بعد أن جعلوا الرياضة منبرًا للكرامة ومتنفسًا للثوار السوريين، يجد العشرات من الرياضيين الثوريين أنفسهم اليوم خارج دائرة القرار في سوريا، مستبعدين من العمل في وزارة الرياضة السورية التي كانوا يأملون أن يسهموا من خلالها في بناء قطاع رياضي يعكس قيم الثورة.
في بيانهم الأول 21 يونيو/ حزيران 2025، اتهم رياضيون الوزارة المعنية بتهميش الكفاءات الثورية لصالح أسماء “مرتبطة بأجهزة نظام الأسد” تلاه في 28 يونيو/ حزيران بيان ثان طالبوا فيه بإقالة الوزير محمد سامح حامض ومسؤول مكتب التنظيم إسماعيل المصطفى بسبب “احتكاره أكثر من ستة مناصب في الوزارة، وتجميد كافة نتائج التعيينات الأخيرة في الاتحادات والمكاتب الرياضية، وإعادة تقييمها بشفافية أمام المجتمع الرياضي، وتمكين الرياضيين أصحاب التاريخ النزيه والمصداقية، داخل سوريا وخارجها، من التمثيل الحقيقي في الهيئات القيادية”.
وتتوالى التعيينات الوزارية لشخصيات محسوبة على نظام الأسد، وتعزّز الفساد، كان آخرها، تعيين خلود بيطار لرئاسة اتحاد لريشة الطائرة للمرة الخامسة في تجاوز القوانين الناظمة التي تتيح فقط ولايتين متتاليتين لكل رئيس اتحاد رياضي، وسمر أبو زيد مديرة للعلاقات العامة في وزارة الرياضة، سبقها تعيين دانة شباط رئيسًا لاتحاد الترياتلون.
كذلك لا تقدّم الوزارة مرشحين بدلاء عن السابقين وتفتخر بإنجازاتهم، آخرهم فوز “ثناء محمد” كعضو في المكتب التنفيذي للاتحاد العربي للرياضة للجميع للمرة الثانية على التوالي، حسبما أعلنت الوزارة في صفحتها الرسمية على فيسبوك.
فيما أكدت الوزارة أنها فتحت تحقيقًا رسميًا حول خلفية اللاعب “علاء النائب” ضمن منتخب بناء الأجسام، واللاعب “كمال جنبلاط” ضمن صفوف نادي الوحدة لكرة السلة، حول ارتباط اسميهما بمواقف مناهضة لتضحيات الشعب السوري.
في سياق متصل، طالب أحمد جميل العلي، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية السورية الحرة، في بيان، الرئيس أحمد الشرع، بدمج اللجنة ضمن الهيئات الوطنية، خاصة بعد انتهاء ولاية اللجنة الأولمبية التابعة لنظام الأسد، والتي يقودها فراس معلا وعمر العاروب واللواء موفق جمعة، المتورطين بجرائم ضد الشعب السوري، لكن إلى اليوم لم يتلق أي رد.
لماذا يشعر الرياضيون الأحرار بالتهميش؟
في لقاء خاص لـ”نون بوست” مع أبطال رياضيين انحازوا للثورة السورية منذ الأيام الأولى، أكدوا أن جميع الموقعين على البيانات أعلاه، مهمشون من قبل وزارة الرياضة السورية رغم تواصلهم معها للمشاركة في بناء الوزارة، وهم على تنسيق فيما بينهم، ويصل عددهم إلى نحو 250 رياضيًا لا يطلبون مناصب، بل يطالبون بأن تُسلّم المناصب لمن يستحقها، والبيانات عبارة عن إعلان موقف حتى تحقيق المطالب، كيلا تُعاد نفس المنظومة الرياضية الفاسدة باسم جديد.
البطل الدولي في الملاكمة المنحدر من مدينة حمص ويقيم في ألمانيا، حيدر وردة، الحاصل على بطولات دولية رفع فيها علم الثورة وأهدى الفوز لشهدائها، قال لـ”نون بوست”: “تواصل معي الكابتن سامي بدلة، رئيس اتحاد ألعاب القوى، لأكون نائب رئيس اتحاد الملاكمة، فأخبرته بأني لا أبحث عن منصب، غايتي دائمًا الوقوف إلى جانب الشعب”، فقال لي بدلة: “وجودك معنا واجب، لأنك من أوائل الأحرار الذين ساندوا الثورة”.
