ترجمة وتحرير: نون بوست
الجامعات الإسرائيلية تتعاون بانتظام مع الجيش، الذي دمّر الحياة الأكاديمية بالكامل في غزّة. هذا لم يبطئ إطلاقًا من وتيرة الشراكات الأميركية-الإسرائيلية.
في نهاية تموز/يوليو، أعلنت جامعة هارفارد استعدادها لإنفاق ما يصل إلى نصف مليار دولار لتسوية اتهامات بمعاداة السامية رفعتها إدارة ترامب. وبينما أثارت الفضيحة، إلى جانب المبلغ الضخم، ضجة واسعة، مرّ تنازل سابق بهدوء دون أن يثير الانتباه: ففي محاولة فاشلة لتهدئة الإدارة مطلع العام الجاري، وافقت هارفارد على إقامة شراكة رسمية مع جامعة إسرائيلية.
في 28 تموز/يوليو، كشفت هارفارد عن مبادرتين جديدتين مع مؤسسات إسرائيلية: برنامج للدراسة في الخارج مع جامعة بن غوريون في النقب، وزمالة ما بعد الدكتوراه للعلماء الإسرائيليين في كلية الطب التابعة لها. وتأتي هذه الخطوة في سياق موجة متنامية من الشراكات بين جامعات أميركية ونظيراتها الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة.
ففي كانون الأول/ديسمبر، أطلق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا برنامجًا يتيح لباحثين من الجامعات الإسرائيلية التسع المعتمدة حضور دورات للتعاون والتدريب في المعهد. وفي آذار/مارس، أعلنت جامعة كلِيمسون في كارولاينا الجنوبية عن شراكة مع الجامعة العبرية وكلية سابير لإدخال تقنيات زراعية جديدة إلى منطقة النقب الغربي، فيما التزمت جامعة كولومبيا بتوسيع مبادراتها الأكاديمية مع جامعة تل أبيب. أما في أيار/مايو، فقد وقّعت جامعة يوتا اتفاق “تعاون أكاديمي” مع جامعة أريئيل، المقامة في مستوطنة غير قانونية بالضفة الغربية.
في المقابل، علّقت هارفارد مؤخرًا شراكتها البحثية مع جامعة بيرزيت، أكبر جامعة فلسطينية في الضفة الغربية، بينما دمّرت “إسرائيل” جميع الجامعات الاثنتي عشرة في قطاع غزّة جراء حربها على القطاع. ويصف الدكتور وسام عامر، العميد السابق لكلية الاتصال واللغات بجامعة غزّة، ما يجري بأنه “إبادة أكاديمية” — أي التدمير الممنهج والمتعمد للتعليم كأداة للهيمنة الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي تعزز فيه الجامعات الأميركية روابطها بالمؤسسات الإسرائيلية، يسلط تقرير شامل صدر حديثًا باللغة العبرية عن حركة “نيو بروفايل”، وهي حركة إسرائيلية مناهضة للعسكرة، الضوء على مدى تغلغل تلك المؤسسات في البنية العسكرية للدولة، مع تصاعد العدوان على غزّة وازدياد عنف الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية.
ويكشف التقرير عن وجود ما لا يقل عن 57 برنامجًا أكاديميًا-عسكريًا مخصصًا للجنود في الخدمة الفعلية أو المرشحين للتجنيد في عدة جامعات، مقدّرًا أن التعاون المالي بين وزارة الدفاع والأوساط الأكاديمية لبرامج دراسة الجنود بين عامي 2019 و2022 تجاوز 269 مليون شيكل (نحو 79 مليون دولار).
وقال نِسّي بيلي، مؤلف التقرير، لموقع +972: “الجامعات الإسرائيلية السبع المذكورة في التقرير، بما فيها الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب، شريكة فاعلة في الاِحتلال المستمر للضفة الغربية وفي الإبادة الجماعية الإسرائيلية. على الأكاديميات الأميركية أن تضع معايير أخلاقية أساسية كشرط للشراكات بين المؤسسات، وأقل ما يمكن أن يشمل ذلك هو إلزام المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بإنهاء تعاونها مع المؤسسة العسكرية والصناعية الإسرائيلية”.
