تتواصل منحنيات التوتر تعرّجاتها المتطرفة في محافظة السويداء (جنوب سوريا)، لتزداد تعقيدات المشهد مع تعدد الأصابع والأجندات، الداخلية والخارجية، التي تعبث به، مما يحوّل النزاع من دائرته المحلية الضيقة إلى صراع جيوسياسي إقليمي مفصلي، ستكون له تبعات في إعادة تشكيل المشهد السوري سياسيًا وطائفيًا واستراتيجيًا.
كانت البداية بخلافات عشائرية عادية، صباح 13 يوليو/تموز الماضي، أسفرت لاحقًا، وعلى جناح السرعة، عن اندلاع مواجهات دامية بين الفصائل الدرزية والعشائر البدوية، ما دفع السلطات السورية للتدخل لاحتواء الموقف، لتتدحرج كرة النار سريعًا في أعقاب تدخل الكيان المحتل على خط الأزمة بذريعة “حماية أبناء الطائفة الدرزية”، متجاوزًا كافة الخطوط الحمراء باستهداف مواقع استراتيجية للنظام السوري، من بينها القصر الرئاسي، ومقر هيئة الأركان، ووزارة الدفاع في العاصمة دمشق.
ورغم مساعي الاحتواء التي تُوّجت بإبرام اتفاق تهدئة ووقف لإطلاق النار بتدخل أمريكي–تركي، إلا أن النيران لا تزال مشتعلة تحت الرماد، وسط استمرار التحرش الإسرائيلي بين الحين والآخر، في محاولة للاستثمار في الفوضى لتحقيق أجنداته التوسعية، مع بروز مؤشرات على تدويل الملف، وتزايد المخاوف من تحوّل الجنوب السوري إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية.
وهكذا تجاوزت المعركة سياقها المحلي، وحتى الطائفي، فلم يعد الأمر شأنًا درزيًا داخليًا كما يحلو للبعض وصفه، بل استطاعت السويداء، تلك المحافظة التي لا تتجاوز مساحتها (5.55) آلاف كم²، وتشكل نحو (3%) من إجمالي مساحة سوريا، أن تفرض نفسها كبؤرة مفصلية في هندسة الخارطة الإقليمية، بعدما أصبحت أخطر تحدٍ جيوسياسي يواجه الدولة السورية منذ اندلاع الحرب.
أمام هذا المشهد المعقد، المفتوح على كافة الاحتمالات، والذي ينذر بخروج إجباري، وبفعل فاعل، عن سياقه المحلي الضيق، تترقب دول الجوار، لا سيما الثلاثي الأبرز: تركيا، وإيران، والعراق، ما يمكن أن تؤول إليه كرة النار المتدحرجة، وسط مخاوف وهواجس مدفوعة بالمقاربات الجيوسياسية التي يفرضها هذا التصعيد.
مشاريع الخارج إذ تصطدم بطموحات الداخل
منذ الثالث عشر من يوليو/تموز الماضي، واحتمالات الانزلاق نحو مواجهة إقليمية تتزايد ساعةً تلو الأخرى، حيث يبرز إصرار مثير للجدل من بعض الزعامات الروحية في السويداء، وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري، وعدد من الفصائل المسلحة التي تدعمه، وأهمها “المجلس العسكري في المحافظة” (ميليشيا محلية تشكلت بعد سقوط الأسد، ويُعتقد أن لها ارتباطات بـ”إسرائيل”)، على المضي قدمًا في هذا المسار، وإجهاض كافة جهود التهدئة.
الوضع في السويداء يبدو وكأنه خطة ممنهجة لإعادة تشكيل خارطة النفوذ داخل “سوريا الجديدة”، تتشابك فيها طموحات التمرد الداخلي بمشاريع خارجية، تلك الخارطة التي أُريد لها أن تُكتب بالدم، بعد أن جرى التسويق لها دعائيًا بشكل دقيق، حيث رافقتها موجة من التحريض والتعبئة الطائفية، ونشر الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي، مما أشعل الاحتقان الطائفي، الذي يمثل الوقود الأكثر اشتعالًا لمثل تلك المخططات.
