ترجمة وتحرير: نون بوست
تواجه إسرائيل اتهامات بارتكاب جريمة تجويع المدنيين منذ بدء عدوانها على قطاع غزّة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي أواخر يوليو/ تموز الماضي، أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الهيئة العالمية الرائدة في رصد الجوع والمدعومة من الأمم المتحدة، أنّ “أسوأ سيناريو للمجاعة” يتكشف في غزّة نتيجة المجاعة والحصار اللذين فرضتهما إسرائيل.
وحسب وزارة الصحة في غزّة، فقد توفي أكثر من 160 فلسطينيًا، من الأطفال والبالغين، جراء الجوع حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
وقبل اندلاع الحرب الحالية، التي أسفرت عن قتل ما لا يقل عن 60 ألف فلسطيني وتشريد ما يقارب كامل سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، كانت إسرائيل قد فرضت منذ عام 2007 حصارًا على المجال الجوي والمياه الإقليمية ومعظم المعابر البرّية في غزّة. وكان نحو 80 بالمئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
كما فرضت إسرائيل رقابة مشدّدة على حركة الدخول والخروج من القطاع، وعلى المواد المسموح بإدخالها، بل وحتى على كمية السعرات الحرارية المخصّصة لكل فرد. في عام 2006، لخّص أحد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت هذه السياسة بقوله: “الفكرة هي أن نطبق على الفلسطينيين حمية غذائية، ولكن دون أن نقتلهم جوعًا”.
وقد تفاقمت الأوضاع خلال الحرب، مع فرض مزيد من القيود والحظر على الضروريات الأساسية للحياة.
وأثارت هذه السياسة غضبًا دوليًا واسعًا، حتى في أوساط الدول الحليفة لإسرائيل. في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي الأولى من نوعها بحقّ زعيم من بلد حليف للغرب، كما أنها أول مرة يُوجَّه فيها اتهام بجريمة التجويع.
فيما يلي، يستعرض موقع ميدل إيست آي سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في غزّة، والأسس القانونية لملاحقتها، ودور المحاكم الدولية، وردّ إسرائيل على هذه الاتهامات.
كيف استخدمت إسرائيل المساعدات كسلاح خلال حربها على غزّة؟
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، منعت إسرائيل بشكل متكرّر دخول الإمدادات، ودمّرت خدمات أساسية للبقاء، شملت الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء ووسائل الاتصال الحيوية.

القوافل الإغاثية القليلة التي يُسمح لها بالدخول غالبًا ما تتعرّض للتأخير أو العرقلة. وقد قُتل مئات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، سواء برصاص جنود الاحتلال أو على يد متعاقدين عسكريين يعملون لصالح “مؤسسة غزّة الإنسانية” المدعومة من الولايات المتحدة.
كما تعرّض العاملون في مجال الإغاثة وموظفو المنظمات والطواقم الطبية للاستهداف، في وقت غالبًا ما تكون فيه الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار قصيرة الأمد.
كيف يُقاس الجوع في غزّة؟
تعتمد هيئات الأمم المتحدة والحكومات على ما يُعرف بـ”التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي”، وهو أداة تقيّم درجات انعدام الأمن الغذائي عبر خمس مراحل.
أخطر هذه المراحل هي المرحلة الخامسة (المجاعة)، وهي تشير إلى مستوى كارثي من الجوع على مستوى العائلات. وتُعلَن المجاعة عند تحقّق الشروط التالية:
-
تعاني 20 بالمئة من العائلات في منطقة ما من نقصٍ حاد في الغذاء، يؤدي إلى مستويات خطيرة من سوء التغذية الحاد والوفاة.
-
يُصاب 30 بالمئة من الأطفال دون سن الخامسة بسوء تغذية حاد.
-
يُسجَّل ما لا يقل عن حالتي وفاة يوميًا لكل 10,000 شخص بسبب الجوع.