لا توجد مؤسسة إسرائيلية بعيدة عن الاِحتلال
لطالما تمتعت الجامعات الإسرائيلية في الغرب بسمعة كمؤسسات متعددة الثقافات، تعددية، وتتمتع بحرية أكاديمية واسعة. وكما تشير مايا ويند، الباحثة في الشأن العسكري الإسرائيلي ومؤلفة كتاب “أبراج من العاج والفولاذ” الصادر سنة 2024، فقد تبنت هذا التصوّر منظمات مثل “فريدوم هاوس” و”معهد تنوع أشكال الديمقراطية“، إضافة إلى الجامعات نفسها؛ إذ تصف جامعة كولومبيا الحياة الجامعية في جامعة تل أبيب، التي تقدم معها برنامج درجة مزدوجة، بأنها “حيوية وتعددية.”
لكن، وفقًا لويند، فإن الواقع أكثر إثارة للقلق بكثير. فالجامعات الإسرائيلية “متورطة بعمق في الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، والآن في الإبادة الجماعية”، كما قالت لموقع +972.
هذا الإجماع الغربي طالما شكّك فيه الفلسطينيون. ففي سنة 2004، أي قبل عام كامل من إطلاق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أطلقت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل دعوتها لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية. وأكدت الحملة أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية ومعظم المثقفين الإسرائيليين إمّا “ساهموا بشكل مباشر” في دعم أنظمة الاِضطهاد الإسرائيلية، أو كانوا “متواطئين بصمتهم.”
كتاب ويند، المستند إلى بحوث أرشيفية ودراسات إثنوغرافية موسّعة داخل إسرائيل، يعزّز تقييم الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل بشأن الأكاديميا الإسرائيلية؛ إذ تؤكد الحملة أن «تخصصات أكاديمية كاملة تُسخّر إنتاجها المعرفي لخدمة احتياجات الدولة الإسرائيلية».
ومن الأمثلة على ذلك برنامج «حَفَتسلوت»، الذي تحتضنه كلية الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية، ويمزج بين الدراسة الأكاديمية والتدريب في الاستخبارات العسكرية. وينتهي المطاف بالعديد من خريجيه في وحدة 8200، وهي فيلق النخبة للتجسس الإلكتروني في إسرائيل. وتُستخدم المعلومات التي يجمعونها غالبًا لملاحقة الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية أو لإجبارهم على التعاون مع جهاز الشاباك، وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية.
ليست دراسات الشرق الأوسط المجال الوحيد الذي تُسخَّر فيه الخبرة الأكاديمية لخدمة مصالح الدولة الإسرائيلية، وخصوصًا حملاتها العسكرية. فقد ساعدت الجامعات الإسرائيلية أيضًا في صياغة أطر قانونية تعيد تفسير القانون الإنساني الدولي بما يوفّر حماية للدولة من المساءلة.
في “معهد دراسات الأمن القومي” بجامعة تل أبيب، يعمل الأكاديميون بشكل وثيق مع المسؤولين الأمنيين لإنتاج مبررات قانونية للعمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الطرح القائل إن قوانين الحرب التقليدية غير ملائمة لـ”حرب إسرائيل على الإرهاب”. ومن بين هذه الابتكارات مصطلح “السكان من الفئة الثالثة“، في إشارة إلى أفراد قد يبدون مدنيين لكن يُحتمل أن يعرقلوا الأهداف العسكرية، وهو تصنيف يُستخدم لتقويض التمييز القانوني بين المقاتل وغير المقاتل، ما يتيح فعليًا استهداف المدنيين الفلسطينيين.
وقالت ويند: “سوف يستغرق الأمر سنوات من البحث لفهم كيف نفّذ المجتمع الإسرائيلي إبادة جماعية ونجا منها طوال هذه المدة. لفهم كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، لا يكفي النظر إلى الجيش فحسب؛ بل يجب النظر إلى أنواع المؤسسات التي لا نفكر بها عادة عند الحديث عن عنف الدولة أو العنف الاستعماري. لا توجد أي مؤسسة في إسرائيل غير متأثرة بالاِحتلال، والجامعات الإسرائيلية ليست استثناء”.
جامعة الضفة الغربية
ومن بين الجامعات التسع المعترف بها من الدولة في إسرائيل، تبرز واحدة لانتهاكاتها الفاضحة للقانون الدولي؛ حيث تُعد جامعة أريئيل إحدى أولى المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وقد تأسست سنة 1982 باسم “كلية يهودا والسامرة الأكاديمية” كفرع تابع لجامعة بار إيلان. وتقع الجامعة في مستوطنة أريئيل، التي أُنشئت قبل ذلك بأربع سنوات فقط، وصُممت كمركز حضري علماني في قلب الضفة الغربية، بالقرب من الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي كان يعمل فيها كثير من سكانها.
