في ظل الصراع المستمر في اليمن منذ انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014، تعرض آلاف المدنيين للاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب داخل سجون الجماعة. هذه الممارسات ليست فقط انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، بل لها تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية واسعة على الأسر والمجتمع اليمني ككل.
يقدم هذا التقرير شهادات حية وقصصًا شخصية لأشخاص عانوا من هذه الانتهاكات، إلى جانب تصريحات حقوقية موثقة توضح حجم المعاناة والظروف الصعبة التي يعيشها المختطفون وعائلاتهم.
سنوات بين الإخفاء القسري والتعذيب
في 9 يونيو 2015، اختطفتني جماعة الحوثي، وبقيت في المعتقل خمس سنوات ونصف، قضيتها بين الإخفاء القسري والتعذيب النفسي والجسدي. لم أكن أنا وحدي من عانى، بل عائلتي كلها دخلت السجن معي، وإن بقيت خارجه.
بهذه الكلمات يلخص الصحفي هشام طرموم لـ”نون بوست” تجربته في سجون الحوثيين، حيث تنقل بين معتقلات الجماعة، وتعرض لمعاملة قاسية، وحرمان تام من الحقوق، فيما ظلت عائلته تبحث عنه لأشهر دون أن تعرف مصيره.
يقول هشام: “أمي كانت تتردد يوميًا على أبواب السجون، وسمعت لاحقًا أن عائلتي تلقت أخبارًا عن وفاتي تحت التعذيب عام 2019. تلك الشائعة كادت تقتلهم نفسيًا”.
عائلته لم تسلم من الابتزاز أيضًا، إذ دفعوا مبالغ مالية لمشرفين حوثيين وعدوهم كذبًا بإطلاق سراحه. وحتى في الزيارات النادرة، كانوا يقطعون مسافات طويلة من ريف حجة إلى صنعاء، ويقفون لساعات ليسمح لهم بلقائه دقائق معدودة.
بعد خروجه، عانى هشام من مشاكل صحية مزمنة، بينها انزلاق غضروفي في الرقبة، وآلام في القولون والمفاصل، نتيجة التعذيب والإهمال الطبي والبرد القارس في الزنازين.
يختم هشام شهادته بالقول: “خرجت من السجن، لكن أثره لم يغادرني. كنت أنا المختطف، لكن أهلي عاشوا التجربة كاملة معي.” وهو اليوم شاهد حي على وجع الصحافة في زمن الميليشيا.
بينما فوجئ الصحفي المختطف توفيق المنصوري بمسؤول ملف الأسرى في الجماعة، عبدالقادر المرتضى، يدخل عليه غاضبًا في مساء 20 أغسطس 2022، إثر حملة إعلامية طالبت بنقله لتلقي العلاج.
يقول توفيق: قال لي المرتضى وهو في نوبة غضب هستيري: ماذا سينفعك الإعلام والمنظمات؟ أجبته بصوت واهن: لا أعلم شيئًا، أنا ممنوع من الاتصال أصلًا.
رد المرتضى بسخرية: وماذا تريد إذًا؟
قال توفيق: أريد علاجًا، رجلاي متورمتان، لدي مشاكل في القلب، والتهابات مزمنة بالصدر. لكن قبل أن يكمل حديثه، رفع المرتضى الهراوة الحديدية وهشم بها رأسه، ليفقده الوعي.
وعلى الرغم من خطورة حالته وتحذير الممرض في السجن، لم يُنقل المنصوري إلى المستشفى، ولم يُسمح له بتلقي العلاج اللازم.
توفيق المنصوري هو أحد أربعة صحفيين حُكم عليهم بالإعدام من قبل جماعة الحوثي بعد سنوات من الإخفاء والتعذيب، بسبب عملهم الإعلامي. طوال أكثر من ثماني سنوات في الأسر، تعرض لأبشع أساليب التعذيب، لكنه يقول إن هذه الحادثة كانت “الأكثر قسوة”، لأنها جاءت من شخصية تفاوض باسم المختطفين، وتُقدَّم دوليًا كـ”شريك إنساني” في مفاوضات السلام.
