ترجمة وتحرير: نون بوست
كثّفت القوات الإسرائيلية والمستوطنون في الأشهر الأخيرة جهودهم لتهجير نحو 2500 فلسطيني يعيشون في مجموعة من القرى في منطقة مسافر يطا جنوب الضفة الغربية. في أوائل أيار/مايو، هدم الجيش معظم خلة الضبع في أكبر عملية هدم في المنطقة حتى الآن. والآن، يهدد توجيه عسكري جديد بتسريع هدم اثنتي عشرة قرية أخرى.
في الأسبوع الماضي، اعتمد مكتب التخطيط المركزي التابع للإدارة المدنية – وهي هيئة عسكرية إسرائيلية مسؤولة عن إصدار تصاريح البناء في الأراضي الفلسطينية المحتلة – سياسة تقضي برفض جميع طلبات البناء الفلسطينية المعلقة في مسافر يطا تلقائيًا. ويتذرع التوجيه بالاحتياجات العسكرية مشيرًا بالتحديد إلى منطقة إطلاق النار 918، وهي المنطقة التي تضم 12 قرية من أصل 20 قرية في مسافر يطا، والتي أعلنتها إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة في أوائل الثمانينيات بهدف تهجير سكانها الفلسطينيين قسرًا.
يستند هذا التوجيه إلى وثيقة أصدرتها القيادة المركزية للجيش الأسبوع الماضي. وقد حصلت كلٌّ من مجلة “+972″ و”لوكال كول” على نسخة منها. ووفقًا للوثيقة، يجب إخلاء سكان المنطقة “باستخدام جميع الأدوات المدنية والأمنية المتاحة للجيش”، ليتمكن الجيش من التدرب على استخدام الذخيرة الحية على أراضيهم “لصالح الحرب في مختلف ساحاتها – وهي حرب أصبحت للأسف روتينية خلال العام والنصف الماضيين، وبلغت ذروتها في أحداث عملية “الأسد الصاعد”، وهو الاسم الإسرائيلي للعملية في إيران. وفي وقت لاحق، أصدر يهودا القلعي، رئيس مكتب التخطيط المركزي، توجيهاتٍ للموظفين بمواءمة جميع القرارات مع هذا الأمر.
يستند التوجيه الجديد إلى استخدام إسرائيل المتواصل لمناطق إطلاق النار العسكرية كذريعة لمصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات. وبينما كان بإمكان الفلسطينيين سابقًا تقديم مخططات بناء تُجمّد أوامر الهدم مؤقتًا على الأقل أثناء المراجعة، صدر قانون عسكري سنة 2021 منع في البداية معالجة هذه الطلبات دون “موافقة القائد العسكري”. ويستهدف التوجيه الجديد الآن عشرات الطلبات المعلقة المقدمة قبل هذا التغيير.
ويحذر الممثلون القانونيون للسكان الفلسطينيين من أن هذا التوجيه يلغي أي عملية مراجعة ذات مغزى، ويسمح برفض جماعي وسريع دون معالجة الحالات الفردية أو الحجج القانونية. وقال ألون كوهين ليفشيتس، وهو مهندس معماري يعمل مع منظمة “بمكوم” الإسرائيلية غير الحكومية المعنية بحقوق التخطيط، في حديث مع مجلة +972 وموقع “لوكال كول” إن مخططات البناء كانت بمثابة خط الحماية الأخير للسكان، وأن السياسة الجديدة “تخلق بنية تحتية لإفراغ منطقة إطلاق النار بالكامل”.
ووفقًا لرئيس المجلس المحلي في مسافر يطا، نضال يونس، فإن هناك ما لا يقل عن 25 مخطط بناء معلق في عدة قرى – بما في ذلك جنبا وحلاوة وفخيت – قد يتم رفضها قريبًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى عمليات هدم واسعة النطاق.
