في مطلع يونيو/ حزيران 2025، كان جهاز “مستقبل مصر” للتنمية المستدامة على موعد مع نقطة تحول مهمة في مساره الاقتصادي، فقد أٌعلن عن توقيعه – ممثلاً عن الدولة – عقود المشاركة في تطوير مشروع “مدينة جريان” العقاري الضخم، بتكلفة تقارب 1.5 تريليون جنيه مصري، وهذا يعني تغطيته لمساحة جديدة من الاقتصاد تحت مظلة أمنية، وبعيدًا عن الأطر الحكومية التقليدية.
لم تكن مشاركة الجهاز في مشروع بارز يعكس دوره المتعاظم وتوسعه غير المسبوق سوى محطة واحدة من تمدده المتسارع في مفاصل الاقتصاد المصري، ووجهة حديثة لشبكة معقدة من الأنشطة الاقتصادية التي يديرها، مستندًا إلى مظلة قانونية أُسِّست خصيصًا لشرعنته، لكنها فعليًا غطاء لعمليات توسع بدأت قبل سنوات بإشراف مباشر من أجهزة عسكرية تديره كـ”مزرعة مغلقة”.
خريطة الصعود المتسارع
بدأ ظهور جهاز “مستقبل مصر” للمرة الأولى كـ”مقاول زراعي“، في مايو/ تموز 2022، بعد الإعلان عن تأسيسه بموجب قرار جمهوري – لم يُنشر رسميًا حتى اليوم – كجهة تابعة للقوات الجوية وتحت إشراف ضباطها المباشر، وأضفت تلك الخطوة صفة رسمية وشرعية متأخرة على كيان كان قائمًا قبل ذلك.
تولَّى العقيد الطيار بهاء الغنام إدارة الجهاز، وهو رجل عسكري مقرَّب من الرئيس عبدالفتاح السيسي، برز اسمه في الاجتماعات والفعاليات الرسمية بشكل لافت، وكان ظهوره العلني الأول في عام 2017، حين قدَّم بنفسه العرض التقديمي لمشروع “مستقبل مصر للزراعة المستدامة” أمام السيسي وهو ما أثار الانتباه لكونه ضابطًا وليس أحد الوزراء المعنيين بالزراعة أو الموارد المائية أو التموين.
في تلك الفترة، كان يحمل رتبة “مقدم”، ثم ترقَّى إلى “عقيد”، وكان يشغل رسميًا منصب المدير العام لهذا المشروع الزراعي، وظهر في جميع المناسبات المتعلقة بالمشروع بزيه العسكري الممثل لسلاح الجو، وأُوكلت إليه لاحقًا مهمة الإشراف على مشروعات زراعية كبرى تابعة للجيش، والقوات الجوية تحديدًا.
حتى عام 2017، كان مشروع “مستقبل مصر” جزءًا من مبادرة “المليون ونصف فدان” التي بدأت في 2015 بإشراف شركة “تنمية الريف المصري الجديد”، وتوزعت أراضيها على عدد من المحافظات، وكانت القوات الجوية من بين الجهات العسكرية والمدنية التي حصلت على 200 ألف فدان في منطقة “الدلتا الجديدة”، لتُدار لاحقًا تحت مسمى “مستقبل مصر” بقيادة الغنام.
في أقل من 3 سنوات، تمكَّن المشروع من استصلاح وزراعة كامل المساحة المخصصة له بمحاصيل استراتيجية للسوق المحلي، بعد أن فشل غيره، وهو ما أكسبه دعمًا وزخمًا سياسيًا ملحوظًا، وجعله محور اهتمام مباشر من السيسي، الذي كلَّفه، في عام 2021، بتوسيع نطاق مسؤوليته ليشمل إدارة أكثر من مليون فدان ضمن مشروع “الدلتا الجديدة” في الصحراء الغربية.
في العام التالي، تحوَّل المشروع رسميًا إلى كيان إداري موَّسع تحت اسم “جهاز مستقبل مصر”، وبدأ عمله بتبنَّيه خطة توسعية طموحة تهدف إلى استصلاح 4.5 مليون فدان بحلول عام 2027، أي ما يمثل نحو نصف الرقعة الزراعية في البلاد، مع توفير نحو مليوني فرصة عمل خلال الفترة نفسها، وأعلن أنه يهدف إلى تقليص الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستيراد، رغم وجود جهات حكومية مختصة أخرى تنشط في المجال نفسه، كوزارة الزراعة.
