في تمام الساعة السادسة من مثل هذا اليوم قبل 12 عامًا، وقف وزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي، ومن خلفه نخبة منتقاة بعناية من أطياف الشعب المصري، معلنًا عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، لحين انتخاب رئيس جديد.
حرص السيسي، وبمنطق استخباراتي بحت، على توظيف مشهدية الصورة بشكل برغماتي محترف، مشددًا على أن يكون في خلفيته أثناء إلقائه البيان كوكتيل ممثل للشارع المصري، حتى لا يبدو منفردًا بالمشهد، وبما لا يتعارض مع الخطاب الذي تبناه حينها بأن القرار جاء بعد “التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد”، واستنادًا إلى قاعدة “من كل قبيلة رجل”.
بجانب السيسي، شارك في خلفية الصورة كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا الكنيسة الأرثوذكسية تواضروس الثاني، والسياسي البارز محمد البرادعي، وممثل حزب النور السلفي جلال مُرة، وممثلًا عن المؤسسة القضائية رئيس مجلس القضاء الأعلى حامد عبد الله، وعن حركة “تمرد” محمود بدر ومحمد عبد العزيز، وعن المؤسسة العسكرية رئيس أركان الجيش – وقتها – الفريق صدقي صبحي، إلى جانب قائد القوات البحرية الفريق أسامة الجندي، وقائد القوات الجوية يونس المصري.
الأسماء العشرة، وما تمثله من أحزاب أو مؤسسات أو كيانات رسمية وغير رسمية، التي شاركت في إخراج هذا المشهد الذي أطاح بأول نظام رئاسي منتخب في تاريخ مصر، كانت تؤمّل نفسها بأحلام وطموحات ومكاسب من خلال تلك المشاركة.
غير أن الصورة تبدلت تمامًا عامًا بعد عام، بعدما حقق السيسي مراده ونجح في توظيف المشهد لصالحه، ليلقى كل منهم مصيرًا مختلفًا؛ بعضهم أُطيح به خارج الساحة، وآخرون تَقزّم دورهم بعد استنزافهم في معارك جانبية، فيما نجح آخرون في البقاء في المنطقة الدافئة بعدما دخلوا قسرًا حظيرة التدجين.
شيخ الأزهر.. الإمام الذي أتعب الرئيس فأتعبه
حرص السيسي على أن يكون شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في مقدمة الصفوف، فهو الحاضنة العقدية الأبرز التي تغلف الانقلاب بعباءة دينية لها قدسيتها لدى غالبية المصريين، ورغم أنه لم يكن من مؤيدي ثورة يناير/كانون الثاني 2011، إذ كان يعتبرها “دعوة للفوضى وحرامًا شرعًا”، فإنه لم يجد أي حرج على الإطلاق في دعم الانقلاب على مرسي وتأييد التظاهرات التي خرجت للمطالبة بإسقاطه.
الطيب، وفي بيانه في ذلك اليوم، قال إن عزل مرسي يأتي “عملًا بقاعدة شرعية إسلامية تقول إن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي، وخروجًا من المأزق السياسي الذي وقع فيه الشعب، بين مؤيد ومعارض، فإنني أؤيد قرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة”. لكن سرعان ما تغير هذا الموقف لاحقًا.
بعد الدماء التي سالت أثناء فض اعتصام رابعة في أغسطس/آب 2013، والتي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، أكد الطيب في بيان صوتي له أنه لم يكن يعلم بهذا القرار، معلنًا على الفور اعتكافه في بيته في صعيد مصر “منعًا لجر البلاد إلى حرب أهلية، وحتى يعرف الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم”.
أثارت هذه الاستفاقة المتأخرة حفيظة السيسي، لتدخل العلاقة بين الطرفين في العديد من المعارك التي حاول من خلالها الرئيس إضعاف نفوذ شيخ الأزهر، الذي وصفه بأنه دومًا ما يُتعبه، حتى وصلت إلى حد مطالبة بعض مؤيدي السيسي بإصدار تشريع يسمح له بعزل شيخ الأزهر، لكنها لم تحدث اختراقًا ذا شأن.