أوضح يونس أن الجيش ركز في السنوات الأخيرة على رفض طلبات البناء الفلسطينية – بدلًا من فرض التهجير الجماعي للسكان الفلسطينيين – كوسيلة للتخفيف من حدة الانتقادات الدولية، وقال لـ “+972″ و”لوكال كول”: “لم يرغبوا في أن يرى العالم أنهم يمارسون تطهيرًا عرقيًا، لذلك لم ينفذوا عمليات طرد واسعة النطاق، حيث تم تحميل الناس في شاحنات”. وأضاف: “لقد حاولوا استنزافنا تدريجيًا، ومنعنا من العمل، وهدموا المنازل، على أمل أن يسأم الناس ويغادروا”.
أما الآن، فقد أصبح الطرد الجماعي احتمالًا واقعيًا للغاية. ووفقًا ليونس، فقد صُدم محامو السكان الفلسطينيين من اللغة الصريحة للجيش في وثيقته الداخلية، وخاصة تأكيده على أن الظروف الأمنية الحالية تسمح للجيش بتحويل منطقة إطلاق النار إلى “منطقة معقمة” من خلال “إخلاء” السكان.
بالنسبة للسكان مثل أحمد محمد عوض (28 عامًا) فإن عواقب التوجيهات ستكون فورية ومدمرة. قال أحمد: “إذا قاموا بهدم قريتنا، سنضطر إلى العودة إلى كهوف صغيرة جدًا بالنسبة لعائلاتنا، مع ظروف معيشية غير ملائمة”. وتجدر الإشارة إلى أن طلب بناء قريته سيُعرض على مجلس التخطيط الشهر المقبل. وأضاف قائلًا: “يزعمون أن هذه الأرض مخصصة للتدريبات العسكرية، ولكنها في الواقع تحت سيطرة المستوطنين، لقد رعوا ماشيتهم في حقولنا هذا العام أكثر من أي وقت مضى، ودمروا مئات الدونمات من محاصيلنا”.
“إنهم ببساطة يعارضون الوجود الفلسطيني”
يتماشى تسارع عمليات الهدم مع أجندة الضم الأوسع لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش. فقد عزز هذا النائب اليميني المتطرف، الذي سلّمه نتنياهو زمام الأمور في الإدارة المدنية عام 2022، سيطرته على سياسات البناء في الضفة الغربية من خلال تعيين حلفائه في مناصب رئيسية، مُعلنًا صراحةً أن هدفه هو “تعميق المشروع الاستيطاني في جميع أنحاء أرض إسرائيل، ومنع قيام دولة [فلسطينية] إرهابية”.
لكن بينما يسعى المستوى السياسي الإسرائيلي علنًا إلى توسيع المستوطنات، يتمسك الجيش بحجة “الاحتياجات التدريبية” لتبرير عمليات الطرد، كتلك التي حدثت في مسافر يطا. ووفقًا لنيتا عمار شيف، المحامية التي تمثل بعض السكان، فإن التبرير العسكري يُعيق الطعون القانونية في المحكمة. وأوضحت قائلةً: “يعتمد [محامو الجيش] على حجة حصرية واحدة، يُفترض أنها تتعلق بالأمن. عندما تقول ‘القائد العسكري’، فإنك تُغلق القضية على الفور”.
من الناحية العملية، يُظهر بحث أجرته منظمة كيرم نافوت الإسرائيلية غير الحكومية أنه على الرغم من إعلان الجيش تحويل حوالي مليون دونم – أي خُمس مساحة الضفة الغربية – إلى مناطق إطلاق نار، فإن 80 بالمئة من تلك الأراضي لا تزال غير مُستخدمة لأغراض عسكرية.
في هذه الأثناء، يتزامن الهجوم البيروقراطي الإسرائيلي مع تصاعد عنف المستوطنين على أرض الواقع. فقد أقام المستوطنون على الفور بؤرة استيطانية على أنقاض خلة الضبع بعد هدمها واعتدوا على العائلات المتبقية ونهبوا ممتلكاتهم. وعلى الرغم من أن احتجاجات النشطاء الإسرائيليين والدوليين أجبرت المستوطنين على الانسحاب، إلا أنهم استمروا في العودة.