في أحدث تقييم له عن الوضع في غزة بتاريخ 29 يوليو/ تموز، أفاد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بأن أول عتبتين على الأقل من بين ثلاث قد تمّ استيفاؤها، مما ساهم في زيادة خطر الوفاة بين الأطفال والبالغين. وأشار التصنيف إلى أن العوامل التي أدت إلى ذلك تشمل:
-
استمرار الحصار الإسرائيلي.
-
منع وصول المنظمات الإنسانية إلى المحتاجين.
-
النزوح الجماعي واسع النطاق.
-
النقص الحاد في الغذاء والماء والمأوى والدواء.
-
الانهيار شبه الكامل في النظامين الصحي والبيئي.
ما الفرق بين المجاعة وجريمة التجويع؟
رغم التشابه الظاهري بين كلمتي “تجويع” و”مجاعة”، فإنّ الفرق بينهما جوهري من الناحيتين القانونية والفنية.
المجاعة هي النتيجة القصوى لسياسة التجويع، ولهذا يمنع القانون استخدام التجويع كوسيلة من الأساس.
وعندما تحلّ المجاعة، يكون الوقت قد فات، كما حدث في الصومال سنة 2011، حيث لم يُعلَن عن المجاعة إلا بعد وفاة 250 ألف شخص، نصفهم أطفال دون سن الخامسة.
أمّا “التجويع”، على خلاف المجاعة، فهو يُعدّ جريمة حرب معترفًا بها قانونيًا، وله تبعات قانونية واضحة.
ما هو تعريف التجويع قانونًا؟
يُعرّف التجويع في القانون من خلال بُعدين: المسار والنتيجة.
المسار هو المرحلة التي يتحوّل فيها حرمان السكان من مقوّمات الحياة إلى سياسة متعمّدة، قبل أن تقع المجاعة أو الوفيات. أما النتيجة فهي ما يترتب عن تلك السياسة من آثار، مثل سوء التغذية، الأمراض، والوفيات.
يقول توم داننبوم، أستاذ القانون الدولي في كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية وأحد أبرز الخبراء في جريمة التجويع، إن هذا المسار قد يبدأ قبل وقت طويل من تحقق معايير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
ويضيف في مقابلة مع بودكاست شاهد خبير، الذي ينتجه موقع ميدل إيست آي: “الأمر يتعلّق بعملية حرمان السكان من الحاجيات الأساسية اللازمة لبقائهم، بهدف نفي قيمتها المعيشية”.
ويتابع: “هذا المسار قد يبدأ قبل ظهور مؤشرات مثل ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد أو زيادة الوفيات. ومع ذلك، تكون عملية الحرمان قد بدأت بالفعل”.
ويمكن الاستدلال على الطابع الإجرامي لهذه السياسة ونواياها من خلال الأفعال والتصريحات. ففي سياق حربها على غزّة، برّرت “إسرائيل” الحصار باعتباره وسيلة للضغط على حماس لإطلاق سراح المحتجزين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ومن بين التصريحات الأكثر وضوحًا، ما قاله وزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023: “أصدرت أمرًا بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود. كل شيء مغلق. نحن نقاتل بشرًا متوحشين ونتصرّف بناءً على ذلك”.
ويرى داننبوم أن هذا التصريح لا يمكن فهمه إلا كـ”جهد متعمّد لحرمان السكان من مقومات بقائهم على قيد الحياة”.
وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2024، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “نقدّم الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية… وإذا أردنا تحقيق أهدافنا من هذه الحرب، فإننا يجب أن نقدّم أقل قدر ممكن من المساعدات”.
ماذا عن “النتيجة” في سياق جريمة التجويع؟
في السياق القانوني، تشير “النتيجة” إلى الآثار المترتبة على سياسة التجويع، مثل سوء التغذية وغيره من الأضرار، بما في ذلك الوفيات.
ويؤكّد داننبوم أن الناس قد يعانون من سوء تغذية حاد يلامس مستويات قاتلة أو شبه قاتلة، دون أن تُعلن المجاعة رسميًا أو تتحقّق شروطها.
ويضيف أن ذلك، إذا كان أثر السياسة معروفًا مسبقًا، يُعدّ استخدامًا للتجويع كسلاح من أسلحة الحرب.