خلال سنوات قليلة، أصبح للجهاز تواجد مثير للشكوك في السوق المصري، فقد أنشأ مشروعات استصلاح زراعي على مساحات شاسعة تُقدَّر بملايين الأفدنة في الصحراء الغربية والشرقية شمال وجنوب مصر، وارتكز هذا التوسع في منطقة “الدلتا الجديدة” قرب الضبعة، وامتد جنوبًا ليشمل أراضٍ من الصحراء الغربية والمنيا وبني سويف وأسوان والداخلة والعوينات، وشرقًا إلى شمال ووسط سيناء.
لم تكن تجربة “مستقبل مصر” الأولى في إسناد إدارة مشاريع زراعية لجهات سيادية محل ثقة الدولة، فقد سبقها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهو أحد الأجهزة التابعة للقوات المسلحة المصرية، وأطلق عدة مشروعات كبرى في مجالات الزراعة والصوب والاستزراع السمكي، غير أن عددًا منها واجه صعوبات في التنفيذ، نتيجة ضعف الإدارة ونقص الخبرات المتخصصة، ما أدى إلى إعادة تقييم جدواها.
ولأن الجهاز المستجد يحظى بدعم رئاسي مباشر، وتسهيلات حكومية وإدارية واسعة، فقد استحوذ على نصيب كبير من الأراضي المخصصة للقوات المسلحة وأجهزتها، التي تستخدم مفهوم “الأمن القومي” أحيانًا كمبرر للسيطرة على أراضٍ أو مشاريع بعينها، وحصل على قرارات متتالية بتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي تحت إدارته في مناطق متفرقة، من بينها أراض تقرر سحبها من جهاز الخدمة الوطنية، وأُعيد تخصيصها لجهاز “مستقبل مصر” بموجب قرار جمهوري صدر في 2024، وشملت 34 ألف فدان شرق القناة و87 ألفًا في منطقتي رابعة وبئر العبد بشمال سيناء.
وافق مجلس الوزراء خلال إجتماعه اليوم على قرار تخصيص قطعتي أرض من المساحات المملوكة للدولة لصالح جهاز “مستقبل مصر” التابع للجيش المصري بمساحة إجمالية تصل إلى نحو مليون فدان ليتم استصلاحها ضمن المشروع القومي لإضافة 4.5 مليون فدان بحلول 2027.
التفاصيلhttps://t.co/eFn6yT9JeW pic.twitter.com/1M0aoT9FgR
— خاص – مصر (@AboutMsr) May 22, 2024
ولتعزيز العائد الاقتصادي، أطلق الجهاز مجموعة من مشروعات التصنيع الغذائي المرتبطة بالنشاط الزراعي، وتشمل تجفيف المحاصيل مثل البصل والثوم، وإنتاج العسل الأسود، وتصنيع الأعلاف، واستخلاص السكر من البنجر، وإنشاء مبردات لتخزين البطاطس وصوامع للحبوب، إلى جانب ضم كيانات زراعية وتصنيعية، مثل شركتي قها وأدفينا، ليعزز بذلك نفوذه في قطاعي الزراعة والصناعة، ويعيد إنتاج اقتصاد ريعي موجَّه يفتقر للمرونة والمؤسساتية، ويعتمد بشكل كامل على بقاء النظام.
واجهة النظام الجديدة
في بلد يعاني من جهاز إداري مترهل وبيروقراطية مزمنة، برز “مستقبل مصر” كأداة أكثر مرونة وسرعة في التنفيذ، وأقل خضوعًا للتعقيدات الإدارية، ويُنظر إليه كنموذج لإستراتيجية أوسع يتبناها النظام لإقامة جهاز بديل موازٍ للحكومة، في ظل قناعة راسخة لدى القيادة السياسية بأن البيروقراطية التقليدية تمثل عائقًا أمام التنمية، كما صرّح السيسي في أكثر من مناسبة.