وأشعلت بعض الملفات الصراع بين السيسي والطيب، أبرزها ملف تجديد الخطاب الديني، حيث دعا الرئيس أكثر من مرة إلى “ثورة دينية” و”تنقية التراث”، مطالبًا الأزهر بـ”تجديد الفكر الديني”، وهي الدعوات التي رفضتها المؤسسة الدينية بقيادة شيخها، الذي تمسّك بمفاهيم الثوابت والوسطية، مؤكدًا أن التجديد يجب أن يتم “من داخل المؤسسة وليس بإملاءات سياسية”.
كما أشهر النظام في وجه الطيب العديد من أوراق الضغط والتهديد، أبرزها الاقتراحات البرلمانية المتتالية بشأن تعديل قانون الأزهر لتحديد مدة ولاية شيخ الأزهر أو تمكين الرئيس من عزله، لكنها مقترحات لم تمرّ بسبب حساسيتها المجتمعية، في المقابل شنّت – ولا تزال – المؤسسات الإعلامية الداعمة للسلطة حملات بين الحين والآخر ضد الأزهر، متهمة إياه بالرجعية أو الرافضة للتجديد.
ومنذ عام 2013 وحتى اليوم، ورغم أن الخلاف بينهما لم يصل إلى حد الصدام، لا يُنكر أحد محاولات النظام المستمرة إضعاف نفوذ شيخ الأزهر وإدخاله قسرًا حظيرة التدجين، عقابًا على بيانه الذي لم يُذَع سوى مرة واحدة، والذي اعترض فيه على فض رابعة، حتى خاطبه السيسي في أحد اللقاءات قائلًا: “تعبتني يا فضيلة الإمام”.
البابا تواضروس.. امتيازات لا تناسب الطموحات
لم تكن مشاركة بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تواضروس الثاني، في مشهدية الانقلاب بالأمر المستغرب، بل كانت شيئًا متوقعًا في ظل القلق الذي كان يعاني منه الأقباط بسبب تولي الإسلاميين الحكم في مصر، خاصة مع حملات الشيطنة والترهيب التي قادها إعلام الثورة المضادة بشأن استهداف الإخوان وتيارات الإسلام السياسي للأقليات الدينية في البلاد.
شارك تواضروس في بيان الثالث من يوليو/تموز أملًا في تبديد قلق الأقباط وبداية عهد ودستور جديد يتمتع فيه أقباط مصر بامتيازات ومكاسب ترسخ أوضاعهم وتعالج الأخطاء والشروخات التي شهدها جدار علاقاتهم مع الدولة إبان عهد حسني مبارك، لا سيما بعدما استقر في يقينهم أنهم كانوا ورقة بأيدي النظام السابق لتحقيق مكاسب سياسية.
وبالفعل شهد الأقباط خلال العشرية الأخيرة تحسنًا نسبيًا في بعض المسارات، منها الخطاب الرسمي للدولة؛ فالسيسي هو أول رئيس مصري يزور الكاتدرائية الأرثوذكسية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد، وكرر ذلك في كل عام تقريبًا منذ توليه السلطة، هذا بخلاف إصدار قانون لتنظيم بناء الكنائس عام 2016، وهو ما كان يُعتبر مطلبًا تاريخيًا للأقباط.
كما نص دستور 2014 على المواطنة والمساواة، وهو ما اعتبره الأقباط تحسنًا جزئيًا في البنية التشريعية والدستورية لهم، تلاه تقنين أوضاع آلاف الكنائس والمباني التابعة للطائفة المسيحية التي كانت غير مرخصة سابقًا، بجانب تعيين عدد من المسيحيين في مناصب رسمية مهمة، مثل تعيين أول محافظة مسيحية (منى جرجس في دمياط عام 2018)، وزيادة تمثيل الأقباط في البرلمان عبر القوائم الانتخابية والتعيينات.
