تحتدم المعركة في الكونجرس حول دور الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل في قطاع غزة؛ معركة ينضوي في ظلها عدد محدود من النواب الديمقراطيين والمستقلين المعروفين بمساندتهم للقضية الفلسطينية يُطلق عليهم في الإعلام الأمريكي وفي أروقة الكابيتول هيل اسم “الشلة” في إشارة لمشاكستهم واتفاقهم على مخالفة الجو العام الداعم لإسرائيل في مجلسي النواب والشيوخ.
لكن يبدو أن الشلة وبعد عقود من الشد والجذب والصبر الإستراتيجي وتحمّل تهديدات إيباك وبقية مكونات اللوبي الصهيوني بدأت تؤتي أكلها ويصل صوتها لعدد أكبر من النواب في الكونجرس. فبعد قرابة العامين من حرب الإبادة الشرسة التي تشنها إسرائيل على فلسطينيي القطاع وبعد أن لم تترك واشنطن عدةً ولا عتاداً إلا وساهمت بها في المقتلة المستمرة في الأرض المحتلة، بدأت بوادر تحولٍّ في موقف الحزب الديمقراطي تظهر في الكونجرس.
فما هي قصة مشاريع ساندرز؟ أي هدفٍ تحمل في ظل الدعم الأمريكي شبه المطلق لإسرائيل؟ وما هي أهمية ما حدث في مجلس الشيوخ اواخر تموز الماضي؟ هل هو مجرد رد فعلٍ على المأساة الإنسانية الخارجة من القطاع أم أنها بداية تحولٍ فعلي في موقف الحزب الديمقراطي من دولة الكيان بعد كل ما اقترفته يداها في بث حيٍّ ومباشرٍ؟ يحاول هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
اليد إسرائيلية أما السلاح فأمريكي
تعدّ الولايات المتحدة أحد أكبر موردي السلاح لإسرائيل؛ فالدولة العسكرية التي حطمت رقماً قياسياً باستيراد الأسلحة عام 2024 بواقع 14.8 مليار دولار أمريكي محطمة الرقم السابق لعام 2023 والبالغ 13 مليار دولار أمريكي بحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية تلقت مساعدات عسكرية امريكية بقيمة 17.9 مليار دولار أمريكي خلال 12 شهر فقط من بداية الحرب في السابع من اكتوبر 2023. بينما يعتقد محللون أن الرقم المعلن عنه متواضع مقارنة بالواقع.
وقد تضمنت المبيعات والمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل منذ السابع من اكتوبر 2023 أنظمة دفاع جوي، وذخائر دقيقة التوجيه، وقذائف مدفعية، وقذائف دبابات، وصواريخ هيلفاير تستخدمها الطائرات المسيرة، وصواريخ كتفية أحادية الاستخدام.
منذ مقدمه للبيت الأبيض بداية العام الحالي، سابق ترامب الزمن لرفد إسرائيل بالأسلحة الثقيلة رغم اعتراضات الكونجرس؛ فقد تجاوز ترامب فبراير الماضي موافقة الكونجرس لتسريع مبيعات عسكرية لإسرائيل بقيمة 12 مليار دولار أمريكي من ضمنها متفجرات بوزن 2000 باوند كان سلفه بايدن قد إحتجزها مخافة إستخدامها بشكل عشوائي ضد المدنيين الفلسطينيين. بينما سارعت إدارته لرفد إسرائيل بأنظمة ثاد الدفاعية المتقدمة في خضم حرب الإثني عشر يوماً مع إيران.
وقد واجهت الولايت المتحدة اتهامات حقوقية متزايدة بكونها تشكل طرفاً أصيلاً في معادلة الإبادة الجماعية في القطاع وليست مجرد وسيط أو حليف استراتيجي للكيان. غير أنه على الطرف المقابل، لم تتوقف الحراكات الشعبية والرسمية في أروقة الكونجرس والحكومة الأمريكية من قبل المناصرين للقضية الفلسطينية منذ إندلاع الأحداث في السابع من أكتوبر 2023، وكان للنواب الديمقراطيين والمستقلين وعلى رأسهم رشيدة طليب وإلهام عمر وبيرني ساندرز دور نشط ومهم في أروقة الكونجرس لوقف توريد السلاح لإسرائيل ومحاسبتها على جرائمها في القطاع.
