لم يكن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي حدثًا سوريًا داخليًا فحسب، بل لحظة فارقة لإعادة رسم التوازنات الإقليمية وفتح الباب أمام تحوّلات عميقة في علاقات سوريا بجوارها، لا سيما لبنان، الدولة التي لطالما وُصفت بأن “خلاصها يمرّ بخلاص جارتها الشمالية” والتي تأثرت بشكل مباشر بتداعيات الحرب السورية؛ من تورّط “حزب الله” العسكري إلى جانب النظام وما رافقه من توتر سياسي وأمني داخلي، إلى تدفّق اللاجئين السوريين الذي استُخدم كورقة ضغط في النزاعات السياسية.
ومع تولّي إدارة انتقالية جديدة زمام الأمور في دمشق، اتّسعت آفاق إعادة ضبط العلاقات الثنائية بين بلدين جمعتهما عقود من التاريخ المعقّد والمصالح المتشابكة. غير أن هذه الفرصة لم تُقابل بخطوات جدّية، إذ لا تزال العلاقات تراوح مكانها، والملفّات العالقة مُجمّدة كما كانت منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على أبرز هذه القضايا، من ترسيم الحدود والمعتقلين واللاجئين، إلى معابر التهريب والاتفاقيات الموروثة، ونفكّك الأسباب البنيوية والسياسية التي حالت دون تحوّل “سقوط الأسد” إلى نقطة انطلاق لعهد جديد في العلاقة بين بيروت ودمشق.
حدود غير واضحة.. ملف قديم متجدد
عاد ملفُّ ترسيم الحدود البرّية والبحرية إلى الواجهة بعد سقوط نظام الأسد، ليُصبح من أبرز القضايا إلحاحًا على أجندة الدولة اللبنانية، إذ ترى بيروت أن حسمه يرتبط مباشرةً بتثبيت سيادتها الوطنية على أراضيها.
تمتد الحدود البرية بين سوريا ولبنان من النهر الكبير شمالًا إلى مزارع شبعا جنوبًا على طول نحو 375 كيلومترًا، لكنّه ما زال حتى اليوم خطًا “بالقلم الرصاص” أكثر منه حدودًا مرسومة بالحبر الرسمي.
قصة النزاع بدأت عام 1920 عندما وقعت كلًا من لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي الذي اتفق مع بريطانيا على ترسيم حدودهما مع فلسطين لتسهيل تحصيل الضرائب وتقسيم المناطق الزراعية، وفي اتفاقية وقعت في 7 مارس/آذار 1923 بين العقيد الفرنسي موريس بوليه والعقيد البريطاني ستيوارت نيوكومب أنشأت 71 نقطة حدودية – 38 منها بين لبنان وفلسطين- تمتد من رأس الناقورة غربًا إلى تل الكرخ قرب الجسر الروماني القديم على نهر الوزاني.
لكن اللجان الفرنسية لم تُنجز إلا نحو 80٪ من العمل قبل انسحابها منتصف الثلاثينيات وكانت معظم الخرائط الفرنسية ناقصة، إذ كانت تُحدد أحيانًا مناطق في سوريا، وأحيانًا أخرى في لبنان، أبلغ ضباط فرنسيون لاحقًا عن أخطاء فنية، لا سيما التناقضات بين الحدود الإدارية والهيئات الضريبية لكن باريس تجاهلت طلبات التصحيح، تاركةً حدودًا غير محكمة.
وبعد استقلال لبنان عام 1943، اعتمدت الحدود التي رسمتها هذه الاتفاقية لكن عدم وضوحها كان محل إشكال سيادي لها، دفع بيروت إلى مطالبة سوريا بإعادة ترسيم الحدود رسميًا لكن لم تلقَ طلباتها آذانًا سورية صاغية ورُفعت على الرف خاصة بعد التدخل العسكري السوري في لبنان عام 1976.
ومن أبرز المناطق التي يتنازع عليها البلدين هي مزارع شبعا التي يستخدمها حزب الله كذريعة للسيطرة عليها بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منها عام 2000، كما هناك 36 نقطة أخرى متنازع عليها منها القموعة، والعديسة.