وبعد قرابة عشرين يومًا على اندلاع الأزمة، بات واضحًا أن ما جرى في السويداء ليس تمرّدًا محليًا ولا خلافًا طائفيًا عابرًا، بل معركة تصفية حسابات في المقام الأول، تتداخل فيها الأجندات والمشاريع، وتتعقد فيها الحسابات والمقاربات، فخلف خطابات “حماية الأقليات” تختبئ خناجر التقسيم المسمومة، وفي سمائها الملبدة بالشعارات الجوفاء، تحوم طائرات الاجتزاء لا الوحدة، التبعية لا الاستقلالية، الاستعمار لا التحرير، وهو ما ترك أثرًا بالغًا على إدارة السلطة السورية الجديدة للمشهد، التي وجدت نفسها أمام اختبار وجودي لا تُحسد عليه.
"لا نية عدوانية تجاه إسرائيل، لكن لا نقبل تدخلها ولا اللعب بورقة الأقليات".. تصريحات غير مألوفة لوزير الخارجية السوري في موسكو.. هل تعيد دمشق ضبط تحالفاتها الأمنية مع #روسيا؟ pic.twitter.com/cNIjuP01e9
— نون سوريا (@NoonPostSY) August 1, 2025
وجدت “إسرائيل” في تلك الأجواء بيئة مثالية لفرض وقائع جديدة في الجنوب السوري، وتحويل تلك المنطقة الممتدة من الجولان إلى السويداء مرورًا بدرعا وريف دمشق إلى منطقة منزوعة السلاح، يُحظر دخولها على قوات الحكومة السورية، مستثمرة في المسألة الدرزية كأحد أبرز الأدوات التي يحاول من خلالها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وبعد سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، تدحرجت كرة النار الطائفية من مدينة لأخرى، لتُرسّخ بشكل كبير عمق الأزمة السياسية التي تواجهها الدولة السورية، وتُظهر تعدد الأيادي العابثة في المشهد، وهي الأيادي التي، رغم افتضاح أمرها بشكل أو بآخر، لم تُقابل بتحركات تطويقية أو ردع كافٍ، في ظل خضوعها لحزمة من المقاربات التي وضعتها الإدارة السورية الجديدة في مرتبة متقدمة على قائمة الأولويات، الأمر الذي أوصل الدولة إلى هذه المرحلة الحرجة.
تركيا.. مخاوف التقسيم وتعاظم نفوذ الأكراد
تنطلق تركيا في مقارباتها إزاء تطورات المشهد في السويداء من قاعدتين أساسيتين: الأولى سياسية–أمنية، تتمثل في الحفاظ على وحدة سوريا، والحيلولة دون السقوط في فخ التفكك والتقسيم؛ والثانية استراتيجية، تربط بين ما يجري في المحافظة السورية وبين المشروع الإقليمي الموسّع الذي تسعى تل أبيب لتدشينه عبر إعادة رسم توازنات المنطقة.
يعكس هذا التبلور في الموقف التركي إدراك أنقرة الواضح لحساسية التغيرات التي يشهدها الجنوب السوري، وما تحمله من انعكاسات متبادلة على التحولات التي يشهدها الإقليم بأكمله. فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع تلك المواجهات، وتكشّف خطوط اللعبة بصورة لا تقبل الشك، ازدادت القناعة التركية مع دخول “إسرائيل” المبكر على خط الأزمة عبر إجراءات ميدانية غير متوقعة.
من هنا جاء انخراط تركيا في الأزمة منذ الوهلة الأولى، متبنية خطابًا دبلوماسيًا فضفاضًا ثنائي المسار، دعت من خلاله على المستوى السوري إلى التهدئة وضبط النفس وتجنّب الانزلاق، وأدانت في المقابل الهجمات الإسرائيلية على سوريا، واعتبرتها محاولة لزعزعة الاستقرار وفرض وقائع جديدة على الأرض.
تتحرك الدولة التركية إزاء تلك الأحداث مدفوعة بأربع تخوفات رئيسية: أولها يتعلق بوحدة سوريا، وتعزيز سلطة الدولة المركزية، ورفض أي تفتّت أو تقسيم جغرافي؛ والثاني يتمثل في استقرار المنطقة والإبقاء على حالة الهدوء وتجنّب التصعيد، إذ يُنظر إلى العنف في السويداء باعتباره تهديدًا أمنيًا قد يمتد إلى الحدود التركية في حال خروجه عن إطاره المحلي الضيق.
