ترجمة وتحرير: نون بوست
قد يستمر وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ولكن إذا لم يحدث ذلك، فقد تضاعف الولايات المتحدة من ضرباتها في نهاية الأسبوع وتسعى إلى الإطاحة بالنظام الإيراني، وقد هدد دونالد ترامب بذلك في تعليقات وتغريدات في وقت سابق، وقال مسؤولون كبار مثل ماركو روبيو إنهم لن يمانعوا ذلك إذا حدث، ويؤيد القادة الإسرائيليون ذلك علنًا. وإذا سلكت الولايات المتحدة هذا الطريق، فلن تكون هذه هي المرة الأولى.
ففي السنوات الثمانين الماضية، أطاحت واشنطن بالعديد من الأنظمة، وبالنسبة لقوة عظمى، فإن الإطاحة بحكومات أجنبية ليس بالأمر الصعب. بل إن الحصول على النتيجة التي تريدها هو الصعب، وهذا ما يجعل تغيير الأنظمة خطيرًا بقدر ما هو مغرٍ، كما تظهر المحاولات الأمريكية السابقة بوضوح.
فإطاحة الولايات المتحدة بالحكومتين اليابانية والألمانية في الحرب العالمية الثانية جعلت جيلًا كاملًا من القادة الأمريكيين متفائلين للغاية بشأن تغيير الأنظمة، لقد كان تحول ألمانيا واليابان إلى حليفين ديمقراطيين قويين مصدر إلهام لتغيير الأنظمة التي انتشرت في الحرب الباردة، ولكنه كان أمرًا مضللًا، كان نابليون بونابرت الوحيد الذي نجح في تغيير الأنظمة في القرنين السابقين – وكانت أنظمته عابرة.
ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بالزعيم الإيراني محمد مصدق في عام 1953، لكن ذلك زرع بذور الاستياء التي ساعدت في ولادة الحكومة المتطرفة اليوم. وفي عام 1954، جندت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مجموعة من المنفيين الغواتيماليين للإطاحة بالزعيم جاكوبو أربنز ذي الميول السوفيتية.
وفي عام 1961؛ هبط المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة في خليج الخنازير، في محاولة فاشلة للإطاحة بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وخاضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حروبًا سرية وعلنية للإطاحة بالأنظمة منذ الستينيات وحتى الثمانينيات، خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكن أيضًا في أفريقيا وخارجها.
وبعد الحرب الباردة؛ اتخذ تغيير الأنظمة هدفًا جديدًا مع تخيل القادة الأمريكيين لعالم أفضل، خالٍ من الكراهية العرقية العنيفة وفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي المليء بالديمقراطيات المزدهرة المتحالفة مع الولايات المتحدة، إن شيوع نظرية السلام الديمقراطي، التي تنص على أن الديمقراطيات من غير المرجح أن تخوض حروبًا فيما بينها، جعلت ممارسة تغيير الأنظمة غير الديمقراطية تبدو وكأنها رديف للسلام العالمي، وساعدت على تبرير تغيير النظام على أسس أخلاقية وكذلك على أسس الأمن القومي. وهكذا، أطاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالمزيد من الأنظمة.
وكان الهدف الأول هو المستبد الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش، وقد تمت الإطاحة به على مراحل، بدءًا من الضربات الجوية القسرية على حلفائه في عام 1995، وامتدت إلى صربيا نفسها في عام 1999، وانتهت بإسقاط نظامه في انتخابات عام 2000.
كان دور الولايات المتحدة في تغيير أنظمة الحكم في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان خلال السنوات القليلة التالية – ما يسمى بالثورات الملونة – غير مباشر ومحدود أكثر مما صوره خصوم مثل روسيا على أنه كذلك، ولكن بعد عقدين من الزمن لم يعد أي من هذه البلدان مستقرًا أو ديمقراطيًا؛ فصربيا يحكمها قومي يميل إلى الكرملين، وقيرغيزستان غير مستقرة، وجورجيا أصبحت دولة عميلة لروسيا، وأوكرانيا للأسف تحت حصار رئيس روسي انتقامي.
وبالتالي فإن النتائج طويلة الأجل لتشجيع الانتفاضات ضد الأنظمة غير المرغوب فيها لم تكن واعدة.
أطلقت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر العنان لموجة من الانتقام الأمريكي، مما أتاح القيام بعمل عسكري على نطاق أوسع بكثير. وإذا كان دور الولايات المتحدة في تغيير أنظمة دول ما بعد الاشتراكية يُرى في الغالب في “المنطقة الرمادية”، فإن دورها في الإطاحة بطالبان وصدام حسين لم يكن غامضًا على الإطلاق.