وكان مجلس الأمن أقر عام 2006 قرارًا يدعو فيه سوريا إلى التجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية ومنع تهريب السلاح، لكن نظام الأسد لم يطبق إلا بند إعادة العلاقات، وماطل في باقي البنود سعيًا للهيمنة الكاملة على لبنان، مستغلًّا ذلك في إدارة شبكات التهريب التي كانت تدرّ عليه وعلى حليفه حزب الله أرباحًا طائلة.
أما الحدود البحرية، اعتمد لبنان على مبدأ الخط الوسطي الذي تنص عليه معاهدة قانون البحار في عام 1982 التي لم تنضم لها سوريا وبدلًا عنها استخدمت خطًا مستقيمًا، ما يجعل نحو 750 كيلومترًا مربعًا وألف كيلومتر مربع متداخلة بحًرا مع لبنان.
ويتسبب هذا التداخل بين المناطق المتنازع عليها بحريًا، إشكاليات بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز، فكانت سوريا وقعت في عهد النظام البائد عقدا مع شركة “كابيتال” الروسية للقيام بالمسح والتنقيب عن النفط في البلوك رقم 1 التي تعتبره لبنان ضمن حدودها.
كل ما سبق يظهر أهمية ترسيم الحدود لكلا البلدين، اللتين اتخذتا أول خطوة بالفعل في هذا المسار، إذ وقع وزيري الدفاع اللبناني والسوري في 28 مارس/آذار اتفاقًا في جدة بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني، لكن بقيت هذه الخطوة يتيمة، حيث لم تتبعها أي خطوات فعلية.
يرى الباحث السياسي، جاد يتيم، في حديثه لـ”نون بوست”، أن ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا شائك لكنه قابل للحل تقنيًا خاصة وأن فرنسا سلمت لبنان مؤخرًا خرائط للحدود اللبنانية السورية تعود إلى زمن الانتداب.
غير أنّ دمشق تُبقي ملف ترسيم الحدود معلَّقًا لتستخدمه كورقة ضغط على “حزب الله”؛ فالحسم الرسمي الذي يُثبِت أنّ مزارع شبعا أرض سورية سيَسحَب الذريعة التي يستند إليها الحزب لتبرير استمرار ما يسمّى بـ “المقاومة” هناك.
التهريب والمعابر غير الشرعية
يرتبط ملف التهريب والمعابر غير الشرعية ارتباطاً وثيقاً بقضية ترسيم الحدود البرّية العالقة منذ عقود بين لبنان وسوريا، فأدى التداخل الجغرافي وعدم وضوح الحدود تمامًا إلى إنشاء شبكات تهريب عبر عشرات المعابر غير الشرعية مستغلين الطبيعة الجغرافية للحدود اللبنانية السورية التي تتسم بأنها جبلية ووعرة.
بينما يقدّر وجود ما يفوق 130 معبراً برياً غير شرعياً بين البلدين، لكن الواقع أكثر تعقيداً، إذ أفاد الجيش اللبناني أن الحدود بأكملها تحوّلت إلى ممر مفتوح تتوزع عليه مئات المسالك التي يتغيّر استخدامها وفق الظروف والملاحقات.
لم يكن نظام الأسد معني في ضبط الحدود بل كان أحد مشغّليها، حيث اُستخدمت هذه المعابر لتهريب السلاح إلى حزب الله -أحد حلفائه الرئيسيين- باعتباره شريان إمداد أساسي واستراتيجي للحزب، تحت شعار دعم “المقاومة”، وتحت هذا الغطاء أيضًا، تحولت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا إلى مصنع عالمي لصناعة وتهريب المخدرات وتجارتها تديرها عائلة الأسد.
وأظهر تحقيق استقصائي، أجرته شبكة “أريج”، أن شبكات النفوذ العسكري الاقتصادي ظلت تحكِم قبضتها على المعابر غير الشرعية، على امتداد الحدود السورية اللبنانية، وتواصل عملها بنشاط رغم سقوط نظام الأسد، حتى وإن كانت تحت سيطرة وجوه جديدة.
