تشهد الساحة الاقتصادية السورية تحولًا لافتًا مع توقيع سلسلة من الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية مع دول عربية وإقليمية، أبرزها السعودية، قطر، الإمارات، وتركيا. هذا الحراك يعكس عودة سوريا إلى خارطة الاستثمار الإقليمي والدولي، ويؤكد أن السوق السورية باتت بيئة خصبة وجاذبة للشركات الكبرى.
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على أبرز الاتفاقيات الموقّعة، وقيمتها، والقطاعات المستهدفة، وأثرها على الاقتصاد السوري، مع تركيز خاص على التعاون السوري التركي، نظرًا لدور تركيا المحوري ولما تمثله من شريك اقتصادي وجغرافي مباشر في مرحلة إعادة الإعمار.
الاتفاقيات الموقعة مع تركيا
البداية من تركيا، التي تصدّرت قائمة الدول من حيث عدد الاتفاقيات الموقعة مع سوريا، في مؤشر واضح على عودة الزخم إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وكانت الاتفاقيات الأكثر أهمية واستراتيجية، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث شهدت دمشق توقيع مذكرة تفاهم محورية بين وزير الطاقة السوري محمد البشير وتحالف دولي من شركات الطاقة. حيث تم توقع اتفاقية بقيمة 7 مليارات.
تفاصيل الاتفاقيات:
- تحالف دولي من شركات الطاقة.
- قيمة الاتفاقية: 7 مليارات دولار.
الشركات المشاركة في التحالف:
- شركة أورباكون القابضة القطرية (عبر فرعها UCC).
- شركة بور إنترناشونال الأميركية.
- شركتا جاليون إنيرجي وجنكز إنيرجي التركيتان.
تفاصيل المشاريع:
- تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتوربينات غازية تعمل بالدورة المركبة (CCGT).
- مواقع المحطات: دير الزور، محردة، زيزون بريف حماة، وتريفاوي بريف حمص.
- الطاقة الإجمالية للمحطات: 4000 ميغاواط.
- إنشاء محطة طاقة شمسية بسعة 1000 ميغاواط في منطقة وديان الربيع جنوب سوريا.
الأثر المتوقع:
- توفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة.
- توفير قرابة 250 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
- دعم سوق العمل وتحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.
الاتفاقية الثانية من حيث الأهمية كانت على صعيد التعاون الطاقي بين سوريا وتركيا، فقد أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، عن توقيع اتفاقية لتصدير ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى سوريا.
الاستخدامات المتوقعة للغاز:
- تعزيز إنتاج الكهرباء السوري بما يعادل 1300 ميغاواط.
- توفير 1000 ميغاواط من الكهرباء التركية لتلبية الاحتياجات الفورية في سوريا.
مجالات التعاون الأوسع بين البلدين:
استثمارات تركية في:
- قطاع التعدين.
- قطاع الفوسفات.
- مشاريع توليد الكهرباء داخل سوريا.
الاتفاقية الثالثة من حيث زخمها وأهميتها كانت في مدينة إسطنبول، حيث تم توقيع 10 مذكرات تفاهم بين مؤسسات اقتصادية وتجارية سورية وتركية، إلى جانب اتفاق إضافي في أنقرة شمل توقيع اتفاق مشترك لتأسيس لجنة اقتصادية وتجارية سورية–تركية، وتوقيع اتفاقية تعاون صناعي تهدف إلى دعم المشاريع المشتركة بين البلدين.
هدف الاتفاقية:
- دعم المشاريع الصناعية المشتركة.
- تبادل الخبرات في التنمية الصناعية والتكنولوجيا الحديثة.
- تعزيز قدرة سوريا على استقطاب الاستثمارات الصناعية التركية في مرحلة إعادة الإعمار.
وفي الأسبوع الأول من أغسطس الجاري، زار وفد حكومي سوري تركيا، ضم نائب وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان، ونائب وزير النقل، ومسؤولين من وزارة الطاقة، إلى جانب رؤساء غرف التجارة والصناعة وممثلين عن مجلس الأعمال السوري التركي ووزارة الاقتصاد. وأسفرت الزيارة عن توقيع 14 بروتوكول تعاون في مجالات متعددة.