يقول أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي وأحد أبرز خبراء المجاعة، إن أساليب “إسرائيل” في استخدام التجويع تختلف عن السوابق التاريخية، من حيث السيطرة الدقيقة على المساعدات ونية منع الإغاثة الإنسانية.
ويؤكد: “لو أرادت إسرائيل أن يتناول كل طفل في غزة فطورًا صباح الغد، لاستطاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يصدر أمرًا بذلك، وسيحدث ذلك فورًا”.
ويضيف: “هذا لا ينطبق على مجاعات أخرى مروعة، مثل ما يحدث في السودان اليوم. فالدقة والتحكم الصارم الذي تمارسه إسرائيل لا سابقة له في العصر الحديث”.
ماذا يقول القانون الدولي عن تحويل التجويع إلى سلاح؟
لطالما ارتبط التجويع بالحروب والحصار، لكن تجريمه لم يبدأ إلا خلال العقدين الماضيين:
1863: مدونة ليبر، التي أُصدرت خلال الحرب الأهلية الأمريكية، تُعدّ من أقدم محاولات تقنين قوانين الحرب. لكنها نصّت على أن “تجويع العدو، سواء كان مسلحًا أم لا، مسموح به إذا كان يُسرّع من إخضاعه”.
1919: ظهرت جريمة التجويع لأول مرة ضمن قائمة مكوّنة من 32 جريمة حرب أعدّتها لجنة مسؤولية الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى، وتضمنت “التجويع المتعمّد للمدنيين”، لكنها لم تكن ملزمة قانونيًا.
1949: تمت الإشارة إلى التجويع قانونيًا في اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم القوى المحتلّة بتوفير الغذاء والدواء للسكان الواقعين تحت الاحتلال دون عوائق.
1977: تم تقنين الحظر في البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف، حيث صُنّف التجويع كسلاح ممنوع في النزاعات بين الدول، وكذلك بين الدول والجماعات غير الحكومية. إلا أنه لم يُصنّف بعد كـ”انتهاك جسيم”، أي كجريمة حرب.
1998: أصبح التجويع جريمة قابلة للملاحقة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن فقط في سياق الحروب بين الدول.
2021: أُضيف تعديل إلى النظام الأساسي يجرّم التجويع كجريمة حرب في النزاعات الداخلية، إلا أن 21 فقط من أصل 125 دولة عضوًا في المحكمة صادقت عليه حتى الآن.
ما هو جوهر جريمة التجويع؟
بموجب المادة 8 (2) (ب) (25) من نظام روما الأساسي، يكون التجويع جريمة حرب عندما:
يقوم الجاني بحرمان المدنيين من أشياء لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة؛ ويكون ذلك بنيّة استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.
تكتسب عبارة “أشياء لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة” أهمية بالغة، إذ لا تقتصر على الغذاء والماء (المواد الغذائية) فحسب، بل تشمل أيضًا “المناطق الزراعية لإنتاج الغذاء، المحاصيل، المواشي، منشآت ومصادر مياه الشرب، ومشاريع الري”.
وقد طال الضرر جميع هذه العناصر بشكل بالغ خلال الحرب في غزة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ يمكن أن تُرتكب جريمة التجويع بالتزامن مع جرائم أخرى ذات صلة.
في سياق الحرب في غزّة، وجّهت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 اتهامات لقادة “إسرائيل” بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، شملت القتل والقمع، وأفعالًا لا إنسانية أخرى، مرتبطة بحرمان السكان من الغذاء والماء والدواء.
كما تتقاطع هذه الجريمة مع جريمة الإبادة الجماعية، التي تمثل محور القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية، حيث استندت جنوب أفريقيا إلى أربعة أفعال مدرجة في اتفاقية الإبادة الجماعية، كأدلة على ارتكاب الإبادة من خلال الحصار وسياسة التجويع.
وفي مارس/ آذار 2025، خلصت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال فرض الحصار ومنع إيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع.
