في خطوة أعادت تسليط الضوء على السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أقرّ الكونغرس الأمريكي البارحة مشروع قانون يتيح تعديلًا على قانون “قيصر”، بالتزامن مع جهود سورية–أمريكية كانت تسعى في الأشهر الأخيرة إلى إلغاء القانون كليًا. يأتي ذلك في تحوّلٍ يعكس توازنًا دقيقًا بين ضغوط حزبية متضادة، وتداعيات ما شهدته محافظة السويداء مؤخرًا من اضطرابات أمنية، خلال يوليو/تموز الجاري.
هذا الإحياء المدروس لملف العقوبات أثار جملة من الأسئلة الجوهرية، من بينها: هل يهدف هذا التعديل فعلاً إلى تحفيز الإصلاح السياسي والاقتصادي داخل سوريا؟ أم أنه أداة ضغط يستخدمها ترامب ضد دمشق للقبول بتفاهمات سياسية أخرى؟
في هذا المقال، نرصد خريطة التحوّل الأخيرة من خلال أربعة محاور: أسباب التعديل، أبرز التغييرات على نص القانون، ما تعنيه هذه الخطوة فعليًا لمستقبل سوريا، وأخيرًا، كيف جاءت ردود الفعل محليًا ودوليًا.
ما الجديد فعليًا؟
حمل تعديل القانون، والذي أقرّته لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب تحت عنوان “قانون محاسبة العقوبات على سوريا”، مجموعة تغييرات على البنية القانونية لقانون “قيصر”، تركّز على تعديل شروط الإعفاء، وتوسيع الرقابة المالية، وربط رفع العقوبات بمعايير حقوقية محددة.
ووفقًا لنص المشروع، الذي قدّمه النائب الجمهوري مايكل لاولر، يتجه التعديل إلى مراجعة القيود المصرفية، وتحديث آليات مكافحة غسل الأموال، مع الحفاظ على جوهر العقوبات كأداة ضغط على الحكومة السورية.
المشروع ينص على تمديد فترة الإعفاء من العقوبات من 180 يومًا إلى عامين كاملين، بشرط أن تلتزم الحكومة السورية بمعايير حقوق الإنسان المعتمدة من قبل الإدارة الأميركية خلال هذه الفترة دون انقطاع.
كما ينص المشروع على إنهاء العمل بقانون “قيصر” بالكامل في حال تحققت هذه الشروط لمدة عامين متتالين، أو تلقائيًا بحلول نهاية عام 2029، أيهما أسبق. بمعنى آخر، يُمكن رفع العقوبات نهائيًا، لكن ذلك مشروط بالتزام صارم وعلى مدى زمني طويل.
يتضمن المشروع أيضًا بندًا يُلزم الإدارة الأميركية بتقديم إحاطة دورية إلى الكونغرس حول أي تسهيلات تنظيمية أو تنفيذية تم منحها لمصرف سوريا المركزي، ما يعني تقييد قدرة السلطة التنفيذية على تخفيف العقوبات دون رقابة مباشرة من المؤسسة التشريعية.
حصل المشروع على موافقة أولية داخل لجنة الخدمات المالية، حيث صوّت لصالحه 31 نائبًا، مقابل 23 معارضًا. لكنه ما يزال بحاجة إلى المرور من لجنة الشؤون الخارجية، ثم يُطرح للتصويت أمام مجلس النواب بالكامل، وبعدها يُعرض على مجلس الشيوخ قبل أن يُقرّ بشكل نهائي.
حتى الآن، لا يعني إقرار المشروع في لجنته الأساسية أن القانون أصبح نافذًا، لكنه يمثّل خطوة متقدمة نحو تعديل شامل لقانون قيصر، يضيف أدوات رقابة جديدة ويوسّع الإطار الزمني للعقوبات، دون أن يرفعها بشكل تلقائي أو فوري.
