لا زالت الصفقة التي أعلنت عنها “إسرائيل” بشأن تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، البالغ قيمتها 35 مليار دولار، والتي وُصفت بأنها “الأكبر في تاريخها”، وفقا لوزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، تفرض نفسها على الشارع المصري، فبجانب ما تحمله من ارتهان مستقبل الطاقة المصري بأيدي الإسرائيلي فهي تأت في وقت حساس للغاية، حيث يتعرض سكان غزة لحرب إبادة مكتملة الأركان على أيدي القوات الإسرائيلية.
الصفقة التي تتضمن بيع نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر حتى عام 2040 أو حتى استيفاء كل الكميات المنصوص عليها في العقد، تٌعد -وفق وزير الطاقة الإسرائيلي- حدثًا هامًا من الناحية الأمنية السياسية وكذلك من الناحية الاقتصادية، كما أنها ستٌرسخ مكانة تل أبيب كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة يعتمد عليها جيرانها ويحتاجون إليها، على حد تعبيره.
وأثارت تلك التصريحات استفزاز المصريين بصورة دفعت الكثير للتنقيب في الأدراج المغلقة عن ملفات الطاقة المصرية ووضعها على طاولة النقاش مجددًا، فقبل عدة سنوات كان لدى الدولة المصرية فائضًا في الإنتاج ما اضطرها للتصدير، ما يدفع للتساؤل عن أسباب ودوافع لجوء مصر للغاز الإسرائيلي تحديدًا وفي هذا التوقيت الحرج، ثم السؤال الأكثر جدلا: كيف تحولت مصر من دولة مٌصدرة للغاز للكيان الإسرائيلي إلى مستورد رئيسي منه؟
بداية.. ما أبرز ملامح خارطة الغاز في مصر؟
يمثل الغاز سلعة استراتيجية للمصريين، فهو عصب الحياة للمواطن والدولة معًا، وتنقسم خارطة الغاز المصرية إلى ثلاثة مناطق رئيسية، الأولى منطقة البحر المتوسط التي تشكل النصيب الأكبر من انتاج الغاز الطبيعي بنسبة 62% تليها منطقة دلتا النيل بنسبة 19% ثم الصحراء الغربية بنسبة 18%.
وتحتضن الأراضي المصرية ما يقرب من عشرين شركة عاملة في مجال التنقيب عن الغاز، ما بين شركات محلية مثل: شركة بتروبل، شركة خالدة، شركة الفرعونية، شركة بدر الدين، وشركة البرلس، وأخرى أجنبية أبرزها، إيني الإيطالية، أباتشي الأمريكية، بي بي الإنجليزية وشل الهولندية.
وتمتلك مصر العشرات من حقول الغاز، على رأسها وأهمها حقل ظهر، الواقع في منطقة امتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر المتوسط والذي يعد أكبر الحقول، حيث تقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو المشغل الرئيسي للحقل شركة “إيني” الإيطالية.
وهناك أيضًا حقول شمال الإسكندرية، التي تقع في البحر المتوسط، وتضم حقول “تورس وليبرا وفيوم وجيزة وريفين، باحتياطيات داخل الخزان تتجاوز 5 تريليونات قدم مكعب، وهي المشغل الرئيسى للمشروع شركة “بريتش بتروليم” البريطانية، علاوة على حقل نرجس، الذي يمتلك احتياطيات مبدئية معلنة تقدر بنحو 3.5 تريليون قدم مكعب ، وهو المشغل الرئيسى شركة “شيفرون” الأمريكية.
أما في منطقة الدلتا فهناك حقل نورس الذي تم اكتشافه عام 2015، ويبلغ إجمالي احتياطيه نحو 2 تريليون قدم مكعب، ويعد المشغل الرئيسى شركة “أيوك” التابعة لشركة إيني الإيطالية، بجانب حقل أتول، المكتشف في نفس العام ويقع بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية، شرق دلتا النيل بالبحر المتوسط، وتبلغ احتياطيه نحو 1,5 تريليون قدم مكعب، المشغل الرئيسي شركة “بريتش بتروليم” البريطانية.