لكن رغم ذلك، لم يحقق الأقباط في عهد السيسي الطموحات التي كانوا يؤمّلون أنفسهم بها؛ فلا يزال التمثيل الحقيقي في مواقع صنع القرار محدودًا مقارنة بعدد الأقباط، كما أن التوترات الطائفية، خاصة في الصعيد، لم تنته بعد، في ظل تكرار الحوادث الطائفية بين الحين والآخر. علاوة على ذلك، لا تزال هناك قيود على بناء الكنائس وترميمها في بعض المناطق الريفية، رغم القانون الجديد، إذ لا يُسمح ببناء كنائس في بعض القرى دون موافقة الأمن.
بجانب ذلك، تسبب الدعم المطلق للكنيسة الأرثوذكسية للسيسي على طول الخط وفي المناسبات الرسمية وغير الرسمية في حالة تململ لدى بعض الأقباط الذين يرون أن الكنيسة تتجاوز دورها الديني وتورّط نفسها في استقطابات سياسية تبعدها عن هدفها الرئيسي، وهو ما كان له أثره على تصاعد الخطاب المعارض للبابا داخل الكنيسة خلال الآونة الأخيرة.
حزب النور السلفي.. إقصاء تدريجي
راود حزب النور السلفي، الذي مثّله في هذا الاجتماع أمينه العام جلال مُرة بدلًا من رئيسه يونس مخيون، الأمل في أن يحظى بمكانة الإخوان على خارطة السياسة المصرية بعد الإطاحة بمرسي ونظامه، متوهّمًا أن إزاحة الجماعة عن المشهد ستأتي به بديلًا، على أساس حتمية التواجد الإسلامي في مربع الحكم مستقبلًا.
ومنذ تولي مرسي السلطة، دخل السلفيون في صدامات متكررة مع الإخوان، وصلت إلى حد تبادل الاتهامات التي تمس السمعة والأعراض والنوايا، صراع نفوذ أكثر منه منافسة شريفة. وعليه، كان استقطابهم للمشاركة في مشهدية الانقلاب مسألة سهلة ولا تحتاج مشقّة، بل كانت متوقعة، حيث قال مُرة في كلمته حينها: “إن القرارات توافقنا عليها حقنًا لدماء أبنائنا”، واصفًا الأمر بـ”الاضطرار”، وأن الدافع في ذلك حب الوطن وإنقاذ مصر.
في انتخابات البرلمان 2012، أول انتخابات تشريعية بعد ثورة يناير، حصلت الكتلة الإسلامية السلفية (تحالف إسلامي أُنشئ في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، ويضم أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية) على 123 مقعدًا (107 لحزب النور و16 مقعدًا لبقية الائتلاف)، ليحتل المرتبة الثانية بعد حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان. لكن هذه النسبة لم تكن مُرضية بالنسبة للسلفيين، رغم أنها الأولى لهم تاريخيًا.
ثم جاءت انتخابات 2015، والتي تُعد أول ماراثون انتخابي بعد الإطاحة بمرسي وتولي السيسي المسؤولية، وهنا كانت المفاجأة، حيث حلّ حزب النور في المرتبة السابعة بـ11 مقعدًا فقط، بدلًا من 107 مقاعد في الانتخابات السابقة، ثم واصل التراجع في انتخابات 2020 التي لم يحصل فيها سوى على 7 مقاعد فقط، محتلاً بها المرتبة العاشرة بين الأحزاب المشاركة.