وبالاستناد إلى نصوص الاتفاقية، يرى أليكس دي وال أن إسرائيل ترتكب ما يمكن وصفه بـ”التجويع الإبادي”.
ويضيف: “لا ينبغي أن ننتظر حتى نحصي قبور الأطفال الذين قضوا جوعًا حتى نتحرّك لمنع الجريمة”.
وهناك أيضًا بُعد الصدمة الاجتماعية.
ويقول دي وال في هذا السياق: “إنه العار. إنها الإهانة. إنه شعور الناس بأنهم قد أُهينوا وأُجبروا على خرق محرمات اجتماعية راسخة – كأن ينبشوا القمامة بحثًا عن الطعام. هذه هي الإبادة الجماعية كما تتجلى الآن”.
هل ترتكب “إسرائيل” جريمة استخدام التجويع كسلاح؟
الأدلة جلية، ووفقًا لتعبير داننبوم، فهي “قوية للغاية”.
ويقول في هذا السياق: “لا حاجة لإثبات أن الأفعال أدّت إلى نتيجة معينة؛ بل يكفي إثبات أن الحرمان قد حدث بنية مقصودة”.
وقد تشمل هذه النيّة تعمد حرمان المدنيين من مقومات البقاء، أو حتى العلم بأن المدنيين سيتضوّرون جوعًا كنتيجة مباشرة.
ويرى داننبوم أن الوقائع لا تحتمل التأويل، بما في ذلك تدمير الزراعة، وأنظمة المياه، ومصادر الطاقة وغيرها. والسؤال الوحيد المتبقي هو: هل تمّ ذلك بقصدٍ مُسبق؟
إلى جانب تصريحات غالانت ومسؤولين إسرائيليين آخرين، يلفت مراقبون إلى الحصار الشامل الذي فُرض على غزة اعتبارًا من 2 مارس/ آذار 2025، والذي بررته “إسرائيل” بوضوح كوسيلة لحرمان الفلسطينيين من الغذاء والماء والدواء.
وقد يتمكن الادّعاء أيضًا من إثبات أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يمتلكون “نية غير مباشرة”، أي معرفتهم بأن التجويع سيكون نتيجة مؤكدة.
ومن بين الأدلة المحتملة تجاهل “إسرائيل” لتحذيرات المجاعة التي أطلقها نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ومارس/ آذار 2024، ومايو/ أيار 2025، وإصرارها رغم ذلك على مواصلة سياستها.
ماذا قال المسؤولون الإسرائيليون عن التجويع؟
تقول “إسرائيل” إنها فرضت قيودًا على الغذاء والإمدادات بهدف الضغط للإفراج عن بقية الرهائن، وأن المواد الأساسية المخصصة للمدنيين يتم نهبها وتحويل وجهتها.
لكن وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى دحضت هذا الادعاء مرارًا، مؤكدة أن “إسرائيل” لم تقدّم أي دليل. وقال مارتن غريفيث، مسؤول الشؤون الإنسانية السابق في الأمم المتحدة، لموقع ميدل إيست آي إن هذا الادعاء “لم يُختبر أبدًا بالأدلة أو عبر عملية خاضعة للمساءلة”. كما أشار مسؤولون عسكريون إسرائيليون إلى غياب الدليل، وهو ما أكّدته أيضًا تقارير داخلية للحكومة الأمريكية.
ويقول داننبوم إن القانون الدولي لا يسمح بحرمان السكان المدنيين من المساعدات الإنسانية بذريعة منع وصولها إلى المقاتلين.
والاستثناء الوحيد حسب رأيه هو إذا ثبت أن المساعدات “تُحوَّل بشكل ممنهج وكامل تقريبًا إلى المقاتلين ولا تصل إلى المدنيين إطلاقًا”.
ويضيف: “لقد رأينا خلال الهدنة وصول المساعدات إلى عدد كبير من المدنيين”.
هل حاولت “إسرائيل” توزيع المساعدات؟
نعم، لكن النتائج كانت كارثية.