لم يقتصر الجهاز على التوسع الجغرافي فحسب، بل شهد تطورًا نوعيًا لافتًا من مشروعات استصلاح الأراضي تحت عباءة القوات الجوية إلى كيان نافذ في إدارة ملف الغذاء، مُنح صلاحيات واسعة تتجاوز الأطر التنفيذية التقليدية، ما أدى إلى تراجع أدوار العديد من الوزارات والهيئات المعنية، التي أصبحت أقرب إلى جهات مراقبة لا مشاركة.
في تحول مثير لطريقة إدارة الدولة لمشترياتها من الخارج، اتَّسع نطاق اختصاصات الجهاز نحو ملفات حسَّاسة، ففي العام الماضي، تمركزت عدة سلطات استراتيجية في يد الجهاز، حيث تولَّى منفردًا مسؤولية استيراد القمح والسلع الاساسية، وهي مهمة كانت ضمن اختصاص الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي الرئيسي للحبوب لأكثر من 5 عقود، كما شارك الجهاز وزارة التموين في استلام القمح المحلي من المزارعين.
لاحقًا، تولَّى الجهاز أيضًا مسؤولية منح تراخيص استيراد الماشية، وهي صلاحية كانت رسميًا ضمن اختصاص وزارة الزراعة، لكن تدار فعليًا من جهات سيادية وفق لتحقيق موقع “مدى مصر“، وامتدَّ نشاطه إلى مشاريع متكاملة في الثروة الحيوانية، شملت تربية وتسمين المواشي، وإنتاج الألبان والدواجن، بالتوازي مع توسع آخر في إدارة الموارد الطبيعية.
وفي جولة جديدة من استمرار توغل الجيش وأذرعه الاقتصادية، وسَّع الجهاز نطاق تدخله ليشمل البحيرات الطبيعية، فعلى مدار عامين، سيطر على 4 من أكبر البحيرات في البلاد (البردويل والمنزلة والبرلس وناصر)، بعد أن كانت تحت إشراف جهات حكومية متعاقبة، آخرها جهاز حماية وتنمية البحيرات.
نقل تبعية هذه البحيرات التي تمتلك أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة إلى جهة لم يسبق لها العمل في تلك النوعية من المشروعات، بدعوى العمل على التنمية الاقتصادية، تسبَّب في جدل واسع على مختلف الأصعدة، وانعكس سلبًا على مجتمع الصيادين والعائلات المقيمة حول البحيرات، وأدَّى إلى حرمان قطاع كبير من العاملين في الصيد والمهن المرتبطة بها والمستثمرين المحليين من مصدر رزقهم.
وفي خطوة أخرى لتعزيز دور هذا الكيان في ضبط الأسواق، استحوذ الجهاز مطلع عام 2025 على الحصة الأكبر في بورصة السلع المصرية، التي ظلت شبه مجمدة منذ تأسيسها قبل 5 سنوات، ويخطط لتفعيلها لتشمل تداول محاصيل رئيسية، ومدخلات الإنتاج الزراعي من أسمدة وأعلاف ومبيدات، ما يمنحه أداة اقتصادية إضافية لتعزيز سيطرته على القطاع والتحكم بأسعار السوق.
واكب هذا التوسع دعمًا سياسيًا وإعلاميًا واسعًا، تمثل في تغطيات صحفية وحملات ترويجية وإشادات برلمانية، وحضور لافت في الفعاليات الرسمية، بلغ ذروته في نهاية مايو/ أيار الماضي، حين ظهر السيسي خلال مؤتمر افتتاح مقر الجهاز الجديد، بالتزامن مع موسم حصاد القمح، وعرض الغنام خلاله ملامح خطة شاملة للغذاء والزراعة في مصر.
في اليوم نفسه، استنكر السيسي الاعتماد المرتفع على استيراد لبن الأطفال، ليرد الجهاز بإعلان مباحثات لإنشاء مصنع متخصص بالتعاون مع وزارة الصحة، وإشراف مباشر من المؤسسة العسكرية لأول مرة، لإقامة أول مصنع محلي لإنتاج ألبان الأطفال بتكلفة مبدئية تقدر بنحو 500 مليون دولار، دون الإشارة إلى توفر دراسة جدوى مفصلة لملف بالغ الحساسية اجتماعيًا واقتصاديًا.