ورغم الإفراج عن بعض زملائه لاحقًا، ما يزال توفيق يعاني من تبعات ما جرى، صحيًا ونفسيًا، ويطالب اليوم بمساءلة الجناة، لا مجرد إدانتهم.
في ديسمبر 2024، أدرجت الولايات المتحدة الهيئة الوطنية العليا لشؤون الأسرى الحوثية (HNCPA) وقائدها عبد القادر المرتضى ضمن قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818.
وجاء هذا الإجراء نتيجة لتحمل الطرفين مسؤولية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو التواطؤ فيها، أو المشاركة المباشرة وغير المباشرة بها. كما شملت العقوبات المرتضى بصفته قائدًا في كيان شارك أعضاؤه في مثل هذه الانتهاكات خلال فترة توليه المسؤولية.
وتعد الهيئة الجهة المشرفة على إدارة سجون الحوثيين، بما في ذلك السجن المعروف باسم بيت التبادل في العاصمة صنعاء، والذي أكدت تقارير الأمم المتحدة أنه يشهد ممارسات تعذيب منتظمة، إلى جانب أشكال متعددة من المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة. وتشير هذه التقارير إلى تورط مسؤولي السجن، بمن فيهم المرتضى، بشكل شخصي في الانتهاكات.
اختفاء قسري بلا أثر
الاختطاف والإخفاء القسري كانا من أبرز أساليب جماعة الحوثي في قمع المعارضين، حيث تعرض كثيرون للاختفاء دون أي تهمة أو مسوغ قانوني، وأُبعدوا عن عائلاتهم وأقاربهم لفترات طويلة بلا أي معلومات عن مصيرهم.
بينما لا تزال عائلة صالح مبارك الرمادي تنتظر إجابة على مصير ابنها إسماعيل، الذي اختفى قسريًا منذ عشر سنوات، عقب انقلاب جماعة الحوثي على السلطة في سبتمبر 2014.
في صباح يوم 25 ديسمبر 2014، اقتحمت عناصر تابعة لجماعة الحوثي منزل إسماعيل الرمادي في قرية بيت مران بمديرية أرحب، شمال صنعاء، وأخذته دون توجيه تهمة أو إصدار أمر قانوني، بحسب رواية الأسرة، ومنذ ذلك الحين، لا تزال الأسرة تجهل مكان احتجازه أو حالته الصحية.
يقول صالح الرمادي، والد الشاب المختفي لـ”نون بوست” إن الأيام لم تحمل له سوى التساؤلات المؤلمة: هل هو حي أم مات؟ هل يعاني من مرض أم يُعامل بشكل إنساني؟ ويضيف أن محاولاتهم للبحث عن ابنهم قوبلت بجدار من الصمت والرفض.
حاول والد المختفي التواصل مع مسؤولي الجماعة في أرحب وصنعاء، بل وسافر إلى معاقل الحوثيين في صعدة ومنطقة ضحيان، دون أن يتلقى أي معلومة تذكر.
الاعتقال بسبب كلمة حق والاعتداءات داخل العائلة
لم يقتصر الاختطاف والتعذيب على الرجال فقط، بل طال النساء اليمنيات الناشطات والمعارضات، اللواتي تعرضن للاعتقال والتهديد والاعتداءات، مما ترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا على عائلاتهن ومجتمعاتهن.
لم تكن سونيا صالح، الناشطة الحقوقية وخريجة جامعة صنعاء، تتخيل أن منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي سينتهي بها خلف قضبان أحد معتقلات جماعة الحوثي المسلحة. ففي مارس 2019، وبينما كانت في طريقها إلى حي حدة في العاصمة صنعاء، تم اعتقالها بسبب انتقادها العلني لارتفاع الإيجارات وطرد المستأجرين، وسياسة تكميم الأفواه التي تنتهجها الجماعة.