وفي تاريخ 17 أبريل، أعلن عضو مجلس العلاقات الاقتصادية في وزارة الخارجية التركية، رواد رمضان، أن الجانبين بصدد توقيع 12 اتفاقية تعاون جديدة، وذلك خلال زيارة رسمية لوفد تركي برئاسة وزير التجارة عمر بولاط إلى دمشق، وتشمل الاتفاقيات مجالات متعددة مثل التجارة والصناعة والمصارف والتدريب الفني والحوكمة.
ولم يقتصر التعاون بين سوريا وتركيا على المجال الاقتصادي فقط، بل توسّع ليشمل قطاع التعليم، في خطوة تعكس تنامي الروابط الثنائية على أكثر من صعيد. فقد وقّعت وزارة التربية والتعليم السورية بروتوكول تعاون مشترك مع نظيرتها التركية بتاريخ 10 يوليو.
الهدف الأساسي:
- ترميم المدارس المتضررة في سوريا.
- توسيع فرص التعليم المتاحة للشباب السوري.
- دعم العملية التعليمية وتعزيز الروابط الثقافية بين البلدين.
بنود الاتفاقية:
- تقديم دعم فني ولوجستي لإعادة تأهيل البنية التحتية للمدارس.
- تنظيم برامج تدريبية للكوادر التعليمية.
- تطوير المناهج الدراسية.
- تسهيل الاعتراف المتبادل بالشهادات التعليمية بين سوريا وتركيا.
تحول استراتيجي في بنية الاقتصاد السوري
من خلال سرد الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين السوري والتركي، نجد أنها تتجاوز مجرد التعاون الثنائي، وتمثل تحولًا استراتيجيًا في بنية الاقتصاد السوري، وفرصة لإعادة تموضعه إقليميًا بعد سنوات من العزلة والتراجع.
أولًا، الانفتاح على تركيا، باعتبارها قوة صناعية إقليمية ذات خبرة واسعة في التصنيع، التحول الرقمي، والطاقة، يمنح سوريا فرصة نادرة للاستفادة من نموذج تنموي ناجح، خصوصًا في مجالات الصناعات التحويلية، المناطق الصناعية، والتكنولوجيا الإنتاجية. الاتفاق على إنشاء مركز تقني بالتعاون مع مؤسسة “ميكست”، على سبيل المثال، ليس مجرد مشروع رمزي، بل هو خطوة نحو نقل المعرفة الصناعية وتوطين التكنولوجيا، وهو ما تحتاجه سوريا بشدة في مرحلة إعادة الإعمار.
ثانيًا، الاتفاقيات في قطاع الطاقة، سواء عبر توريد الغاز أو بناء محطات توليد كهرباء، تمثل حجر الأساس في استعادة البنية التحتية الحيوية، وتحسين قدرة البلاد على تلبية الطلب المحلي، وتحفيز النشاط الصناعي والخدمي. الطاقة ليست فقط خدمة، بل هي رافعة اقتصادية، وكل ميغاواط إضافي يعني فرص عمل، إنتاج، واستقرار اجتماعي.
ثالثًا، التعاون في التحول الرقمي الصناعي يضع سوريا على مسار جديد نحو تحديث قطاعها الإنتاجي، وتقليص الفجوة التكنولوجية، ورفع كفاءة المصانع، وهو ما ينعكس على خفض التكاليف وزيادة التنافسية، خاصة إذا تم ربطه بسياسات تدريب وتأهيل للكوادر المحلية.
رابعًا، الاتفاقيات التجارية والجمركية، وتفعيل غرف التجارة والصناعة المشتركة، تعني إعادة فتح قنوات التبادل التجاري، وتسهيل حركة السلع والخدمات، وهو ما ينعكس مباشرة على السوق السورية، من حيث تنوع المعروض، خفض الأسعار، وتنشيط القطاع الخاص.