وأضاف وردة: “فوجئنا بأن وزير الرياضة، محمد سامح الحامض، أقال الكابتن سامي بدلة، وأعتقد لأنه كان يريد تمكين الأحرار من مواقع القيادة، فما نراه أن الوزير ينسّق مع جماعة الفساد، الذين خدموا النظام الأسدي لأربعة عشر عامًا”.
في هذا السياق، أكد الكابتن سامي بدلة، إقالته، لـ”نون بوست”، معربًا عن صدمته من القرار دون وضوح السبب، رغم توليه مهام عضو المكتب التنفيذي ورئاسة مكتب ألعاب القوة المركزي في إدلب لمدة 3 سنوات قبل تحرير سوريا، ولمدة 4 أشهر بعد التحرير وتكلل العمل بنجاح، وقلب موازين الرياضة من استبعاد جميع الفاسدين على عهد فراس معلا.
وأضاف بدلة: “أعتقد أن السبب الرئيسي لاستبعادي من منصبي هو نجاح العمل إضافة إلى الفساد في الدائرة الضيقة بإدارة الوزارة مع تقارب وجهات النظر مع شخصيات في الوزارة معروفة بفسادها قبل تحرير سوريا، فاختيار الشخصيات كيفي أكثر من كونه كفاءات”.
من جانبه استنكر حيدر وردة تكريم من وصفهم بـ”جماعة الفساد” على حساب الأحرار، قائلًا: “خرجنا ضد الأسد من أجل العدالة، ومن أجل أن تنتهي الواسطة والمحسوبيات، لا لنجد أنفسنا أمام نفس الأساليب مجددًا، لا نريد أن نُحكم من جديد من قبل جماعة الأسد، بل نريد أن نُدار من قبل الأحرار الشرفاء، أصحاب الكفاءة، الذين بإمكانهم بناء مستقبل أفضل لسوريا”.
وأكد أن الكابتن مجد كمال، رئيس اتحاد ألعاب القوى (الجديد)، قال له: “نحن مقصرون بحقك”، لكن هذا التواصل شخصي وليس رسميًا.
بدوره أكد كابتن كرة القدم، أحمد الحاج رئيس اللجنة الرياضية في هاتاي التركية، وحاليًا مدرب ومشرف على الفئات العمرية للكرة الأنثوية في نادي Alexandr66 Rotterdam في هولندا، أن تجربته كانت “مخيبة للآمال، ليس مع الوزارة كمؤسسة دولة، بل مع الوزير والكادر الذي اعتمد عليه بعد النصر”.
وقال الحاج المنحدر من إدلب لـ”نون بوست”: ” لم يتم أي تواصل رسمي معي، رغم أنني بادرت بالاتصال وأرسلت رسائل إلى الوزير ومعاونه لأطرح مشروعًا وطنيًا جامعًا يساهم في بناء كوادر مهمة للوزارة، لكن إلى اليوم لم أتلق أي رد من المعنيين، هذا التجاهل غير المبرّر، يُعبّر عن عقلية إقصائية لا تليق بمرحلة بناء الدولة، ويوضح أن التمسّك بقيم الثورة أصبح سببًا للإقصاء بدلًا من أن يكون مدخلًا للتكريم، والذي نشاهده للشبيحة السابقين لدى نظام الأسد”.
وهذا يعكس مشكلة عميقة في العقلية التي يُدار بها الملف الرياضي من قبل الوزير الحالي، وفقًا للحاج، مضيفًا: “ما زالت وزارة الرياضة تُدار بنفس طريقة النظام السابق، حيث تُقدَّم الولاءات على الكفاءات، وهذا ما نرفضه تمامًا كثوّار وكوطنيين، لذلك نطالب بشكل واضح بإعفاء الوزير الحالي، فالوزارة يجب أن تعود إلى مسارها الوطني الحقيقي، وتحتضن الجميع دون استثناء أو تمييز”.