احتكار بغطاء تنموي
وفقًا للمنتقدين، يفتقر نقل تبعية بعض المشروعات، مثل البحيرات، إلى الجهاز الاقتصادي، إلى المبررات الواضحة، خاصة في ظل غياب خبرة أو كفاءات متخصصة في هذا المجال لدى القوات الجوية، بوصفها مؤسسة عسكرية لا تملك المؤهلات الفنية أو الخبرات المطلوبة لتطوير البحيرات، ما يثير تساؤلات حول الهدف الحقيقي من هذا التوسع.
ويأتي هذا الجدل في سياق تقرير نشرته “فايننشال تايمز” في يناير/ كانون الثاني 2023، ذكرت فيه أن الحكومة المصرية تعهدت بتقليص النفوذ الاقتصادي للجيش ضمن شروط برنامج صندوق النقد الدولي، في وقت تواجه فيه البلاد أزمات اقتصادية حادة، تشمل شح العملة الأجنبية، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع التضخم.
ومع ذلك، تأسس كيان سيادي ربحي يُراقب ويُدار تحت مظلة الدولة لتأمين الغذاء، ويدمج الزراعة والصناعة والعمران ضمن منظومة مغلقة تحركها الأجهزة العسكرية، ويُناقض توسعه في المجال الاقتصادي التصريحات الرسمية بشأن تخارج الجيش وتقليل نفوذه في الاقتصاد، الذي توسعت إمبراطوريته بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي قبل 12 عامًا.
ورغم هذا التصاعد في الدور والفعالية، تظل النتائج الاقتصادية والآثار البيئية هي المحدد الأهم في تقييم مدى نجاح تجربة تُثار حولها الشكوك بسبب غياب الضوابط والشفافية والمحاسبة والرقابة المؤسسية في إدارة نشاط الجهاز المتنامي، فالمعلومات المتعلقة بحجم استثماراته، أو طبيعة العقود والتكاليف، غير متاحة للرأي العام، كما لا تُنشر تقارير توضح الأداء الزراعي من حيث إنتاجية المحاصيل أو كفاءة استخدام الموارد.
ما هو معروف حتى الآن أن البنية التحتية لمشاريع الجهاز تُموّل عبر قروض حكومية، يُفترض أن تُسدّد من عائدات المشروع، ورغم عدم الإفصاح عن حجم هذه القروض، إلّا أن الغنام كشف أن حجم نشاط الجهاز السنوي يُقدَّر بنحو 100 مليار جنيه، كما يعتزم طرح حصة تصل إلى 30% من شركاته في البورصة لتمويل استكمال البنى التحتية.
ومع توسع الجهاز وتحوله ببطء نحو هيكل اقتصادي مغلق يشبه شركة قابضة تُسند إليها مهام وملفات سيادية، لم يعد النقاش يقتصر على الشفافية المالية في ما يخص ميزانيته ومكاسبه، بل شمل تشكيل جهاز بيروقراطي موازٍ يعيد إنتاج التعقيد الإداري الذي جاء لتجاوزه، حيث تُدار غالبية القرارات والمشاريع ضمن دوائر مغلقة يصعب تتبّعها أو محاسبتها، ويُشترط على الموظفين في تعاقدهم خضوعهم للقضاء العسكري مقابل عند حدوث أي مخالفات وظيفية، مما يغلق الباب أمام الإفصاح الداخلي والمساءلة الواضحة.
هذا الخلل الإداري بدأت ملامحه في الظهور بالفعل عندما نُقل ملف استيراد القمح فجأة من هيئة السلع التموينية إلى “مستقبل مصر”، رغم افتقاره إلى خبرة كافية وهيكل تنظيمي واضح، ما أثار قلق موردون كبار في السوق العالمي – من روسيا وأوكرانيا والأرجنتين – رفضوا التعامل معه لاعتباره جهة جديدة غير معروفة، ونتيجة غموض السياسات الجديدة، رغم استعانته بموظفين ذوي خبرة سابقة من وزارة التموين وبعض التجار والمستوردين للحبوب.