سونيا، التي أسست منظمة “رغم الصعاب” وقدّمت مبادرات مجتمعية وصلت إلى حضرموت وكفلت عددًا من الأيتام، وجدت نفسها في زنزانة مغلقة فقط لأنها تحدثت. تقول: كانت مشكلتي أنني رأيت الظلم وكتبت عنه، فكان العقاب اعتقالًا وتعذيبًا.
تؤكد سونيا أن التعذيب الذي تعرضت له لا يزال يلاحقها نفسيًا حتى اليوم، ورغم الإفراج عنها لاحقًا بكفالة، وتأكيد الطب الشرعي تعرضها للتعذيب، إلا أن حريتها كانت شكلية. بعد خروجها، عانت من الانهيار النفسي والعزلة التامة، لتجد نفسها أمام قمع من نوع آخر، هذه المرة من عائلتها التي اعتبرتها عارًا.
حُرمت من العمل، أُخذ هاتفها، ومُنعت حتى من السفر لعلاج ابنتها، وعندما أصرت، تعرضت للضرب وكُسرت يدها على يد شقيقها.
هربت سونيا لاحقًا من صنعاء إلى عدن، ومنها إلى القاهرة، مستغلة فرصة السفر بدون تأشيرة. لكن حتى في المنفى لم تجد الأمان.
تؤكد أن كثيرًا من المنظمات الدولية وثقت قصتها لكنها لم تقدم أي دعم فعلي، فيما مُنعت من تمثيل نفسها في محافل حقوقية دولية، بينما ظهر من يتحدث باسمها دون إذن أو تفويض.
حجم الانتهاكات وأثرها الاجتماعي
تُظهر التقارير الحقوقية حجم الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون في اليمن، خاصة الاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية، التي تركت أثرًا بالغًا على الأسر والمجتمع، وأدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
بينما اختُطف الصحفي أحمد ماهر من قبل قوات الحزام الأمني في عدن الموالية للحكومة الشرعية، عقب انتقاده للأوضاع السياسية والفساد والدفاع عن حقوق البسطاء.
في حديث مع “نون بوست”، قال ماهر: اختُطفت وأُجبرت على الإدلاء بأقوال كاذبة تحت التعذيب، وفُبركت بحقي تهم جنائية مزيفة.
وأضاف: تعرضت لتهديد عائلتي، وسُرقت أموالي وأجهزتي الإلكترونية، وقُدمت لي اتهامات باطلة لم أرتكبها.
ورغم كل محاولات التشويه التي تعرض لها عبر صفحات وقنوات إعلامية تابعة للحزام الأمني، أكد ماهر أنه لم ينكسر: خرجت من السجن بعد عامين ونصف ورأسي مرفوعًا، مثل جبل شمسان الأبي، واثقًا أن الحق سينتصر.
وأشار إلى أن موقفه السياسي كان سببًا رئيسيًا في اعتقاله: دفعت ثمن مواقفي السياسية وعدم خضوعي للمليشيات، ودفاعي عن الفقراء وانتقادي للفساد في عدن.
ووجّه رسالة واضحة لمن تسببوا في ظلمه: “أحمل الجهات التي اختطفتني وحاكمتني ظلمًا المسؤولية القانونية، ولن تستمر السلطة في إسكات الأصوات الحرة.
يعاني المعتقلون من ظروف احتجاز ملوثة، نقص الغذاء والماء، وانعدام الزيارات، بينما تُصادر ممتلكاتهم الشخصية لاستخدامها في الجبهات القتالية.
في تصريح لـ”نون بوست”، أكد رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات محمد العمدة، أن جماعة الحوثي المسلحة ارتكبت منذ انقلابها في 21 ديسمبر 2014 وحتى منتصف 2025 سلسلة من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، شملت الاعتقال، الإخفاء القسري، والتعذيب، في تحد صارخ لكل القوانين الإنسانية والدولية.
