امتلأت شاشات التلفاز بأشكال العظام البارزة من أجساد الرجال والنساء والأطفال في غزة، جميعهم أنهكهم الجوع، وبعضهم توفيَّ بسببه، وحتى يوم الثالث من آب لهذا العام استشهد 6 أشخاصٍ نتيجة المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة؛ ليرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية في القطاع إلى 175 شهيدًا، من بينهم 93 طفلًا؛ بحسب وزارة الصحة في غزة.
وعلى بعد أمتارٍ من فلسطين، يتحضّر الأردن لاستقبال مهرجان الطعام العالمي بدورته الثانية من 6 – 11 آب، ويضم 165 مشروعًا أردنيًا، و76 سيدةً من المجتمع المحلي، و180 مطعمًا أردنيًا، و20 مصنعًا للمواد الغذائية، إضافةً إلى دعم 38 مؤسسة مجتمعٍ محليّ من خلال مطابخ إنتاجية وحرف يدوية وعروض طهي حية، ودروس متقدمة في الطبخ، وجناح دبلوماسية الطهي الذي تشارك فيه السفارات والجاليات بعرض أطباقها الوطنية، كما يشمل عروضًا موسيقية حية وأنشطة عائلية، ويهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي، ودعم المشاريع الصغيرة، وتنشيط السياحة والاقتصاد المحلي.
غزة والطعام
منذ 2 آيار 2025، أُغلقت جميع المعابر الحدودية، مما منع دخول المساعدات الغذائية والطبية لأكثر من شهرين، وهي أطول فترة إغلاق في تاريخ القطاع. المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قال إن 73 شاحنة فقط دخلت يوم الأحد 27 تموز 2025، وهو عدد غير كافٍ مقارنة بالحاجة إلى 1300 شاحنة يوميًا للخروج من حالة المجاعة في شمال غزة. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكلٍ كبير؛ إذ وصل سعر كيلو الطحين إلى 100 دولار، وسعر كيلو الطماطم إلى 14.74 دولار في بعض المناطق.
بدورها أكدت وكالاتٌ من الأمم المتحدة مثل؛ الأونروا، وبرنامج الأغذية العالمي، واليونيسف أن المجاعة في غزة من صنع الإنسان؛ نتيجة الحصار والقيود على المساعدات. ووفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي “IPC” الصادر في مايو 2025، سيواجه 96% من سكان غزة -حوالي 2.1 مليون شخص- مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ومنهم 470000 شخص في المرحلة الخامسة أي الجوع الكارثي بين مايو وسبتمبر 2025، بزيادة 250% عن التقديرات السابقة.
أما المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، فقد قالت إنَّ “العائلات في غزة تتضور جوعًا بينما لدى البرنامج ما يكفي من الغذاء على الحدود لإطعام أكثر من مليون شخص لمدة أربعة أشهر. ومع ذلك، لا يمكننا إيصاله إليهم بسبب تجدد الصراع والحظر التام للمساعدات الإنسانية المفروض في أوائل آذار”.
وشددت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) على ضرورة الاستعادة الفورية للوصول الإنساني ورفع الحصار عن غزة، في ظل الخطر الوشيك بحدوث مجاعة، والانهيار التام للزراعة، واحتمال تفشي أوبئة مميتة في القطاع.
وجاء هذا التشديد استجابةً للتصنيف المتكامل الصادر والذي يحذّر من أن جميع سكان قطاع غزة – ما يقرب من 2.1 مليون شخص – يواجهون خطرًا كبيرًا بحدوث مجاعة بعد 19 شهرًا من الإبادة والنزوح الجماعي والقيود الشديدة على المساعدات الإنسانية.
فيما أكد ائتلاف يضم 13 مجموعة إغاثية بينها أطباء بلا حدود ومنظمة العفو الدولية وأوكسفام، ضرورة توجه قادة العالم للضغط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وبذل كل ما في وسعهم من أجل وقف فوري لإطلاق النار، مع الإشارة إلى تضمين الأولويات إجراءاتٍ ملموسة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وحماية جميع السكان وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة واحترام القانون الإنساني الدولي.