يملك النواب في مجلس الشيوخ عدة أدوات قانونية لتحدي مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية لإسرائيل من ضمنها مشاريع القوانين المشتركة التي يتقدمون بها للتصويت ومطالبات المراجعة الرئاسية والتشريعية وفرض القيود والشروط المتعلقة بكيفية استخدام تلك الأسحلة وضمان عدم استخدامها في مهاجمة المدنيين.
مشاريع ساندرز: دق لجدران الخزان
تقدّم كل من النائب المستقل عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز والنائب الديمقراطي عن ولاية أوريجن جيف ميركلي والنائب الديمقراطي عن ولاية فيرمونت بيتر ويلش بمشروعي قانون لمجلس الشيوخ الأمريكي تم التصويت عليه أواخر تموز المنصرم لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدم في حرب الإبادة ضد فلسطينيي القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023. ورغم أن مجلس الشيخ رفض إقرار مشروعي القانون إلا أن عدداً غير مسبوق من النواب الديمقراطيين في المجلس صوّت لصالحه؛ فقد أيّد المشروع 27 نائباً ديمقراطياً المشروع المتعلق بمنع تزويد إسرائيل بالبنادق الهجومية وهو عدد يمثل اكثر من نصف الديمقراطيين في المجلس. بينما صوّت 24 نائباً ديمقراطياً لصالح المشروع المتعلق بمنع تزويد إسرائيل بالمتفجرات.
ورغم أن مشروعي القانون واجها رفضاً عارماً في مجلس الشيوخ الأول بواقع 27 صوتاً مؤيداً في مقابل 70 صوتاً معارضاً والثاني بواقع 24 صوتاً مؤيداً و73 صوتاً معارضاً إلا أن الأغلبية الديمقراطية تعكس تغيراً في مواقف الحزب الديمقراطي الملتزم تاريخياً بأمن إسرائيل نتيجة سياسات الأخيرة في ظل حرب إبادة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً.
هدف المشروعين لوقف شحنة متفجرات أمريكية بقيمة 675 مليون دولار أمريكي إضافة لعدة شحنات تحتوي على 20,000 بندقية هجومية لدعم جهود إسرائيل الحربية في المنطقة. وتتميز هاتين الصفقتين بكونهما تشكلان خرقاً واضحاً لمتطلبات قانون المعونة الأجنبية Foreign Assistance Act وقانون التحكم بصادرات الأسلحة Arms Export Control Act اللذين يشترطان للمساعدة العسكرية وصفقات الأسلحة أن لا ينخرط المتلقي في إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وأن لا يعرقل وصول المساعدات الأمريكية لمستحقيها الأمرين اللذين تنتهكهما حكومة نتنياهو في القطاع بصفة جلية.
وقد أوردت تقارير حقوقية متعددة، منها تحقيقات لمنظمة العفو الدولية، استخدام المتفجرات المشمولة في الشحنات خاصة فئة الألف باوند والذخائر الجسيمة القاتلة JDAM في ضربات لتجمعات المدنيين الفلسطينيين في القطاع إضافة لمهاجمة وتدمير أعيان مدنية ومدارس تابعة للأمم المتحدة في إنتهاكٍ مباشر لا للقانون الدولي وحسب ولكن أيضاً للقانون الأمريكي الداخلي.
وقد ترافقت تقارير المنظمات الحقوقية حول إساءة استخدام السلاح الأمريكي المورد لإسرائيل في جرائم ضد المدنيين الفلسطينيين مع انتشار تقارير تفيد بأن إسرائيل حتى وهي تخوض حرباً معقدة ومتعددة الجبهات تصدر أسلحة لأوروبا أكثر من اي وقت مضى في محاولة لسد النقص والمخاوف بشأن الحرب الروسية في القارة العجوز فقد بلغت صادرات إسرائيل العسكرية لأوروبا العام الماضي في تحقيق لنيويورك تايمز نسبة 54% من صادرتها العسكرية؛ حتى بدأت أصوات تهمس بمدى فاعلية الكرم الأمريكي في مضمار الاسلحة ومدى حاجة إسرائيل إليه فعلياً في حربها في المنطقة.