الحكم في كرة القدم، علاء المروح، الذي أسس هيئة رياضية حرة بمدينة حلب حتى تهجيره منها نهاية 2016 وشغل منصب نائب رئيس مديرية الرياضة والشباب في إدلب حتى 2020، قال لـ”نون بوست”: “لم يحصل أي تواصل مع وزارة الرياضة منذ تشكيل الحكومة السورية الجديدة نهاية مارس/آذار الماضي، سبقها تواصل معي الكابتن يوسف ربيع الحسن، وعرض عليّ العمل في تنفيذية حلب، لكني رفضت العمل في تلك المرحلة، لعدم وجود رؤية واضحة لعمل مديرية الرياضة، ولأنني كنت حينها متواجدًا في تل أبيض شمال الرقة، أعمل مع وزارة الدفاع”.
وأضاف المروح: “معايير اختيار الكوادر في وزارة الرياضة غير واضحة، وخاصة أن الأمر تم دون تشاور، حتى اليوم، لم يتم اعتماد نظام داخلي واضح لوزارة الرياضة، والهيكلية التنظيمية ما زالت غير معلنة، والتعيينات تجري بشكل فردي”.
وتابع: “إن ملف الرياضة بالغ الأهمية، ويحمل في طياته رسائل سياسية مهمة للعالم، خاصة بعد التحرير، لذلك نرجو فتح ملف وزارة الرياضة، والتدقيق في كل ما صدر عنها من خطوات وقرارات وتعيينات”، ما يعد “مؤشرًا خطيرًا” خاصة تكرار تعيين شخصيات فاسدة في الوزارة.
وأشار المروح إلى أن الشارع الرياضي السوري اليوم لا يعلم من بنى الرياضة في سنوات الثورة بسبب إقصاء الرياضيين الأحرار، محمّلًا القائمين على الرياضة مسؤولية هذا الإقصاء.
و”وجب علينا التحرّك من باب الإنصاف، لنسترد حقوق هؤلاء الرياضيين في العمل ضمن مفاصل وزارة الرياضة، وبحسب الكفاءة والاختصاص”، وفق قوله مضيفًا: “ما جعلنا نفقد الأمل في تحسّن وضع الرياضة، بل زادت الأخطاء بدلًا من أن تُصحّح!”، حسب تعبيره.
وزارة الرياضة ترد على الاتهامات (الاستفسارات)
نون بوست تواصلت مع وزارة الرياضة للوقوف على المعايير في تعيين الكوادر الرياضية والإدارية، وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الرياضة السورية، مجد الحاج أحمد، “إن وزارة الرياضة والشباب تلتزم بمجموعة من الضمانات المؤسسية والأخلاقية التي تكفل تحقيق العدالة والشفافية في اختيار وتعيين الكفاءات الرياضية والإدارية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن المرحلة التي نعيشها تتطلب عقولًا نظيفة ومشاريع حقيقية، لا ولاءات ولا حسابات شخصية”.
وأضاف “نحن نعتمد على آلية دقيقة في فرز الكفاءات، تقوم على التقييم المهني، والخلفية الوطنية، ومدى توافق الشخص المرشح مع الرؤية الاستراتيجية للوزارة، المعايير التي نعتمدها في تعيين الكوادر الرياضية والإدارية تقوم على أساس متوازن يجمع بين الانتماء الوطني الأصيل والكفاءة المهنية العالية”.
وتابع “أكدنا مرارًا أن من لا يحمل فكرًا إصلاحيًا صادقًا، أو تورط في قمع السوريين أو الإساءة إليهم، لا مكان له في منظومة الرياضة السورية الجديدة، وفي هذا السياق، فتحنا قنوات تواصل مع جهات مستقلة وجهات ثورية للتعاون في مراجعة الخلفيات الشخصية والمهنية للكوادر، وبدأنا فعليًا بإعادة غربلة عدد من التعيينات السابقة”.
وفيما يخصّ مطالب الرياضيين الأحرار عبر بياناتهم الأخيرة رحب مجد الحاج أحمد بأي مبادرة أو رؤية إصلاحية تقدّم للوزارة بشكل مؤسساتي مدروس، ليتم نقاشها وتقييمها ضمن إطار استراتيجية الوزارة وأولوياتها، مع تقديرنا لحرية التعبير، إلا أننا نلاحظ أن البيانات الصادرة تركز على عناوين عامة دون تقديم تصورات واضحة أو أدوات عملية.