وثّقت الشبكة اعتقال واختطاف ما لا يقل عن 20,731 مدنيًا، منهم 4,201 ما زالوا في سجون الجماعة، منهم 389 سياسيًا، 464 ناشطًا، 340 إعلاميًا، 374 امرأة، و176 طفلًا، بالإضافة إلى 2,458 معتقلًا من فئات مهنية واجتماعية مختلفة.
وأشار العمدة إلى أن الاعتقالات تتم في أماكن عامة ومنازل ومساجد وأسواق، ويتم نقل المعتقلين إلى سجون سرية لا يمكن لأهاليهم معرفة مواقعها.
وأضاف أن المعتقلين يعانون من أوضاع إنسانية كارثية، منها التعذيب النفسي والجسدي، والحرمان من الرعاية الصحية، مما أدى إلى وفاة عدد منهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
وثقت الشبكة 1,317 حالة إخفاء قسري و2,467 حالة تعذيب، بينها حالات تصفية جسدية ووفاة بسبب الإهمال الطبي، واستخدام معتقلين كدروع بشرية.
وحذّر العمدة من أن أكثر من 98 معتقلًا توفوا بعد الإفراج عنهم بسبب حقن بمواد سامة، مطالبًا المجتمع الدولي بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية لضمان ردعها وإجبارها على الالتزام بقرارات مجلس الأمن.
وأكد أن المعتقلين يعانون من ظروف احتجاز ملوثة، نقص الغذاء والماء، وانعدام الزيارات، بينما تُصادر ممتلكاتهم الشخصية لاستخدامها في الجبهات القتالية.
في سياق متصل، أشار الحقوقي توفيق الحميدي في تصريح خاص لـ”نون بوست” إلى أن الاعتقالات التعسفية هي إحدى أخطر مخرّجات الحرب في اليمن، لما خلفته من آثار اجتماعية واقتصادية مدمرة على النساء والأطفال.
وأوضح الحميدي أن غياب الزوج أو المعيل بسبب الاعتقال دفع آلاف النساء لتحمل أعباء غير معتادة، من تأمين الاحتياجات اليومية للأسرة، إلى متابعة قضايا المعتقلين، وسط ضغوط مالية ونفسية كبيرة.
ولفت إلى أن العديد من النساء اضطررن للعمل في مهن بسيطة لأول مرة، مما وضعهن تحت ضغط نفسي واجتماعي في مجتمع محافظ.
وأكد أن الأطفال الذين فقدوا آباءهم بسبب الاعتقال يعانون من اضطرابات نفسية، ومشكلات دراسية واجتماعية، بما في ذلك اضطرار بعضهم لترك المدرسة لدعم أسرهم.
وانتقد الحميدي انتهاك هذه الاعتقالات للقوانين اليمنية والدولية، وشدد على ضرورة رصد وتوثيق هذه الحالات، وإطلاق حملات مناصرة للإفراج عن المعتقلين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر، خاصة النساء والأطفال.
بينما كشف رئيس الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، رضوان مسعود، في تصريح خاص لـ”نون بوست”، عن أرقام صادمة توثق انتهاكات الحوثيين بحق المدنيين بين سبتمبر 2014 ويونيو 2024، حيث تم اختطاف أكثر من 22 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال، في حملة استهداف ممنهجة ضد الناشطين والسياسيين والصحفيين والمعارضين.
وأوضح أن الجماعة تعتمد على الخطف كأسلوب قمعي، وتحتجز الضحايا في أماكن سرية دون تواصل مع العالم الخارجي، مع أكثر من ألفي حالة إخفاء قسري، ووجود 50 حالة مجهولة المصير.