وهكذا، وبعد أن أدّى الحزب السلفي دوره في شرعنة النظام الجديد، بدأت الدولة تقلّص من مساحة تحركه تدريجيًا، حيث ضيّقت الخناق على نشاطه السلفي، بما في ذلك الجمعيات الدعوية المرتبطة بالحزب، مثل الدعوة السلفية في الإسكندرية، ليصبح وجوده السياسي شبه رمزي، دون أي تأثير فعلي في صنع القرار أو السياسات العامة.
ورغم تواجد الحزب رسميًا، فإن دوره هامشي جدًا، إذ لا يُنظر إليه كفاعل حقيقي في الحياة السياسية المصرية، كما فقد الكثير من شعبيته بين قواعده التي شعرت بالخذلان بعد تخليه عن “الصف الإسلامي” في لحظة حرجة، وهو ما عرّضه للعزلة، ككيان وقيادات، إذ اقتصر ظهورهم على الاستدعاء الرسمي من كهوفهم في المناسبات الخاصة وحين يُطلب منهم ذلك.
البرادعي وفؤاد.. التيار المدني في قبضة العسكرة
حين ارتأى التيار المدني أن يكون مُمثّلًا في هذا اللقاء من خلال الرئيس الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، التي كانت ضمن الفريق الاستشاري للرئيس الراحل محمد مرسي، كانت تداعبه أحلام التشاركية المدنية، والقضاء على الاستقطاب الإسلامي، والانتقال من أحادية الحكم إلى التعددية الطائفية والمجتمعية.
غير أنه، وبعد شهر ونصف فقط من مشاركته في هذا المشهد، وفي أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة، تقدّم البرادعي، الذي كان قد عُيّن نائبًا لرئيس الجمهورية عدلي منصور، باستقالته بشكل رسمي، مضيفًا في نص الاستقالة: “كان المأمول أن تفضي 30 يونيو إلى تحقيق مبادئ الثورة، وهذا ما دعاني لقبول دعوة القوى الوطنية للمشاركة في الحكم، إلا أن الأمور سارت في اتجاه مخالف، ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنًا غاليًا كان من الممكن تجنّبه”.
بعد ساعات قليلة من استقالته، تعرّض البرادعي لحملة إعلامية ممنهجة، حيث الاتهامات بالعمالة والتخوين، والمطالبة بسحب الجنسية، ما دفعه لمغادرة البلاد فورًا. وفي أواخر 2016، اعتبر البرادعي السيسي منقلبًا على بيان 3 يوليو/تمّوز، مشيرًا إلى أن “ما حدث جاء مخالفًا لما تم الاتفاق عليه بين القوى السياسية”، لافتًا إلى أن ما اتفق عليه حينها تضمّن “إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وخروجًا كريمًا لمرسي، ونظام حكم يشمل الجميع بمن فيهم الإخوان والإسلاميون، إضافة إلى بدء عملية مصالحة وطنية وحوار وطني وحل سلمي للاعتصامات”.
اليوم، وبعد 12 عامًا من مشاركته في هذا الحدث، يعيش البرادعي في منزله في النمسا، مبتعدًا عن السياسة، مكتفيًا بدور المغرّد الذي يشتبك بين الحين والآخر في القضايا الاجتماعية والسياسية، المصرية والإقليمية، عبر تدوينات على منصة “إكس”، ومع ذلك لم يسلم من سهام النقد المسلطة عليه من اللجان الإلكترونية والإعلام الموالي بين حين وآخر.
الوضع ذاته مع الصحفية سكينة فؤاد، التي كانت أحد المستشارين ضمن الفريق المعاون للرئيس الأسبق محمد مرسي، إلا أنها قدّمت استقالتها احتجاجًا على الإعلان الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وقد شغلت بعد 3 يوليو/تمّوز منصب مستشار الرئيس السابق عدلي منصور لشؤون المرأة، قبل أن تختفي عن الأضواء بشكل كلي لاحقًا.
