخب الثقافية والإعلامية. وقد تعزز هذا التحالف عبر شبكة مصالح اقتصادية وروابط اجتماعية.
ورغم وصول عدد الأحزاب خلال تلك الفترة إلى 24 حزبًا، فإن غالبيتها لم تكن مُعبّرةً عن نبض الشارع، وافتقرت إلى التأثير الفعلي، سواء في البرلمان أو على مستوى صنع القرار. واتسمت بالضعف وانعدام النشاط الجماهيري، ما جعلها تتحول إلى كيانات شكلية، اقتصر دورها على إصدار الصحف وامتلاك مقرات دون تأثير يُذكَر في الحياة السياسية.
وفي عام 2010، بلغ الغضب الشعبي ذروته نتيجة تزويرٍ فاضح للانتخابات البرلمانية، التي هيمن عليها الحزب الوطني، منتزعًا 420 مقعدًا من أصل 508، ما أدى إلى إحكام قبضته على المجلس بالكامل.
وتزامنت هذه التطورات مع تفاقم أزمات اقتصادية واجتماعية، ما خلق بيئةً ملتهبةً مهّدت لانفجار ثورة يناير 2011، التي أنهت حكم مبارك، وأسقطت الحزب الوطني، الذي شكّل لأكثر من ثلاثين عامًا الركيزة السياسية للنظام.
يناير يفتح النوافذ: ربيع السياسة المصرية
أحدثت ثورة يناير تحوّلًا جذريًا في المشهد السياسي المصري، لم تسقط رأس النظام فقط، بل حرّرت المجال العام بالكامل، وأطلقت موجةً من الحراك المجتمعي الواسع، وازدهارًا غير مسبوق في حرية التعبير وتعدد وسائل الإعلام.
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، وُلدت كيانات جديدة أكثر حضورًا وتنوعًا، وبرزت الحركات الثورية إلى الواجهة، وسارع العديد من الناشطين إلى تأسيس أحزاب جديدة، ليعود حلم الديمقراطية التعددية التي يكون فيها المواطن فاعلًا لا تابعًا.
كانت لحظةً فارقةً فُتِحت فيها النوافذ المغلقة، وأُطلِق العِنان لطاقاتٍ سياسيةٍ ظلّت حبيسةً لعقود، فغدت السياسة موضوعًا حاضرًا في الشارع، وتحولت الميادين إلى فضاءاتٍ للنقاش، وعاد الأمل في بناء حياةٍ حزبيةٍ حقيقيةٍ وفاعلة.
جسدت هذه الطفرة السياسية حجم الزخم الذي أطلقته ثورة يناير، إذ ارتفع عدد الأحزاب من 24 حزبًا شكليًا قبل الثورة إلى 68 حزبًا بعدها، أي إن 44 حزبًا سياسيًا جديدًا تأسسوا بشكلٍ قانوني في أعقاب ثورة 2011.
في أقل من عام، شهدت الساحة السياسية المصرية وِلادة عشرات الأحزاب التي مثّلت طيفًا واسعًا من التوجهات الفكرية، شملت التيارات الإسلامية، والمسيحية، والليبرالية، واليسارية، والثورية، وحتى الجماعات التي طالما اقتصرَت على العمل الدعوي دون انخراطٍ سياسي، مثل السلفيين والصوفيين، قد دخلت المشهد السياسي بقوة بعد الثورة، مستفيدةً من لحظة الانفتاح التاريخي.
وعندما شهدت مصر بعد الثورة أول انتخابات برلمانية نزيهة، شاركت فيها مختلف القوى السياسية، وتنافست الأحزاب وسط إقبالٍ شعبيٍّ واسع، في مشهدٍ لم تعرفه البلاد من قبل في تاريخها السياسي الحديث. شعر المصريون في تلك اللحظة بأنّ أصواتهم أصبحت مسموعة، وبأنهم باتوا قادرين على التأثير في مسار حياتهم السياسية والمشاركة الفاعلة في رسم مستقبلهم.
في خضمّ أجواء يناير، أعلن الإخوان المسلمون عزمهم على تأسيس حزبٍ سياسيٍّ يمثّلهم، فأطلقوا “حزب الحرية والعدالة”. وفي المقابل، برز حزب الوسط بعد ثورة يناير 2011 بتوجّهٍ إسلاميٍّ يتّسم برؤيةٍ سياسيةٍ أكثر انفتاحًا، وتمكن من جذب قطاعٍ واسعٍ من الشباب والطبقات المتوسطة، الذين كانوا يبحثون عن بديلٍ سياسيٍّ بين الطرح الإخواني والقوى الليبرالية.