تفاهمات انطلقت من #اسطنبول.. تستعد #تركيا و #سوريا للإعلان عن اتفاق دفاعي شامل نهاية أغسطس 2025، يشمل قواعد عسكرية وتعاونًا أمنيًا مباشرًا لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية.. إليكم التفاصيل: pic.twitter.com/R8ZheBPD30
— نون سوريا (@NoonPostSY) August 1, 2025
أما التخوّف الثالث الذي خيّم على الرؤية التركية تجاه تلك الأحداث، فيتمثل في الخشية من تحقيق الأكراد وميليشياتهم، خصوصًا “قسد”، لأي مكاسب محتملة من وراء تلك الفوضى، قد تمنحهم قبلة حياة جديدة، وهو ما سيكون له أثر بالغ لاحقًا على الأمن القومي التركي في الجنوب، خاصة بعد الإنجازات التي حققتها أنقرة في هذا الملف، إثر تجميد نشاط حزب العمال الكردستاني، وتسليم بعض ميليشياته سلاحها، وبداية مرحلة جديدة من التهدئة.
فيما يأتي صدّ النفوذ الإسرائيلي ووقف تمدّده في الداخل السوري كأحد أبرز المخاوف والأهداف معًا؛ فبعيدًا عن ما يُثار بشأن العلاقات المنضبطة بين أنقرة وتل أبيب، فإن سوريا تشكّل ساحة واسعة لصراع النفوذ بين الطرفين، وسط مخاوف من أن تتحوّل السويداء إلى نقطة اشتعال لمعركة حامية الوطيس، يحاول كل طرف من خلالها لجم الآخر ورسم خطوط حمراء لا يُمكن تجاوزها.
في هذا السياق، تُحمّل أنقرة جهات خارجية، وعلى رأسها تل أبيب، مسؤولية تغذية النزعات الانفصالية، معتبرة أن بعض الزعامات في السويداء تحوّلت إلى أذرع لوكلاء خارجيين يخططون لاستدامة وضع “اللا دولة”. وعليه، لم تعد حماية وحدة سوريا التزامًا سياسيًا فحسب بالنسبة لتركيا، بل أصبحت خطًا أحمر مرتبطًا بجملة من الإجراءات، بما فيها العسكرية، إذا ما تطلب الأمر.
ثمة إجراءات وسيناريوهات قد تضطر أنقرة للجوء إليها سريعًا، تصديًا لأي ارتدادات محتملة للأحداث في السويداء؛ في مقدمتها إنهاء ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، لما تمثله من تهديد مباشر للأمن القومي التركي، خصوصًا في ظل تقارير عن تواصل قريب بينها وبين تل أبيب، وحديث عن انخراط محتمل لها في أحداث السويداء، خاصة بعد تلميحات من فصائل تابعة للهجري.
ويُرجّح كذلك أن تسعى أنقرة إلى تعزيز التحالف الأمني الخماسي، الذي يضم إلى جانبها كلًا من الأردن ولبنان والعراق وسوريا، والذي أُعلن عنه في مارس/آذار الماضي، باعتباره كيانًا مؤسسيًا لإدارة الأزمات داخل سوريا، وركيزة محورية لمأسسة التنسيق الأمني، وضبط الحدود، وتطويق التهديدات العابرة.
علاوة على ذلك، تتجه تركيا نحو تعميق شراكتها مع دمشق، إذ تتطلب التطورات الأخيرة رفع مستوى التعاون بين الجانبين إلى مستويات متقدّمة من التنسيق اللوجستي، قد تصل إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك وتعاون عسكري، ما يتيح لأنقرة التواجد الشرعي لقواتها داخل الأراضي السورية، ولا سيما في الجنوب، لحماية مشروع “طريق التنمية”، وموازنة مشروع “خط السلام” الإسرائيلي.
إيران.. أولوية البقاء وفرصة استهداف المشروع الغربي
تتعامل طهران مع المشهد السوري عمومًا، منذ انهيار نظام حليفها الأسد، بنوع من البراغماتية؛ فلم تُظهر صراحة عداءً للسلطة الجديدة، بل على العكس، التزم خطابها السياسي وربما الإعلامي بخط التهدئة، مؤكدًا على وحدة الأراضي السورية وتجنّب الوقوع في فخاخ التقسيم والتشرذم.
