عقب اشتغال فتيل النزاع بين الهند وباكستان في أحداث الثاني والعشرين من أبريل/نيسان الماضي، وازدياد وتيرته بضربات عسكرية متبادلة بين الطرفين الأمر الذي أثار قلق العالم كون باكستان والهند بلدين نوويين حيث يخشى العالم من اتساع رقعة هذا النزاع ،وكان للعرب مواقف واراء حيال ذلك إذ دعت الدول العربية البلدين الى ضبط النفس وتجنب تصعيد الصراع العسكري بينهما.
أما في اليمن فقد كانت منصات التواصل الاجتماعي مسرحاً لصراع يمني بين مؤيد لباكستان وأخرين مؤيدين للهند، وطرف ثالث وهم الأغلبية يرون أنه من المفترض عدم اشغال اليمنيين في هذا النزاع ويكفيهم التفكير بما يحدث في بلادهم من حروب مشتعلة منذ أزيد من عشرة أعوام.
تفاعل اليمنيين القوي في حرب الهند وباكستان على مواقع التواصل الاجتماعي انعكس على ابناء الجالية اليمنية المقيمين في البلدين، فكيف كان هذا الانعكاس؟ وكيف أصبح اليوم حال اليمنيين القاطنين في الهند، وباكستان ؟
عراقيل في الهند
بالنظر إلى واقع اليمنيين في الهند فإنهم لا يتمتعون بأية حقوق تذكر، فهم ممنوعون من الحق في التنقل، والتعليم، والعلاج في المستشفيات، واستلام المبالغ المالية، واستلام المعونات واستئجار المساكن، هذا ما استخلصه تقرير صادر سنة 2021 عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان، وعلى الرغم من ذلك فإن الهند تعد وجهة مفضلة لدى الكثير من المرضى اليمنيين الراغبين في تلقي الخدمات الطبية، أما أبناء الجالية اليمنية القاطنين في الهند بشكل دائم فتقدر أعدادهم ما يناهز الـ 100 ألف يمني بحسب مؤسسة أبحاث المراقب الهندية (ORF)،كما يتواجد في الهند مئات الطلاب وأخرين يزورون الهند بين الفنية والاخرى غالبيتهم لغرض السياحة العلاجية، وحتى هؤلا لم يسلموا من التمييز والمشكلات.

في الآونة الاخيرة شددت الهند على اليمنيين إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول إلى أراضيها، كما شددت شروط الاقامة في مختلف مناطقها لأسباب غير معلومة لكن ناشطين تحدثوا لـ”نون بوست”، بأن السلطات الهندية لمحت بأنها غاضبة من تصرفات بعض الناشطين اليمنيين المقيمين في اراضيها اثناء اندلاع الحرب القصيرة بين الهند وباكستان.
في مارس/آذار الماضي اعتقلت السلطات الهندية المواطن اليمني خالد الخضمي وزوجته خديجة الناشري، وفرضت على أطفالهما إقامة جبرية صارمة.
الناشط محمد الربوعي نفى لـ”نون بوست” الترجيحات بأن سبب المعاملة السيئة لليمنيين من قبل السلطات الهندية ترجع الى فترة الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان، بل إن هذه المعاملة منذ ماقبل هذه الاحداث.
تعود قصة الخضمي للعام 2015، حينما غادرت عائلته المكونة من 7 أفراد اليمن الى الهند بعد حصولها على تأشيرات علاج، في حين دخل الأب بتأشيرة عمل انتهت صلاحيتها عام 2016، مما تسبب لاحقًا في تعقيد وضعه القانوني، بحسب بيان صادر عن المركز الأمريكي للعدالة.
في حديثه لـ”نون بوست”، يرى محمد وعلان(41) عام وهو مواطن يمني يعيش في الهند لغرض علاج شقيقة منذ ثلاثة أعوام، يرى أن الكثير من اليمنيين المقيمين في الهند أصبحوا يعانون جراء ارتفاع تكاليف الخدمات الطبية وعدم السماح لهم أو لذويهم العمل في أي مهنة توفر مصدر دخل مالي يساهم في دعمهم خلال فترة العلاج، ويقول وعلان “لقد اضطر الكثير من اليمنيين ممن ماتزال فترة علاجهم تتطلب المكوث في الهند لسنوات ،اضطروا الى الرجوع لليمن بسبب عدم مقدرتهم دفع ايجار الشقق التي يقطنوها ،وكذلك عدم مقدرتهم على دفع تكاليف العلاج”.
ينوه يحيى غوبر القنصل بالسفارة اليمنية في الهند الى أنه يتوجب على اليمنيين عدم الحديث عن السياسة داخل الهند ،وعند وصول أي يمني الى الهند يتوجب عليه التسجيل لدى أقرب مركز شرطة خلال ١٤ يوم من الوصول، وفي عدم تنفيذ ذلك فلن يستطيع أي يمني مغادرة الهند وسيرجع من المطار وفي هذه الحالة سيخسر قيمة تذكرة السفر، ويشير غوبر في حديثه لـ”نون بوست” ،بأن “السلطات الهندية عملت على اصدار قوانين جديدة أكثر صرامة من السابقة”.