الأردن والطعام
وعلى بعد كيلومتراتٍ قريبة يشهد صيف الأردن – عادةً – مهرجاناتٍ ضخمةً يحضرها آلاف الأشخاص، وأبرزها مهرجان جرش للثقافة والفنون، ومهرجان الطعام العالميّ الذي سيُعقد بنسخته الثانية هذا العام، وقد صرح رئيس الوزراء جعفر حسان في حديثه عن مهرجان جرش وسط دعواتٍ لمقاطعته ومقاطعة مهرجان الطعام أنَّه مهم لاقتصاد المحافظة ولقطاع السياحة في الأردن، الذي تعمل الحكومة بكل قدراتها ووسائلها على دعمه وتعزيزه رغم الظروف الإقليمية المحيطة، وأن “الفعاليات الفنية تُعدّ ضرورة وداعمًا للقطاع السياحي في الدول”.
وأعلنت هيئة تنشيط السياحة أن ريع تذاكر مهرجان الأردن العالمي للطعام سيُخصّص بالكامل لدعم أطفال غـزة، ومن جانبها أعلنت كذلك الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بالتعاون مع إدارة مهرجان الأردن الدولي للطعام، إطلاق قافلة مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة، وذلك من أمام بوابة المهرجان في عمان في الرابع من آب، قائلةً إنَّ القافلة هي تجسيدٌ لرسالة المهرجان في دعم المبادرات الإنسانية والمجتمعية، بالإضافة إلى دوره في تمكين الشباب الأردني من خلال احتضان المشاريع الريادية في قطاع الطعام والمطبخ الإنتاجي، والترويج لتنوع وغنى المطبخ الأردني.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنيّة (بترا) عن رئيس لجنة السياحة والتراث في مجلس الأعيان العين ميشيل نزال، قوله إن توجيه ريع مهرجان الطعام هذا العام لصالح أطفال غزة يعكس موقف الأردن الأصيل، قيادةً وشعبًا، في الوقوف مع فلسطين.
ولفت إلى أن هذه المبادرات تُعزز من سمعة الأردن كمقصد سياحي لا يقتصر على المعالم والمواقع، بل يحمل رسالة وقيمًا، وهو ما يجذب فئة متنامية من الزوار حول العالم ممن يقدرون السياحة المسؤولة اجتماعيًا وأخلاقيًا، وبالتالي، فهي تُسهم أيضًا في تحريك العجلة الاقتصادية ودعم المجتمعات المحلية ضمن نموذج سياحي متكامل ومستدام.
غضب من المهرجان
وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعيّ “هاشتاغ” “قاطعوا مهرجان الطعام”، و”قاطعوا السم الهاري”، وتظاهر البعض في الشوارع وعلى رأسهم أبناء حيّ الطفايلة للمطالبة بإلغاء المهرجان في ضوء المجاعة الحاصلة، وترافقت دعوات الإلغاء بدعواتٍ أُخرى لمقاطعة المطاعم المشاركة في المهرجان. وفي الوقت ذاته رأى آخرون أنَّ المهرجان يدعم الاقتصاد الأردنيّ والمطاعم المحليّة وينشر ثقافة الطعام الأردنيّ ويعبّر عن هويته. ومن جانبها أغلقت صفحات المهرجان الرسمية خاصية التعليق، بعد تعليقات غاضبة بسبب المجاعة والمجازر في غزة، ومسحت جميع التعليقات السابقة على المنشورات.
ويقول أحمد الربيحات لنون بوست، وهو ناشط من أبناء حيّ الطفايلة، بأن المظاهرات وسيلة سلميّة يقوم بها الفرد ليعبر عن احتجاجه على فكرة معيّنة بغية الضغط على الحكومات والدول للضغط على الاحتلال ورفع الظلم عن غزة.
وتأتي المظاهرات من منظور الفريحات رفضًا لفكرةٍ أو قرارٍ معيّن، فهم يرفعون أصواتهم بأن الوقت الحالي ليس وقت المهرجان؛ ومن غير المسؤول إقامة مهرجان للطعام و”الجيران” في غزة يموتون من الجوع، قائلًا إنَّ “هذا المشروع لا يمت لمشاعر الأردنيين بصلة ولا لعاداتهم وتقاليدهم”.
