ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد 22 شهرًا من الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، طرأ تغيير جديد خلال الأسبوع الماضي.
لأول مرة، وصفت منظمات حقوقية إسرائيلية وأكاديميون الحصار والقصف المستمر على غزة بأنه إبادة جماعية. كما أبدت حكومات فرنسا والمملكة المتحدة وكندا استعدادها للانضمام إلى الغالبية الساحقة من دول العالم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي خطوة غير مسبوقة، صوّتت غالبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي لصالح حظر بيع الأسلحة لإسرائيل. حتى اليمينية مارغوري تايلور غرين، النائبة الجمهورية عن ولاية جورجيا، وصفت أفعال إسرائيل بأنها إبادة جماعية، لتصبح أول نائبة جمهورية تتخذ هذا الموقف.
وأظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة غالوب أن 32 بالمئة فقط من الأمريكيين يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهو أدنى مستوى دعم يُسجل حتى الآن. في المقابل، عبّر 60 بالمائة من الأمريكيين عن رفضهم للهجوم، ولأول مرة، أبدت الأغلبية عدم رضاها عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد برز هذا التحول في المواقف بشكل خاص بين الشباب الأمريكي.
لكن هذا التحول الأخير في المواقف لم يترجم بعد إلى سياسات تُمارس ضغطًا فعليًا على إسرائيل أو تُسهم في إنقاذ أرواح الفلسطينيين. حملة القصف الإسرائيلي على غزة ما تزال مستمرة بلا هوادة، وقد تجاوز عدد الضحايا 60 ألف الأسبوع الماضي، مع ترجيحات بأن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بنسبة 40 بالمائة، وفقًا لدراسة أجرتها مجلة “لانسيت”. ولم يحدث التخفيف الطفيف للحصار المفروض على المساعدات أثرًا ملموسًا في تخفيف المجاعة، إذ توفي ما لا يقل عن 175 شخصًا، بينهم 92 طفلًا و82 بالغًا، بسبب الجوع في الأسابيع الأخيرة. وتستمر عمليات القتل بالقرب من مراكز توزيع المساعدات النادرة، فيما تعرضت عمليات الإسقاط الجوي لانتقادات واسعة باعتبارها غير فعالة ومكلفة وخطيرة، إذ تسببت بمقتل فلسطيني على الأقل وإصابة ما لا يقل عن اثني عشر آخرين.
ومع ذلك، يتزايد الاعتقاد بين النشطاء وأنصار القضية الفلسطينية بأن موجة غضب جديدة قد تُؤدي إلى نتائج مستدامة على صعيد سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه إسرائيل وفلسطين.
وقال طارق كيني الشوا، الزميل المتخصص في السياسات الأمريكية في شبكة السياسات الفلسطينية، وهو فلسطيني من غزة: “من الواضح أنه فات الأوان للتأثير على السياسات بطريقة من شأنها إنقاذ أرواح الفلسطينيين الآن، لكنني أعتقد أن الصورة التي ترسمها اللحظة الراهنة لمستقبل الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة مهمة”.
تصويت تاريخي في مجلس الشيوخ
أحد أبرز الأحداث السياسية في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي كان تصويت مجلس الشيوخ على قرارين قدمهما السناتور بيرني ساندرز، النائب المستقل عن ولاية فيرمونت، لمنع بيع أنواع معينة من الأسلحة الأمريكية لإسرائيل. ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني، قدم ساندرز عدة قرارات مماثلة. وبالنظر إلى سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، فقد كانت قرارات ساندرز رمزية في الغالب، تمنح المشرّعين فرصة لإظهار مواقفهم أمام الناخبين وجماعات الضغط بشأن القضية الفلسطينية والعلاقة مع “إسرائيل”.
وسعى أحد القرارات الأخيرة إلى منع صفقة بيع أسلحة لإسرائيل تزيد قيمتها عن 675.7 مليون دولار، وتشمل مئات القنابل من طراز “إم كي 83” بوزن 1000 رطل، وقنابل “بي إل يو-110 إيه/بي” متعددة الأغراض بنفس الوزن، إضافة إلى حظر بيع عشرات الآلاف من البنادق الآلية الهجومية.
