بعد سلسلة من القوافل البحرية والبرية الهادفة إلى كسر الحصار عن قطاع غزة، يتأهب “أسطول الصمود المغاربي” للإبحار خلال الأسابيع المقبلة، في محاولة جديدة لتحدي الحصار البحري الإسرائيلي المفروض على القطاع، الذي يواجه إبادة مستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر.
ويأتي هذا التحرك بعد أقل من شهرين على قافلة “الصمود البرية” التي انطلقت في 10 يونيو/حزيران الماضي، حيث دعا منظّمو الأسطول، عبر بيان نُشر على صفحتهم الرسمية في فيسبوك بتاريخ 25 يوليو/تموز 2025، كل الشعوب المغاربية الراغبة في المشاركة بحراً إلى ملء استمارات التسجيل، مؤكدين أن هذه الخطوة تأتي “انصهارًا مع الزخم العالمي المناصر للقضية الفلسطينية وللصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني فوق أرضه”.
ويعدّ الأسطول امتدادًا لتحرّك مدني دولي واسع، تشارك فيه أكثر من ثلاثين دولة، بالشراكة مع “ائتلاف أسطول الحرية”، و”المسيرة العالمية إلى غزة”، و”تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين”، في محاولة جديّة لإنهاء العزلة المفروضة على سكان القطاع منذ سنوات، وتثبيت الحضور الشعبي العربي والدولي في معركة كسر الحصار.
ماذا نعرف عن أسطول الصمود البحري؟
يُعدّ “أسطول الصمود” مبادرة بحرية دولية منسّقة، من المقرر أن تنطلق أواخر أغسطس الحالي باتجاه سواحل قطاع غزة، في محاولة رمزية جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. وتأتي هذه القافلة نتيجة توحيد أربع مبادرات دولية كبرى، هي: أسطول الصمود المغاربي، الحراك العالمي نحو غزة، المبادرة الشرق آسيوية، وأسطول الحرية، ضمن تحرك شعبي مشترك هو الأول من نوعه بهذا الحجم والتنسيق.
شارك في الاجتماعات التحضيرية، التي عقدت خلال الأيام الماضية في العاصمة التونسية، ممثّلون عن 44 دولة، لوضع اللمسات الأخيرة على خطط الانطلاق. ووفق المنظمين، فإن هذا التحرك سيشهد إبحار عشرات القوارب، الكبيرة والصغيرة، من موانئ مختلفة حول العالم، في تحرك وُصف بأنه “أول أسطول مدني شعبي متزامن ومنسّق في التاريخ باتجاه غزة”.
من المخطط أن تبدأ البعثة الأولى من الأسطول رحلتها في 31 أغسطس/آب من موانئ إسبانيا، على أن تلحق بها بعثة ثانية من موانئ تونس بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول.
سجّل أكثر من 6 آلاف ناشط حتى الآن من مختلف الجنسيات أسماءهم عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمبادرة، في انتظار الموافقات النهائية وتحديد تفاصيل المسارات البحرية.
كيف يستعد الأسطول للإبحار؟
سيخضع المشاركون في “أسطول الصمود” لتحضيرات ميدانية تشمل تدريبات في الموانئ التي ستنطلق منها القوارب، إلى جانب تنظيم فعاليات متزامنة وعمليات تخييم في مواقع التجهيز، بحسب ما أعلنه أحد الأعضاء الإداريين في الأسطول، سيف أبو كشك.
ويضم الأسطول المرتقب ناشطين وأطباء وصحفيين ومعلمين من موريتانيا، إلى جانب متضامنين من جنسيات مغاربية ودولية، في خطوة تؤكد الطابع المدني والشعبي الواسع للتحرك.
حيث أشار المرتضى ولد اطفيل، ممثل القافلة في موريتانيا، إلى أن التنسيقية تجري حاليًا اتصالات مكثفة مع شخصيات وطنية ونقابات مهنية ونشطاء من المجتمع المدني، بهدف التحضير لمشاركة موريتانية فاعلة في “أسطول الصمود”. موضحًا أنه سيتم خلال الأيام المقبلة توضيح تفاصيل وآليات المشاركة الرسمية ضمن القافلة.
ويؤكد منظمون على أن اختيار التحرك البحري هذه المرة جاء بعد فشل قافلة الصمود البرية السابقة في دخول الأراضي المصرية، رغم الجهود الرسمية التي بُذلت آنذاك للتنسيق مع سفارة القاهرة لدى تونس.
يُتوقع أن تسلك القوارب المسار البحري عبر البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بالمياه الإقليمية لعدة دول أوروبية وعربية، قبل أن تقترب من المياه المحاذية لسواحل قطاع غزة. وقد تشمل المحطات المحتملة السواحل الإيطالية أو اليونانية، ثم عبورًا باتجاه السواحل الشرقية للمتوسط، حيث تزداد احتمالات الاعتراض العسكري كلما اقتربت السفن من فلسطين.