استمرت هجمات المستوطنين بلا هوادة في أماكن أخرى في مسافر يطا. في 19 حزيران/يونيو، ألقى جنود إسرائيليون – ربما كانوا مستوطنين يرتدون الزي العسكري – قنابل الغاز المسيل للدموع على رعاة فلسطينيين في قرية جنبا. وفي اليوم التالي، تم توثيق هجوم مجموعة من المستوطنين على عائلات بالقرب من قرية سوسيا، مما أسفر عن إصابة ستة فلسطينيين بجروح. وفي اليوم نفسه، وضع أحد المستوطنين أغنامًا مذبوحة بالقرب من منازل سكان أم قصعة، فيما وصفه السكان بأنه تكتيك نفسي لتسهيل طردهم.
وفي وقت سابق من نفس الأسبوع، تعرض عمران النواجعة للاعتداء من قبل المستوطنين في سوسيا، مما أدى إلى نقله إلى المستشفى. وقال النواجعة إنه كان جالسًا مع زوجته وأصدقائه عندما رأى مركبة رباعية الدفع على متنها خمسة مستوطنين ملثمين مسلحين بالهراوات تقترب من القرية.
روى ما حدث له قائلًا: “توقفوا، وبدأوا بضربي على رأسي دون أن ينطقوا بكلمة. فقدت وعيي، وعندما أفقت، رأيت المستوطنين قد فروا، وكانت زوجتي تصرخ لأن رأسي كان ينزف. نُقلت إلى المستشفى، عاجزًا عن الحركة أو الكلام. انتهى بي الأمر بالحاجة إلى 17 غرزة جراحية”.
قال يونس، رئيس المجلس المحلي، إن المجتمعات في المنطقة تعيش الآن تحت الحصار فعليًا، وأوضح: “الناس يخشون مغادرة منازلهم. عمليات الهدم والهجمات تحدث يوميًا تقريبًا – إنهم ببساطة يعارضون [أي] وجود فلسطيني في هذه المنطقة”.
بينما يستعد مجلس التخطيط للبت في الطلبات المعلقة في الأسابيع المقبلة، يواجه السكان واقعًا مريرًا يتمثل في أنهم ومنازلهم قد يكونون التاليين. مع إغلاق القنوات القانونية وتكثيف عنف المستوطنين، يبدو أن استراتيجية إسرائيل المزدوجة المتمثلة في المحو البيروقراطي والمادي على وشك إكمال ما بدأته قبل عقود: التطهير الكامل للمجتمعات الفلسطينية في مسافر يطا.
وفي رده على استفسار مجلة “972+” حول التوجيه الجديد، صرّح متحدث عسكري إسرائيلي بأن الإدارة المدنية ومكتب التخطيط المركزي “يُجريان مناقشات مستمرة بشأن القرى المُشيّدة داخل منطقة إطلاق النار 918”. وادّعى المتحدث أن الجيش “لديه حاجة مُلحّة لهذه المنطقة”، وبالتالي لن يُوافق على أي تصاريح بناء هناك، مُضيفًا أن وحدة إنفاذ القانون التابعة للإدارة المدنية “تعمل على منع أي بناء غير قانوني، استنادًا إلى تقييمات عملياتية، وتوجيهات سياسية، وقوانين سارية في المنطقة”.
على عكس هذه الادعاءات، تؤكد السجلات التاريخية وشهادات السكان أن القرى الفلسطينية في منطقة إطلاق النار 918 موجودة قبل أن يُصنّفها الجيش منطقةً عسكرية في الثمانينيات؛ بل إن العديد منها يعود إلى ما قبل قيام الدولة. علاوة على ذلك، وبينما يزعم الجيش أنه يطبق القوانين بصرامة ضد “البناء غير القانوني”، فإن المستوطنين الإسرائيليين أقاموا عدة بؤر استيطانية على الأرض نفسها دون أن يتعرضوا للهدم أو لأي تبعات قانونية. ووفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، فإن التهجير القسري للسكان الواقعين تحت الاحتلال محظور تمامًا في جميع الظروف.
المصدر: +972