بينما كان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تطالب بضرورة إيجاد آلية عاجلة لإدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة بعدما وصل الحصار إلى مستويات متطرفة تنذر بكارثة إنسانية، تُهدد حياة مليوني إنسان بالموت البطيء جوعًا، كشفت الولايات المتحدة عن هوية منظمة جديدة لتولي هذا الأمر، وقالت إن “إسرائيل” وافقت عليها.
وفي مايو/أيار الماضي، أزاحت واشنطن الستار عن هوية تلك المنظمة، بعد تكهنات عدة استمرت لأيام، لتعلن أن “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) هي المفتاح لحل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، دون وجود أي تفاصيل إضافية بشأنها، منوّهة بأنها ستباشر عملها في 26 من الشهر ذاته، وهو ما تم بالفعل.
في ذلك الوقت، أكدت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أن المؤسسة لن تكون قادرة على التعامل مع الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة، نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ شهرين، وأن مباشرة عمل بهذا الحجم يحتاج إلى إمكانيات لوجستية وخطط مدروسة ودراية بتفاصيل القطاع لا تتوفر لدى المنظمة الجديدة.
ونظرًا لتفاقم الوضع الإنساني في القطاع، لم تكن هناك رفاهية التقييم المسبق للمنظمة، ولا حتى النظر بعين الاعتبار لتحفظات المؤسسات الدولية، ومن ثم لا مجال للرفض الذي من شأنه أن يطيل أمد الأزمة ويعمّق المعاناة التي تتصاعد يومًا تلو الآخر، بعدما وصل التجويع إلى مرحلة حرجة. وعليه، كان الارتضاء بالمؤسسة على مضض، رغم علامات الاستفهام العديدة التي وُضعت أمامها، خاصة فيما يتعلق بقبول الكيان الإسرائيلي بها بهذه السرعة، رغم رفضه للمنظمات الأممية والدولية، كالأونروا والمطبخ المركزي العالمي.
ومع اليوم الأول لعمل تلك المؤسسة، بدأت الصورة تتضح رويدًا رويدًا، فالأمر لم يتعلّق فقط بالفشل في أداء المهام المطلوبة، بل اتخذت العملية مسارًا آخر، بعدما تحولت مراكز توزيع المساعدات التي حدّدتها مؤسسة غزة إلى مصائد للموت، حيث يسقط المئات من الفلسطينيين يوميًا، ومن كافة المراحل العمرية، إما بسبب التدافع أو الاستهداف الممنهج عبر القناصة المكلّفين بالإشراف على عملية التوزيع، أو عبر الطائرات المسيّرة التي تضرب في سويداء القلب مباشرة، تحت حماية جيش الاحتلال.
وبعد قرابة 50 يومًا من عمل تلك المؤسسة، تسير الأمور نحو منحى مختلف تمامًا، فالجوع يزداد تفاقمًا، وضحاياه يتضاعفون، لتنتقل (GHF) من كيان دُشّن خصيصًا لإغاثة الفلسطينيين المحاصرين وإنقاذهم من التجويع كعمل إنساني، إلى أداة في يد الإسرائيلي وسلاح معتبر لتنفيذ مخططاته وأجنداته التوسعية التي فشل في تحقيقها بالعمليات العسكرية المباشرة على مدار أكثر من 650 يومًا.
إدارة مثير للريبة
كان الإعلان عن تأسيس “مؤسسة غزة الإنسانية” مثيرًا للشك، فقد تأسست في فبراير/شباط 2025، ورغم أن مقرها المُعلن في ولاية ديلاوير بالولايات المتحدة، فإنها سُجّلت مبدئيًا في جنيف، ومع ذلك، لا تملك مكاتب أو ممثلين معروفين في هذه المدينة التي تستضيف مقار منظمات إنسانية دولية، وبشكل مفاجئ، أُعلن عن غلق هذا التسجيل مباشرة بعد الحصول على الرخصة.
تمويلها هو الآخر كان موضع تساؤل كبير، فبالرغم من عدم وجود وثائق رسمية حول ميزانيتها أو الجهات الممولة، إلا أن تقارير كشفت عن تمويل وزارة الخارجية الأميركية لها بشكل أساسي، بميزانية تُقدَّر بحوالي 140 مليون دولار شهريًا، وهو ما يخالف العُرف السائد مع باقي المنظمات الإنسانية التي تموّلها واشنطن.
