ترجمة وتحرير: نون بوست
كان شهر يوليو/ تموز أحد أكثر الشهور دموية في الحرب على غزة؛ حيث تقتل إسرائيل شخصًا واحدًا كل 12 دقيقة. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 1,000 فلسطيني لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، معظمهم أثناء محاولتهم استلام المساعدات من مراكز التوزيع.
وخلف هذه الوفيات الظاهرة للعيان يكمن رعب المجاعة الممنهجة: “المُهندَسة بعناية، والمراقبة عن كثب، والمصممة بدقة”، على حد تعبير البروفيسور أليكس دي وال، الخبير في الأزمات الإنسانية.
وحذرت أكثر من 100 منظمة إغاثة من أن هذه المجاعة تنتشر بسرعة. وقالت وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 10 أشخاص ماتوا بسبب الجوع وسوء التغذية يوم الثلاثاء وحده؛ حيث يشاهد الآباء أطفالهم يذبلون، وينهار البالغون في الشوارع.
كل ذلك عدا عن الاحتياجات الأساسية الأخرى -الماء والإمدادات الطبية والمأوى- فحتى لو أمكن توزيع الطعام بشكل عادل في ظل النظام الجديد -وهو أمر مستحيل- فهو غير كافٍ على الإطلاق. وحتى لو وصل المزيد، وهو ما قد يحدث إذا ما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإن الحياة لا يمكن أن تستمر عندما تتناوب فترات قصيرة من الراحة الجزئية مع أشهر من الحرمان.
تسبب المجاعة أضرارًا تدوم مدى الحياة على الصحة البدنية والعقلية، وربما تشمل صحة الأجيال القادمة، وتدمر المجتمعات تماما مثلما تخطف الأرواح. إنها تجبر الناس على اتخاذ خيارات قاسية، مثل تحديد أي من أطفالهم يحتاج إلى الطعام أكثر من غيره، والقيام بأفعال يائسة وانتزاع الطعام من الآخرين، وهذه الممارسات تترك ندوبًا دائمة.
وفي وقت استنفدت فيه العديد من منظمات الإغاثة مخزوناتها، يقول آخرون إن الانهيار الاجتماعي جعل توزيع الإمدادات الضئيلة أمرًا خطيرًا للغاية بالنسبة للموظفين والمستفيدين على حد سواء. تلقي إسرائيل باللوم على النهب الذي تقوم به حماس في ظل المجاعة، وهذه التصريحات تصدر من حكومة سلحت عصابة إجرامية متهمة بالاستيلاء على المساعدات.
إن تجويع مجتمع ما عمدًا يعني تفتيته، وتحظر اتفاقية الإبادة الجماعية “تعمّد فرض ظروف معيشية على مجموعة ما من شأنها أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا”. حتى لو أبقت المساعدات الضئيلة معظم الفلسطينيين بالكاد قيد الحياة، فإن الحرمان بإمكانه تدمير الفلسطينيين في غزة كمجموعة.
تتصاعد الإدانات بشكل مستحق، فقد أصدرت المملكة المتحدة و27 دولة أخرى يوم الاثنين بيانًا شديد اللهجة يهاجم إسرائيل لحرمانها الفلسطينيين من “الكرامة الإنسانية”. ووصف السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، تصريحاتهم بأنها “مثيرة للاشمئزاز”.
يجب على حلفاء إسرائيل الآخرين أن يواصلوا العمل معًا، والمهم ليس ما يقولونه، بل ما يفعلونه، بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات وحظر شامل على الأسلحة، وتعليق الشروط التجارية التفضيلية. ورغم أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو جزء من الرد الضروري، لكنه ليس القضية الوحيدة أو الأهم.
لقد كانت بريطانيا محقة في فرض عقوبات على وزراء اليمين المتطرف، وإعادة تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتعليق العديد من صادرات الأسلحة. لكن هذه الإجراءات جاءت متأخرة جدًا، وما زالت أقل من اللازم بكثير. وقد قالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي -أكبر شريك تجاري لإسرائيل- إن “جميع الخيارات مطروحة”، لكن الاتحاد لم يتفق بعد على اتخاذ أي إجراء.
في مواجهة هذا التدمير الممنهج للحياة الفلسطينية في غزة، يجب على الدول الأخرى أن تقدم معًا ردًا منهجيًا وشاملًا وملموسًا. إن لم يكن الآن، فمتى؟ ما الذي يتطلبه الأمر أكثر من ذلك لإقناعهم؟ هذه في المقام الأول كارثة تُرتكب بحق الفلسطينيين، ولكن إذا استمر السماح بانتهاك القانون الدولي الإنساني، فإن التداعيات ستطال الكثيرين حول العالم في السنوات القادمة. لن يسأل التاريخ ما إذا كانت هذه الحكومات قد فعلت شيئا لوقف الإبادة الجماعية التي ارتكبها حليفها، بل ما إذا كانت قد بذلت كل ما بوسعها للقيام بذلك.
المصدر: الغارديان