أنهى البرلمان العراقي يوم الأربعاء الماضي (16 تموز 2025)، القراءة الثانية لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، بحضور 172 نائبا. الأمر الذي يمهد لرفع القانون إلى رئاسة مجلس النواب لغرض تحديد موعد لجلسة تصويت على القرار قريبًا.
يأتي هذا القانون في حال إقراره، كبديل عن قانون الحشد النافذ والصادر عام 2016، والذي يهدف إلى إضفاء الطابع القانوني لمؤسسة عسكرية رديفة للقوات الأمنية الرسمية العراقية، ذات أبعاد سياسية وعقائدية.
ما مخاطر القانون؟
مشروع تعديل قانون الحشد الشعبي يُعد من المواضيع المثيرة للجدل حاليًا في العراق، نظراً للتغيرات السياسية والأمنية التي قد تترتب عليه. فالتعديلات المقترحة تستهدف إعادة هيكلة الحشد الشعبي ووضعه ضمن إطار قانوني محدد، يتضمن إضافة تعديلات جديدة وجوهرية لقانون الحشد القديم الذي سبق وأن أقره البرلمان عام 2016.
وبالتالي، فأن هذا القانون قد يؤدي إلى تكريس الانقسامات الطائفية، على اعتبار أن الحشد الشعبي في غالبيته مُشكل من فصائل مسلحة شيعية، مما يزيد من التوترات بين الطوائف المختلفة في العراق.
ناهيك عن أن القانون الجديد، قد يثير قلق بعض الدول الإقليمية، خصوصًا تلك التي تعتبر أن الحشد الشعبي يمثل تهديدًا لها، مثل دول الخليج. بالإضافة إلى تأثير ذلك على العلاقة مع الولايات المتحدة التي تُصنف عدد من الفصائل المنضوية داخل الحشد وقادتها على لائحة الإرهاب الأمريكية. وتعتقد الولايات المتحدة أيضًا، أن هذه التعديلات، سوف تقوي الفصائل الموالية لإيران، وهو أمر حساس بالنسبة للعلاقات بين بغداد وواشنطن.
وتتضمن فقرات القانون الجديد، تعديلات مهمة وجوهرية نحاول استعراض أهمها، والنظر بتأثيرها على الساحة السياسية والعسكرية داخل البلاد وخارجه، ومن هي الأطراف الداعمة لإقرار هذه التعديلات ومن يرفضها، وما خطورتها، بالإضافة إلى موقف الشارع العراقي منها.
- ترتبط هيئة الحشد الشعبي بالقائد العام للقوات المسلحة، ولا علاقة لها إداريًا بوزارتي الدفاع والداخلية، ويكون رئيس هيئة الحشد بدرجة وزير.
- تأسيس “أكاديمية الحشد الشعبي” لترفد الحشد بالضباط المدربين بمعزل عن (الكلية العسكرية) التي تقوم بنفس العمل داخل الجيش العراقي.
- تكون لهيئة الحشد موازنة مالية مستقلة تموّل من الموازنة العامة الاتحادية، ومن عوائد أموال الهيئة، والتبرعات، وأية موراد أخرى.
- يخضع منتسبو هيئة الحشد، لأحكام القوانين العسكرية والموظفين المدنيين لحين إقرار قانون خدمة وتقاعد خاص بهيئة الحشد، وذلك (بسبب سحب قانون الخدمة والتقاعد الخاص بالحشد من التصويت عليه في البرلمان نتيجة ضغوط أمريكية).
- يستثنى المنتسبون للحشد الشعبي قبل صدور هذا القانون، من شرطي العمر والشهادة المنصوص عليهما في قانون الخدمة والتقاعد العسكري، (حتى لا يتم الاستغناء عنهم بسبب تجاوزهم السن القانوني أو عدم حملهم لأي مؤهل تعليمي).
ما أوجه الاعتراضات على القانون؟
بحسب ما يتضمنه مشروع القانون، فنحن بصدد إعادة تعريف وإنشاء مؤسسة عسكرية لا تمت بصلة للقوات المسلحة العراقية، إنما مرتبطة بشكل مباشر برئيس الوزراء (والذي يكون من الأحزاب الشيعية بحسب العرف السياسي المتفق عليه في العراق)، وإنشاء حالة شبيه جدًا بالحرس الثوري الإيراني الذي يعمل بشكل مستقل عن الجيش الإيراني ولا يرتبط به إداريًا إنما ارتباطه بالمرشد الأعلى علي خامنئي.