وعامًا تلو الآخر، وجد التيار المدني نفسه في مأزق حقيقي؛ فبينما كان يؤمّل نفسه بالخروج من هيمنة الإسلاميين كما كان يدّعي، والذهاب نحو التشاركية والتعددية، إذ به اليوم في قبضة الجنرالات بعد عسكرة كافة مجالات الحياة، ليصل به الحال حبيسًا داخل جدران التضييق والكبت والحرمان، حيث لا مجال للتنفس إلا بإذن، ولا تحرّك إلا بأمر.
جنرالات الجيش.. لم يبق أحد
أطاح السيسي بشركائه في الانقلاب من جنرالات الجيش الذين شاركوا في اجتماع الثالث من يوليو/تمّوز، حيث غابوا عن المشهد بشكل كامل.
الأول هو الفريق أول صدقي صبحي، الذي تم ترقيته إلى رتبة فريق في أغسطس/آب 2012، وعُيّن رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية خلفًا للفريق سامي عنان، ثم عُيّن وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربي في مارس/آذار 2014.
كان صبحي أحد المقرّبين من السيسي، وكانت كل المؤشرات تذهب إلى استحالة التخلي عنه، ليفاجأ الجميع في 14 يونيو/حزيران 2018 بخبر الإطاحة به وتعيين اللواء محمد أحمد زكي، قائد الحرس الجمهوري في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، بدلًا منه، حتى وإن جاءت الإقالة في صورة ترقية لمنصب مستشار للرئيس، وهو المنصب الشرفي الذي يحفظ ماء وجه المسؤول المُطاح به أمام الرأي العام المحلي، ليغيب بعدها صبحي عن الأنظار والإعلام طيلة السنوات السبع الماضية.
كان من أبرز الحضور أيضًا الفريق بحري أسامة الجندي، الذي كان يشغل وقتها منصب قائد القوات البحرية المصرية، وكان له دور كبير في شرعنة دولة الثالث من يوليو، لكن وبصورة مفاجئة أُطيح به خارج المشهد في أبريل/نيسان 2015 ضمن التغييرات التي أجراها السيسي وطالت قيادة المخابرات الحربية، والقوات البحرية، والجيش الثاني الميداني، ليُعيّن بعدها في منصب مستحدث هو نائب رئيس هيئة قناة السويس.
كذلك الفريق طيار يونس المصري، الذي كان قد عيّنه مرسي قائدًا للقوات الجوية المصرية في 14 أغسطس/آب 2012، وشارك في لقاء الانقلاب، قبل أن يُطاح به من منصبه في 2018، ليُعيّن وزيرًا للطيران خلال الفترة من 14 يونيو/حزيران 2018 إلى 22 ديسمبر/كانون الأول 2019، ثم يغيب بعدها عن الأضواء والساحة بشكل كامل.
تمرد .. مكافآت شخصية للرموز
في الصف الأخير خلف السيسي، كان يجلس رمزان من رموز حركة “تمرد” المموّلة إماراتيًا لتأليب الشارع المصري ضد مرسي ونظامه؛ في أقصى اليمين محمود بدر مؤسس الحركة، وعلى الجهة المقابلة يسارًا صديقه محمد عبدالعزيز. وربما هما الأكثر استفادة من هذا المشهد، حيث تقلّدا مناصب ما كانا ليحلمان بها.
وعامًا تلو الآخر، أصبح بدر، الذي كان يعمل صحفيًا قبل الثورة، برلمانيًا ورجل أعمال يمتلك أحد المصانع الغذائية ذات الصلة الوثيقة بمؤسسات الدولة، أما الثاني، عبد العزيز، فبات عضوًا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان ثم نائبًا عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
وكان هناك صديق ثالث لهما لم يشارك في البيان، وهو حسن شاهين، وهو أقلهم حظًا في توزيع مكافآت الثورة المضادة؛ فقد انضم لحملة حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية، وبعد خسارته اختفى تمامًا عن المشهد.