جامعة أريئيل ليست مجرد مؤسسة أُنشئت على أرض فلسطينية محتلة، بل تحمل أيضًا مهمة صريحة، بحسب رئيسها، لـ”غرس شعور بالانتماء إلى دولة إسرائيل” وتعزيز القيم الصهيونية. كما منحت المؤسسة ساعات أكاديمية لطلاب تطوعوا في منظمة “هشومير يوش“، وهي منظمة شبابية استيطانية سبق أن فُرضت عليها عقوبات أميركية، وارتكب أعضاؤها من المستوطنين أعمال عنف ضد التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية. وقال المحامي الأميركي مارك زِل، رئيس مجلس إدارة أريئيل، في فيديو ترويجي للمنظمة سنة 2020: “أدعو الجميع لدعمهم، كما نفعل هنا في جامعة أريئيل”. (قال متحدث باسم الجامعة إن المؤسسة لا تربطها أي علاقة بـ”هشومير يوش” وإن “تصريحات الأفراد لا تمثل سياسة الجامعة الرسمية”).
وأقامت ما لا يقل عن ثماني جامعات أميركية، من بينها “جونز هوبكنز” و”فلوريدا أتلانتيك“، علاقات مع أريئيل. ووفقًا للإفصاحات المالية غير الربحية لسنة 2019، تبرعت جامعة بارنارد بمبلغ 13,500 دولار مباشرة لجامعة أريئيل لتمويل مشروع علمي. وفي حزيران/يونيو، وقّعت أريئيل وجامعة يوتا مذكرة تفاهم لمدة خمس سنوات تتضمن إطارًا لمشاريع بحثية مشتركة، وتبادل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتنظيم مؤتمرات أكاديمية مشتركة.
وجاء الإعلان، الذي نشرته صحيفة “جيروزالِم بوست” أولًا، مفاجئًا لبعض أساتذة يوتا. وقال مارشال ستاينباوم، أستاذ مساعد في الاقتصاد، لموقع +972 إنه عرف عن الشراكة من خلال المقال: “لم يُذكر أي شيء عنها في الحرم الجامعي إطلاقًا… هم يظنون أن الناس لن يتحركوا لأن الوقت صيف، لكننا لن نتوقف عن الضغط لإلغاء مذكرة التفاهم”.
وفي بيان صدر بعد الإعلان، ذكرت “هيئة أساتذة جامعة يوتا من أجل العدالة في فلسطين”، التي ينتمي إليها ستاينباوم، أن أي تعاون أكاديمي بين الجامعتين سيكون انتهاكًا لقوانين ولاية يوتا والقوانين الفيدرالية الأميركية، التي تحظر على مؤسسات التعليم العالي اتخاذ مواقف في قضايا الجدل العام أو التمييز على أساس الدين أو الأصل القومي.
وأوضح البيان: “نظرًا لأن إسرائيل ومستوطنة أريئيل تمنعان دخول كل الفلسطينيين وكثير من المسلمين، فإن أي ‘تعاون أكاديمي’ مع جامعة أريئيل سيكون، بحكم التعريف، غير متاح للعديد من طلاب وأساتذة وموظفي جامعة يوتا من المسلمين والفلسطينيين”.
وأشار الأساتذة إلى التوقيت المخزي للاتفاق: “كل جامعة في غزّة، بما في ذلك مؤسسات عمل فيها خريجو جامعة يوتا، قد دُمّرت بالفعل في تلك الإبادة الجماعية. هذه المؤسسات هي التي يمكن أن تستفيد حقًا من مثل هذه الشراكة” مع الجامعة.
وردًّا على أسئلة بشأن مذكرة التفاهم، قالت ريبيكا والش، مديرة الاتصالات في جامعة يوتا، لموقع +972: “هذا القرار لا يمثل اتخاذ جامعة يوتا موقفًا بشأن الحرب في غزّة أو الأراضي الفلسطينية المحتلة على نحو أوسع. ومن الجدير بالذكر أن الجامعة، بصفتها مؤسسة حكومية، غير مسموح لها باتخاذ مواقف سياسية”.