لماذا التعديل؟
يأتِ تعديل القانون في توقيت يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره حرجًا، ليس فقط بسبب اقتراب انتهاء صلاحيته القانونية، بل أيضًا نتيجة متغيرات داخلية دفعت بصانعي القرار في واشنطن إلى مراجعة القانون بدل إلغائه. فالقانون، الذي أُقر عام 2019 ودخل حيّز التنفيذ في منتصف عام 2020، يتضمن بندًا يقضي بانتهاء مفعوله بعد خمس سنوات، ما لم يصدر قرار بتجديده أو تعديله.
ومع اقتراب هذا الموعد، برزت الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن مستقبله، بين إلغائه كليًا أو إعادة صياغته بما يتلاءم مع المعطيات المستجدة.
وتشير تقديرات متعددة إلى أن إدارة ترامب كانت قد طرحت في وقت سابق سيناريوهات تتضمن شطب قانون “قيصر” بالكامل، ضمن حزمة تفاهمات سياسية أوسع. إلا أن تبدل الأولويات داخل الكونغرس الأمريكي، ساهمت في تبديد زخم تلك الطروحات، لا سيما في ظل التطورات الأمنية المتسارعة على الأرض.
في هذا السياق، يُعتقد أن التصعيد الأخير في محافظة السويداء، وما رافقه من عنف وانتهاكات من قبل أفراد يتبعون لوزارة الدفاع السورية خلال يوليو/تموز الجاري، لعب دورًا في تسريع النقاش حول إعادة تفعيل أدوات الضغط على حكومة دمشق، لا سيما مع تصاعد الانتقادات الحقوقية في واشنطن وعواصم أوروبية.
إذ أن النائب الجمهوري مايكل لاولر، الذي قدّم المشروع، ربطه بقضايا أبعد، منها حماية الأقليات الدينية، ودعم الحريات، ومكافحة تجارة الكبتاغون، معتبرًا أن هذه الأهداف تتطلب إعادة صياغة العقوبات بما يتيح مرونة تنفيذية أوسع.
هذا ما يعنيه لسوريا
لا يخفف التعديل فعليًا من الضغط المفروض على الحكومة السورية حاليًا، بل يعيد ضبط أدواته، بما يسمح بهوامش حركة ضيقة، دون أن يمنحها أي تسهيلات غير مشروطة.
فمن بين أبرز ما يتيحه التعديل، تمديد فترة الإعفاء من العقوبات من 180 يومًا إلى عامين، ما قد يوفّر غطاءً قانونيًا مؤقتًا لبعض المبادرات الاقتصادية أو المصرفية التي تحتاج إلى تنسيق دولي أو تمويل خارجي. لكن الاستفادة من هذا الإعفاء تبقى مرهونة بإثبات التزام الحكومة السورية بمعايير حقوق الإنسان، ما يعني أن أي تخفيف فعلي سيتطلب خطوات ملموسة من دمشق تخضع لمراقبة أميركية مستمرة.
كما يربط التعديل رفع العقوبات نهائيًا بتحقّق شرطين: إما أن تثبت الإدارة الأميركية التزام الحكومة السورية الجديدة بهذه المعايير لمدة عامين متتاليين، أو أن يحل عام 2029 دون تسجيل انتهاكات تبرّر استمرار العقوبات. وهذا الإطار الزمني الطويل يعكس غياب ثقة واضحة في نوايا الحكومة السورية، ويميل إلى استخدام العقوبات كأداة ضغط ممتدة بدلًا من كونها إجراءً مرحليًا.
في المقابل، يُلزم التعديل الإدارة الأميركية بتقديم إحاطات دورية إلى الكونغرس حول أي تسهيلات تنظيمية أو استثناءات تنفيذية تمنح لمصرف سوريا المركزي. هذه النقطة بالتحديد تعني أن أي تخفيف إداري على مستوى القطاع المالي، بما في ذلك التحويلات أو فتح قنوات تمويل محدودة، لن يمرّ من دون رقابة صارمة من المؤسسة التشريعية.
ردود فعل الأطراف
أثار التعديل ردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة، سواء على مستوى المشرّعين أو منظمات المجتمع المدني، إلى جانب أصوات من الجالية السورية الأميركية، عبّرت عن مواقف رافضة للتعديل بصيغته الحالية.
