لم تهدأ بعد أصداء الصواريخ المتبادلة بين إسرائيل وإيران، حتى أعيد شريط الحديث عن “شرق أوسط جديد” برعاية أمريكية، يقوم على السلام مع تل أبيب وتطبيع عدد من الدول العربية، من بينها سوريا.
خلال الأيام الماضية، تصاعدت وتيرة الأخبار المتسربة عن هذا الاتفاق المرتقب، من دون أن يُعرف إن كان سيُترجم إلى معاهدة سلام دائمة أم سيكتفي باتفاق أمني يحافظ على “الستاتيكو” القائم منذ سبعينيات القرن الماضي، فكل ما لدينا مجرد تسريبات مبهمة تصدرها وسائل الإعلام من دون أي تفاصيل رسمية أو نصوص واضحة.
تُعاد هذه الإشاعات وسط ضبابية كاملة: هل تدور محادثات أمنية ضيقة تتعلق بضبط الأوضاع، أم أن هناك خطة سلام شاملة قيد التحضير؟ في غياب أي إعلان أو إطار تفاوضي معلن، يبرز السؤال المحوري: ما حقيقة هذه الأحاديث، وإلى أين تتجه خطوات الأطراف المعنية في الفترة المقبلة؟
ما الذي قيل عن المحادثات السورية الإسرائيلية؟
صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نشرت، في تقرير جديد اليوم، تفاصيل عن محادثات مباشرة تجري بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين، لكنها – بحسب ما ورد – محادثات أمنية بحتة، لا ترقى إلى مستوى التفاوض السياسي أو مسار سلام شامل.
وبحسب الصحيفة، فإن الاتصالات تدور حول “تنظيم توازن القوى” بين “إسرائيل” ودمشق الجديدة بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، وسط مشاركة واضحة من الولايات المتحدة، التي قيل إنها تتابع الملف عن قرب.
التقرير لفت إلى أن القيادة الإسرائيلية تشكّك في إمكانية عقد اتفاق سلام فعلي دون انسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما يفسر، بحسب مسؤولين إسرائيليين، اقتصار المحادثات الجارية على الجانب الأمني.
هذه التفاصيل تأتي بالتزامن مع تصريحات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ألمح فيها إلى إمكانية انضمام دول إضافية إلى اتفاقيات “أبراهام”، مع ذكر سوريا ضِمنًا كجهة قد تنضم لاحقًا.
لكن في ظل الغموض المحيط بتوقيت هذه التسريبات، وتناقض بعض مضامينها، يبرز سؤال ما إن كانت هذه التقارير تعكس واقعًا سياسيًا جديدًا، أم مجرد اختبار للرأي العام السوري؟
في الأيام الأخيرة، برزت سلسلة من التسريبات الإعلامية الإسرائيلية تزعم وجود محادثات جارية بين دمشق وتل أبيب، بعضها مباشر، وبعضها الآخر يتم عبر وسطاء دوليين.
أكثر هذه التسريبات إثارة للجدل ما أوردته قناة “آي 24″ الإسرائيلية عن “مصدر مقرّب من الحكومة السورية” – لم يُكشف عن هويته – قال إن اتفاقية سلام بين سوريا و”إسرائيل” ستُوقَّع قبل نهاية عام 2025، وإن مرتفعات الجولان ستتحول إلى ما وصفه بـ”حديقة سلام”، مع انسحاب إسرائيلي تدريجي من المناطق التي احتلتها في الجنوب السوري، بما في ذلك قمة جبل الشيخ.
لكن هذا السيناريو يبدو منفصلًا تمامًا عن الواقع الميداني. ففي الأسابيع الأخيرة، كثّف الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءاته وتوغلاته في الجنوب السوري، فدمّر منازل، واستهدف بنى تعليمية، وواصل حملات الاعتقال في محافظة القنيطرة، مع توغل متكرر في المنطقة العازلة.