وحول ارتباطه بالهوية نوّه إلى أنَّ معظم المطاعم التي ستشارك في المهرجان لا تشتهر بطعامها المُعبّر عن الثقافة الأردنيّة بل تقدّم أصناف غربيّة الأصل؛ لذا هناك تناقض وحجج ضعيفة، ومن الواضح أنَّ القائمين عليه يريدون إقناع الأردنيين أنَّ الغاية منه إبراز الهويّة ودعم الاقتصاد.
كيف يشكّل الطعام هويّتنا؟
يرى الكاتب والصحفي أنس عشا في حديثه لـنون بوست أن العلاقة بين الأطباق الشعبية والموروث الثقافي الغني بتنوعه، تُشكّل أحد أوجه الصراع مع الاحتلال، الذي يسعى باستمرار إلى الاستحواذ على هذا التراث وسرقته. ويشير إلى أن حضارات الشعوب لطالما كُشفت من خلال مطابخها، قائلًا “حين اكتشفنا حضارة عين غزال في مادبا، عرفناها من أدوات الطبخ والذبح، ومن أطباق توارثناها عبر الأجيال”.
وفي ظل المجاعة التي تعاني منها غزة، يؤكد عشا أن التضامن لا يكون بالشعارات فحسب، بل بالوعي أيضًا بأن مقاومة النسيان والتجويع تمرّ عبر حماية الهوية، بما في ذلك هوية الطعام العربي، التي يحاول العدو طمسها وتزويرها لإثبات ارتباطه بالمنطقة.
لكنه يُعبّر في الوقت ذاته عن أسفه لتحوّل الذائقة الجمعية، إذ يشير إلى أن كثيرًا من ما يُقدّم اليوم لا يُعبّر عن المطبخ العربيّ الحقيقي، وذلك بعد أن تبدّلت المواد الأوليّة، وتراجع الناس عن زراعة ما يأكلون، قائلًا “80% من المطاعم اليوم تقدم طعامًا غربيًا، لا يُشبهنا”.
فيما تؤكد اليونسكو أن الثقافة تكون في كثيرٍ من الأحيان ضحية النزاعات؛ إذ يؤدي تدمير التراث الثقافي إلى تأجيج العنف والكراهية، مما يعيق المصالحة بعد انتهاء النزاعات. وتُبرز أهمية حماية التراث الثقافي بتعزيز السلام والاستقرار في المجتمعات المتضررة من الأزمات، بما في ذلك المجاعات والحروب.
وتعدّ المهرجانات الثقافيّة جزءً من القوة الناعمة التي تعزز التنمية الإنسانية، ويمكن أن تكون منصة للتسويق المحلي ودعم الاقتصاد في المناطق المتضررة. وتساهم في تجاوز الاختلالات المجالية من خلال إنشاء مؤسسات ثقافية في المناطق النائية، وسرد القصص التقليدية، والرقصات الشعبية، والفنون.
بيد أنَّ هذه المهرجانات تساهم في تعزيز الثقافة إن كانت في البلد المتضرر لا خارجه وفي وقتٍ تُسلبُ منه ثقافته وحريّته وحياته. وإقامة مهرجان طعام يحتفل بتنوع الطعام والرفاهية الغذائية في عمّان، على بعد أقل من 100 كيلومتر من غزة التي تعاني من مجاعة حادة، يُنظر إليه على أنه غير حساس للمعاناة الإنسانية.
وعلى الرغم من إعلان هيئة تنشيط السياحة الأردنية تخصيص ريع تذاكر المهرجان لدعم أطفال غزة عبر الهيئة الخيرية الهاشمية، إلا أن هذه المبادرة لم تُخفف من الانتقادات ؛إذ يرى البعض أن إقامة المهرجان بحد ذاته، بغض النظر عن النوايا الخيرية، يُظهر تناقضًا مع خطاب التضامن الأردني الرسمي مع فلسطين.