ومنذ الانقلاب، لم يتوانَ بدر ولا عبدالعزيز عن تقديم الدعم المطلق للسيسي ونظامه، حيث سخّرا أنفسهما منصات لمناهضة كل الأصوات المعارضة، وقيادة حملات الشيطنة والتشويه لكل من يغرد خارج السرب. ورغم تراجع شعبيتهما وقلة حضورهما لدى الشارع، إلا أن نجاحهما برلمانيًا ربما يكون مضمونًا على قوائم الدولة.
التيار اليساري.. عبده مشتاق السياسة
ربما لم يكن مشاركًا بشكل مباشر، لكنه كان حاضرًا بالهوية والدعم والتحشيد الكامل، التيار اليساري، الذي كان يحلم بنصيب من التورتة، وكان قادته يؤمّلون أنفسهم بتولي المناصب ورد الجميل وتلقي المكافآت على ما أبدوه من دعم كامل في الإطاحة بنظام مرسي، لكن الأمور لم تسر على الشكل المطلوب.
منذ الساعات الأولى، كان قادة هذا التيار، وعلى رأسهم حمدين صباحي وخالد يوسف وغيرهما، في مقدمة الجموع المشاركة في تظاهرات 30 يونيو/حزيران، وكانوا من أبرز المنادين بدخول الجيش والسيطرة على السلطة وإزاحة الإخوان من الحكم. وكان صباحي تحديدًا يمني النفس بأن يصبح الاختيار الجديد لمنصب رئيس الجمهورية بعد الإطاحة بمرسي.
لكن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن، فلم يدر بخلد صباحي ولا رفاقه من أبناء ماركس وعبد الناصر أن عين السيسي نفسه كانت على الكرسي، وعليه لم ولن يسمح لغيره بالجلوس عليه كما تعهّد في تصريحات سابقة، ليجد اليساريون أنفسهم خارج المشهد بعدما غُرّر بهم، لتُهمّش بعدها الأحزاب والحركات اليسارية بشكل كبير في تشكيل التحالفات الانتخابية، ولم تحظَ بدعم الدولة أو الإعلام الرسمي.
كما تعرّضت كل الكيانات اليسارية التي حاولت الاشتباك مع السلطة عبر الملف السياسي أو الحقوقي أو الاقتصادي لضغوط وتضييقات أمنية حادة، فيما واجه بعض قادتها اعتقالات ومضايقات، مثل المحامي خالد علي، الذي واجه خنقًا أمنيًا وملاحقات قضائية حين فكّر في منافسة السيسي على منصب رئيس الجمهورية.
وواجه اليسار واحدة من أقسى الضربات التي تعرّض لها في العقدين الأخيرين، حين تفسّخت بنيته الداخلية، ونشبت الانقسامات بين أعضائه، وتشتّتت كياناته ذات المرجعية اليسارية بين دعم النظام كما هو حال “التجمع”، والوقوف على الحياد كما “العربي”، فيما بقيت بعض المؤسسات في موقع المعارضة وإن تعرّضت لضغوط وعزلة سياسية مثل “الاشتراكيون الثوريون”، وهو ما أدى في النهاية إلى تهميش هذا التيار، سلطويًا وشعبيًا، وانحسار دوره السياسي والاجتماعي.
وبعد 12 عامًا على اجتماع الثالث من يوليو/تمّوز، لم يتبقَّ من الصورة إلا السيسي وحده، بعدما مارس هوايته المفضلة في التخلّص من شركائه، بعد أن حصل على ما يريد، وما تبقّى منهم على قيد الحياة السياسية فقد تم تدجينهم وإدخالهم قسرًا حظيرة الانبطاح والرضوخ، حتى لا يبقى أحد شاهدًا على ما جاء في بيان الانقلاب، الذي نسفه السيسي من جذوره، كما نسف الكثير من الوعود التي قطعها على نفسه حين أكّد أنه ليس له رغبة في السلطة ولن يترشّح للرئاسة.