اعتقالات في باكستان
ولا يختلف حال اليمنيين كثيرا في باكستان عن الهند، إذ يتعرض طلاب وناشطون يمنيون للاعتقال من قبل السلطات الامنية لإسلام أباد، ففي الثالث عشر من مايو/ أيار اختفى رئيس اتحاد الطلاب اليمنيين في باكستان خالد الشرعبي عقب خروجه من مقر سكنه، دون أن يُعرف له أي أثر حتى هذه اللحظة، ناشطون يمنيون اتهموا في أحاديثهم مع “نون بوست” المخابرات الباكستانية بإخفاء الطالب اليمني على خلفية نشاطه الحقوقي، وفي بيان لعائلة الشرعبي ناشدت الاخيرة جميع الجهات المسؤولة في الحكومة اليمنية ببذل جهودٍ جدية لدى الجانب الباكستاني للكشف عن مصير ابنهم، والتحقق من سلامته الجسدية والنفسية، والإسراع بإطلاق سراحه.
يقول عبدالفتاح لـ”نون بوست”،” السفارة اليمنية تتكتم عن الموضوع ولم تدلوا بأي معلومات ، رغم أن اختفاء الشرعبي ينحصر بين خيارين لا ثالث لهما ، أولهما أن خالد الشرعبي معتقل لدى قوات الامن الباكستاني أو أنه مختفي ،وفي حال صحت الفرضية الاخيرة فإنه يتوجب على السفارة اليمنية في باكستان بث ونشر اعلانات حول فقدانه، ومعرفة مصيره”.
يضيف القول” للأسف السفارة اليمنية في باكستان تغض الطرف عن الموضوع وكأن اختفاء رئيس اتحاد الطلبة اليمنيين يصب في مصلحتها”.
ويقيم في مختلف مناطق الباكستانية أكثر من خمسة الاف يمني أغلبهم يتواجدون في مدينة كراتشي،ومن ثم لاهور ومن ثم اسلام اباد، اضافة الى وجود أكثر من مائة من الطلاب الدارسين في جامعات باكستانية مختلفة يشمل ذلك 40 طالباً يمنياً حصلوا على المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة الباكستانية لليمن ، وفقاً لإحصائيات صادرة عن السفارة اليمنية في اسلام أباد.
تبادل اليمن وباكستان التمثيل الدبلوماسي عام 1981 في كل من صنعاء وإسلام آباد، واستمرت العلاقات اليمنية الباكستانية بشكل ايجابي على مدار سنوات طويلة لكنها توترت خاصة بينها وبين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عقب رفض باكستان طلب السعودية ارسال قواتها الى اليمن للمشاركة في عاصفة الحزم الموجهة ضد جماعة انصار الله الحوثيين، فأعلن برلمانها “الحياد”، بحُجة أن باكستان لا تريد التورط في حرب اليمن التي قد تنعكس اضطرابات طائفية على أرضها.
أمال بالتحسن
في الهند وباكستان اعتاد الناس على رؤية اليمنيين في مظاهرات ووقفات احتجاجية إما على تأخر مستحقات الطلاب اليمنيين الدارسين في البلدين، أوجرحى ومرضى محتجين على تأخر معوناتهم المالية أيضا من قبل الحكومة اليمنية، كما يشكوا الكثير من اليمنيين خلال أحاديثهم مع “نون بوست”، تعرضهم لعميات النصب والاحتيال من قبل عصابات إجرامية خاصة في الهند.
ويأمل ناشطون يمنيون أن يتحسن وضع ابناء الجالية اليمنية في كلاً من الهند وباكستان خلال الفترات السابقة ، لكن ذلك لن يتأتى إلا بعد أن يستقر الوضع في اليمن لأن السلطات الحاكمة فيه منقسمة ما بين انقلابيين حوثيين في شمال اليمن وجماعات مسلحة منضوية تحت راية الحكومة الشرعية، ولا يهم كلتا السلطتين مصالح رعايها هناك.
بحسب رضوان الهمداني الصحفي اليمني المهتم بقضايا الجاليات فإنه يتوجب على الجالية اليمنية في الهند وباكستان عدم التدخل في شؤون الدولتين ،كما يرى الهمداني في حديثه لـ”نون بوست”، بأن على الرعايا اليمنيين احترام قرارات البلدين وعدم الانجرار نحو أي حملات عدائية ضد أي دولة، أو اقحام أنفسهم في النزاع المسلح مابين الهند وباكستان. لكن الصحفي اليمني صالح السلامي يخالفه الرأي ويرى بأنه من الواجب على اليمنيين الوقوف مع باكستان من منظور ديني وحتى ان دفع اليمنيون ثمن ذلك.