وترى الأحزاب والكتل السياسية المقربة من إيران، بأن الهدف من مشروع قانون الحشد الشعبي هو تنظيم هيكلية وعمل هيئة الحشد. وهو عن القانون النافذ الصادر عام 2016، وسيساهم في منح رئيس الهيئة، الصلاحيات اللازمة لتنفيذ الأهداف التي يتوخاها هذا التشريع.
بالمقابل، ترى الولايات المتحدة أن القانون الجديد لهيئة الحشد الشعبي، يهدف إلى تحويل الحشد الشعبي لنسخة أخرى من “الحرس الثوري” الإيراني، والإبقاء على شخصيات مصنَّفة كعناصر إرهابية أمريكيًا، في مناصب رئيسية داخل الحشد.
أما الكتل السياسية السنيَّة والكردية داخل البرلمان، فقد أعربت كتلة حزب “تقدم” النيابية بزعامة محمد الحلبوسي (أكبر كتلة سنيَّة في البرلمان)، عن امتعاضها من إضافة فقرات إلى جدول أعمال جلسة المجلس، دون المناقشة والتوافق السياسي المسبق. وبالرغم من أن الاعتراض كان فنيًا، إلا أنه يخفي رفضًا سنيًا للقانون.
ومع ذلك فأن جميع الكتل السنية، تبدي مخاوفها من زيادة صلاحيات الحشد الشعبي، وزيادة ابتعاده عن القوات الأمنية التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع. فالسنَّة من جانبهم، ممتعضون من تواجد الحشد في المدن السنيَّة وتشكيلهم تهديدًا أمنيًا على تلك المناطق، بالإضافة إلى الاحراج الذي يلاقيه السياسيون السنَّة مع حواضنهم الشعبية التي تلاقي الأمرين من تواجد الحشد في مناطقهم، كما تستخدم الكتل الشيعية، تواجد الحشد في المناطق السنيَّة كعامل ضغط انتخابي ينافس الكتل السنيَّة داخل مناطقهم السنيَّة.
أما الكرد، ينظرون لمسألة تعاظم قوة الحشد عسكريًا وقانونيًا، كتحدي عسكري وسياسي كبير لهم، فلطالما عانى إقليم كردستان من الضربات العسكرية بالمسيرات والصواريخ التي استهدفت بنى تحتية اقتصادية وسياسية داخل الإقليم، من غير أن تكون لهم القدرة على الرد على تلك الضربات.
وأخر ما شهدناه من ذلك، هو استهداف مواقع الشركات النفطية داخل الإقليم، الأمر الذي سبَّب بدفع بعض الشركات الأجنبية بالتفكير بمغادرة الإقليم لانعدام الأمن فيه. لكن مع ذلك، فأن الكُتل الشيعية يمكنها اقناع الكرد للتصويت لصالح قانون الحشد، من خلال استغلال ملف رواتب الموظفين الذي تضغط به الحكومة المركزية على حكومة إقليم كردستان.
خطورة النقاط التي تضمنها مشروع القانون
من الملاحظات التي تم وضعها على مشروع القانون، إنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة نفوذ الفصائل المنضوية داخل الحشد، وتأثيرها في القرار السياسي للدولة العراقية، كما سيُعد هذا القانون، كخطوة متقدمة ضد المطالبات التي تتزايد بإدماج الحشد الشعبي في وزارتي الدفاع والداخلية. وذلك من خلال استحداث مؤسسات مستقلة وتمويل مستقل ومرجعية مباشرة لرئاسة الوزراء بمعزل عن وزارتي الدفاع والداخلية.
وهذا ما تضمنه مشروع القانون بشكل صريح، وبالتالي فأننا أمام تشكيل مؤسسة عسكرية لا تخضع للرؤية الأمنية لوزارتي الدفاع والداخلية، وتتصرف أمنيًا بحسب خططها وأجندتها الخاصة، وسيكون للبلد رأسين أمنييَّن يمهد للدخول في حالة تنافس بأغلب الأحيان، أما موضوع أن مرجعية الحشد الشعبي لرئاسة الوزراء، فهو موضوع إداري بحت لا علاقة له بالخطط العسكرية أو العقيدة العسكرية التي يتبناها الحشد، ولا يستطيع رئيس الوزراء فرض رؤيته على الحشد.
ولأجل تعزيز ابتعاد الحشد الشعبي عن مؤسسات البلد الأمنية المتمثلة بوزارتي الدفاع والداخلية، يجيز القانون الجديد لمؤسسة الحشد الشعبي، تأسيس (أكاديمية الحشد الشعبي) التي تقوم برفد الحشد الشعبي بضباط مدربين عسكريًا ومؤدلجين عقائديًا، بمعزل عن الكلية عسكرية وكلية شرطة الرسميتان التي تقومان برفد وزارتي الدفاع والشرطة بالضباط المدربين.