في مايو/ أيار 2025، استبدلت “إسرائيل” عمليات الأمم المتحدة الإنسانية في غزة بنظام توزيع مساعدات يحمل طابعًا عسكريًا، تدعمه الولايات المتحدة وتديره منظمة أمريكية تُدعى مؤسسة غزة الإنسانية.
تشغل المنظمة 4 مراكز توزيع في جنوب غزة، بدلًا من نحو 400 نقطة توزيع كانت تديرها الأمم المتحدة في القطاع. يُشرف على حماية هذه المواقع متعاقدون أمنيون أمريكيون وتخضع لمراقبة الجيش الإسرائيلي.
وقال فيليبو لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، لموقع ميدل إيست آي بعد انطلاق عمليات مؤسسة غزة الإنسانية، إن إدخالها يبدو جزءًا من خطة الجيش الإسرائيلي لإجبار السكان على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، وحصرهم حول مراكز التوزيع الجديدة.
وأضاف: “وهكذا تصبح المساعدات أداة لتهجير السكان قسرًا”.
ومنذ بدء عمليات مؤسسة عزة الإنسانية في 26 مايو/ أيار وحتى نهاية يوليو/ تموز، قُتل ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من مراكز التوزيع، بحسب الأممالمتحدة، مع ارتفاع الأعداد يوميًا.
لهذا السبب وصف عاملون في مجال الإغاثة نظام مؤسسة غزة الإنسانية بأنه “مصيدة موت“، فيما رفضت وكالات الأمم المتحدة التعاون معها.
لا يستطيع العديد من المدنيين الوصول إلى نقاط التوزيع بسبب المخاطر الأمنية أو عدم قدرتهم على التنقل، خصوصًا من شمال غزة. وأولئك الذين يصلون إلى المراكز يواجهون خطر التعرض لهجمات موجهة أو سرقة إمداداتهم أثناء عودتهم على يد آخرين يعانون الجوع أيضًا.
ويقول داننبوم إنه حتى إذا لم يكن واضحًا ما إذا كان نظام مؤسسة غزة الإنسانية يُستخدم كوسيلة لحرمان الفلسطينيين من الغذاء، فإن السياق العام يوضح بشكل جلي أن المدنيين يعانون من الجوع، لا سيما في ظل تحذيرات تصنيف الأمن الغذائي المتكامل التي تشير إلى خطر مجاعة مرتفع.
ويختتم بالقول: “هذا يحدث في سياق يجعل الحرمان سببًا شبه مؤكد للمجاعة بين السكان المدنيين”.
ماذا قالت المحكمة الجنائية الدولية عن التجويع في غزة؟
يُعتبر التجويع المحور الأساسي في القضية المرفوعة ضد المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
في مذكرتي توقيف صدرتا بحق نتنياهو وغالانت في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أكدت المحكمة وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنهما: “حرما عمدًا وعن علم السكان المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى الوقود والكهرباء، وذلك في الفترة الممتدة من 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى 20 مايو/ أيار 2024”.
وأشارت غرفة ما قبل المحاكمة، التي تصدر مذكرات الاعتقال إلى جانب مهام أخرى، إلى دور نتنياهو وغالانت في تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة وعدم دعم عمليات الإغاثة.
وأوضح القضاة أن قيود “إسرائيل” على المساعدات، إلى جانب التخفيضات الحادة في إمدادات الطاقة، كان لها “تأثير شديد” على إمدادات المياه والمستشفيات في غزة.
وعندما سمحت “إسرائيل” أخيرًا بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد الحصار الشامل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اعتبرت المحكمة أن ذلك كان غير كافٍ لتلبية التزاماتها القانونية الدولية.
كما وجهت المحكمة تهمًا أخرى تتعلق بالحرمان من الإمدادات الأساسية، من بينها جرائم القتل والاضطهاد.
وكانت تهمة “الأفعال اللاإنسانية” مرتبطة بالتخفيض المتعمد أو المنع الكامل للإمدادات الطبية، حيث “أُجبر الأطباء على إجراء عمليات بتر، بما في ذلك للأطفال، دون تخدير، أو اضطروا لاستخدام وسائل غير ملائمة وغير آمنة لتخدير المرضى، مما تسبب في أشد أنواع الألم والمعاناة”.