خامسًا، على المستوى السياسي والاقتصادي، هذه الاتفاقيات تعكس تحولاً في المزاج الإقليمي تجاه سوريا، وتفتح الباب أمام شراكات أوسع مع دول أخرى، وتمنح المستثمرين إشارة واضحة بأن سوريا بدأت تستعيد موقعها كوجهة اقتصادية محتملة.
الاتفاقيات الموقعة مع دولة قطر
الاتفاقيات الموقعة بين سوريا ودولة قطر، شكّلت نقطة تحول في مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تم مؤخرًا توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية بلغت 14 مليار دولار أمريكي، خلال لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بعدد من ممثلي الشركات الدولية في قصر الشعب، من بينها شركات قطرية وتركية.
توزيع الاستثمارات على مشاريع حيوية
- تطوير مطار دمشق الدولي.
- إنشاء مترو دمشق.
- بناء أبراج ومراكز تجارية في العاصمة.
يعكس هذا الحراك توجهًا واضحًا نحو إعادة الإعمار، ويهدف إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز التنمية الاقتصادية. أيضًا في الثالث من يونيو 2025، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن توقيع مجموعة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الجانب القطري، وشملت الاتفاقيات قطاعات الطاقة والمصارف والاقتصاد والصحة.
الاتفاقيات الموقعة مع المملكة العربية السعودية
أما المملكة العربية السعودية، فقد حازت على نصيب جيد من الاتفاقيات الاستثمارية مع سوريا، وذلك خلال منتدى الاستثمار السعودي السوري الذي انعقد في دمشق بتاريخ 14 يوليو 2025، بحضور وفود رسمية ورجال أعمال من كلا البلدين، حيث شهد المنتدى توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وبلغت القيمة الإجمالية للاتفاقيات 24 مليار ريال سعودي (ما يعادل 6.4 مليار دولار أمريكي).
شملت الاتفاقيات قطاعات حيوية مثل الإسكان والتجارة والاتصالات والأمن السيبراني والطيران.
أبرز الاتفاقيات الموقعة:
- اتفاقية تعاون بين شركة “تداول” السعودية وسوق دمشق للأوراق المالية تهدف إلى دراسة فرص الإدراج المشترك.
- تعزيز التكامل بين السوقين.
- اتفاقية مليارية بين شركة “بيت الإباء” السعودية والحكومة السورية لبناء مشروع سكني وتجاري متميز في مدينة حمص. وأعلنت الشركة أن عوائد المشروع ستُخصص بالكامل للدعم الاجتماعي للشعب السوري.
- اتفاقية في مجال الطيران والملاحة الجوية بين المؤسسة العامة للطيران المدني السوري وشركة مطارات السعودية تهدف إلى تطوير البنية التحتية للمطارات السورية.
- اتفاقية في مجال الأمن السيبراني بين وزارة الاتصالات السورية وشركة سعودية متخصصة تهدف إلى تعزيز حماية البيانات وتطوير البنية الرقمية في سوريا.
الاتفاقيات الموقعة مع دولة الإمارات العربية المتحدة
دولة الإمارات العربية المتحدة، حازت على مجموعة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع سوريا، شملت قطاعات حيوية عدة، أبرزها تطوير الموانئ والتعاون الجمركي واستئناف الرحلات الجوية.
وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية اتفاقية مع شركة “موانئ دبي العالمية” بقيمة إجمالية تصل إلى 800 مليون دولار أميركي، وتهدف الاتفاقية إلى تطوير وتحسين البنية التحتية للموانئ والخدمات اللوجستية في سوريا، كما تم الاتفاق على استئناف الرحلات الجوية بين سوريا والإمارات، في خطوة من شأنها تسهيل حركة الأفراد والبضائع، ودعم قطاع الطيران المدني السوري.
وعلى هامش الاجتماعات السنوية للهيئات والمؤسسات المالية العربية، وقّع الجانبان اتفاقية تعاون في المجال الجمركي، تهدف إلى تبادل الخبرات وتطوير آليات العمل الجمركي.