وتبلغ الفجوة بين إنتاج المصريين من الغاز والاستهلاك بنحو 2.8 مليار قدم مكعب، حيث يصل إجمالي الإنتاج قرابة 4 مليار قدم مكعب فيما قفز الاستهلاك إلى نحو 6.8 مليار قدم مكعب، الأمر الذي يمثل ضغطًا كبيرًا على الحكومة لسد هذا العجز، إما بترشيد الاستهلاك المحلي أو زيادة حصة الاستيراد من الخارج.
تصدير الغاز لإسرائيل.. مرحلة الفائض في الإنتاج
شهدت مصر خلال واخر تسعينات القرن الماضي العديد من اكتشاف حقول الغاز الكبيرة في البحر المتوسط والدلتا، مثل حقل البرلس، مما جعلها تحقق فائضًا كبيرًا في الإنتاج، الأمر الذي دفع الحكومة حينها للتفكير في تصدير جزء من هذا الفائض، لإنعاش خزانة الدولة بالعملة الصعبة، مع مراعاة مؤشرات الاستهلاك والاحتياجات.
لكن ما كان يتوقع أحد أن تكون جهة التصدير الذي تفكر فيها الدولة المصرية آنذاك هي الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث فوجئ المصريون بحول عام 2005 بتوقيع القاهرة اتفاقًا لتصدير الغاز المصري لإسرائيل، تقضي بتصدير نحو 1.7 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 20 عامًا، عبر خط أنابيب يمتد بطول مائة كيلومتر من العريش في سيناء إلى نقطة على ساحل مدينة عسقلان جنوب السواحل الإسرائيلية على البحر المتوسط .
وقع الاتفاق وقتها مع الحكومة المصرية شركة شرق المتوسط للغاز (EMG)( عبارة عن شراكة بين كل من رجل الأعمال المصري حسين سالم، الذي يملك أغلب أسهم الشركة، ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأميركية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية، ورجل الأعمال الأميركي سام زيل)
الكارثة هنا أن السعر الذي صدرت به مصر غازها لإسرائيل كان يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، أي أن الحكومة باعت الغاز بسعر أقل من سعره العالمي بقرابة النصف، هذا بخلاف حصول شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008
الاتفاقية وقتها قوبلت بحملة احتجاجات كبيرة دفعت عددا كبيرا من نواب مجلس الشعب (البرلمان) المصري إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة، فيما حكمت محكمة القضاء الإداري المصرية بوقف الاتفاقية لعدم دستوريتها، إلا أن الحكومة المصرية قدمت طعنًا لإلغاء الحكم للمحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء حكم المحكمة الإدارية.
واستمرت مصر في تصدير الغاز لإسرائيل وبعض الدول الأخرى من بينها الأردن طيلة الفترة من 2005 وحتى 2011، في محاولة للاستفادة من عائدات التصدير في مشروعات التنمية المحلية، إلا أن الأسعار التعاقدية المنخفضة أثارت جدلاً داخليًا واتهامات بالفساد، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الغاز عالميًا.
تراجع الانتاج وإلغاء اتفاق التصدير مع تل أبيب
مع بدايات ثورة يناير/كانون الثاني 2012 تعرض المشهد الأمني المصري في شمال سيناء للعديد من الأزمات، كان من بينها تعرض خط الغاز العريش – عسقلان المسؤول عن تصدير الغاز المصري لإسرائيلي لأكثر من 15 تفجيرًا على أيدي جماعات مسلحة في سيناء، مما أدى إلى تعطل الإمدادات وتجمديها مؤقتًا.