بأصوات بلغت 27 مقابل 70، و24 مقابل 73، فشلت القرارات في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ. ومع ذلك، فقد حظيت بأكبر تأييد حتى الآن لمحاولة حظر صفقات السلاح مع “إسرائيل”. ومن بين الديمقراطيين الجدد الذين انضموا إلى التصويت: السيناتورة جين شاهين من نيوهامبشر (عضوة بارزة في لجنة العلاقات الخارجية)، والسيناتور جاك ريد من رود آيلاند (رئيس لجنة القوات المسلحة)، والسيناتورة باتي موراي من واشنطن (رئيسة لجنة الاعتمادات). ومن بين المؤيدين أيضًا السيناتور جون أوسوف من ولاية جورجيا، الذي صوّت لصالح قرار مماثل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكنه عارض محاولة أخرى لفرض حظر أسلحة في أبريل/ نيسان، بعد ضغوط كبيرة من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك”.
وفي تصويته لصالح حظر بيع البنادق الآلية، أشار السيناتور جون أوسوف إلى “الحرمان الجماعي الشديد الذي يعانيه المدنيون في غزة، بما في ذلك المجاعة غير المقبولة التي يتعرض لها الأطفال، نتيجة السياسات الإسرائيلية”. لفت هذا الموقف انتباه لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، خصوصًا أن أوسوف سوف يترشح مجددا العام المقبل، في ظل ضغوط من “أيباك”.
وتتابع فريدمان ومؤسستها تصريحات أعضاء الكونغرس المتعلقة بإسرائيل وفلسطين منذ عام 2017. ورغم أن العديد من المشرعين شددوا الأسبوع الماضي على دعمهم لإسرائيل وحمّلوا حركة حماس مسؤولية نقص المساعدات، فقد لاحظت فريدمان تغيرًا في آراء عدد من أعضاء الكونغرس الذين أصدروا بيانات دعم للفلسطينيين، وقالت إن كثيرين منهم أعربوا عن اشمئزازهم من سياسة التجويع التي تنتهجها “إسرائيل”. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانوا سيدعمون تصريحاتهم بتصويت في المجلس للضغط على “إسرائيل”.
حين كانت فريدمان تعمل سابقًا كناشطة تدافع عن حقوق الفلسطينيين، تتذكر أن هناك نكتة متداولة في الكواليس تسخر من عبثية محاولة التأثير على المشرّعين في الكونغرس بشأن هذه القضية. وأضافت أنه خلف الأبواب المغلقة، كان أعضاء في الكونغرس يقولون لها ولزملائها: “أنا أتفق معكم تمامًا في كل ما تقولونه، وشكرًا جزيلًا على ما تفعلونه، لكن لا تطلبوا مني أن أقوم بأي خطوة ما لم تتمكنوا من إقناع ناخبيّ بالدفاع عني، لأنه بخلاف ذلك، ستطيح بي منظمة أيباك”.
قد تُشير عمليات التصويت الأخيرة في مجلس الشيوخ إلى وجود تحوّل محتمل في المواقف.
وقالت فريدمان: “هل أصبح أعضاء الكونغرس فجأة أكثر شجاعة، أم أنهم باتوا يشعرون فجأة بأن هناك من يدعمهم ويوفر لهم مساحة أوسع للمناورة؟ ربما يكون الأمر مزيجًا من الأمرين. هناك شيء ما يتغير في الحسابات، وهذا أمر إيجابي”.
وذكر مات دوس، النائب التنفيذي لرئيس مركز السياسات الدولية والمستشار السابق للسياسة الخارجية للسيناتور ساندرز، أنه على تواصل مع مكاتب في الكونغرس أبلغ فيها الموظفون عن تزايد في عدد المكالمات من ناخبين يعبرون عن قلقهم من حملة التجويع التي تشنها إسرائيل في غزة.
ويقف وراء جزء من هذا الضغط منظمة “إف نوت ناو”، وهي مجموعة يقودها يهود تنشط داخل المجتمع اليهودي الأمريكي وتعارض دعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية.
وقالت مورياه كابلان، المديرة التنفيذية المؤقتة لمجموعة “إف نوت ناو”، إن منظمتها قامت بحشد عدة آلاف من المتظاهرين خلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت تصويت مجلس الشيوخ على صفقة الأسلحة، لإرسال رسائل إلى مكاتب أعضاء المجلس دعمًا لمشاريع القرارات.
وأضافت كابلان: “هناك احتمال أن يكون المشرّعون الديمقراطيون مستعدين أيضًا للخروج عن خط أيباك بطريقة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي المحيط بهذه القضية بشكل جذري، من وجهة نظري. وأتمنى أن يُقلق ذلك الحكومة الإسرائيلية بشدة”.