شخصيات بارزة تشارك في القافلة
إلى جانب المشاركين من دول المغرب العربي وآسيا وأوروبا، يشارك في قافلة “أسطول الصمود” نشطاء من الولايات المتحدة، في تحرك يحمل رمزية خاصة، تهدف إلى التعبير عن رفض قطاعات من المجتمع الأميركي للدعم الرسمي الذي تقدمه حكومتهم لإسرائيل، لا سيما في ظل الحرب الجارية على غزة.
ويعمل المشاركون الأميركيون على تجهيز زورقين سيبحران تحت العلم الأميركي، من المقرر أن ينطلقا من مواقع مختلفة في البحر الأبيض المتوسط. ويأمل منظّمو هذا المسار أن تمثل المشاركة الأميركية رسالة سياسية تعبّر عن الغضب الشعبي من السياسات التي تُسهم في حصار وتجويع مليوني إنسان في القطاع.
من بين الشخصيات المشاركة، الكاتب والناشط الفلسطيني الأميركي طارق رؤوف، الذي أعلن أن مشاركته تأتي بعد فقدانه 44 فردًا من عائلته في غزة خلال العامين الماضيين، كان آخرهم قريبة له استشهدت مؤخرًا أثناء محاولتها الحصول على كيس دقيق من إحدى نقاط توزيع المساعدات.
وقال رؤوف، الذي يؤكد أنه فُصل من عمله في شركة “آبل” بعد 10 سنوات من العمل، بسبب مواقفه المناهضة لتواطؤ شركات التكنولوجيا مع الاحتلال، إن القافلة تمثل في نظره “أداة أخلاقية” تهدف إلى كسر الصمت الأميركي، وفضح التواطؤ مع ما وصفه بـ”سياسات الإبادة الجماعية”.
كما أعلنت الناشطة الفلسطينية الأميركية لينا قدورة، وهي من عائلة مهجّرة منذ عام 1984، انضمامها للقافلة، وقالت في تصريحات لـ”الجزيرة نت”: “أنا فلسطينية أميركية وأعي تمامًا أن حكومتي متورطة بالكامل في تجويع مليوني إنسان. سنُبحر من بلدان عديدة في العالم لنطالب بوقف التطهير العرقي الممنهج وإيصال المساعدات، لأن حكوماتنا ترفض أن تفعل ذلك.”
ما أهداف الأسطول؟
يشكّل “أسطول الصمود” تحركًا مدنيًا سلميًا يحمل رسالة سياسية وإنسانية بالغة الوضوح، إذ يهدف إلى كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة، وتسليط الضوء على المأساة الإنسانية المتفاقمة في القطاع منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويؤكد القائمون على الأسطول أن المشاركين لا يحملون أي سلاح أو معدات عسكرية، بل ينطلقون في رحلتهم انطلاقًا من حق قانوني مشروع في الوصول إلى غزة بحرًا، في تحدٍ واضح للقيود المفروضة، وتذكيرًا بأن منع السفن من دخول موانئ القطاع يشكّل انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي الإنساني.
ويأمل المنظمون أن يسهم هذا التحرك الرمزي في إعادة فتح النقاش الدولي بشأن الحصار المستمر على غزة، والدفع باتجاه رفعه كخطوة أساسية نحو أي حلّ دائم وعادل في القطاع.
وفي هذا السياق، أكد أحد منظّمي الأسطول، أبو كشك، أن هذه المبادرة “محاولة جديدة للضغط على الحكومات عبر عشرات السفن وآلاف المشاركين، بهدف كسر الحصار المفروض على غزة”.
من جانبه، أكّد المرتضى ولد اطفيل، النائب في البرلمان الموريتاني عن حزب “تواصل” وممثل القافلة في موريتانيا، أن المشاركة في “أسطول الصمود” تأتي استجابةً لما وصفه بـ”الواجب الديني والإنساني”، وتجسيدًا لتضامن الشعوب المغاربية مع الشعب الفلسطيني في وجه العدوان والحصار المستمر.
ويعوّل منظّمو الأسطول على الزخم الدولي المتصاعد في ظل استمرار المجازر في غزة، ويأملون أن تصل المشاركة إلى نحو 50 سفينة مدنية، تنطلق من موانئ مختلفة وتصل إلى سواحل غزة بشكل متزامن.
وكانت آخر محاولة لكسر الحصار قد تمثّلت في السفينة “حنظلة”، التي اعترضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عرض البحر أواخر الشهر الماضي، واقتادتها بالقوة إلى ميناء أسدود.
وقد وصلت “حنظلة” إلى مسافة 70 ميلاً بحريًا من شواطئ غزة قبل أن يتم اقتحامها، متجاوزة بذلك المسافات التي بلغتها سفن سابقة، مثل “مافي مرمرة” التي تم اعتراضها على بعد 72 ميلاً عام 2010، و”مادلين” التي قطعت مسافة 110 أميال، و”الضمير” التي وصلت إلى نحو 1050 ميلاً من القطاع.