فقد كشف الأكاديمي السوري المقيم في الولايات المتحدة، محمد علاء غانم، أن جهودًا مكثفة بُذلت خلال 24 ساعة فقط من قبل الجالية السورية الأميركية، نجحت في تشكيل معارضة فعلية داخل لجنة الخدمات المالية، بعدما كان من المتوقع تمرير المشروع دون اعتراض.
ووفق غانم، فإن الجالية تواصلت مباشرة مع أعضاء في اللجنة، وتمكنوا من إقناع عميدة الديمقراطيين، النائبة ماكسين ووترز، ليس فقط برفض المشروع، بل أيضًا بتقديم تعديل عليه باسمها.
رغم علمنا بالمؤامرة التي دُبّرت بليل وبشخصياتها وبإصرار رئيس اللجنة المعارض لإلغاء قيصر على إجازة لجنة الخدمات المالية لمشروع القانون، إلا أننا استطعنا خلال ٢٤ ساعة— وهو الزمن الذي كان متاحاً بين أيدينا حيث أنّ مشروع القانون قد طُرِحَ قبل بضعة أيام فقط— من خلق معارضة حقيقيّة…
— Mohammed Alaa Ghanem محمد علاء غانم (@MhdAGhanem) July 22, 2025
وأشار غانم إلى أن تصاعد الأحداث في السويداء ساهم في تشديد مواقف بعض النواب داخل اللجنة، والذين رأوا أن الوقت غير مناسب لتخفيف أدوات الضغط، ما دفعهم إلى المطالبة بالإبقاء على العقوبات كوسيلة للضغط السياسي والحقوقي على الحكومة السورية.
في المقابل، عبّر النائب الجمهوري جو ويلسون عن رفضه لصيغة التعديل، معتبرًا أنها لا تنسجم مع سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه سوريا، والتي كانت تقوم – وفق تصريحه – على إعطاء الحكومة السورية فرصة للانخراط في عملية استقرار طويلة الأمد. وأشار إلى أن الإلغاء الكامل لقانون قيصر سيكون أكثر فاعلية من إعادة تشكيله.
وأصدر الفريق بيانًا يدعو فيه الكونغرس إلى رفض مشروع القانون H.R. 4427، معتبرًا أن التعديل يوجّه تأثير العقوبات نحو المدنيين بدلًا من الحكومة الحالية، ويقوّض الأهداف السياسية والإنسانية التي وُضعت من أجلها العقوبات في الأصل.
Grateful to have spoken this morning to @RepFrenchHill and others of the @FinancialCmte
HR4427 in its current form is not the right approach forward and does not align with President Trump’s agenda for Syria. I hope that the Financial Services Committee reconsiders this measure…
— Joe Wilson (@RepJoeWilson) July 22, 2025
أما على مستوى المجتمع المدني، فقد عارضت منظمات سورية بارزة التعديل المقترح، وعلى رأسها فريق الطوارئ السوري (SETF)، الذي كان له دور أساسي في الدفع نحو قانون قيصر عام 2019.
House Financial Services Committee decided to move forward a bill extending Caesar with new conditions instead of a full repeal of the Caesar Act. Caesar was against Assad not the Syrian people making it the moral obligation of Congress to repeal immediately, it also undermines… pic.twitter.com/ufz8RmBDUK
— Mouaz Moustafa (@SoccerMouaz) July 22, 2025
ورغم أن مشروع تعديل قانون “قيصر” جرت الموافقة الأولية عليه فقط داخل لجنة الخدمات المالية ولم يُقرّ بشكل نهائي بعد، إذ لا يزال بحاجة إلى المرور بعدة محطات، إلا أنه يشكّل إعادة تموضع للأدوات الأميركية في التعامل مع الملف السوري. ورغم أنه لا يحمل انفراجًا حقيقيًا، لكنه أيضًا لا يُغلق الباب بالكامل أمام احتمالات التهدئة. وهو بذلك يضع الكرة في ملعب دمشق، مع تأكيد ضمني من واشنطن أن أي تحوّل جذري سيبقى مشروطًا بالسلوك، لا بالتصريحات.