التضامن الثقافي والربح
وتشير هالة أحمد لنون بوست – وهو اسمٌ مستعارٌ لناشطةٍ طلبت عدم الكشف عن هويتها حمايةً لها- إلى عدم وجود حدودٍ واضحةٌ للتضامن الثقافي في بعض الأحيان ؛ لذا فأن التنظيم ضروري حتى يتأطر الفعل ويصبح هناك معايير معيّنة يمكن التفكير بها، والموازنة بين المسؤوليّة المجتمعيّة والاعتبارات الماليّة تبدأ بالتنظيم؛ لأن التوحد ودعم الآخرين بعضهم البعض يساعد على توجيه المعضلة الماديّة للعاملين والعاملات في المجال الثقافي الذي يُعدّ مصدر دخلٍ لهم.
وتضيف أنَّ الناس اليوم يعيشون في حربٍ وجوديّة وما يجب أن يفكّروا به أكبر من أي مسؤوليّة إجتماعيّة؛ لأن القضيّة الفلسطينيّة هي مستقبل المنطقة، مشيرةً إلى أنَّ “ما نواجهه أكبر من خسارة مبلغ معيّن بسبب الانسحاب من المهرجان، علينا التفكير بالأجيال القادمة وما سنخبرهم به”.
وتُشدّد هالة على أن إلغاء المهرجان يحمل رسالةً صريحة تعبّر عن رفض الناس لاحتكار أشكال التضامن واختزالها في رموزٍ شكلية لا تمسّ جوهر القضية، مؤكدةً أن الشارع يريد تقديم ما هو أكثر، والمساهمة في دعم غزة بكل الوسائل المتاحة والجهود الشعبيّة. وتلفت إلى أن الخطر الصهيوني لا يهدد فلسطين وحدها، بل يمتدّ إلى المنطقة بأكملها. قائلةً “باستثناء اليمن، تسعى معظم الدول العربيّة إلى دفع شعوبها لنسيان غزة، أو حصر دعمها في أشكال رمزية تُحدّدها السلطة. نحن ممنوعون من جمع التبرعات لغزة، ولا يمكننا إيصالها إلا عبر جهات رسميّة. حتى رفع علم فلسطين أو الخروج في مظاهرة أصبح ممنوعًا، في وقتٍ ينتفض فيه العالم لأجل غزة وفلسطين”.
وتشير إلى أن السلطات تعتقل النشطاء وتلاحقهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم، مستخدمة قانون الجرائم الإلكترونيّة لتجريم أي خطاب تعتبره مسيئًا أو مهددًا لها. وتضيف أنه بعد الأزمة الأخيرة في العلاقة بين الدولة والشارع، حاولت الحكومة امتصاص الغضب بالإعلان أن ريع المهرجان سيذهب لغزة، في محاولة للظهور بمظهر الداعم. لكنها، في الواقع، تسعى لاحتكار أشكال المناصرة والتحكّم في كيفية تعبير الناس عن تضامنهم، وكأنها تعتبر إدارة الغضب الشعبي جزءًا من مسؤوليتها تجاه القضية.
وبالعودة إلى الربيحات يرى أنَّ المطالبة بإلغاء المهرجان يشمل البعد النفسيّ والمعنويّ؛ إذ أن إلغاؤه بمثابةِ رسالٍ لأهل غزة أنّ الأردنيين معهم، مستنكرًا “من غير المنطقي أن تكون سببًا في نشر الناس لمأكولاتهم ويوجد لك جار جائع يموت من الجوع والعطش”.
ويتابع أنَّ فكرة تنشيط السياحة مغلوطة، فأهل غزة قد يستفيدون بضعة ساعات من ريع أرباح المهرجان، إلا أن إقامته ستشعرهم بالخذلان وكأنهم وحيدون بهذا العالم وفي منطقة معزولة دون أن يشعر أحدٌ بهم.
ومن جانبها تقول صحفيّةٌ مطلعةٌ لنون بوست طلبت عدم الكشف عن اسمها حمايةً لها إن توقيت إقامة المهرجان غير مناسب، وذلك في ظل الأوضاع الإنسانية والسياسية التي تعيشها المنطقة، وخصوصًا في قطاع غزة. مضيفةً أن المشكلة ليست في فكرة المهرجان بحد ذاتها، إذ من حق أي دولة أن تحتفي بتراثها، وأن تقيم فعاليات تعبّر عن هويتها الثقافية، شأنها شأن باقي دول العالم. إلا أنَّ المشكلة الحقيقية تكمن في توقيت إقامة هذه الفعالية.