فالغاية من هذه الأكاديمية، هو رفد الحشد الشعبي بضبَّاط مؤدلجين عقائديًا، وتنشئتهم على الولاء للقائد المرشد الإيراني علي خامنئي، وعدم الارتباط بالأجندات الوطنية التي تتبناها مؤسسات الدولة، إنما العمل بموجب الولاء للمذهب العابر للحدود، وتبني عقيدة عسكرية مختلفة عن العقيدة التي يتبناها الجيش العراقي والتي تتمحور على حماية الوطن والمواطن من الاخطار الخارجية والداخلية.
هذا الأمر سيساهم في انقسام المؤسسة الأمنية العراقية، ويعمل على تهميشها لصالح الحشد الشعبي. وفي حال عدم ضبط الحشد الشعبي ضمن إطار الدولة، قد يساهم ذلك في تأجيج صراع داخلي.
والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة، فقد قام الحشد الشعبي بفترة سابقة، بتهديد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي علنيًا، بل أنه قام بمحاولة اغتيال له عام 2021. وفي أفضل الأحوال، نعتقد أن هذا القانون ربما سيعزز التفكك الداخلي للسلطة المركزية بوجود قوة مسلحة كبيرة رديفة ذات تسليح كبير ونوعي.
القانون يجيز إنشاء مؤسسة مالية تتلقي أموالًا مجهولة المصدر
يلاحظ على فقرات التعديل الجديد لقانون الحشد الشعبي، إن قادة الفصائل المنضوية بالحشد، تسعى للاستحواذ على حصة أكبر من ميزانية الدولة، بالإضافة إلى فتح بابًا للتمويل غير الرسمي ومجهول المصدر، وفتح الباب للاستثمار بالاقتصاد العراقي، وهذا ما أشارت إليه إحدى فقرات القانون بشكل واضح “تكون لهيئة الحشد موازنة مستقلة تمول من الموازنة العامة الاتحادية، ومن عوائد أموال الهيئة، والتبرعات، وأية موراد أخرى”.
وهذا بالضبط ما يقوم به الحرس الثوري الذي لديه مؤسسات اقتصادية مستقلة عن الدولة لتمويل نشاطاته. وبالتالي، فلن يكون من حق الأخرين مسائلة الحشد الشعبي عن مصادر تمويله، أو وجهات الصرف التي يقوم بها.
أما عن التمويل الذاتي الخاص بالحشد الذي نص عليه القانون الجديد، فتُعد شركة “المهندس العامة” التي تعمل لصالح الحشد، نسخة مماثلة للذراع الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني المسماة بـ “خاتم الأنبياء”، وتحصل شركة “المهندس” على عقود حكومية بمئات الملايين من الدولارات لتمويل نشاطاتها المجهولة للدولة العراقية.
وفيما يتعلق بقانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، فنرجّح أن واحدة من أهم الأسباب التي دفعت الكتل السياسية المناصرة للحشد الشعبي، للسعي لإقرار قانون جديد له، هو أن القانون السابق لعام 2016، كان تشريعًا مقتضبًا تم إقراره على عجالة، يتألف من ثلاث مواد فقط، ولا يتضمن تفاصيل كافية.
ولأجل التعامل مع هذه الثغرة حاولوا في البدء العمل على اصدار “قانون خدمة وتقاعد” خاص بالحشد بالرغم من أن الدولة العراقية تمتلك لموظفيها العسكرين “قانون خدمة وتقاعد عسكري” معمول به، إلا أن قادة الحشد يرفضون التعامل معه أو الامتثال للقانون الساري فعلًا، رغبة منهم لزيادة استقلاليتهم عن الدولة العراقية.
لكن مشكلة قانون “الخدمة والتقاعد” الجديد للحشد الشعبي (الذي سحب من البرلمان في 11 آذار/مارس لهذه السنة بضغوط أمريكية)، لا يقبله قادة الفصائل بصيغته التي تم عرضها على البرلمان، لأن فيه فقرة السن الإلزامي للتقاعد، وفي حال تطبيقه، فأن كثير من قادة الحشد ومنتسبيه سيتم إحالتهم على التقاعد، وهذا ما تم معالجته في مشروع القانون الجديد للحشد، حيث تم استثناء المنتمين للحشد قبل اصدار هذا القانون من شرط العمر والتقاعد. ولولا هذا الاستثناء، لكن من الممكن أن يتم إحالة رئيس هيئة الحشد فالح الفياض (68 سنة) للتقاعد، مع 180 شخص من كبار قيادات الحشد الشعبي.