ففي أفغانستان، نجحت الحملة الأمريكية الخاطفة في القضاء على طالبان بسرعة، لكن المزايا التكنولوجية الأمريكية تلاشت في مواجهة تمرد في بلدٍ كان غريبًا على معظم الأمريكيين الذين ذهبوا للقتال فيه، وكانت المصلحة الوطنية الأمريكية فيه تقتصر على العثور على أسامة بن لادن، وبعد عقدين من السعي لبناء ديمقراطية أفغانية، انسحب جو بايدن بحكمة معترفًا بالهزيمة، ومعترفًا معها بحدود قدرة أمريكا على تغيير الأنظمة.
في عام 2003؛ سحق الجيش الأمريكي النظام العراقي أيضًا بـ”الصدمة والرعب” التي أذهلت العالم – تمامًا كما فعل قصف إدارة ترامب الأخير لإيران في البداية – كان النظام الذي حل محل صدام في العراق أكثر ديمقراطية، لكنه كان أيضًا هدية إستراتيجية لإيران، التي وسعت نفوذها في الفراغ الذي أحدثه تغيير النظام.
وأطاح التدخل العسكري في ليبيا عام 2011 بمعمر القذافي، مطبقًا بنبل مبدأ الأمم المتحدة “مسؤولية الحماية”، ولكنه خلّف وراءه جرحًا في خاصرة شمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله، وهو جرح فاقم الفوضى في سوريا، وشجع على انهيار مالي وسهّل أزمة الهجرة في أوروبا.
وتحاول روسيا الآن تغيير النظام في أوكرانيا لكنها تواجه تحديات مماثلة، وتُعدّ تجربتها هناك تذكيرًا صارخًا بحقيقة أن هذه العمليات تبدو في الغالب أشبه بإمبريالية وحشية بالنسبة للجميع، باستثناء من يريد تغيير النظام.
إن التاريخ غير المُرضي لتغيير الأنظمة قد يُخفي جاذبية هذه الممارسة؛ فالتعايش مع النقص، والفوضى، والظلم، والأعداء، أمرٌ في غاية الصعوبة، خاصة مع تصاعد المخاطر، كما حدث في إيران في الأسابيع الأخيرة. في نفس الوقت، غالبًا ما يكون المسار الدبلوماسي شاقًا ويؤدي إلى نهايات مسدودة، وعادةً ما تكون النتائج الدبلوماسية هشة، وقد تكون قصيرة الأجل، كما يتضح من قصر عمر الاتفاق النووي الإيراني الأصلي، الذي تم التفاوض عليه بصعوبة في عهد باراك أوباما، ثم مزقه دونالد ترامب بعد ثلاث سنوات.
لكن عقودًا من محاولات تغيير النظام التي لم تؤدِ إلى نتائج تُذكر يجب أن تجعل الولايات المتحدة تتردد قبل العودة إلى هذا الطريق.
قد يأمل البعض في تغيير النظام داخليًا – انتفاضة مثل الثورات الملونة – لكن الانتفاضات لم تُسفر عن استقرار في معظم الحالات الأخيرة، وليس هناك ما يضمن أنها ستُنتج نظامًا أكثر ملاءمة للأمن الأمريكي والإسرائيلي في إيران من نظام آيات الله اليوم. وكلما ثار الشعب، زاد قمع نظام كهذا، وتصبح الفوضى – بعبارة أخرى، انعدام النظام تمامًا – هي النتيجة المحتملة.
قد ينوي قادة وخبراء آخرون دفع إدارة ترامب إلى الاقتراب أكثر فأكثر من إستراتيجيات تغيير النظام التي اتبعها جورج دبليو بوش، والذي قد يُنهي غزو شامل برامج الأسلحة النووية الإيرانية، لكنه سيكون لا يُضاهى من حيث النطاق والعواقب منذ الحرب العالمية الثانية، وأي أمل في النجاح سيتطلب من الولايات المتحدة الاستعداد لدفع ثمن باهظ من الدماء والمال.
ولا يعني هذا إنكار المشكلة الخطيرة التي تمثلها إيران وطموحاتها النووية، ولا الدور الذي يجب أن يلعبه الإكراه في احتوائها، ولكن يجب على صانعي القرار ألا يركزوا بشكل منفرد على برنامج إيران النووي، بل يجب أن يطرحوا أسئلة أعمق:
ما هي مصالح أمريكا الحقيقية في هذا الأمر؟ كيف يؤثر طابع النظام الإيراني على حياة المواطنين الأمريكيين العاديين الذين يريدون ببساطة العيش في سلام؟ كيف سيؤثر التغيير القسري للنظام على طابع الديمقراطية الأمريكية نفسها، خاصة إذا تم تنفيذه دون موافقة الكونغرس من قبل رئيس تلاعب بالدستور؟ كيف سيؤثر ذلك على شعوب المنطقة؟ هل سينظرون إلى الولايات المتحدة كمحررة أم مجرد إمبراطورية أخرى من إمبراطوريات التاريخ، مصممة على الاستحواذ على مواردهم والتحكم في حياتهم؟
وبالنظر إلى عادة الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة، فإن تجنب هذه الأسئلة سيكون أمرًا غير مسؤول بقدر ما سيكون خطيرًا على الأمة والعالم.
المصدر: الغارديان