وخلّص التحقيق إلى أن التغيير السياسي لم يمس جذور منظومة التهريب عبر المعابر غير الشرعية، التي تُغذيها عوامل متشابكة؛ من ضعف الرقابة، وتحالفات المصالح بين المهربين وقوى النفوذ.
رغم ذلك، لم يعد أحد البلدين ضالع في تعقيد قضية التهريب بدلًا من حلها، إذ مع سقوط نظام الأسد أبدت الحكومتان السورية واللبنانية استعداداً لضبط الحدود المشتركة ومنع الفوضى الأمنية التي تتسبب بها شبكات التهريب، ولا سيّما بعد الاشتباكات الحدودية الدامية بين عناصر من “حزب الله” والأمن العام السوري.
توج هذا التنسيق بالاتفاق الذي رعته السعودية بين وزارتي دفاع البلدين لترسيم الحدود البرية والبحرية وإعادة ضبط الحدود وتنشيط لجنة ترسيم الحدود المشتركة، وهي الخطوة التي لن تجتث شبكات التهريب من جذروها ولكنها خطوة أولى في هذا المسار.
واستبعد، يتيم أن يؤثر ملف “حزب الله” على تباطؤ معالجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية مؤكّدًا أنّ بيروت ودمشق متوافقتان على أولوية ضبط الحدود وتكثيف التنسيق، غير أنّ التنفيذ يحتاج إلى وقت.
معتقلو “روميّة”.. صراع للبقاء على قيد الحياة
كآلاف المعتقلين السوريين الذين خرجوا من ظلام سجون الأسد، استبشر معتقلي الرأي السوريين في سجون لبنان بالخلاص بعدما عادت بلادهم لهم وأصبح هناك من يطالب بحقهم، لكن خاب أملهم، فبعد 7 شهور على سقوط النظام لم يشهد ملف المعتقلين في سجن رومية أي انفراجة.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يقبع في السجون اللبنانية حوالي 2000 سوري، من بينهم ما لا يقل عن 190 معتقلاً احتُجزوا بسبب مشاركتهم في الثورة السورية ومن ضمنهم منشقون عن قوات النظام البائد ولاجئون، ورغم مرور سنوات على احتجازهم، لم تُوفر لهم محاكمات عادلة، في ظل غياب الضمانات القانونية التي تكفل حقوقهم الأساسية.
“صراع يومي للبقاء على قيد الحياة”.. هكذا يلخص المعتقلون السوريون ظروف احتجازهم في سجن رومية الذي يعدّ أكبر سجون لبنان، حيث يواجهون ظروفًا غير إنسانية، تشمل الاكتظاظ الشديد إذ يضم نحو 4 آلاف سجين رغم أنه يستوعب 1200، يضاف إلى ذلك انعدام الرعاية الصحية والغذائية، وانتشار الأمراض المعدية، بالإضافة إلى حرمانهم من التواصل مع ذويهم.
هذه الظروف تهدد حياة بعض المساجين، إذ وثق مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس وفاة 29 سجينًا في عام واحد بسبب الإهمال الطبي، بينهم سوري لم يتمكن من تأمين 7500 دولار لإجراء عملية قلب مفتوح.
ليس هذا فحسب، بل وجهت المحاكم اللبنانية ضد معتقلين سوريين تهم الإرهاب بناءً على اعترافات اُنتزعت منهم تحت التهديد، ما أدى إلى إصدار أحكام قاسية بالسجن لسنوات طويلة، أو إبقائهم في الحبس الاحتياطي دون تحديد مدة زمنية واضحة وفقًا للشبكة.
ويشهد السجن من حين لآخر إضرابات واحتجاجات للمطالبة بتحسين ظروف الاحتجاز لكن دون أن أي استجابة من الحكومة اللبنانية، كان آخرها إضراب 120 سجينًا سوريًا في سجن رومية في 11 فبراير / شباط الماضي.