برزت أيضًا مجموعةٌ كبيرةٌ من الأحزاب السلفية المتنوعة، بين السلفية العلمية والجهادية والحركية، وكان أبرزها “حزب النور” الذي تأسس كذراعٍ سياسيٍّ للمدرسة السلفية في الإسكندرية. ورغم حداثته، تمكن من تحقيق المركز الثاني في انتخابات مجلس الشعب 2011/2012.
شكّلت انتخابات الرئاسة عام 2012 محطةً استثنائيةً في التاريخ السياسي المصري، حيث انفتح المجال السياسي المُغلق لعقودٍ على مصراعيه، ما أتاح لأول مرةٍ مشاركة عددٍ من المرشحين في منافسةٍ حقيقيةٍ وجادّة. وقد تميّزت هذه الانتخابات بتنظيم مناظراتٍ رئاسيةٍ علنيةٍ بين المرشحين، في مشهدٍ لم تعرفه مصر إلا في أعقاب ثورة يناير.
وبعد الانتخابات الرئاسية، شهدت الساحة السياسية تأسيس العديد من الأحزاب الجديدة، حيث قرر شباب الحملة الشعبية لدعم البرادعي تأسيس “حزب الدستور”، كما أسّس عبد المنعم أبو الفتوح “حزب مصر القوية” عقب حملته الرئاسية في 2012، وأسس أيمن نور “حزب غد الثورة”، فيما أنشأ عمرو موسى “حزب المؤتمر المصري”، كما أسّس أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، “حزب الحركة الوطنية”.
كذلك، تأسست عدة أحزاب تهدف إلى كبح تمدد قوى الإسلام السياسي، من أبرزها “الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي”، الذي مثّل طيفًا واسعًا من الرافضين للأحزاب الإسلامية، إضافةً إلى قطاعاتٍ كبيرةٍ من المسيحيين، ونخبٍ من الأكاديميين والمثقفين، وأعضاءٍ سابقين في الحزب الوطني المنحل.
كما برز “حزب المصريين الأحرار”، بقيادة رجل الأعمال نجيب ساويرس، كأحد أبرز التشكيلات الليبرالية في تلك المرحلة. وحتى أعضاء الحزب الوطني المنحل، سارعوا إلى تأسيس عددٍ من الأحزاب عقب الثورة، في محاولةٍ لاستعادة حضورهم السياسي، وأُطلِق عليهم في الخطاب الشعبي لقب “أحزاب الفلول”.
في الواقع، هناك الكثير من الأحزاب التي تأسست عقب ثورة 25 يناير، والتي أكدت في برامجها على المرجعية الليبرالية وإيمانها باقتصاد السوق، منها: “حزب مصر الحرية” الذي أسّسه عمرو حمزاوي، “حزب الإصلاح والتنمية”، “ثوار التحرير”، “المستقبل الديمقراطي”، “الأحرار المصريين”، “المستقبل الجديد”، “المصري الليبرالي”، “التحالف الليبرالي”، “الحرية والتنمية”، “الإرادة المصرية”، إضافةً إلى “حزب المساواة والتنمية”، الذي أسّسته الفنانة تيسير فهمي.
كما برز على الساحة السياسية طيفٌ واسعٌ من الأحزاب العمالية واليسارية والناصرية، من أبرزها “حزب الكرامة” بقيادة حمدين صباحي، و”حزب العمال الديمقراطي”، إضافةً إلى “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي” الذي تأسّس في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، إلى جانب “الحزب الشيوعي”. كما ظهرت أحزاب ذات توجهاتٍ مختلطةٍ تجمع بين الليبرالية واليسارية، مثل “حزب السلام الاجتماعي”، و”حزب التحرير المصري”، و”حزب الحق المصري”.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنّ الشخصيات المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين كان لها دورٌ محوريٌّ في تأسيس أحزابٍ جديدة، مثل “أحزاب الريادة” و”النهضة”. ويضمّ طيف الإخوان المنشقين تنوّعًا واختلافًا في الدوافع، حيث انفصلوا عن الإخوان لأسبابٍ سياسيةٍ أو أيديولوجيةٍ أو تنظيمية، وشاركوا في تأسيس عددٍ من الأحزاب والائتلافات المتنوعة.
قسمٌ من الإخوان انضم إلى “حزب مصر القوية” الذي يتزعّمه عبد المنعم أبو الفتوح، وقسمٌ أسّس “حزب التيار المصري”. إضافةً إلى ذلك، برزت عدة أحزابٍ تعبّر عن تيار الوسط، وتستوحي رؤاها من الأزهر، مثل “حزب العدل” الذي جذب شريحةً كبيرةً من الشباب المنخرطين في العمل السياسي بعد الثورة، وكان من أبرز مؤسسيه مصطفى النجار. وإلى جانبه، ظهرت أحزابٌ جديدةٌ في نفس الحيّز، مثل “حزب مصر” الذي أسّسه الداعية عمرو خالد.