ومع اندلاع الاشتباكات في السويداء، عبّرت وزارة الخارجية الإيرانية عن قلقها الشديد، ونددت بـ”الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية”، معتبرةً إياها انتهاكًا للسيادة، ومصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار في الجنوب السوري، داعيةً إلى حلٍّ سياسي شامل، مع التأكيد على أهمية الحوار السوري–السوري.
ويتجنب الإيرانيون السقوط في فخ الاستقطاب عبر الانحياز لطرف دون آخر، مفضلين البقاء في المنطقة الرمادية المحايدة، لا سيما أن السويداء ليست منطقة نفوذ شيعي تقليدي، ومن ثم فإن الصمت إزاء ما يحدث لا يحمّلهم مسؤولية أيديولوجية، ولا يضعهم في موقف حرج أمام حلفائهم داخل سوريا.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان:
📌ما جرى في السويداء فُسح المجال بعده لتحركات تهدد وحدة #سوريا
📌هناك جهات تحاول استغلال الفوضى جنوب سوريا لتقسيم البلاد
📌تركيا أطلقت تحذيراً رسمياً وستتحرك لحماية أمنها القومي من بوابة سوريا
📌إسرائيل لا تريد استقرار سوريا وتدفع نحو… pic.twitter.com/artAy04svu— نون سوريا (@NoonPostSY) July 26, 2025
ولا تميل طهران، التي تعاني من شروخات حادّة في جدار لحمتها الوطنية، وتقليص ممنهج لأذرعها في المنطقة، إلى الدخول في معارك جديدة، على الأقل في الوقت الراهن، مع القوى اللاعبة حاليًا في الساحة الجنوبية السورية، بدءًا من تركيا، مرورًا بالولايات المتحدة وروسيا، وصولًا إلى الكيان الإسرائيلي المحتل.
كما تسعى جاهدة للحفاظ على ما تبقى من وجودها العسكري والاستخباراتي والميليشيوي داخل سوريا، لا سيما في ريف دمشق ودرعا، خاصة بعد أن قلّصت هذا التواجد منذ أواخر عام 2024، عقب انهيار حليفها الأسد، ومن ثم تتجنب توتير العلاقات مع أيٍّ من الأطراف المؤثرة في المشهد الراهن.
عباءة “الحمل الوديع” التي تحاول إيران ارتداءها في تعاطيها مع تطورات المشهد السوري، والمدفوعة بالتراجع الإجباري لنفوذها الإقليمي، لا تُخفي حقيقة نواياها ومخططاتها في توظيف ما يحدث إعلاميًا لتشويه صورة السلطة الجديدة والإساءة إليها، من خلال ما تسميه “المشروع الغربي” في سوريا الجديدة، حيث المؤامرات الانفصالية، وتقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية، في محاولة لتصدير صورة مشوهة عن هذا المشروع، مقارنةً بمشروعها القديم الذي سقط بسقوط حليفها.
العراق.. كابوس الطائفية ونقل العدوى
يعاني العراق بصفة عامة من تعقيدات جيوسياسية مرتبطة بالحدود السورية، فما يحدث في الداخل السوري، إيجابًا كان أو سلبًا، ينعكس حتمًا على الساحة العراقية، والعكس صحيح. ومن ثم، حاولت بغداد منذ سقوط نظام الأسد وتولي الإدارة الجديدة، التعامل مع تلك التطورات بحيطة وحذر، حتى وإن تأرجح موقفها، يمينًا ويسارًا، بين الحين والآخر.
ينطلق العراقيون في تعاطيهم مع الأحداث في السويداء من مخاوف التهديدات الأمنية، إذ تشكّل المحافظة السورية مناطق تماس محورية بين الفصائل والتشكيلات المسلحة، وفي حال حدوث أيّ انفلات أو فقدان للسيطرة، قد يُفتح الباب مجددًا أمام نشاط تنظيم داعش، بما يحفّز نظراءه في الداخل العراقي على استعادة حضورهم من جديد.