مواجهة الدعاية الإسرائيلية
يشعر منظمو الحملات ومناصرو القضية الفلسطينية بشيء من التوتر، إذ يعبّرون عن امتنانهم لما يبدو أنه موجة دعم جديدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة وفي دول غربية أخرى، لكنهم في الوقت نفسه يتساءلون: لماذا استغرق ذلك كل هذا الوقت؟
وقالت فريدمان: “كشخص كان شاهدًا على إبادة جماعية تُبثّ مباشرة يوميًا منذ 22 شهرًا، ما الذي جعل الأمور تصل إلى نقطة التحول؟ كنت أعتقد أن صور الأطفال والرضّع الذين قُتلوا بالقنابل والرصاص والحرمان من الرعاية الطبية طوال هذه الأشهر كانت كفيلة بإحداث ذلك – لكنها لم تفعل”.
وأشارت فريدمان وآخرون إلى صور المجاعة في غزة – رُضّع أصابهم الهزال، وأمهات يحتضن أطفالهن المحتضرين، وأشخاص يفرّون من النيران أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع المساعدات المحاطة بالأسلاك الشائكة – باعتبارها عوامل دفعت نحو نوع مختلف من المحاسبة.
قال خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، والذي سبق أن شارك في مفاوضات بين القيادة الفلسطينية و”إسرائيل”: “في السابق، كان التضليل ممكنا. كان يمكن القول إنه قُتل 80 مدنيًا أثناء استهداف أحد عناصر حماس، أو أن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية وتختبئ في أنفاق خلفهم. لكن لم يعد بالإمكان التضليل بعد الآن. هناك قناعة بأن إسرائيل تتعمد بالفعل إلحاق الأذى بالمدنيين. لقد تطلب الأمر رُضّعا يتضوّرون جوعًا، ويموتون من الجوع، للوصول إلى هذه القناعة. وهذه فكرة صادمة للغاية، خاصة إذا كنت قد أمضيت العامين الماضيين تقنع نفسك بأن إسرائيل تبذل أقصى ما بوسعها لتقليل الأضرار بين المدنيين”.
بدأت وسائل الإعلام الكبرى، التي دأبت على نشر معلومات مضللة تصدرها “إسرائيل” فيما يتعلق بنقص المساعدات طوال الأشهر التي سبقت المجاعة الحالية في غزة، تنشر الآن تقارير في الصفحات الأولى، وتعرض في البرامج التلفزيونية، صورًا لفلسطينيين يتضوّرون جوعًا. وقد دفعت هذه الصور الرئيس دونالد ترامب نفسه – المعروف بسجله الطويل في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم – إلى الإدلاء بتصريحات متعاطفة.
تنتشر هذه الصور على نطاق واسع، وربما تصل إلى أمريكيين كانوا في السابق يتجاهلون الخسائر البشرية للحرب. وللصور المؤثرة تاريخ في تغيير وجهات النظر، كما حدث مع صورة الطفل السوري إيلان كردي، الذي وُجد غريقًا على شاطئ البحر المتوسط خلال الحرب السورية، أو صورة الأطفال الفارّين من قصف أمريكي بالنابالم على قرية ترانغ بانغ خلال حرب فيتنام، أو صور ضحايا سوء التغذية في معسكرات الموت النازية.
وقال كيني الشوا: “الصور التي تخرج من غزة حاليًا تُذكّرنا بالهولوكوست. صور كهذه تترك أثرًا عميقًا في الوعي الجماعي الأمريكي”.
مظلة أكبر
يؤكد النشطاء أنه لا بد من محاسبة كبار مسؤولي الحزب الديمقراطي، مثل الرئيس السابق جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، على دورهم في خلق الظروف التي سمحت للإبادة الجماعية بأن تصل إلى هذه المرحلة من المجاعة الجماعية. لكن المتحدثين مع موقع “ذا إنترسبت” أبدوا تأييدهم لتأجيل هذه المحاسبة في الوقت الراهن، لصالح نهج أكثر شمولًا. فهم يرون أن بناء ائتلاف أوسع سيكون أكثر جدوى في إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين الجائعين ووقف الحرب في غزة وإنهاء الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”.
وقال يوسف منيّر، مدير برنامج فلسطين إسرائيل في المركز العربي بواشنطن والمدير التنفيذي السابق لحملة الولايات المتحدة من أجل حقوق الفلسطينيين: “الوضع على الأرض صعب للغاية، وهناك اختلال هائل في موازين القوى، ولذلك أنت بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص للمساهمة في الدفع بالأمور نحو الاتجاه الصحيح”.