ورغم أن هذه المرة ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بيرني ساندرز إيقاف شحنات الأسحلة لإسرائيل؛ حيث سبق له أن تقدم بمشاريع قوانين لمرتين سابقتين خلال عام واحد فقط في أبريل 2025 ونوفمبر 2024، إلا أنها المرة الأولى التي تشهد زخماً في التصويت يعكس تحوّلاً في موقف الحزب الديمقراطي من حرب الإبادة التي تقترب من إتمام عامها الثاني. حيث فاقت آخر وأكبر مشاريعه لوقف تصدير السلاح لإسرائيل والتي رفضه الكونجرس نوفمبر المنصرم ولم تحز سوى على تصويت 19 نائباً ديمقراطياً في أحسن الأحوال بينما لم ينل مشروع أبريل سوى 15 صوتاً مؤيداً. وقد جاء تصويت الاغلبية الديمقراطية هذه المرة في ظل مجاعة مرعبة استخدمتها الحكومة الإسرائيلية كوسيلة حرب طالت كافة انحاء القطاع المحتل.
ومن الجدير بالذكر أن التصويت الديمقراطي يأتي بعد أيام قليلة من الإفراج عن نتائج أحدث إستطلاعات الرأي الامريكية التي أجراها مركز جالوب للابحاث وإستطلاعات الرأي اواخر تموز المنصرم والذي أظهر نتائج صادمة لتراجع التأييد أوساط الأمريكيين لحليفة تاريخية للولايات المتحدة. فقد أظهر الإستطلاع ان 32% فقط من الأمريكيين و8% من الديمقراطيين يؤيدون إسرائيل ويفضلونها على الفلسطينيين وهي نسبة متدنية للغاية في مقابل 71% من الجمهوريين الذين يؤيدون حرب نتنياهو في القطاع. كما بيّن الإستطلاع أن 52% من الأمريكيين لا يفضّلون نتنياهو وهي أعلى نسبة لرفض نتنياهو بين الأمريكيين منذ عام 1997.
التباين الحزبي حتى في المواقف الأخلاقية
في مقابل ال27 صوتاً ديمقراطياً المؤيد لجهود ساندرز، إنضم 19 نائباً ديمقراطياً وعلى رأسهم رئيس الأقلية الديمقراطية في المجلس شاك شمر، للنواب الجمهوريين في إسقاط المشروع الأول. رغم ان شمر كان قد إنضم مؤخراً لكافة اعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس في إرسال رسالة إلى كل من مارك روبيو وزير الخارجية وويتكوف مبعوث ترامب للمنطقة يحثونهم على السعي لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب فوراً ووقف تجويع الفلسطينيين وتهجريهم قسراً إضافة لتامين الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
أما النواب الديمقراطيين الثلاثة الذين صوّتوا لصالح وقف شحنات البنادق الهجومية وضد مشروع وقف المتفجرات، وهم النائب جون أوسوف عن جورجيا والنائب جاك ريد عن رود آيلاند والذي يشغل أرفع منصب ديمقراطي في لجنة القوات المسلحة في الكونجرس، والنائب شيلدن وايتهاوس عن رود آيلاند أيضاً، فهم يعكسون رغبة ديمقراطية بموازنة مواقفهم بين الموقف الأخلاقي الذي يرفض تجويع المدنيين حتى الموت ويخشى ان تصل البنادق لقوات الأمن التابعة لإيتمار بن غفير والذي ينظر إليه الديمقراطيون كمتطرف عنيف. وبين الموقف الديمقراطي الملتزم تاريخياً بأمن إسرائيل وحقها بالدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية القادمة من جهات متعددة، والباحث في الآن ذاته عن التمويل والدعم الصهيوني في دورة الإنتخابات القادمة.