في هذا السياق، يصبح الحديث عن سلام وحدائق أقرب إلى خطاب دعائي يهدف لتضليل الرأي العام، لا إلى طرح سياسي قابل للتحقق.

في المقابل، لا يُسجّل أي موقف رسمي سوري يؤكد أو يتبنى هذه المزاعم باستثناء ما صدر عن الرئيس أحمد الشرع الذي اقتصر على تصريحات متكررة عن وجود مفاوضات غير مباشرة تجري عبر وسطاء دوليين، تهدف إلى “وقف الاعتداءات الإسرائيلية”، دون الحديث عن أي عملية تطبيع أو اتفاق سلام.
الشرع أشار إلى هذه الوساطة لأول مرة خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ثم أعاد التأكيد عليها مؤخرًا، مجددًا مطالبته “إسرائيل” بوقف تدخلاتها العسكرية والأمنية في الشأن السوري.
كما نقلت صحيفة الشرق الأوسط، عن مصادر قريبة من الحكومة السورية أن هناك بالفعل مسارًا تفاوضيًا غير مباشر يتم برعاية عربية ودولية، لكنه يركّز على وقف العدوان الإسرائيلي ويحفظ السيادة السورية، مع تأكيد أن دمشق لا ترى في المسار الثنائي مع “إسرائيل” إطارًا للحل، بل تتمسك بالإطار العربي الأوسع.
على الجانب الآخر، جاءت التصريحات الإسرائيلية أكثر حدة، وتحديدًا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي أكد أن أي اتفاق مع سوريا يجب أن يتضمن اعترافًا سوريًا بـ”السيادة الإسرائيلية” على الجولان، معتبرًا بقاء الاحتلال في المنطقة شرطًا أساسيًا لما وصفه بـ”أمر إيجابي لمستقبل الإسرائيليين“.
وسط هذه المواقف المتضاربة، تبدو التسريبات الإسرائيلية، بما تحمله من مبالغات وشروط تعجيزية، أقرب إلى محاولة لاختبار المزاج العربي والسوري تجاه فكرة التطبيع، كجزء من مشروع أوسع هدفه إعادة تشكيل الاصطفافات في المنطقة، بغطاء أميركي وتحت سقف اتفاقيات “أبراهام”.
ما علاقة اتفاقيات “أبراهام”؟
كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” في 24 حزيران/ يونيو الجاري عن تفاصيل لقاء جرى في الكنيست، قال فيه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، إنه يدير بشكل مباشر حوارًا مع الحكومة السورية.
ووفق الصحيفة، فإن هنغبي لمّح إلى احتمال انضمام سوريا ولبنان لاتفاقيات “أبراهام”، في خطوة قد تكون الأوسع من نوعها منذ توقيع الاتفاقيات عام 2020.
في تصريحه للصحيفة ذاتها، لم ينفِ هنغبي هذه التسريبات، لكنه تحفّظ على مناقشتها علنًا، قائلاً إن “عدم القدرة على التحدث بحرية داخل لجان الكنيست سيُضعف الموقف الإسرائيلي”.
في المقابل، يبدو أن واشنطن لا تنفي هذه التحركات، بل تباركها على طريقتها. فقد صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مقابلة مع فوكس نيوز، قائلًا “لدينا دول عظيمة في اتفاقيات إبراهيم، وأعتقد أننا سنبدأ في إضافة المزيد”.
وعندما سُئل عن إمكانية انضمام سوريا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أجاب: “لا أعرف، لكنني رفعتُ العقوبات عنها وهذا أمرٌ مهم”.
و”أبراهام” هي سلسلة اتفاقيات تطبيع أُبرمت مع الاحتلال الإسرائيلي عام 2020، بوساطة أميركية خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب. استُخدم اسم “أبراهام” لأول مرة عند توقيع الاتفاق بين الإمارات والبحرين و”إسرائيل” في البيت الأبيض، في 15 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، بحضور ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيري خارجية البلدين العربيين.