وبعد أيام قليلة من الإعلان عنها، أعلن مديرها التنفيذي جيك وود استقالته بشكل مفاجئ، مرجعًا ذلك إلى إدراكه أن المنظمة لا تستطيع إنجاز مهمتها “مع الالتزام بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيّز والاستقلالية”، ليتولى مكانه جون أكري، فيما يرأس مجلس الإدارة جوني مور، وهو قيادي إنجيلي معروف بمواقفه المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، وقد زار تل أبيب بعد نحو ثلاثة أشهر من عملية “طوفان الأقصى”، وأعرب عن دعمه لمقترح الرئيس دونالد ترامب بتولي واشنطن السيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى ما سمّاه “ريفييرا الشرق الأوسط”.
في السياق ذاته، كانت الشركات الأميركية التي تتولى الإشراف على عمل المؤسسة وحمايته، مثيرة بدورها للقلق والشك، وعلى رأسها مجموعة Safe Reach Solutions، المعروفة اختصارًا بـ(SRS)، والتي يديرها فيليب إف رايلي، الرئيس السابق للوحدات شبه العسكرية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، وهو الذي وضع الخطة التشغيلية لنقاط التفتيش في ممر نتساريم، وعمل سابقًا لدى شركة المقاولات العسكرية الخاصة كونستيليس (Constellis)، المالكة لشركة الأمن الشهيرة المعروفة سابقًا باسم “بلاك ووتر” (Blackwater). وفي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، كشف رايلي أنه بدأ مناقشاته بشأن هذه الخطة مع مدنيين إسرائيليين في أوائل عام 2024.
ويحمل رايلي سجلًا حافلًا في أنشطة المرتزقة، حيث شارك في تدريب ميليشيات “الكونترا” في نيكاراغوا لصالح الـCIA في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد عقدين، كان من أوائل عملاء الوكالة الذين دخلوا أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم أصبح رئيس فرع الوكالة في كابول، قبل أن يغادر للعمل كخبير أمني لدى شركات خاصة، منها شركة “Orbis”، وهي شركة استشارية مقرها فرجينيا.
وبدأت SRS عملها في غزة فعليًا في يناير/كانون الثاني 2025، حيث تولى رايلي منصب الرئيس التنفيذي للشركة، وأقامت نقطة تفتيش مركزية لتفتيش سيارات الفلسطينيين خلال فترة وقف إطلاق النار بين يناير ومارس الماضيين، حسبما أفادت الصحيفة الأميركية.
كذلك برز اسم شركة “Global Delivery Company” المعروفة إعلاميًا باسم (GDC)، وهي شركة خاصة تقدّم خدمات لوجستية للمنظمات غير الربحية والهيئات الحكومية والشركات والأفراد، ومن أبرز شركائها، كما هو موضح على موقعها الإلكتروني: وكالة الأنباء اليهودية، والمجلس الأميركي الإسرائيلي. وتتفاخر الشركة بسجلّها في “حماية اليهود”، إذ تقول إنها أنقذت آخر يهودي في أفغانستان، ونسقت نقل 19 يهوديًا جوًا من اليمن، وهرّبت سفر توراة يعود تاريخه إلى 500 عام، كما أنقذت آخر اليهود وآثارهم من اليمن، إلى جانب مساهمتها في إنقاذ يهود حلب السورية.
وقد ورد اسم هذه الشركة في تصريحات سابقة لنائبة رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” العبرية، نوعا لانداو، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث قالت إنها من بين الأدوات التي يستخدمها نتنياهو ووزيراه المتطرفان، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ضمن خطتهم لاحتلال أجزاء واسعة من قطاع غزة، وتهجير سكانه، وبناء بنى تحتية تخدم المشروع الصهيوني على المدى الطويل، بعيدًا عن الجيش الإسرائيلي.
إصرار رغم الانتقادات
منذ اليوم الأول لبدء عمل المؤسسة، واجهت انتقادات لاذعة من العديد من المؤسسات الدولية والخيرية، حيث أجمع الجميع على أنها غير مؤهلة للقيام بهذه المهام، وأنها تزيد من تفاقم الأزمة وتعرض حياة الغزيين للخطر، فضلًا عن اتهامات تسييس العمل الإغاثي التي طالتها مؤخرًا.
فكما جاء على لسان مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة: “المؤسسة تُقيِّد المساعدات في جزء واحد من غزة، وتترك بقية المناطق المحتاجة بلا دعم. تجعل المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية، وتحول المجاعة إلى ورقة مساومة. إنها انحراف ساخر وتشتيت متعمّد”، فيما أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) بيانًا أعربت فيه عن قلقها العميق من الخطة التي تنتهك مبادئ الحياد والإنسانية والاستقلال في العمل الإغاثي.