عدا عن مليارات أموال دافعي الضرائب التي تُخصص سنويًا لـ”إسرائيل” لشراء أسلحة جديدة، ترسل الحكومة الأمريكية أيضًا أسلحة ومركبات وذخائر من المخزونات العسكرية الأمريكية إلى الجيش الإسرائيلي، وغالبًا ما يتم ذلك بموافقة الكونغرس. كما تساهم الولايات المتحدة في تمويل صناعة الأسلحة المحلية في إسرائيل. ويأمل يوسف منيّر وآخرون أن تشكّل هذه الموجة الجديدة من الوعي والضغط الشعبي وسيلة لدفع المشرّعين نحو إنهاء هذا التمويل غير المشروط، وفرض عقوبات على القادة العسكريين الإسرائيليين.
وقد حثّ ناشطون آخرون المنضمين حديثًا إلى مناصرة القضية الفلسطينية على الاتصال بممثليهم المنتخبين، والاحتجاج ضد نقل الأسلحة في الموانئ، وتبني حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي حملة فلسطينية المنشأ تسعى إلى وقف الدعم المالي للشركات والمؤسسات المتورطة في نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية الإسرائيلي.
وقال مات دوس إنه يعرف عددا من المسؤولين السابقين في إدارة بايدن ممن يستخدمون مصداقيتهم ونفوذهم للضغط على المسؤولين المنتخبين بشأن غزة، لكنه عبّر عن خيبة أمله من قلة عدد الذين يقومون بذلك، ودعا زملاءه إلى بذل المزيد من الجهود. وأضاف: “الحركات الناجحة لا توبّخ الناس على عدم انضمامهم، بل ترحّب بالمنضمين الجدد، هذه هي السياسة الناجحة ببساطة”.
وأضاف دوس: “من المنطقي أن نسأل: ما الذي أخّركم كل هذا الوقت؟ علينا أن نجعل الانضمام إلى هذه الحركة واتخاذ الموقف الصحيح أمرًا جذابًا للناس، حتى لو فعلوا ذلك متأخرين”.
وقالت كابلان إنها ومنظمين آخرين لاحظوا تحوّلًا في النقاشات مع أفراد من عائلاتهم كانوا في السابق متشبثين بدعمهم غير المشروط لـ”إسرائيل” بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وأوضحت أن هؤلاء الأشخاص باتوا الآن أكثر استعدادًا للتخلي عن ذلك الدعم المطلق للحكومة الإسرائيلية. وأعربت عن أملها في أن تؤدي هذه الحوارات إلى مراجعة أعمق وطويلة الأمد داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، لكنها شددت على أن أولوية مجموعتها حاليًا هي الضغط من أجل إنهاء فوري للإبادة الجماعية في غزة.
وقالت كابلان: “لا يمكننا أن نُبعد الأشخاص الذين ينضمون إلينا لأول مرة. المنضمون الجدد يتحمّلون مسؤولية أن يبذلوا كل ما في وسعهم، وأن يتخذوا أشجع موقف ممكن لتوظيف القوة التي يمتلكونها في سبيل إنهاء الإبادة الجماعية. في الوقت الراهن، نحن بحاجة إلى احتضانهم عندما يبدون رغبتهم في الانضمام إلينا. وهذه مسؤوليتنا، إذا كنا جادين فعلًا في رغبتنا بالانتصار وبناء قوتنا”.
الانتخابات وما بعدها
رغم ترحيب يوسف منيّر بزيادة عدد الأصوات في مجلس الشيوخ كمؤشر مهم على إحراز بعض التقدم، فإنه وصفها بأنها “غير كافية”، بالنظر إلى عدد الديمقراطيين الذين ما زالوا يدعمون تسليح “إسرائيل”. ومع ذلك، يرى أن هذا التصويت يمكن أن يكون مؤشرا مهما للأمريكيين قبل الانتخابات المقبلة، لأنه يكشف عن الفجوة بين المسؤولين المنتخبين وقواعدهم الشعبية.
وقال منيّر: “نحو نصف أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين لا يزالون يصوّتون لصالح دعم “إسرائيل بالأسلحة”، رغم أن أكثر من 80 بالمئة من الديمقراطيين، بحسب الاستطلاعات، يعارضون ما تفعله إسرائيل في غزة. هذا يكشف أن هؤلاء السيناتورات لا يمثّلون ناخبيهم”.