والاسم يُحيل إلى النبي إبراهيم كرمز جامع للديانات الإبراهيمية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، في محاولة لتسويق الاتفاق على أساس ديني- حضاري لا سياسي – استعماري.
بدأ المسار بالإمارات، التي أعلنت في آب/ أغسطس 2020 إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع “إسرائيل”، مقابل تجميد خطة ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية. تبعتها البحرين في أيلول/ سبتمبر، ثم السودان، الذي أعلن ترامب عن انضمامه في 23 تشرين الأول/ أكتوبر عبر بيان ثلاثي مشترك، وأخيرًا المغرب، الذي أعلن انضمامه في 10 كانون الأول/ ديسمبر، مقابل اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية.
سوريا، على مدار العقود الماضية، كانت في موقع الرفض المطلق لأي تطبيع مع “إسرائيل” خارج مسار استعادة الأراضي المحتلة، وعلى رأسها الجولان.
لكن التسريبات الأخيرة تشير إلى محاولة إسرائيلية وأميركية لدفع دمشق إلى خانة التطبيع، بوسائل ضغط ومغريات مزدوجة مثل رفع العقوبات من جهة، والترويج لوقف العدوان الإسرائيلي من جهة أخرى.
لماذا التمسك باتفاق 1974؟
المصدر أكد لصحيفة الشرق الأوسط انخراط دمشق في مسار تفاوضي غير مباشر لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وأشار أيضًا إلى أن الحكومة السورية الحالية متمسكة بإلزام “إسرائيل” باتفاق فصل القوات الموقع عام 1974، وتعتبره الإطار القانوني الوحيد القائم والملزم ميدانيًا في الجولان.
خلال حوار بيننا بأحد جروبات حوران على الواتس كنا نتحدث عن المفاوضات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وبنص الحوار نط واحد من الشباب وكتب
اليهودي يلي بفوت عدرعا دمه مهدور هو ويلي برافقه
هذه حقيقة درعا ونداءات المساجد ونوى ليست ببعيد فنصيحة لكم عودو لاتفاقية فض الاشتباك هي الأنسب لكم
— Omar Alhariri (@omar_alharir) June 28, 2025
هذا الاتفاق وُقّع في 31 أيار/مايو 1974، بعد وساطة من الأمم المتحدة، لتثبيت وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب تشرين. لم يكن اتفاق سلام، بل تفاهم عسكري ميداني نصّ على إنشاء منطقة فصل منزوعة السلاح بين خطي “ألف” (إسرائيلي) و”برافو” (سوري)، تشرف عليها قوات مراقبة أممية (UNDOF)، وتُمنع فيها التمركزات العسكرية الثقيلة.
كما نصّ على تبادل الأسرى والجثث، دون أي اعتراف سياسي أو تطبيع بين الطرفين. وعلى الرغم من هشاشته، فقد صمد الاتفاق لأكثر من أربعة عقود، حتى بدأت “إسرائيل” بتجاوزه في الأشهر الأخيرة.
أما محاولة “إسرائيل” لتقديم الاتفاق اليوم كمدخل لترتيبات جديدة أو غطاء لاتفاقات تطبيع، فتكشف عن هدف آخر يتمثل في إعادة تحجيم سوريا، إما كعدو مُنهك يُراد احتواؤه، أو كـ”شريك” منزوع الإرادة ومفرّغ من السيادة.
أثارت هذه التسريبات في جملتها، رفضًا سوريًا على وسائل التواصل الاجتماعي، تجسدت في مواقف شخصيات عامة وأصوات مدنية رأت في الأمر تزييفًا متعمدًا لمواقف سوريا التاريخية. فمعظم وجهات النظر السورية ذهبت إلى اعتبار ما يُطرح “محاولة وقحة” لاستغلال الظروف الإقليمية لخلق واقع سياسي، وسط استمرار “إسرائيل” في اعتداءاتها اليومية على الجنوب السوري.