وفي بيان مشترك، رفضت 11 منظمة إنسانية وحقوقية كبرى المؤسسة بشكل قاطع، معتبرة إياها: “مشروعًا يقوده مسؤولون عسكريون وأمنيون غربيون مرتبطون سياسيًا، بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، دون أي مشاركة فلسطينية في تصميمه أو تنفيذه”، كما أثار غياب المشاركة الفلسطينية والموافقة الإسرائيلية، إلى جانب وجود الجيش الإسرائيلي حول مواقع التوزيع، مخاوف من أن هذه المؤسسة ستمنح إسرائيل مزيدًا من السيطرة على المساعدات في غزة.
وفي الأول من يوليو/تموز الجاري، طالبت أكثر من 170 منظمة إغاثة دولية بإغلاق المؤسسة فورًا، كونها تُعرّض المدنيين لخطر الموت أو الإصابة، داعيةً في بيانٍ وُقّع في جنيف إلى الضغط على إسرائيل لوقف خطة “مؤسسة غزة الإنسانية”، وإعادة تفعيل نظام توزيع المساعدات الذي تنسقه الأمم المتحدة.
وجاء في البيان: “يواجه الفلسطينيون في غزة خيارًا مستحيلًا: إما الموت جوعًا، أو المخاطرة بالتعرض لإطلاق النار أثناء محاولتهم اليائسة للحصول على الغذاء لإطعام أسرهم”. ومن بين المنظمات الموقعة على البيان: أوكسفام، وأطباء بلا حدود، وهيئة إنقاذ الطفولة، والمجلس النرويجي للاجئين، ومنظمة العفو الدولية.
رغم كل هذه الانتقادات، وإعلان الأونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية استعدادها لتولي المهمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فشل (GHF) في أداء مسؤولياتها، فضلًا عن علامات الاستفهام الكبيرة التي أطلت برأسها دون إجابات مقنعة، إلا أن الإصرار الأميركي-الإسرائيلي على استمرار عمل المؤسسة ظل سيد الموقف، ما فتح الباب أمام الكثير من التكهنات بشأن الأهداف الحقيقية التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تحقيقها من خلال هذا الكيان الذي يستتر خلف العمل الإنساني.
تجدر الإشارة إلى أنه، منذ بداية عمل المؤسسة في 26 مايو/أيار الماضي وحتى 20 يوليو/تموز الجاري، بلغ إجمالي ضحايا “أكياس الطحين” من منتظري المساعدات الذين وصلوا إلى المستشفيات نحو 1000 شهيد و5900 مصاب، فيما ارتفعت أعداد الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية إلى 86، بينهم 76 طفلًا و10 بالغين، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
أداة لتحقيق أهداف الاحتلال
بعد أكثر من شهر ونصف من عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” المموّلة أميركيًا، بات من الواضح، وبما لا يدع مجالًا للشك، أنها تعمل لخدمة الأهداف الإسرائيلية وتنفيذ أجندة الاحتلال، وأنها أبعد ما تكون عن العمل الإنساني الذي تتّخذه ستارًا لتمرير أهدافها الحقيقية، والتي تتمثل في الآتي:
أولًا: التهجير
كان النظام السابق لتوزيع المساعدات، تحت إشراف الأمم المتحدة، يتضمّن وجود 400 نقطة توزيع داخل قطاع غزة، موزعة على كافة المناطق: شمالًا وجنوبًا ووسطًا. لكن مع الآلية الجديدة، انحصر التوزيع في 4 نقاط مركزية فقط، تغطي الوسط والجنوب، دون أن تشمل باقي مناطق القطاع.
وهذا يعني دفع الفلسطينيين قسرًا، وبقوة الجوع، من شمال القطاع نحو الوسط والجنوب، ثم تجميع سكان الوسط والجنوب في 4 نقاط بدلًا من أكثر من 300 نقطة كانت تغطي تلك المناطق سابقًا. وبهذا، تحوّلت المساعدات إلى “طُعم” تستدرج به القوات الإسرائيلية السكان من كافة المناطق نحو 4 مواقع مركزية فقط.
تخدم هذه الآلية، بشكل واضح، مخطط التهجير، إذ يجري تفريغ معظم مناطق القطاع من سكانها، ثم يُجبرون على البقاء قرب نقاط تمركز مُحددة ومُهندسة بطريقة مهينة، أشبه ما تكون بمعسكرات احتجاز نازية، ومع تفاقم المعاناة وتقطير المساعدات قطرة تلو الأخرى، يصبح من الصعب على متلقّي المساعدات العودة إلى مناطقهم الأصلية بسبب المسافات الطويلة، وهكذا يُخلق مناخ ملائم للتهجير “الطوعي”، سواء عبر البحر أو إلى بعض دول الجوار.