ورغم محاولة الجهاز إجراء أول محاولة شراء للقمح والزيت في نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، عبر اتفاقيات شراء مباشر، لم يغيّر الموردين موقفهم لعدة أشهر، ولا تزال ثقة السوق مفقودة، ما اضطر الجهاز إلى شراء القمح المستورد من التجّار المحليين بعد وصوله للموانئ، بدلًا من اللجوء إلى نظام المناقصات التقليدي، ما أدى إلى اضطرابات في الأسعار وارتباك في السوق المحلي.
إضافةً إلى ذلك، أثار توسع نفوذ الجهاز في السيطرة على أراضٍ زراعية قائمة بالفعل تساؤلات بشأن شرعية هذه العمليات، إذ لم يقتصر على استصلاح وزراعة المساحات الشاسعة المخصصة له، بل امتدت أذرعه لضم أراضٍ مزروعة ومملوكة للمواطنين منذ عقود بمستندات رسمية، وهو ما يؤكده نزاعات ظهرت في منطقتي طريق أسيوط الغربي والقاهرة-أسيوط، ومنطقة غرد القطانية بمحافظة الجيزة، والمعمورة بالإسكندرية، وبئر العبد ورابعة بشمال سيناء.
وتشير إنذارات إخلاء الأراضي ومنع الوصول إليها وفرض عقود مرتفعة جديدة إلى رغبة الجهاز في السيطرة على أراض جاهزة للاستصلاح لتفادي الاستثمار من الصفر، واستغلال حصص المنطقة المجاورة التي استُعيدت مؤخرًا من شركة كويتية، وأكَّدت هذه الممارسات شكوكًا حول تجاوزات سلطوية تحت غطاء تنموي واقتصادي، مما دفع المزارعين إلى المطالبة بحماية حقوقهم.
استغاثات للسيسي بعد طرد جهاز “مستقبل مصر” للمصريين من أراضيهم بطريق أسيوط الغربي في الفيوم!#مزيد pic.twitter.com/3ftnG9ZN4A
— مزيد – Mazid (@MazidNews) May 26, 2025
لم يقتصر الأمر على تحول الجهاز إلى أداة للسيسي والجيش للاستيلاء على أراضي المواطنين، بل امتد الأمر إلى الشركات المنافسة، فقبل أشهر قليلة، كشف مالك شركة “طيبة” لصناعة اللحوم والدواجن رجل الأعمال مصطفى العوضي، تعرضه لتهديدات دورية من قبل مسؤولين بالجهاز وبعض ضباط القوات المسلحة، انتهت بتلفيق قضايا له، والاستيلاء الكامل على شركته بالإكراه، واتهم ضباطًا ومسؤولين بالدولة إضافة للجهاز بالاستيلاء على شركته بالإكراه بالسعي لاحتكار جميع المنتجات الغذائية في البلاد.
يبدو هذا الاحتكار أكثر وضوحًا للعامة بالنظر إلى منافذ بيع منتجات القوات المسلحة المنتشرة في مختلف محافظات مصر، التي تغير اسمها مؤخرًا لتحمل شعار “جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة”، ففي بعض الأسواق والميادين والمناطق الشعبية التي تشهد رواجًا، عمد المسؤولون عبر حملات أمنية مكثفة إلى إغلاق محال تجارية قائمة منذ سنوات، لإخلاء الساحة لأنشطة ومعارض أخرى تحمل اسم الجهاز، وتبيع مجموعة متنوعة من السلع الغذائية والمنتجات الأخرى التي يدعى الجيش طرحها للمواطنين بأسعار مخفضة.
كل هذه المؤشرات تكشف عن خلل هيكلي جوهري يتمثل في وجود كيان شبه مؤسساتي يمارس نشاطه بطرق ارتجالية، ويفتقر إلى أطر قانونية شفافة، إذ لم يُنشر قرار تأسيسه في الجريدة الرسمية رغم صدوره قبل 3 سنوات، ما يلقي بظلال من الغموض على مدى شرعية وصلاحيات “كيان هجين”، وقد يعرضه للطعن الدستوري في المستقبل، ويثير كذلك مخاوف بشأن الجدوى الفعلية والاستدامة الاقتصادية للمشروع على المدى الطويل.