ماذا نعرف عن قضية المعتقلين السوريين في لبنان؟ وكيف سيتم العمل على حل قضيتهم؟
نقلت اليوم وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر قضائي لبناني: لبنان مستعدّ لتسليم أكثر من 700 سجين سوري إلى #دمشق pic.twitter.com/FLecodUFz8
— نون سوريا (@NoonPostSY) March 20, 2025
وكان البلدان اتفقا خلال زيارة رسمية لرئيس الوزراء اللبناني المنتهية ولايته نجيب ميقاتي إلى سوريا، على استراد دمشق كافة المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية لكن لم تترجم تصريحاته إلى أي خطوة فعلية.
وتُرجع الكاتبة والصحفية، صبا مدور سبب مماطلة لبنان في الإفراج عن المعتقلين السوريين، بأنها لا تريد تسليم الملف مجانًا، حيث “إن سيُحسب أي نجاح في الملف إلى رصيد الرئيس السوري أحمد الشرع، لا في رصيد أي طرف لبناني آخر، لا سيما بعد العراقيل التي يتذرع بها لبنان فيبدو غير متعاون أو غير قادر بالشكل الكافي”.
وترى مدوّر أن دمشق تمتلك أوراق ضغط قادرة على فرض أثمان حقيقية على أي تأخير لبناني في تسليم المعتقلين، ولا سيّما اقتصاديًا فسوريا تشكل المعبر البري الوحيد للبنان نحو الأسواق الخارجية ونقطة العبور الأساسية لواردات الطاقة.
من جهته يشير الباحث والكاتب، وائل نجم إلى أن ملف موقوفي الرأي من السوريين واللبنانيين له علاقة بملف تمّت المتاجرة به على مدى عقود، تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”.
ويرجّح أنّ الحكومة اللبنانية تبقي هذا الملف مفتوحًا عمدًا لتستخدمه ورقة تفاوض في قضايا أخرى مع دمشق.
عودة اللاجئين الانتقالية: أرقام كبيرة وأسئلة أمن
كانت لبنان من بين الدول الثلاث التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين بواقع 1.4 مليون لاجئ سوري، وبيد أنها انتهجت سياسة الباب المفتوح في البداية إلّا أنها سرعان ما بدأت بسياسة غير إنسانية تنتهك حقوق اللاجئين ضاربة عرض الحائط بالقوانين الدولية.
وكان، رمزي قيس، الباحث المختص بلبنان في منظمة هيومن رايتس ووتش، أكد أن المسؤولين اللبنانيين دأبوا طوال سنوات على فرض ممارساتٍ تمييزية بحقّ السوريين في البلاد، لإجبارهم على العودة إلى سوريا التي كانت لا تزال غير آمنة”، واعتبر اعتقالهم تعسفياً أو تعذيبهم أو ترحيلهم رغم المخاطر الحقيقية لطخةً إضافية على سجلّ لبنان في ملف اللاجئين.
وعاش اللاجئون السوريون في لبنان في حالة من الخوف والتوتر جراء حملات الترحيل العشوائية التي كانت تضعهم في خطر حيث رحّلت ما لا يقلّ عن 5,600 لاجئ سوري بين 1 يناير و21 أكتوبر 2024.
كما أسهم تصاعد خطاب تحريضيّ أطلقه بعض السياسيين اللبنانيين، مدعومًا بحملات إعلامية مناهضة للاجئين، في تكريس أجواء عدائية متنامية ضد السوريين، كما جاءت الأزمة الاقتصادية الخانقة لتفاقم المشهد، فانحدرت أوضاعهم أكثر؛ إذ أن 76% منهم كانوا في عام 2023 يعيشون دون خط الحد الأدنى لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وبعد سقوط النظام، أصبحت العودة إلى البلاد حلم ليس بعيد المنال، فقد أفاد نحو %24 من المشاركين في استطلاع عاجل أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن التصوّرات ونوايا العودة في يناير 2025، بأنّهم ينوون العودة إلى سوريا في الأشهر الـ12 المقبلة “لإعادة بناء حياتهم”، وأعربت الغالبية منهم عن رغبتهم في العودة إلى مسقط رأسهم.