تزامن هذا التوتر الأمني مع هزة عنيفة في خارطة الإنتاج المحلي من الغاز، وذلك بسبب أسباب عدة على رأسها نضوب بعض الحقول وتأخر دخول حقول جديدة، هذا بخلاف عدم تطوير العديد من الحقول التي كانت بحاجة إلى تحديثات تتناسب مع المستجدات الأخيرة مما أثر على عمليات التنقيب وأداء الشركات الأجنبية العاملة.
في تلك الأثناء حيث الخطاب المتصاعد ضد الكيان المحتل بسبب انتهاكاته وجرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين، أضطرت الحكومة المصرية، نزولا على الإرادة الشعبية، إلغاء اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل، في أبريل/نيسان 2012، معللة ذلك حينها بعدم سداد المستحقات، بجانب المشكلات الأمنية.
وتعرضت مثل في هذا التوقيت لأزمة طاقة داخلية بسبب تراجع الإنتاج المحلي من الغاز، بجانب زيادة حجم الاستهلاك الداخلي، وهو ما أدى إلى انقطاعات متكررة في الكهرباء وتوقف بعض المصانع، الأمر الذي دفع الحكومة للبحث عن بدائل من خيارات عدة كان أبرزها طرق أبواب الاستيراد من الخارج.
حقل “ظهر” والاكتفاء الذاتي
في عام 2015 تم الإعلان عن اكتشاف حقل “ظٌهر” العملاق، الواقع في شرق البحر الأبيض المتوسط، على نحو 200 كيلو متر شمال مدينة بورسعيد (شرق) وذلك عن طريق شركة إيني الإيطالية، ما أعاد الأمل للمصريين في تعويض العجز وتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من الغاز مجددًا.
ويعتبر هذا الحقل من أكبر الحقول المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط متجاوزاً حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي، وقدرت احتياطيه المؤكد بنحو 30 تريليون قدم مكعب، مما سيضاعف ثروة مصر من الغاز الطبيعي، وبالفعل رفع الحقل الإنتاج المصري من الغاز إلى 3 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2018.
وقتها احتفى الإعلام المصري بهذا الاكتشاف الذي توقع الجميع حينها أنه سيضع مصر على خارطة الطاقة العالمية، وبدأ الحديث عن فائض كبير وتصدير للخارج، حينها وصف الإعلامي المقرب من السلطة، أحمد موسى، الوضع بأن المصريين أخيرًا عثروا على كنز “علي بابا” الأسطوري، وأنهم سيحصلون على “ياقوت ومرجان” على حد تعبيره.
الارتماء في أحضان تل أبيب مجددًا
في خضم الاحتفاء المصري بحقل “ظٌهر” والطفرة المتوقعة في الإنتاج والفائض، وبينما يتحدث البعض عن خيارات التصدير إذ بالحكومة المصرية تفاجئ الجميع بإبرام اتفاق جديد لاستيراد الغاز الإسرائيلي عام 2018، هذا الاتفاق الذي وقعته شركة “دولفينوس” المصرية مع شركتي “ديليك” الإسرائيلية و”نوبل إنرجي” الأمريكية لاستيراد 64 مليار م³ من الغاز من حقلي ليفياثان وتمار الإسرائيليين لمدة 10 سنوات.
وبالفعل بدأ ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر في يناير/كانون الثاني عام 2020، حينها بررت الحكومة المصرية تلك الخطوة بأنها تهدف إلى تعزيز مكانة مصر الإقليمية في مجال الطاقة كمركز لتصدير الغاز لأوروبا، حيث تستورد مصر الغاز الإسرائيلي لتسييله في محطات الإسالة في دمياط وإدكو تمهيدًا لتصديره للدول الأوروبية.
وتمتلك مصر محطات لإسالة الغاز (تحويله من غاز الى سائل وهو ما يؤدي لتقليص حجمه وسهولة نقله بخاصة للمناطق البعيدة) وعليه تستورد الغاز الإسرائيلي لتسييله في تلك المحطات نظير مبلغ مالي معين، ثم يتم تصدير هذا الغاز لأوروبا، وبذلك تحقق إسرائيل هدفها في الوفاء بالتزاماتها التصديرية من الغاز للدول الأوروبية بما يعزز ثقلها الإقليمي، وفي الوقت ذاته تحصل القاهرة على مقابل معقول نظير تسييلها لهذا الغاز.