وكانت تقارير أمنية قد أشارت إلى محاولات اختراق أو فرار من سجون “قسد” في الشمال الشرقي، خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، ما زاد من خشية العراق من تسلّل عناصر داعش عبر الحدود، لا سيما في غرب الأنبار والبادية، ما دفع السلطات العراقية إلى تكثيف وجودها الأمني في مناطق القائم والرطبة، كما طالبت بإنشاء غرفة تنسيق أمنية مشتركة مع الجانب السوري.
ويؤمن العراقيون بأن أي تصعيد خارجي في الجنوب السوري قد يفضي إلى صراع أوسع يجرّ أطرافًا محلية داخل العراق أيضًا، خصوصًا فصائل “الحشد الشعبي” المرتبطة بمحور المقاومة، كما يرون أن تصاعد العنف في السويداء من شأنه أن يخلق فراغًا سياسيًا أو أمنيًا، قد تستغله دول إقليمية مثل تركيا وإيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة، مما يؤدي إلى توتر في توازن القوى على حدود العراق، مع احتمالية زيادة حدة الاستقطاب الإقليمي داخل البلاد، بين موالين لطهران ورافضين لها.
ودائمًا ما ينظر العراق إلى استقرار سوريا كخط دفاع أول ضد التحديات الأمنية التي قد تصل إلى حدوده، وهو ما عبّرت عنه وزارة الخارجية العراقية بشكل عملي في مارس/آذار الماضي، حين حذّرت من احتمال توسّع العنف السوري، وما قد يحمله من تداعيات على بلادها والمنطقة عمومًا، مؤكدة ضرورة وقف نزف الدم السوري لتجنّب امتداد الفوضى إلى دول الجوار.
غادرت نحو 400 عائلة عراقية و36 عائلة سورية #مخيم_الهول ضمن تنسيق ثلاثي بين الإدارة الذاتية وبغداد والتحالف الدولي، وسط تحذيرات من تدهور الوضع الإنساني وعمليات أمنية مستمرة أسفرت عن توقيف عنصرين من تنظيم الدولة.#سوريا pic.twitter.com/6uCtbsca94
— نون سوريا (@NoonPostSY) July 31, 2025
كما أن الهشاشة التي يعاني منها العراق على حدوده الغربية قد تضعه في مأزق لوجستي وإنساني كبير في حال خروج الوضع عن السيطرة في السويداء، إذ قد يجد نفسه معرضًا لموجات هجرة جديدة في حال تصاعد النزوح الجماعي، إلى جانب التحديات الإنسانية المحتملة في حال اضطر إلى إقامة مخيمات حدودية.
وهناك مقاربة اقتصادية أخرى تضعها بغداد في حساباتها وهي تتعاطى مع المشهد في السويداء؛ تنطلق من أن تدهور الوضع الأمني في الجنوب السوري قد يؤجل خططًا عراقية–سورية لإعادة فتح المعابر بشكل كامل (مثل معبر البوكمال) وتوسيع التبادل التجاري، فضلًا عن إعاقته لبعض المشاريع اللوجستية الأخرى، كربط السكك الحديدية أو خطوط الأنابيب، والتي كانت جزءًا من تفاهمات سابقة تشمل إيران وسوريا والعراق.
وفي السياق ذاته، تمثل التداعيات المحتملة للأحداث في الجنوب السوري على التحولات السياسية داخل العراق كابوسًا يؤرق مضاجع العراقيين، إذ إن أي تغيّر جذري في موازين القوى السورية قد ينعكس مباشرة على النقاشات السياسية في بغداد، سواء حول الانسحاب الأميركي أو إعادة انتشار “الحشد الشعبي”، وهي المكاسب التي يعافر هذا البلد العربي، الممزق منذ سنوات، من أجل تحقيقها، ويجاهد للحيلولة دون خسارتها.
في الأخير، فإن التعامل مع ما يحدث في السويداء كنزاع محلي أو حتى طائفي عابر، هو حديث يفتقر إلى الموضوعية، ويبتعد كثيرًا عن المسكوت عنه في هذا الملف، الذي بات من الواضح أنه يُوظَّف من قبل أطراف شتى لتحقيق مآرب سياسية وأمنية، وتنفيذ أجندات قديمة–حديثة متجددة، تستهدف إعادة هندسة المشهد الإقليمي برمّته، بالدم لا بالحوار، بالتمترس العسكري لا بالسياسة، بالخيانة لا بالنزاهة والشرف.