وتوضح أن المزاج العام لدى الناس لا يحتمل أجواء احتفالية في الوقت الراهن؛ فهناك حالة نفسية عامة متأثرة بالأحداث الجارية. قائلةً “كثيرون يشعرون بالحزن العميق لما يحدث في غزة، نحن كشعب لا يمكننا أن نغفل عن معاناة إخوتنا هناك، ما يصيبهم يؤلمنا، ومن غير المنطقي أن نُقيم مهرجانًا للطعام بينما يعيش آخرون تحت الحصار والجوع”.
وتؤكد أن إقامة مهرجان في مثل هذه الظروف تُظهر الدولة وكأنها منفصلة عن واقع المنطقة وأنَّ من يعارضون المهرجان ليسوا ضد الترويج لصورة الأردن كدولة مستقرة وآمنة، لكن هناك أولويات يجب احترامها،، مشيرة إلى أن الشعور الإنسانيّ لا يسمح للمرء أن يشعر بالشبع، وهو يعلم أن هناك من يبيت جائعًا، لافتةً “هذا وحده سبب كافٍ للتريث”.
وعقب اندلاع الحرب، أرسلت منظمة كاريتاس مؤسسة الجمعية الهاشمية للأعمال الخيرية (JHCO) بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية 176 قافلة تضم نحو 7700 شاحنة تحمل مساعدات غذائية وطبية إلى غزة، منها 42 قافلة دخلت خلال فترة وقف إطلاق النار، و في تموز 2025، أُرسِلت أربع قوافل محسوبة بـ147 شاحنة -111 بالتنسيق مع البرنامج العالمي للأغذية و36 بالتنسيق مع المطابخ المركزية العالمية- إلى شمال غزة.
و منذ بداية الحرب، قامت الأردن بما مجموعه 133 عملية إسقاط جوي منفردًا أو ضمن عمليات مشتركة بلغت 276 مع دول شقيقة وصديقة، وأنشأت الأردن مستشفيين ميدانيين داخل غزة؛ الأول منذ 2009 في الشمال، والثاني في نوفمبر 2023 في خان يونس جنوب القطاع.
ولذا يبدو من الغريب أن لا يُلغي الأردن مهرجانه في ضوء كل التصعيد الحاصل في المنطقة والمجاعة وسوء التغذية التي تصيب الغزاويين. وذلك نظرًا للصورة التي قدّمها أمام المجتمع الدولي وإسراعه الدائم للتعبير عن مواقفه الداعمة للقطاع.
ومع ذَلك للعام الثاني على التوالي أعلنت إدارة مهرجان عمان للقهوة تأجيل المهرجان واصفةً إيَّاه بأنه “بالقرار السهل”، ومتأملةً بأن يتم تنظيمه عام 2026.
ورغم أن مهرجانات الطعام قد تحمل طابعًا ثقافيًا وتنمويًا، فإن تنظيمها في خضمّ مجاعة خانقة على بعد كيلومترات من الحدث، يُثير تساؤلات أخلاقية عميقة. التضامن لا يكون بالتصريحات أو تخصيص ريع، بل بالمواقف التي تعكس وعيًا جماعيًا يتجاوز البهرجة إلى الالتزام الإنساني. وإقامة مهرجان يحتفي بالطعام بينما يموت أطفال غزة جوعًا يضعف من صدقية التضامن الرسمي، ويزيد الشعور الشعبي بالغضب والفجوة.
في السياق ذاته، لا يُمكن فصل الهوية الثقافية عن السياق السياسي، فكما أن الطعام جزءٌ من الذاكرة الجمعية، فإن توقيت الاحتفال به قد يحمّله رمزية مغايرة. وما يطالب به المحتجون ليس إلغاء التراث، بل إعادة ترتيب الأولويات؛ فالتوقف المؤقت عن الاحتفالات لا يُفقد الأردن هويته، بل يُعززها بموقف أخلاقي يُسجَّل في ذاكرة الشعوب، تمامًا كما تُسجَّل الوصفات التقليدية.