الاتفاقيات الموقعة مع الأردن
أما الأردن فقد شهدت العلاقات السورية الأردنية خلال الأشهر الأخيرة تطورًا ملحوظًا تُرجم عبر مجموعة من الاتفاقيات والاجتماعات الفنية التي شملت قطاعات النقل والتجارة والطاقة والمياه والإدارة المحلية، في إطار تعزيز التعاون الثنائي وتسهيل التبادل الاقتصادي والخدمي بين البلدين.
ففي 25 و26 حزيران 2025، عُقد اجتماع اللجنة الفنية السورية – الأردنية للنقل البري في العاصمة عمّان، بهدف دعم التعاون المشترك في هذا القطاع الحيوي.
القرارات المتخذة:
- اعتماد رسوم عبور موحدة بنسبة 2% في كلا البلدين (بدلاً من 5% سابقًا).
- قرار من وزارة الداخلية الأردنية بإبقاء معبر نصيب – جابر مفتوحًا على مدار الساعة.
- في 29 أيار 2025 توقيع مذكرة تفاهم بين “غرفة تجارة دمشق” و”غرفة صناعة الأردن”.
الهدف: توسيع أطر التعاون التجاري والاستثماري وتنظيم فعاليات اقتصادية مشتركة بين الجانبين.
المجلس الأعلى للتنسيق السوري الأردني – 18 أيار 2025
القرار الأساسي: إقرار إطار عام لتعزيز التعاون الحكومي بين سوريا والأردن.
الآلية: تشكيل مجلس وزراء مشترك يضم وزارات التجارة والطاقة والنقل والصحة والزراعة والمياه.
آليات التنفيذ:
- تشكيل مجلس أعمال مشترك.
- إنشاء لجان قطاعية مشتركة لمتابعة التنفيذ.
التعاون في مجالي الطاقة والمياه – مطلع تموز 2025
الحدث: عقد جلسات فنية مشتركة بين الجانبين السوري والأردني.
الموضوعات المطروحة:
- مناقشة حصص المياه في نهر اليرموك.
- تحديث الاتفاقات المتعلقة بالمياه والطاقة.
- الجهة المنظمة: اللجنة الفنية المشتركة السورية – الأردنية
التعاون في الإدارة المحلية – 4 تموز 2025
الموضوعات الرئيسية:
- تعزيز التعاون الإداري والخدمات البلدية.
- تبادل الخبرات بين المحافظات.
- التأكيد على تفعيل دور غرف التجارة في دعم:
- التبادل الزراعي.
- التبادل الصناعي.
الاتفاقيات الموقعة مع العراق
أما بالنسبة للاتفاقيات السورية العراقية، فقد كانت دون حدّ الطموح، حيث اقتصرت على مباحثات جرت مؤخرًا لإعادة تأهيل خط أنابيب النفط كركوك–بانياس، الذي توقف عن العمل منذ عام 2003 نتيجة الأضرار التي لحقت به خلال الحرب.
كما جرت مباحثات لإنشاء مصفاة نفط جديدة داخل الأراضي السورية، تهدف إلى تحويل سوريا إلى دولة مصدّرة للمشتقات النفطية، ففي أبريل الماضي أرسل العراق وفدًا فنيًا رفيع المستوى إلى دمشق، لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع. وقدّرت التكلفة الأولية لإعادة تأهيل الخط بين 300 و600 مليون دولار، وفقًا للمناقشات الأولية.
في خضم التحولات الإقليمية، تبدو الاتفاقيات الموقعة مع سوريا كأنها إشارات أولى لعودة الروح إلى الجسد الاقتصادي السوري، فالإمارات، والسعودية، وقطر، والأردن، وتركيا، والعراق لم توقّع مجرد تفاهمات تقنية، بل فتحت نوافذ جديدة نحو الاندماج الاقتصادي، واستعادة الثقة، وتجاوز العزلة التي أثقلت كاهل سوريا لسنوات. هذه الاتفاقيات تمثل فرصة تاريخية لسوريا لإعادة بناء اقتصادها على أسس أكثر انفتاحاً وتكاملاً، بشرط أن تُدار بفعالية، وتُربط بإصلاحات داخلية، وتُنفذ ضمن رؤية وطنية واضحة تضمن الاستفادة القصوى من هذا الانفتاح العربي والأقليمي