أمّا الطرق الصوفية، فقد شهدت ولأول مرةٍ انخراطًا مباشرًا في العمل السياسي، حيث أعلن 18 شيخًا صوفيًا، من بينهم الشيخ محمد علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، والشيخ محمد عبد الخالق الشبراوي، شيخ الطريقة الشبراوية، تأسيس حزبٍ سياسيٍّ جديدٍ حمل اسم “التسامح الاجتماعي”.
كما أسّست بعض الجماعات الجهادية في مصر أحزابًا سياسية، منها “حزب البناء والتنمية”، الذي يُعدّ الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، وقد فاز بخمسة عشر مقعدًا من مقاعد مجلس النواب في انتخابات 2011، بجانب “حزب الجهاد الديمقراطي”، الذي تأسّس على يد أعضاءٍ سابقين في جماعة الجهاد الإسلامي، و”الحزب الإسلامي”، الذي ضمّ قدامى الجهاديين المصريين، ممن يرَون بجواز المشاركة السياسية في ظلّ المتغيرات الجديدة، مثل الشيخ مجدي سالم.
أيضًا، تأسّست في القاهرة عدة أحزابٍ سلفية، أبرزها “حزب الأصالة” بقيادة اللواء عادل عبد المقصود، شقيق الشيخ محمد عبد المقصود. كما برز “حزب الراية” بزعامة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وقد جذب حزبه شريحةً واسعةً من الشباب الإسلامي الثوري الرافض لنهج الإخوان والسلفيين.
كما لم تقتصر الساحة على الإسلاميين فحسب، في الواقع، نشأت بعد الثورة خمسة أحزابٍ ذات مرجعيةٍ مسيحية، وهي: “الأمة المصرية”، “أبناء مصر”، “الاتحاد المصري”، “شباب الثورة”، “النهر الجديد”.
وإلى جانب ذلك، لعبت العديد من الحركات الشبابية دورًا بارزًا في المشهد السياسي، مثل “حركة شباب من أجل العدالة والحرية”، و”حركة 6 أبريل”، و”حركة أحرار”، و”الاشتراكيين الثوريين”. كما شهد النشاط الطلابي في تلك الفترة ذروة ازدهاره، وانقسمت الحركة الطلابية بين تياراتٍ يساريةٍ وإسلامية.
أيضًا، برزت عدة ائتلافاتٍ سياسية، منها: “ائتلاف شباب الثورة”، و”ائتلاف شباب حقوق الإنسان”، و”ائتلاف المصري الحر”، و”ائتلاف دعم المسلمين الجدد”، و”الائتلاف الإسلامي المصري”، و”ائتلاف الأقباط”. إلى جانب ائتلافاتٍ تمثّل فئاتٍ محددة، مثل: “ائتلاف أنا صيدلي”، و”ائتلاف شباب الأطباء”، و”الائتلاف العام للمعلمين الشرفاء”.
السقوط من الأعلى
لم تتجاوز القوى السياسية خلافاتها الأيديولوجية والسياسية في المرحلة الحرجة التي أعقبت ثورة يناير، ولم تتوافق على ضرورة إبعاد الجيش عن المجال السياسي، بل إنّ العديد من القوى الليبرالية والعلمانية اختارت الاصطفاف إلى جانب المؤسسة العسكرية في مواجهة الإسلاميين، في خطوةٍ أضرّت بتطلعات الشعب، وأسهمت في تقويض مستقبل المسار السياسي في البلاد.
ومع تصاعد حدّة الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين، بدأت الأحزاب التي وُلدت من رحم الثورة تصطدم فيما بينها، كما هيمنت معارك الهوية والأيديولوجيا على المشهد، ممّا مهّد لانهيار المشهد السياسي الثري الذي سبق ذكره.
فبعد أشهرٍ قليلةٍ على تولّي مرسي الحكم، وجد نفسه على رأس دولة لا يسيطر فعليًا على مفاصلها. وفي هذا السياق، توحّدت غالبية أحزاب المعارضة، منها: “المصري الديمقراطي الاجتماعي”، “المصريين الأحرار”، “التجمع”، “الكرامة”، “التيار الشعبي”، “الوفد”، “التحالف الشعبي الاشتراكي”، “الدستور”، “الجبهة”، “المؤتمر”، وغيرها، إضافةً إلى بعض الشخصيات المرتبطة بنظام مبارك، تحت مظلة “جبهة الإنقاذ”.
أطلقت “جبهة الإنقاذ” دعواتٍ متكررةً تطالب الجيش بالتدخل لإسقاط حكم الإخوان، ورفضت الانخراط في أيّ حوارٍ دعا إليه مرسي، كما عارضت إجراء الانتخابات البرلمانية في ظلّ وجوده في السلطة، مطالِبةً بإجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرة.