الحرب الأوكرانية واستغلال الأزمة
مع اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022 تأثرت الإمدادات الأوروبية من الغاز الروسي الذي حاولت موسكو توظيفه كسلاح ضغط ضد أوروبا بسبب دعمها لكييف في تلك الحرب، الأمر الذي زاد من وقع الأزمة في القارة العجوز التي تلبي روسيا أكثر من ثلث متطلباتها من الغاز، هذا مع تصاعد معدلات الاحتياجات خاصة خلال فصول الشتاء.
رأت مصر في تلك الأجواء فرصتها الذهبية لإنعاش خزائنها بالعوائد الدولارية جراء تصدير الغاز لأوروبا، في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية طاحنة، حيث أفرطت في التصدير بشكل غير مقبول، علميًا وعمليًا، مما أثر سلبيًا على حقل “ظٌهر” الذي تم استنزافه بصورة كان لها تأثيرها على عمره الافتراضي ومخزونه من الغاز.
وقتها ارتفعت عائدات مصر من تصدير الغاز لأوروبا من 350 مليون دولار شهرياً، إلى 600 مليون دولار شهرياً، تشير التقديرات إلى تصدير الحكومة المصرية قرابة 5 مليون طن من الغاز المسال لأوروبا منذ بداية الحرب، مما أنعش خزانة الدولة بنحو 8.4 مليار دولار.
ونظرًا لحاجة القاهرة المتزايدة حينها من العملة الصعبة في وقت كانت تعاني فيه عملتها المحلية ( الجنيه) من تهاوي غير مسبوق تاريخيًا، واصلت الحكومة المصرية استيراد الفائض من الغاز الإسرائيلي والمقدر بنحو 15% من إجمالي إنتاج الكيان، حيث كانت تقوم مصر بتسييله في محطاتها ثم تصدره لأوروبا.
الاستقطاع من احتياجات المصريين
كانت مصر قد وقعت عددا من العقود طويلة الاجل مع بعض الدول الاوروبية لتصدير الغاز لها، وبالتالي باتت ملتزمة بالوفاء بتصدير تلك الكميات في مواعيدها تجنبًا لأي غرامات جراء أي خلل في مسار الإمدادات، إلا أنها تعرضت لعدد من الأزمات قلل من معدلات إنتاجها من الغاز، مما وضعها في مأزق حقيقي.
من أبرز تلك الأزمات تراجع إنتاج حقل “ظٌهر” الذي يعد المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه الحكومة المصرية في تصدير الغاز لأوروبا، وذلك جراء الاستنزاف المتواصل لاحتياطه من الغاز، إذ تراجع الانتاج اليومي مع عام 2023 الى 1.9 مليار قدم مكعب (أي بتراجع 1.1 مليار قدم مكعب)
ولتعويض هذا العجز، وتجنبًا لأي عقوبات مادية وغرامات التأخير، اضطرت الحكومة لاستكمال الكميات المٌلزمة بتصديرها لأوروبا من خلال استقطاع أجزاء من الكمية المخصصة لاحتياجات الشعب المصري، وهو ما أدى في النهاية إلى العجز الذي شهده السوق المحلي، فتفاقمت ظاهرة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعارها بصورة جنونية وتوقف بعض المصانع، واللجوء إلى استراتيجيات تقشفية مثل (تخفيف الأحمال).
العودة للغاز الإسرائيلي مجددًا
استشعرت القاهرة الحرج بشأن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه دول أوروبا، ومن جانب أخر زيادة استهلاك المصريين من الغاز خاصة مع ارتفاع أعداد السكان ودرجات الحرارة على حد سواء، مما دفع الحكومة للتفكير مجددًا في بدائل سريعة للخروج من هذا المأزق بما يحقق ضمان استمرار تدفق الإمدادات دون توقف.
ووجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق كبير حين أوقفت إسرائيل تصدير الغاز لمصر بعد اندلاع الحرب في غزة أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك بعد توقف حقل تمار عن العمل لمدة 5 أسابيع كاملة، بحجة إجراء بعض الإصلاحات والتحديثات في الحقل، حتى بعد عودته للعمل لم تعد إسرائيل إلى سابق عهدها في تصدير الغاز للقاهرة، هذا بخلاف ما يعانيه قطاع الطاقة المصري من فساد نخر عظامه منذ سنوات، مما أجهز على ما تبقى منه.
كانت الرسالة مباشرة وواضحة لكن يبدو أن السلطة المصرية لم تقرأها باللغة المطلوبة، أو ربما غضت الطرف عن قرائتها قراءة صحيحة، فبينما تقول تل أبيب ضمنيًا إنها من الممكن أن توظف الغاز كـ “سلاح ضغط” ضد الدولة المصرية في سياق التصعيد في القطاع، وأنه لا يمكن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي كمورد يحقق استمرارية التدفق والإمداد المتواصل، إذ بالحكومة المصرية تعدل اتفاقها مع الكيان بصفقة بلغت قيمتها 35 مليار دولار وتٌرهن أمن ومستقبل الطاقة المصري بأيدي الإسرائيليين حتى 2040.
توقيت كارثي وتكريس التبعية لإسرائيل
في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال حرب الإبادة الوحشية ضد أهل غزة، والتي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 200 ألف فلسطيني، بين شهيد ومٌصاب، وتشريد نحو مليوني إنسان، والتلويح باحتلال القطاع، وبالتزامن مع دعوات المقاطعة الاقتصادية للكيان كأحد أوراق الضغط المستخدمة، إذ بالحكومة المصرية تٌجري هذا التعديل على اتفاق استيراد الغاز من تل أبيب.
التوقيت أثار الكثير من الجدل، كونه يتعارض مع التصريحات الرسمية المصرية حول دعم غزة والتنديد بانتهاكات الاحتلال، والتعهد بالتصدي لمخططات التهجير وانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، فكيف يتحقق ذلك بينما تٌنعش الحكومة المصرية خزائن الاحتلال بـ 35 مليار دولار ينفق منها على تسليح جيشه ويرمم بها خسائره التي مٌني بها منذ بداية الحرب، فبدلا من تشديد الخناق يٌمنح المحتل طوق النجاة لإنقاذه.
تتحرك الحكومة المصرية في هذا المسار بمنطق برغماتي بحت، باحثة عن ضمان لإمدادات غازية لفترة 15 سنة على الأقل، بما يساعدها على الوفاء بالتزاماتها تجاه أوروبا الباحثة مؤخرًا عن بدائل أخرى، إلا أن هذه الرؤية وبجانب أنها تضع الدولة المصرية في حرج أخلاقي أمام الشارع الفلسطيني والعربي، فإنها لن تحقق أهدافها المنشودة.
مصر بهذه الاتفاقية ترهن نفسها لمورد غير مستقر في إمدادات الغاز، وهو ما حدث مع بداية الحرب حين توقفت الإمدادات الإسرائيلية، بجانب ما تتضمنه من تبعية مصرية لإسرائيل في مجال الطاقة، وتحويل هذا المورد لورقة يمكن استخدامها بين الحين والأخر للضغط على القاهرة سياسيًا وتكييف القرار المصري وفق البوصلة الإسرائيلية، هذا إذا ما أضيف إليها ورقة المياه عبر النفوذ الإسرائيلي في سد النهضة، وبذلك تٌشهر تل أبيب ورقتي الماء والغاز في وجه المصريين، وكلاهما له نفوذه وتأثيره الخطير.