وقد امتنع ثلاثة نواب ديمقراطيين ( كيللي وجاليجو عن أريزونا وسلوتكين عن ميشيجان) عن التصويت لصالح أو ضد المشروعين. رغم أن هذا التصويت يعد رمزياً إلى حدٍّ ما إذ أنّ تبني المشروعين يحتاج إلى تصويت مجلس النواب أيضاً وهو أمر مستبعد لسيطرة الجمهوريين عليه. عدا عن أن ترامب توعّد ياستخدام سلطة الإعتراض الفيتو لإيقاف تنفيذهما حال تحولا فعلاً إلى قانون بتصويت مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أن 19 نائباً ديمقراطياً أصرا على الإنضمام للجمهوريين في دعم إسرائيل حتى آخر نفس ما يعكس سيطرة وأثر جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل المعروفة باللوبي الصهيوني في أروقة الكونجرس.
يُلاحظ أيضاً أن أربعة من اصل ستة نواب ديمقراطيين شباب تم إنتخابهم العام الماضي صوتوا لصالح مشروعي القانون بينما تغيب الآخرَين عن التصويت. ويشير هذا التوجه للخرق الذي أحدثته القضية الفلسطينية لدى الفئات العمرية الشابة في الحزب الديمقراطي والتي باتت تشكك في صلابة الولاء لتل أبيب على خلاف أسلافها من الديمقراطيين القدامى.
بينما لم يصوّت ولا نائب جمهوري واحد لصالح أي من مشروعي القانون في إصطفاف حزبي واضح لصالح أجندة الحرب وسياسات حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وكذلك سياسات إدارة ترامب التي تقول أنها تسعى للسلام بينما لا تني ترمي الحطب في موقدة الحرب.
وقد برر النواب الذين صوتوا ضد مشروعي القانون قرارهم بأهمية الحفاظ على التحالف الأمريكي- الإسرائيلي في مواجهة الضغوطات إضافة لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ومواطنيها ضد تهديد جماعات إرهابية مثل إيران وحماس وحزب الله مدّعين ان هذه الجهات هي من بدأت الصراع لا إسرائيل ومنهم النائب الديمقراطي رون وايدن عن أوريجن. بينما اتهم النائب الجمهوري عن إيدوا جيم ريتش المشروعين بكونهما مضللين ويدفعان بواشنطن للتخلي عن أقرب حلفائها في الشرق الأوسط.
رسالة عابرة أم رياح التغيير
تنبع أهمية التصويت الأخير من القفزة النوعية في عدد النواب الديمقراطيين الذين صوتوا لصالح وقف توريد الاسلحة لإسرائيل؛ عدا عن انضمام أسماء لقائمة المؤيدين معروفة بتأييدها التاريخي لإسرائيل ومعارضتها لمشاريع القوانين التي تتخلى بموجبها واشنطن عن تعهدها بحماية إسرائيل ومنهم النائبة باتي موريه عن ولاية واشنطن والتي تشغل منصب نائب رئيس لجنة المخصصات في الكونجرس والتي صرحت قائلة أن الأداة التشريعية ليست مناسبة تماماً لهذا الغرض لكن الوقت قد حان لقول “لا” لمعاناة الأطفال والعائلات البريئة. كما تابعت قائلة “بصفتي صديقة قديمة وداعمة تاريخية لإسرائيل أصوت اليوم بنعم لإيصال رسالة لحكومة نتنياهو أنها لا تستطيع الإكمال في هذه الطريق، نتنياهو أطال أمد الحرب ليبقى في السلطة كل هذا الوقت.”
كما تنبع أهمية التصويت من المواقع الحساسة التي يشغلها المصوتون في لجان الكونجرس المختلفة وما قد تملكه من أثر على مسرح الأحداث؛ فقد صوتت لصالح المشروعين النائبة جين شاهين الديمقراطية عن ولاية نيو هامشير والتي تشغل أهم منصب ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس؛ رغم أنها أكدت أنها ستظل داعمة لحق إسرائيل بالوجود والدفاع عن نفسها وحماية أمن مواطنيها لكنها لا تستطيع بضمير واعٍ أن تدعم صفقات سلاح لها حتى تنهي معاناة أهالي القطاع.