وفي تلك الأثناء، حظي الجيش بدعمٍ واسعٍ من وسائل الإعلام، في حين فتحت أحزابٌ انبثقت عن ثورة يناير ومناهِضةٌ للإخوان مقراتها لـ”حركة تمرد”، التي حشدت الشارع ليوم 30 يونيو، وهو ما مهّد الطريق لعزل مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013.
قوّضت تداعيات أحداث 30 يونيو حالة التنوّع السياسي التي برزت بعد الثورة، وأجهضت حلم التحوّل الديمقراطي في مهده، فيما بقيت فئاتٌ واسعةٌ من المهمّشين والمستبعَدين خارج دائرة المشاركة السياسية. ومنذ ذلك الحين، شهدت الساحة السياسية تراجعًا كبيرًا لغالبية قوى يناير، ودخلت البلاد مرحلةً جديدةً تصدّر فيها الجيش المشهد.
تعرّضت الأحزاب التي عارضت مسار 30 يونيو للقمع، فتمّ حظر “حزب الحرية والعدالة” التابع للإخوان، واعتُقل معظم قادة الأحزاب الإسلامية الأخرى، كما تراجع حضور غالبية الأحزاب التي نشأت بعد ثورة يناير، بما فيها الأحزاب اليسارية والليبرالية، وعجزت عن أداء دورٍ سياسيٍّ مؤثّر، لينتهي المطاف بأحزاب يناير إلى مساراتٍ متعددةٍ، بين الاحتواء من النظام، والتهميش والتفكك، أو المطاردة والسجن، أو الهروب إلى الخارج، فيما أعلنت بعض هذه الأحزاب انسحابها من الحياة السياسية بشكلٍ يائس.
رغم مشاركة أحزابٍ مدنيةٍ في دعم انقلاب 2013 وطموحها للعب دورٍ سياسيٍّ بعد إقصاء الإسلاميين، إلّا أنّ النظام الجديد سرعان ما همّش هذه الأحزاب عبر تقنين نظامٍ انتخابيٍّ يُضعف فرصها، إلى جانب تفتيت الأحزاب القوية بالاختراق الأمني، ما أدّى لتراجعٍ كبيرٍ في الحياة الحزبية.
لواءات وموظفون حكوميون يشكّلون أمانة حزب سياسي مصري.. ما القصة؟ pic.twitter.com/P6mNI6iNm0
— شبكة رصد (@RassdNewsN) June 27, 2025
في المقابل، صعدت أحزابُ الولاء الأمني التي تشكّلت بهدف دعم نظام السيسي، بينما سعت بقيّة الأحزاب إلى التكيّف مع القيود التي فرضها الأخير، بل أظهر بعضها ولاءً مطلقًا له. والمفارقة اللافتة أنّ هذه الأحزاب نفسها، التي عارضت قرارات مرسي بشدّة واتّهمته بالإقصاء، أيدت دون تحفّظ سياسات السيسي التي عزّزت من هيمنة المؤسسة العسكرية على المجال السياسي.
وأصبح الانخراط في العمل السياسي والمشاركة الحزبية اليوم رهينًا بموافقة الأجهزة الأمنية، إذ لا يُسمح بظهور أيّ حزبٍ جديدٍ إلّا إذا كان نسخةً مكرّرةً من الموجود، وبما ينسجم مع توجّهات النظام. ونتيجةً لذلك، تحوّلت معظم الأحزاب المُصرّح لها بالوجود إلى كياناتٍ شكليّةٍ تفتقر لأيّ تأثيرٍ حقيقي، أو كما يصفها الشارع: “أحزاب ورق”.
منذ انعقاده في عهد السيسي، غاب الدور الرقابي الحقيقي للبرلمان، ولم يشهد أيّ استجوابٍ جادٍّ لقضايا تمسّ المواطنين. واقتصر موقفه من ملفاتٍ كبرى، كالإجراءات الاقتصادية وتيران وصنافير، على تكرار موقف الرئاسة، بل تحوّل إلى أداةٍ لشرعنة السلطوية وتكريس قمعٍ يفوق ما كان قبل ثورة يناير.
في الواقع، أعاد السيسي رسم المشهد السياسي بطريقةٍ أكثر انغلاقًا وتسلّطًا مقارنةً بعهد مبارك، واستنسخ نموذج “الحزب الوطني” الذي كان العمود الفقري لنظام المخلوع مبارك، عبر تأسيس حزب “مستقبل وطن” في عام 2014، بإشراف المخابرات الحربية. وفي المقابل، لا تزال القضايا الجوهرية التي فجّرتها ثورة يناير بشأن الديمقراطية والعدالة ودور الجيش معلّقةً بلا إجابات.