ماذا قالت محكمة العدل الدولية؟
تتدخل محكمة العدل الدولية في النزاعات بين الدول، لا سيما عندما تتهم دولة أخرى بارتكاب إبادة جماعية، وهي تدرس قضيتين مرتبطتين بتجويع المدنيين.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اتهمت جنوب أفريقيا “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية بخرق اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 عبر سياسة الحصار والتجويع.
وقالت جنوب أفريقيا إن “إسرائيل” قامت، من بين أفعال أخرى، بـ”أضرت بشكل متعمد بظروف حياة مجموعة بهدف تدميرها ماديًا كليًا أو جزئيًا”. كما استندت إلى تحذيرات تصنيف الأمن الغذائي المتكامل التي تشير إلى أن 93 بالمئة من سكان غزة يواجهون مستويات عالية من الجوع.
قد تستغرق محكمة العدل الدولية سنوات لإصدار حكم في قضية جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل”، لكنها أصدرت في الوقت الحالي ثلاث قرارات تُعرف بـ”أوامر التدابير المؤقتة”، تطالب إسرائيل بالامتناع عن أعمال الإبادة الجماعية ومنعها، بما في ذلك المتعلقة بالتجويع، وهي كالتالي:
منع أعمال الإبادة الجماعية: في 26 يناير/ كانون الثاني 2024، رأت المحكمة أن حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من الإبادة الجماعية معرض لخطر محتمل، وطُلب من “إسرائيل” السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، رغم أن المحكمة لم تصدر أمرًا بوقف إطلاق النار.
ضمان تسليم المساعدات والخدمات الأساسية دون عوائق: في الأمر الثاني بتاريخ 28 مارس/ آذار 2024، أشارت المحكمة إلى أن المجاعة تتطور بشكل مستمر في غزة.
إيقاف العمليات العسكرية فورًا في رفح: الأمر الثالث، الصادر في 24 مايو/ أيار 2024، كان الأشد حدة، إذ أكد أن خطر الإبادة الجماعية في رفح قد ازداد بشكل كبير، وطالب إسرائيل بإبقاء معبر رفح مفتوحًا للمساعدات الإنسانية.
تُعد هذه الأوامر من الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة ملزمة قانونيًا لـ”إسرائيل”، لكنها رفضت الاتهامات ولم تلتزم بالقرارات.
ماذا قالت محكمة العدل الدولية أيضًا عن إسرائيل؟
يمكن للأمم المتحدة أن تطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها في مسألة معينة، وهو ما يُعرف بالرأي الاستشاري.
في الوقت الراهن، تفحص المحكمة التزامات “إسرائيل” الإنسانية تجاه الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويشمل ذلك غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
كجزء من هذه الإجراءات، عقدت المحكمة جلسات استماع شفوية شاركت فيها أكثر من 40 دولة عضو في أواخر أبريل/ نيسان وبداية مايو/ أيار، حيث تبلور توافق واسع على أن “إسرائيل”، بصفتها دولة احتلال، ملزمة قانونيًا بالسماح بدعم إنساني غير مقيد في المناطق المتأثرة.
وجادلت الوفود أيضًا بأن الحصار والقيود على المساعدات يشكلان دليلًا على استخدام “إسرائيل” للتجويع كسلاح في الحرب.
وخلال الجلسات، أكدت غالبية الوفود، بما في ذلك الأمم المتحدة والمملكة المتحدة وممثلو فلسطين وغيرهم، أن عرقلة “إسرائيل” للإمدادات الأساسية تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: “أنا أتهم الأونروا، وأتهم الأمم المتحدة، وأتهم الأمين العام، وأتهم كل من استغل القانون الدولي ومؤسساته كسلاح لحرمان أكثر دولة تتعرض لهجوم في العالم، “إسرائيل”، من أبسط حق لها في الدفاع عن نفسها”.
المصدر: ميدل إيست آي