يتفق مع هذا التوصيف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي كتب في “هآرتس” أن ما يحدث هو أول مؤشر واضح منذ بدء الحرب على وجود خطة إسرائيلية متعمدة للتطهير العرقي في غزة، لإجبار السكان على المغادرة القسرية، وأضاف أن القيادة الإسرائيلية لم تعد تتصرّف كردّ فعل على حماس، بل تتّبع خطة استراتيجية لإفراغ القطاع، عبر وسائل منها تجميع السكان في كانتونات، مثل “المدينة الإنسانية” أو نقاط توزيع المساعدات التي تحوّلت إلى نقاط موت.
ثانيًا: عسكرة آلية المساعدات
كان إشراف الأونروا والمنظمات الأممية على المساعدات أمرًا مقلقًا لـ”إسرائيل”، إذ مثّلت تلك الهيئات عينًا رقابية على الانتهاكات الميدانية، ومنعت توظيف الغذاء كسلاح ضد السكان، إلى جانب تبنّيها ملف عودة اللاجئين، الذي يُعدّ من أكثر القضايا حساسية بالنسبة للإسرائيليين.
لذا، بدأ الاحتلال بالتضييق على تلك المنظمات، بدءًا من تجميد عمل برنامج الأغذية العالمي، مرورًا بمنع الأونروا من ممارسة مهامها، واستهداف مقارها ومخازنها بشكل مباشر، في رسالة واضحة مفادها: لا مكان للمؤسسات الأممية في غزة.
وفي المقابل، يسعى نتنياهو وقيادته العسكرية إلى عسكرة المساعدات، وجعلها تحت الإشراف المباشر للجيش الإسرائيلي، بما يمكّنه من استخدامها كورقة ضغط سياسية وميدانية متى شاء، سواء في وجه المدنيين أو على طاولة المفاوضات.
ثالثًا: تركيع سكان غزة
بات جليًا أن الاحتلال لا يتعامل مع التجويع كسلاح ضغط لتحقيق أهداف سياسية فحسب، بل كاستراتيجية قائمة بحد ذاتها. فالمجتمع الغزي تُرك يواجه مصير الموت جوعًا، مع إغلاق كل المنافذ، ما يجعل استخدام التجويع هنا يتجاوز “أداة الضغط” ليصبح سياسة إذلال ممنهجة.
يستهدف الاحتلال من خلال ذلك تركيع الفلسطيني ككل، وليس فقط المقاتلين، في سياق تنفيذ مشروع “كيّ الوعي” بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فالمعاناة والإذلال اليومي الذي يعانيه الفلسطيني تُرضي غريزة الانتقام الإسرائيلي، وتُرمم جراح الهزيمة النفسية والعسكرية التي خلّفها طوفان الأقصى.
رابعًا: تقويض حماس وعزلها عن الحاضنة الشعبية
منذ مطلع 2024، شهد “المطبخ الأمني” الإسرائيلي نقاشات حول ضرورة إيجاد وسائل غير عسكرية لتقويض سلطة حماس في غزةK ومن بين تلك الوسائل التي طُرحت: استخدام ملف المساعدات كأداة ضغط، عبر الاستعانة بشركات أمنية ومرتزقة أميركيين وإسرائيليين، يمكنهم، بعد توفير الدعم اللوجستي، السيطرة غير المباشرة على القطاع.
ما عجزت عنه المؤسسة العسكرية، يمكن أن تنفّذه تلك الكيانات المرتزقة عبر تكريس واقع إنساني خانق، يُفقد حماس والفصائل قدرتها على إدارة القطاع، ويدفع السكان تدريجيًا نحو الانفكاك عن سلطتهم المحلية.
خامسًا: إخراج غزة من معادلة المقاومة
يتوّج الاحتلال هذه الأجندات بهدف مركزي: إخراج غزة من معادلة المقاومة الفلسطينية، فقد شكّلت غزة، لسنوات، حجر عثرة في وجه المشاريع التوسعية الإسرائيلية، ومصدر إزعاج دائم يُربك الحسابات العسكرية والسياسية، والآن يرى الاحتلال في اللحظة الراهنة فرصة مثالية لإنهاء هذا الدور، مدفوعًا بدعم أميركي غير محدود، وصمت عربي وإسلامي يُشبه الخذلان، بل التواطؤ.
وهكذا، تجيب الأسابيع الماضية عن السؤال الذي شغل المراقبين: لماذا وافقت “إسرائيل” على “مؤسسة غزة الإنسانية” دون غيرها، ورفضت في المقابل جميع المنظمات الأممية ذات التاريخ والمصداقية؟ الجواب أصبح واضحًا الآن: لم تكن المؤسسة سوى أداة تنفيذ لأجندة إسرائيلية تُغلّف بالإنسانية زورًا، وما عجزت عنه القنابل والدبابات، تتولاه مؤسسات “إغاثية” تعمل بالتنسيق مع الاحتلال، لتُكمل فصول الخطة بهدوء، تحت غطاء الشرعية الدولية.