وأعرب عن أمله من جميع المهتمين بالشأن الرياضي؛ “أن يتحول النقد إلى مبادرات قابلة للتنفيذ، فأبواب الوزارة ستبقى مفتوحة أمام كل من يحمل فكرًا بناءً ومشروعًا واقعيًا يسهم في تطوير الرياضة السورية”.
وذكر الناطق الرسمي أن الخلفية الثورية هي جزء أساسي من منظومة القيم التي تلتزم بها الوزارة، فهي تعبير عن موقف أخلاقي وتاريخي لا يمكن التفريط به، مستدركًا: “لكن في الوقت ذاته، فإننا لا نتوقف عند الشعارات أو الانتماء الظاهري، بل نذهب إلى ما هو أعمق: إلى العقل، والمشروع، والنية الصادقة في خدمة الناس والرياضة السورية. ما نسعى إليه هو بناء مؤسسة وطنية قوية، تضم طاقات شابة وخبرات راسخة، وتعمل وفق استراتيجية واضحة ورؤية بعيدة، نحن في مرحلة بناء جديدة، تتطلب عقولًا مؤمنة وصادقة، تعرف حجم التحدي، وتتحمل مسؤولية التجديد دون انزلاق نحو الاستعراض أو التنافس السلبي. وهذه المعايير نطبقها بدقة، ونتابع كل حالة بعناية لضمان أن تكون مؤسساتنا الرياضية انعكاساً حقيقياً لتطلعات الشعب السوري.”
وأكد الحاج أحمد، فتح تحقيقين رسميين في قضيتي اللاعبين كمال جنبلاط وعلاء النائب، مشددة على أن الرياضة لا تنفصل عن القيم الثورية والأخلاقية. وأوضحت الوزارة أنه تم استبعاد جنبلاط فورًا بالتنسيق مع ناديه واتحاد اللعبة، بعد ثبوت ممارساته العنصرية ضد السوريين في تركيا.
وفي قضية النائب، أوشكت التحقيقات على الانتهاء، وسيُتخذ قرار رسمي قريبًا في حال تأكدت التجاوزات، مشددًا أن هذه الخطوات تأتي “ضمن نهج إصلاحي لتطهير الرياضة السورية من كل من لا يمثل مبادئ الثورة، مؤكدة أن الرياضة يجب أن تظل ساحة للكرامة والحرية”.
من جانبه يرى الصحافي الرياضي حسام خطاب أن “وزير الرياضة والشباب محمد سامح الحامض صاحب خلفية رياضية وثورية، قد نجح بإدارة الملف الرياضي في إدلب، ومعاونه الكابتن جمال الشريف يساعده بخبرته الدولية”.
واعتبر أن الوزارة تعمل على تأسيس هيكلية إدارية مناسبة للواقع السوري، وسط تحديات تتعلق بنقص الكفاءات الثورية من الصف الأول، مشيراً إلى أن “معظم الرياضيين المنشقين ينتمون للصفين الثاني والثالث، مع وجود قلة من الصف الأول الثوريين ضمن الوزارة حاليًا”.
خطاب، أكد على ضرورة استقطاب نجوم وكفاءات جديدة، شريطة عدم تورطها بفساد أو إساءة للثورة، وأن تكون أولوية الكفاءات الثورية في قيادة الرياضة.
لافتًا إلى أن بعض الأسماء الغائبة تعود لأسباب “تتعلق بهيكلية الوزارة التي لا زالت تؤسس، أو تفضيلهم عقودهم الخارجية، أيضًا بالنسبة للاتحادات الرياضية هي من تستقطب أبنائها ولا علاقة للوزارة بإبعاد أي من الرياضيين في الاتحادات”، حسب قوله، داعيًا إلى تطوير إعلام رياضي وطني يسهم في ردم الفجوة بين الشارع والوزارة.
بين طموحات رياضيين ضحّوا بألقابهم من أجل مبادئ الثورة السورية، وإدارة رياضية متهمة بتكرار أخطاء الماضي، يبقى مستقبل الرياضة في سوريا رهنًا بقدرة المؤسسات على مراجعة سياساتها بصدق، وتبنّي مشروع جامع لا يُقصي أحدًا بسبب مواقفه، ويفتح المجال أمام الكفاءة والإنجاز.