ومع ازدياد مخصصات الدولة لميزانية “الحشد الشعبي” بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب زيادة ارتفاع عدد منتسبيه. حيث ارتفع عدد منتسبي الحشد من 122 ألف عنصر إلى 238 ألف عنصر لتتجاوز ميزانية “الحشد الشعبي” 3.4 مليار دولار في عام 2024، بات من شبه المؤكد أن بعض هذه الوظائف وهمية.
وتعتقد واشنطن بأن بعض الأموال الممنوحة للحشد على شكل رواتب، تجد طريقها إلى إيران بالعملة الصعبة. الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة مؤخرًا، تضغط على الشركات التي تنظم رواتب منتسبي الحشد، لتعطيل كارتات الدفع الإليكتروني الخاص بمنتسبي الحشد.
امتعاض أمريكي
من الدلائل التي تشير إلى تعاظم الامتعاض الأمريكي من احتمالية إقرار قانون جديد للحشد الشعبي يرسخ شرعيته بالعراق، ما كشف عنه رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، الأحد 13 تموز 2025، والذي قال أن “تهديدات أميركية” طالت العراق، وأن واشنطن أرسلت لجميع القيادات السياسية بشأن الحشد الشعبي، تبدي فيها رفضها من عرض قانون الحشد في البرلمان.
وأشار إلى أن البلاد ربما تكون مقبلة على أزمة أمنية، وبالتالي فأن القراءة التي جرت في البرلمان والنيَّة لعرض القانون للتصويت، يمثل بالنسبة لواشنطن، تحدي جديد لها من الأطراف الموالية لإيران، وربما سيكون لهذا الأمر تداعياته في الفترة القريبة القادمة.
ما احتمالية تمرير مشروع القانون في البرلمان؟
إن احتمالية تمرير مشروع القانون الجديد للحشد الشعبي داخل البرلمان العراقي، ستكون ضعيفة، لأنها تصطدم بعقبة امتناع الكتل السنيَّة والكردية عن التصويت لصالحه بسبب المخاوف التي ذكرناها أعلاه، لكن تبقى المساومات السياسية لها الدور في تغيير مواقف تلك الكتل، ومثال ذلك، الإنفراجة التي حصلت بين بغداد وأربيل في موضوع رواتب الموظفين والسماح بتدفق النفط الكردي للتصدير.
لكن هناك مشكلة أخرى هي موضوع التهديدات الأمريكية ضد إقرار هذا القانون، فمن المرجح أن تمتنع بعض الكتل الشيعية من التصويت لصالح القانون خوفًا من العقوبات الأمريكية التي توعدت بها الإدارة الأمريكية.
ما هو الموقف الشعبي من القانون؟
لا توجد وسيلة موثوقة يمكن من خلالها قياس الرأي العام الشعبي في العراق إزاء القانون الجديد للحشد الشعبي. لكن من خلال الأحداث التي حصلت في السنوات الأخيرة، مثل “تظاهرات تشرين” وعمليات الاغتيال التي نُفذت بحق المتظاهرين، والتي كان المتهم الأول بها هي فصائل الحشد الشعبي، وكذلك من مراقبة ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبين لنا أن هناك حالة رفض كبير من قبل الجماهير للحشد الشعبي ومحاولات تقنينه كقوة عسكرية بمعزل عن القوات الأمنية الرسمية.
ومن الملفت للنظر إن رفض تقتنين الحشد الشعبي لم يقتصر على الشرائح المجتمعية التي عانت طويلًا من فصائل الحشد مثل السنَّة، إنما من الطائفة الشيعية أيضًا التي تلقت اضطهادًا مماثلًا من الحشد، تمثَّل بسلسلة الاغتيالات التي طالت الناشطين الحقوقيين، أو الزج بهم في السجن بسبب أراءهم التي ينشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
نعتقد أن ما تعتزم عليه واشنطن (وربما إسرائيل أيضًا) في الأيام القريبة القادمة من ضربات مركزة تستهدف بها قادة الفصائل المنضوية بالحشد ومقراتهم العسكرية (بحسب ما يتم تسريبه من الصحافة العالمية)، ربما يكون توقيتها صحيحًا، نظرًا لحالة الرفض الجماهيري داخل العراق لتلك الفصائل، والرغبة الشعبية للتخلص من حالة اللا دولة.