وثّقت الهيئة 1,397 حالة تعذيب في سجون الحوثيين، تشمل ضحايا نساء وأطفال، بأساليب وحشية كالضرب، الصعق الكهربائي، الحرمان من النوم والطعام، والتعليق لفترات طويلة.
وبيّن مسعود أن الحوثيين مسؤولون عن مقتل 436 شخصًا داخل المعتقلات، منهم 197 نتيجة تعذيب مباشر، و239 بسبب الإهمال الطبي المتعمد، مع وفاة العديد بسبب تفاقم الأمراض.
تشكل الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث تُحتجز أشخاص دون أوامر قضائية، وفي أماكن سرية دون معرفة ذويهم، مما يزيد من معاناة الأسر ويهدد النسيج الاجتماعي اليمني.
ودعا مسعود إلى تحرك دولي عاجل لوقف الجرائم ومحاسبة المسؤولين، وفتح السجون أمام لجان مستقلة، والإفراج عن جميع الأسرى والمختطفين دون قيد أو شرط، مؤكدًا استمرار الهيئة في الرصد والتوثيق لتقديم الملفات للجهات الحقوقية والقضائية.
تشكل الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث تُحتجز أشخاص دون أوامر قضائية، وفي أماكن سرية دون معرفة ذويهم، مما يزيد من معاناة الأسر ويهدد النسيج الاجتماعي اليمني.
المحامية هدى الصراري، في تصريح خاص لـ”نون بوست”، قالت إن الاعتقال التعسفي يشمل احتجاز أشخاص دون أوامر قضائية، ولفترات طويلة دون محاكمة أو تهم، وهو انتهاك صريح للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل لكل فرد حق الحرية والأمن.
وأوضحت أن الإخفاء القسري، أي احتجاز المعتقلين في أماكن سرية دون علم أسرهم، يشكل جريمة دولية، مؤكدة وجود سجون سرية يُمارس فيها التعذيب وسوء المعاملة، إضافة إلى حرمان المعتقلين من حق الدفاع والتمثيل القانوني، وخضوعهم لمحاكمات تفتقر للعدالة والاستقلالية.
وأشارت إلى تداعيات الاعتقالات على الأسر، حيث تعيش حالة قلق دائم، وتتحمل النساء أعباء إضافية في غياب المعيل، مع تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر، ما يضطر بعض الأسر إلى بيع ممتلكاتها أو دفع رشاوى للإفراج عن ذويها.
كما لفتت إلى وجود وصمة اجتماعية وعزلة مجتمعية على الأسر، خاصة في المناطق الريفية، تؤدي لانقطاع الدعم الاجتماعي عنها.
وأعربت الصراري عن أسفها لضعف الضغط الدولي رغم تقارير الأمم المتحدة، مؤكدة الحاجة إلى تفعيل آليات المساءلة الدولية ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الاعتقال غير القانوني.
يعاني المعتقلون أيضًا من ابتزاز ممنهج، حيث يُجبرون وعائلاتهم على دفع مبالغ مالية كبيرة للسماح لهم بإجراء مكالمات هاتفية أو الحصول على زيارات.
ودعت إلى دعم المنظمات المحلية التي توثق الانتهاكات وتقدم الدعم القانوني والنفسي لأسر الضحايا، مؤكدة ضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين وضمان حقوقهم في الزيارات والمحاكمات العادلة.
وطالبت بتفعيل دور الأمم المتحدة في رصد وتوثيق الانتهاكات بشكل مستقل، ودعم برامج التأهيل النفسي والاجتماعي للمفرج عنهم وأسرهم، مع التأكيد على مسؤولية الحكومة الشرعية في حماية حقوق المعتقلين.
وكشف تقرير صادر عن فريق الخبراء الدوليين البارزين المعني باليمن التابع للأمم المتحدة، ضمن ملحقه رقم 80، عن تفاصيل صادمة بشأن الانتهاكات التي يتعرض لها آلاف المعتقلين داخل معسكر الأمن المركزي في العاصمة صنعاء، وبشكل خاص في سجن يُعرف بـ”بيت التبادل”، والذي تشرف عليه اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة لجماعة الحوثيين بقيادة عبد القادر المرتضى.