وقالت فريدمان إن الفجوة بين المشرّعين الديمقراطيين وقواعدهم الشعبية بشأن القضية الفلسطينية ليست أمرًا جديدًا. لكن المستجدّ برأيها هو أن التقدميين لم يعودوا مستعدين لمنح إسرائيل استثناءات، وأصبحوا يدركون كيف تتقاطع الهجمات على حركة التضامن مع فلسطين مع الحملات المناهضة لحرية التعبير والعدالة العرقية وحقوق الشواذ، وغيرها من الجهود الرامية إلى تقليص حقوق الأمريكيين، كما يتجلى في اعتقال طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا محمود خليل، وطالبة جامعة تافتس روميسا أوزتورك.
وقد يُسفر هذا الغضب المتصاعد بشأن غزة عن عواقب حقيقية تطال المشرّعين الديمقراطيين الذين يواصلون دعم “إسرائيل” دون قيد أو شرط.
وقال دوس: “المشكلة في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين هي أن العواقب السياسية كان يتحملها فقط من يجرؤ على اعتبار أن حياة الفلسطينيين ذات قيمة. يجب الآن أن تكون هناك كلفة تُفرض على الطرف الآخر أيضًا، وأعتقد أن ذلك بدأ يحدث بالفعل. وهذا جزء من الأمور التي يمكن أن تُغيّر المعادلة”.
ويشير خبراء ونشطاء إلى فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك بوصفه مؤشرًا على تحوّل في القاعدة الانتخابية، خاصة بين الشباب. ويُعرف ممداني بموقفه الصريح في انتقاد “إسرائيل”؛ حيث وصف هجومها على غزة بالإبادة الجماعية، وأعرب عن دعمه لحركة المقاطعة، وتعهد باعتقال نتنياهو إذا زار نيويورك استجابة لمذكرات اعتقال صادرة من المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب.
وقد صمد ممداني أمام انتقادات الحاكم السابق أندرو كومو، الذي حاول المزج بين معاداة الصهيونية ومعاداة اليهود. وفي ظل فوزه الحاسم، واستطلاع جديد يُظهر شعبيته المتزايدة بين الناخبين اليهود في نيويورك، تبرز بوادر تشير إلى أن الحزب الديمقراطي بدأ يُعيد حساباته بناءً على هذا التحوّل.
وقال الشوا: “ما يظهر لنا هو أنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيكون على أي مرشح ديمقراطي ذكي أن يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن غالبية الديمقراطيين يرون أن ما تفعله إسرائيل إبادة جماعية، وأن يضع ذلك في حساباته عند اتخاذ موقفه بشأن قضية فلسطين وإسرائيل”.
ومع التطلّع إلى انتخابات عام 2028، شبّه يوسف منيّر المرحلة المقبلة بما جرى في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2008، حين تميّز السيناتور السابق عن ولاية إلينوي باراك أوباما عن السيناتورة عن ولاية نيويورك هيلاري كلينتون، من خلال تذكير الناخبين بأنه كان منذ وقت مبكر من معارضي حرب العراق، بينما صوتت كلينتون في الكونغرس لصالح تفويض الغزو الأمريكي. أما خصم أوباما في الانتخابات الرئاسية حينذاك، السيناتور جون ماكين، فكان من أبرز المؤيدين لتلك الحرب.
وقال الشوا إن تنامي الدعم لفلسطين، في ظل الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة، وخصوصًا بين الناخبين الشباب، يعكس تحوّلات سياسية كبرى مشابهة لما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، أو في أعقاب الربيع العربي.
وأضاف: “هذا ما يجعل الأمر بالغ الأهمية، لأنه خلال 5 أو 10 أو 15 أو 20 عاما من الآن، لن تبقى “إسرائيل” ذلك الموضوع المحظور في السياسة الأمريكية. لن يكون من الصعب الحديث عنها، أو يُنظر إلى دعم الفلسطينيين أو انتقاد “إسرائيل” باعتباره انتحارًا سياسيًا كما كان في السابق”.
كيف سترد إسرائيل؟
ليس من الواضح كيف سيردّ بنيامين نتنياهو على الضغوط الحالية. فقد أطال أمد الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة بهدف البقاء في السلطة، عبر إرضاء ائتلافه اليميني المتطرف، الذي يضم شخصيات مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وكلاهما يدعوان إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين وإقامة مستوطنات يهودية في غزة. لكن يوسف منيّر أشار إلى أن الكنيست الإسرائيلي في عطلة حتى أكتوبر/ تشرين الأول، ما يمنح نتنياهو فرصة زمنية لاتخاذ خطوات نحو إنهاء الإبادة الجماعية دون أن يواجه فورًا تداعيات سياسية داخلية.