يجدر بالذكر أن النائبة جين شاهين كانت قد صوّتت بلا على مشروع وقف تصدير السلاح الذي تقدّم به ساندرز ربيع العام الحالي أبريل المنصرم؛ وفي مقابلة لها في برنامج ساعة الأخبار لشبكة بي بي أس حيث أكدت أن المجاعة كان لها أكبر الاثر في قرارها للتصويت بنعم على مشروعي القرار الأخيرين. وقد ردت على سؤال المستضيفة حول ما إذا كان التصويت هو مجرد رسالة لحكومة نتنياهو أم أنه يعد تغييراً استراتيجياً في سياسات الحزب الديمقراطي بأن الوقت ما يزال مبكراً على هذا السؤال وأنه من الأفضل أن ينتظر المشرعون كيف سترد حكومة نتنياهو مشيرة ان هناك تحسن ووعود من الجانب الإسرائيلي لكن المزيد من الجهود بحاجة لأن تبذل ملمحة مرة أخرى لإدعاءات الجانب الإسرائيلي بسرقة حماس للمساعدات الداخلة للقطاع.
كما أكدت أن تصويتها السابق جاء تماشياً مع أمل لديها بإثمار المفاوضات التي إنهارت فيما بعد ورغبتها بعودة الرهائن إلى عائلاتهم وذويهم. إلا أنها أصرت على أن الجانب الإسرائيلي يتحمل بعض المسؤولية عما يجري وتهربت فعلياً من تسمية ما يحدث بالإبادة الجماعية أسوة بما فعلته النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين التي تعد من المخلصين لترامب.
وتماشياً مع هذا النسق فقد وضّح عدد من النواب الذين يؤيدون في العادة إسرائيل الأسباب الكامنة وراء تأييدهم لمشروعي القانون اللذين تقدم بهما ساندرز موجّهين اللوم لحكومة نتنياهو تصرفاته غير المقبولة أكثر من إلقاء اللائمة على إسرائيل وسياستها الإبادية العامة مؤكدين أن تصويتهم يأتي إحتجاجاً على حكومة نتنياهو لا تخلياً عن إسرائيل. ففي تصريح للنائبة الديمقراطية ليزا روشيستر قالت أنها حتى تغير إسرائيل من سياساتها في قطاع غزة والضفة الغربية وتلتفت للحاجة الإنسانية فيها وتنهي هجماتها غير المبررة وتتعاون مع الأمم المتحدة لإنهاء الحرب لن تستطع بضمير واعٍ أن تؤيد أي صفقة سلاح لحكومة بنيامين نتنياهو. كما صرح النائب الديمقراطي رافاييل وورنوك قائلاً أنه من الخطأ تجويع الأطفال والمدنيين حتى الموت وأن ما تقوم به حكومة نتنياهو يعتبر جريمة أخلاقية لا يمكن لمن يملك ضميراً وإيماناً بكرامة وحق وحرية الإنسان أن يؤيدها ولهذا اختار التصويت لصالح مشروعي القانون.
من الداعمين التاريخيين لإسرائيل والذي صوتوا بنعم على مشروعي القانون النائبة تامي داكوورث التي أشارت بكلمة “يكفي” تبريراً لموقفها قائلة أن إيقاف المجاعة ليس في مصلحة الفلسطينيين وحسب ولكن ايضاً في مصحلة كل من تل ابيب وواشنطن على المدى البعيد.
بداية لتصدعٍ في السدّ المنيع
هناك في المقابل معسكر المتفائلين؛ فقد صرّح ساندرز بعد هذا التصويت بأن الديمقراطيين يستجيبون اخيراً لنداءات الأمريكيين المتعبين من إنفاق مليارات الدولارات على حكومة إسرائيلية تجوّع الأطفال حتى الموت. وأن التصويت يعكس إنقلاباً في الموجة ورفضاً لتوجهات حكومة بنيامين نتنياهو التي تشن حرباً مرعبة وغير قانونية ولا أخلاقية على الشعب الفلسطيني وفق تعبيره.
وقد عزت صحيفة ذا الهيل الأمريكية هذا التحول في الموقف الديمقراطي لسياسات حكومة نتنياهو العنيفة والمتغاضية عن المحنة الإنسانية في القطاع ما تسبب في “تصدّع للتوافق الحزبي التاريخي لدعم إسرائيل وحمايتها في الكونجرس” بحسب الصحيفة.