معبر جديدة يابوس الحدودي مع #لبنان يشهد حركة نشطة للسوريين العائدين إلى بلادهم.#سوريا pic.twitter.com/TB0NhRku6w
— نون سوريا (@NoonPostSY) June 11, 2025
لكن ربط السوريون عودتهم بمجموعة من العوامل التي تؤثر على قرار العودة، حيث كان توفّر السكن ووضع الملكيات العامل الأبرز ثم التحديات الاقتصادية والأمن والسلامة.
وبدأت خطة لإعادة ما بين 200 ألف و400 ألف لاجئ سوري من لبنان خلال العام الجاري بدعم وتمويل من الأمم المتحدة.
وأكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، حنين السيد، إن السوريين العائدين سيحصلون على 100 دولار لكل منهم في لبنان و400 دولار لكل أسرة عند الوصول إلى سوريا على أن تغطي الخطة النقل وتعفيهم السلطات من الرسوم، مشيرة إلى أن نحو 11 ألفًا سجلوا أسماءهم للعودة من لبنان في الأسبوع الأول.
ولا شك أنّ ملفَّ عودة اللاجئين السوريين يتصدّر أجندة التنسيق بين دمشق وبيروت؛ فعودتهم تمثّل إحدى ركائز المرحلة الانتقالية في سوريا، ويُلقى على لبنان واجب ضمان عودة آمنة وطوعية، مع احترام صارم لمبدأ عدم الإعادة القسرية.
ملفات “غير مستعصية” لكن ليست أولوية
مع أنّ هذه القضايا تُعدّ حاسمة لاستقرار العلاقة بين بيروت ودمشق، فإن الباحث السياسي جاد يتيم لا يراها ملفات عالقة وشائكة بالمعنى التقليدي؛ إذ يُعدّ نظام الأسد المخلوع خصمٌ مشتركٌ لكلٍّ من الحكومة السورية الجديدة والحكومة اللبنانية، لكن ترتيب الأولويات يختلف بينهما في مقاربة كل ملف.
ويُلاحظ يتيم فتورًا سياسيًا في تعاطي الحكومة السورية مع بيروت؛ فزيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دمشق لم تُقابَل بتحرّكات مماثلة نحو لبنان، ما يعكس أن الملفات المشتركة لا تحظى بالأولوية على جدول أعمال دمشق.
يتفق نجم مع هذا الطرح، ويشير إلى أن من العوامل التي تؤخر حلحلة الملفات بين الطرفين، انشغال الحكومة السورية الانتقالية بملفات أكثر أهمية بالنسبة لها، كما تعدّ الأزمة السياسية الداخلية في لبنان بما يتعلق بنزع سلاح حزب الله عاملًا مهمًا آخر ساهم في عرقلة تحريك الملفات.
وكان متوقَّعًا أن يزور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بيروت في يونيو/حزيران الماضي، وفق ما صرّح به نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري، غير أنّ الزيارة لم تتمّ حتى الآن.
ويُرجع الباحث السياسي والصحفي فراس علاوي التأجيل إلى اعتبارات لوجستية – سياسية مرتبطة بطبيعة الملفات العالقة؛ إذ يرى أنّ نجاح الزيارة يستلزم توافقًا مسبقًا على بعض القضايا، وفي مقدّمتها ملفّات الحدود والمعتقلين السوريين في لبنان.
من جهته، يرى وائل نجم أن الركيزة الأولى لاستقرار العلاقة هي الامتناع المتبادل عن التدخّل في الشؤون الداخلية والاستجابة لكل ما من شأنه تسهيل التعاون بين البلدين، مشيرًا إلى أنّ مصادر سورية تتّهم أحيانًا قوى سياسية وحزبية لبنانية بدعم مجموعات خارجة عن القانون تهدف إلى زعزعة الداخل السوري، فيما يشدّد على ضرورة ألا يتحوّل لبنان إلى ملاذ لعناصر النظام البائد أو قاعدة لعمليات تخريب وإثارة فوضى أو عنف داخل سوريا.