إلا أن نتنياهو يبدو مصرًّا على التصعيد. تشير تقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تخطط لتوسيع عملياتها في غزة، سعياً نحو احتلال القطاع بالكامل. هذا التوجه دفع نحو 600 مسؤول أمني إسرائيلي سابق إلى توجيه رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الإثنين، يطالبونه فيها بإنهاء الحرب في غزة. وقد ضمّت الرسالة توقيعات رؤساء سابقين لجهاز الموساد وقادة سابقين في الجيش الإسرائيلي، أكدوا فيها أن “حماس لم تعد تشكل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل”، وطالبوا ترامب بأن “يوجّه رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته نحو المسار الصحيح” من أجل “إنهاء الحرب واستعادة الرهائن ووقف المعاناة”.
وكانت إسرائيل قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي أنها حققت هدفها بتفكيك قدرات حماس العسكرية. وأوضح المسؤولون السابقون في رسالتهم أن استعادة الرهائن المتبقين، الذين أُسروا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لا يمكن أن تتم إلا عبر صفقة، وليس من خلال مواصلة القتال.
خارج الولايات المتحدة، تتصاعد الضغوط أيضًا من دول أوروبية تطالب الاتحاد الأوروبي بوقف المبادلات التجارية مع إسرائيل بسبب حملة تجويع سكان غزة. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لـ”إسرائيل”، وهو يدرس حاليًا إمكانية تعليق تمويله للأبحاث العلمية الإسرائيلية.
وقد اجتمعت “مجموعة لاهاي”، وهو تكتل تأسّس في يناير/ كانون الثاني الماضي في العاصمة الكولومبية بوغوتا، الشهر الماضي لوضع استراتيجية للضغط على “إسرائيل” لإنهاء الإبادة الجماعية. وخلال المؤتمر، تعهّدت 13 دولة باتخاذ خطوات حاسمة، من بينها: حظر نقل الأسلحة إلى إسرائيل، بما في ذلك منع استخدام موانئها في نقل أسلحة لـ:”إسرائيل”، ومراجعة العقود العامة لضمان عدم توجيه الأموال لدعم الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ودعم تحقيقات جرائم الحرب التي تُجريها هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ودعم مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يتيح محاكمة مجرمي الحرب المشتبه بهم في أنظمة قضائية لدول أخرى، حتى لو ارتُكبت الجرائم في مناطق خاضعة لسلطة مختلفة، مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن النشطاء في الولايات المتحدة لا يتوقعون أن تمارس حكومتهم أي ضغوط مماثلة على “إسرائيل” في المدى القريب، رغم تصاعد موجات الغضب الشعبي. فقد دأبت كل من إدارتي بايدن وترامب على منح الحكومة الإسرائيلية هامشًا واسعًا لتعديل حملتها العسكرية، بهدف تخفيف الضغوط الشعبية دون تغيير جوهري في النهج.
بل إن إدارة ترامب فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على السلطة الفلسطينية بسبب مساعيها لمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب. وفي الآونة الأخيرة، دفع بعض أعضاء الكونغرس نحو تشريع يفرض عقوبات على جنوب أفريقيا بسبب دورها في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية.
وعلى مدار الأشهر الـ22 الماضية، شهدت غزة عدة محطات من الاهتمام الدولي المتزايد، مثل مقتل عمال الإغاثة التابعين لمنظمة “وورلد سنترال كيتشن” في أبريل/ نيسان الماضي، وحملة “كل العيون على رفح” التي رافقت بدء القصف الإسرائيلي على جنوب القطاع، أو عندما خرقت “إسرائيل” اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/ آذار. لكن تلك المحطات مرّت دون أن تتبعها تحركات جدّية من المسؤولين لتغيير واقع المدنيين في غزة.
ومع ذلك، ترى كابلان أن كل محطة تشكّل جزءًا من مسار أوسع من التغيير التدريجي. والتحدي المقبل كما تقول، يكمن في كيفية تحويل تلك اللحظات الحماسية إلى تغيير مستدام.
وتضيف: “لقد عملت على هذه القضية لمدة 15 عامًا، ولا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي شعرت فيها أننا على وشك نقطة تحول كبيرة، وأن شيئًا ما سيتغير جذريًا، لكنه لا يحدث”. وتتابع: “لذلك لم أعد أُقيّم الأمور بهذه الطريقة. أعتقد أننا بحاجة فقط إلى الاستمرار، والتنظيم هو طريقنا نحو الانتصار”.
المصدر: ذي انترسبت