التقرير أوضح أن هذا السجن يضم معتقلين من فئات متعددة، من ضمنهم مدنيون وصحفيون وسجناء سياسيون وأسرى حرب من معارك سابقة، أبرزها معركة وادي جبارة عام 2019، إضافة إلى رجال محتجزين بتهم جنائية، ومصابين بأمراض عقلية، ومدمني مخدرات. وأكد أن بعض هؤلاء السجناء ظلوا رهن الاحتجاز لسنوات طويلة دون محاكمة أو وضوح في مصيرهم، رغم أن بعضهم كان من المفترض أن يُدرج ضمن صفقات تبادل الأسرى.
وركز التقرير بشكل خاص على ممارسات التعذيب المنهجي التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجن، والتي تشمل التهديد بالإعدام الوهمي، والضرب الشديد، والصدمات الكهربائية، والتعليق في أماكن مفتوحة، والحرمان من الرعاية الطبية حتى في الحالات الحرجة، وهو ما أدى في بعض الحالات إلى إصابات دائمة، وتسبب بوفاة معتقلين في ظروف غامضة.
بحسب الفريق الأممي، يُقدّر عدد السجناء في معسكر الأمن المركزي بحوالي ثلاثة آلاف معتقل، بينهم قاصرون اعتُقلوا وهم في سن الطفولة.
وبحسب التقرير، يعاني المعتقلون أيضًا من ابتزاز ممنهج، حيث يُجبرون وعائلاتهم على دفع مبالغ مالية كبيرة للسماح لهم بإجراء مكالمات هاتفية أو الحصول على زيارات. وفي كثير من الأحيان، تُستخدم هذه المكالمات فقط للضغط على الأهالي لتحويل أموال إضافية تُدار من قبل إدارة السجن نيابة عن المعتقلين. كما أورد التقرير أن إدارة السجن تُعامل السجناء الذين يدفعون مبالغ أكبر معاملة تفضيلية، وتوفر لهم زنازين أفضل، فيما يُعامل من لا يملك المال بقسوة شديدة.
تطرق التقرير كذلك إلى حرمان المعتقلين من الأدوية اللازمة، حيث تُباع لهم بأسعار خيالية، تصل أحيانًا إلى خمسة أضعاف سعرها في السوق المحلي، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الأدوية كانت تحمل ملصقات تشير إلى أنها مساعدات إنسانية “غير مخصصة للبيع”. كما تحدث عن قيام بعض الحراس ببيع معلومات من داخل السجن مقابل المال أو القات، الذي يشتريه السجناء بأموالهم الخاضعة لسيطرة إدارة السجن.
ويوثق التقرير ممارسات حبس انفرادي قاسية، منها احتجاز معتقلين في زنازين ضيقة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تُعرف باسم “الضغاطات”، وتبلغ مساحتها نحو متر في نصف متر، دون تهوية أو مياه، حيث يُحتجز بعض السجناء داخلها لأشهر. وفي سياق “إعادة التأهيل العقائدي”، يُجبر المعتقلون يوميًا على الاستماع إلى خطب دينية وإذاعة قناة المسيرة، بالإضافة إلى محاضرات لعبد الملك الحوثي، رغم أن غالبية المعتقلين من الطائفة السنية.
وبحسب الفريق الأممي، يُقدّر عدد السجناء في معسكر الأمن المركزي بحوالي ثلاثة آلاف معتقل، بينهم قاصرون اعتُقلوا وهم في سن الطفولة. وقد أدى التعذيب والانتهاكات المتواصلة إلى إصابة عدد من المعتقلين بأمراض نفسية، في حين توفي آخرون في ظروف لم تُكشف تفاصيلها حتى الآن.