منظمة إن لم يكن الآن اليهودية المؤيدة للحق الفلسطيني أشارت للتصويت بكونه يمثّل لحظة تاريخية كذلك وعابت على الديمقراطيين الذين اصطفوا إلى جانب الجمهوريين برفض المشروعين في تاييد واضح لحرب الإبادة. وقد حثّت المنظمة على لسان مديرها التنفيذي مورياه كابلان الأمريكيين على استخدام كل أداة متاحة وممكنة لرفع الحصار عن الفلسطينيين وإيقاف المجاعة واسترجاع الرهائن.
وفي رسالة مؤثرة بعث بها مستشار السياسات في منظمة “المطالبة بالتقدّم” الأمريكية، كيفين خرازيان، عشية التصويت، قال ” قبل فترة ليست بالبعيدة، كان تصويت بضعة أعضاء في مجلس الشيوخ للحد من توريد الأسلحة إلى إسرائيل بمثابة نصر أخلاقي. واليوم، يُمثل تصويت 27 عضوًا ضد إرسال المزيد من الأسلحة، أي أكثر من نصف كتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، نقطة تحول سياسية. لقد ولّت أيام غضّ السياسيين الطرف عن فظائع غزة ومواصلة منح الحكومة الإسرائيلية شيكًا مفتوحًا. إذ مكّنت الأسلحة الأمريكية إسرائيل من شنّ هجومها الوحشي على المدنيين الجائعين والمحاصرين في غزة. وقد أدرك الشعب الأمريكي هذا منذ زمن طويل. والآن، بدأ مجلس الشيوخ أخيرًا في اللحاق بالركب. لم تنتهِ هذه المعركة بعد، لكن الأمور بدأت تتغير بوضوح. سيتذكر التاريخ من استخدم نفوذه لمواجهة الظلم، ومن ساهم في استمراره. لن نتوقف عن محاسبتهم.”
من جهتها رحبت إيباك المنظمة الأبرز في اللوبي الصهيوني الأمريكي بهزيمة مشروعي القانون لكنها أشارت إلى الموجة المتزايدة في الكونجرس لمعادة إسرائيل. كما أكدت أنها ومع اقتراب موعد الإنتخابات النصفية بحاجة لمزيد من الموارد والقوة السياسية لهزيمة هذه الفئة من المنتقدين الذين يسعون بحسب وصفها لجرّ المعركة من مجلسي الكونجرس إلى صناديق الإنتخاب لحشد مزيد من المناهضة للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي.
كما أطلقت صحيفة تايمز أف إسرائيل ناقوس الخطر بشأن التحول المقلق في الكونجرس والذي قفز فجأة من 15 ممثلاً مؤيداً لهذا النوع من القرارات إلى 27 ممثلاً تفوق أغلبية الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ معتبرة أن الحدث يعكس قاعاً جديداً وصلت إليه صورة إسرائيل في الخارج مع انتشار صور المجاعة كإنتشار النار في الهشيم.
ورغم كل ما يُشاع عن كونها لحظة مارقة في تاريخ الكونجرس وتشكل قرصة أذن لنتنياهو اكثر منها إنتقاد لاذع لإسرائيل وتخلي عنها كرمى لعيون الفلسطنينيين إلا أن الحقوقيين المهتمين بالشأن الفلسطيني يشيرون إلى كونها لحظة مفصلية تصدّع فيها أخيراً السد الحزبي المنيع لتمرير إنتهاكات إسرائيل والتغاضي عنها وأظهر إمكانية اللجوء إلى التلويح بسياسة العصا لتغيير الواقع المُعاش وهو ما يمكن ان يُبنى عليه ولو في سياسة طويلة الامد لتوسيع الخرق على الراقع وزعزعة الوضع القائم. وقد اعتبره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية CAIR إشارة تاريخية للتقدم في المسألة الفلسطينية في الكونجرس الأمريكي الذي يوافق أخيراً رأي الشعب الأمريكي وفقاً للمجلس.