وأرسلت والش رابطًا إلى “الجرد العالمي” للأنشطة الأكاديمية المتعلقة بفلسطين في جامعة يوتا، والذي تضمن فقط عددًا محدودًا من منشورات أعضاء هيئة التدريس، دون أي شراكات رسمية، وعددًا قليلًا من الطلاب الفلسطينيين المسجلين في السنوات الأخيرة. وقال مارك لويس، المتحدث باسم أريئيل، لموقع +972 إن مذكرة التفاهم مع يوتا “أكاديمية بحتة”، وإن الجامعة لديها عدة شراكات مع جامعات في الولايات المتحدة.
لماذا لا نُعمّق العلاقات مع المجتمع الفلسطيني؟
في كانون الأول/ديسمبر، أعلن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن تدشين برامجه “كالانِيّوت” للباحثين الإسرائيليين الزائرين، وهي شراكة أكاديمية مع الجامعات التسع المعترف بها من الدولة في إسرائيل، وتهدف إلى “تمكين” الباحثين الإسرائيليين من “الانخراط في أبحاث تعاونية متقدمة، وتعميق الروابط الأكاديمية، وعرض براعة أمة الشركات الناشئة”. (ومنذ إطلاقها في المعهد، توسعت برامج “كالانيّوت” لتشمل فروعًا في جامعة دارتموث، وجامعة بنسلفانيا، وكلية الطب بجامعة هارفارد، وجامعة كولومبيا).
وتضم قائمة الجامعات الإسرائيلية الشريكة جامعة أريئيل، وكذلك الجامعة العبرية وجامعة بن غوريون، اللتين تتعاونان مع وزارة الدفاع لتمكين عدد أكبر من الجنود في الخدمة النظامية وأفراد الجيش في مواقع أخرى من متابعة دراساتهم الأكاديمية أكثر من أي مؤسسة تعليمية أخرى، وفقًا لتقرير “نيو بروفايل”.
فعلى سبيل المثال، تدفع وزارة الدفاع أكثر من 32 مليون شيكل (9 ملايين دولار) للجامعة العبرية لاستضافة برنامج “طالبيوت”، وهو برنامج أكاديمي-عسكري لتدريب الجنود على أدوار البحث والتطوير في تصنيع الأسلحة. أما جامعة بن غوريون، التي أصبحت هارفارد شريكًا لها، فتقدم برنامج بكالوريوس مُسرّع لطياري المقاتلات، يتضمن تعاونًا وثيقًا وعميقًا بين الجامعة ومدرسة الطيران.
غير أن شراكة المعهد، كما يقول المنتقدون، تتجاوز الروابط العسكرية. وترى ويند أن مثل هذه المبادرات جزء من إستراتيجية أوسع لاستخدام الأكاديميا الإسرائيلية كأداة لـ”الهاسبرا” أو الدعاية المؤيدة لإسرائيل، في محاولة “لتدعيم الرواية الإسرائيلية وإعادة صياغة حقائق الفصل العنصري الواضحة للجميع”. ويهدف برنامج المعهد، على سبيل المثال، إلى عكس “التنوع الديموغرافي في إسرائيل” و”احتضانه” عند اختيار الباحثين المشاركين، الذين سيساهم وجودهم في الحرم الجامعي الأميركي في “تعزيز فهم أفضل لبلادهم”.
وفي الوقت الذي عزز فيه المعهد علاقاته مع الجامعة العبرية، قتلت إسرائيل أكثر من 1,300 أكاديمي كانوا مرتبطين سابقًا بجامعات غزّة، من رؤساء جامعات إلى عمداء وأساتذة وطلاب.
وقال ريتشارد سولومون، طالب دكتوراه وعضو في “ائتلاف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من أجل فلسطين”: “أنا مؤيد للتعاون الأكاديمي عمومًا، لكن حين يتعرض المجتمع الفلسطيني لهجوم ممنهج، لماذا لا نفعل العكس؟ لماذا لا نُعمّق العلاقات مع المجتمع الفلسطيني؟”.
وردًّا على أسئلة من موقع +972 حول شراكاتها الأكاديمية، أشارت جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى موقع برنامج “كالانيّوت” وإلى إطلاق برنامج “الزملاء المعرّضين للخطر – فلسطين” في كانون الأول/ديسمبر 2024، وهو مبادرة تجريبية لمدة عامين تهدف إلى جلب خمسة باحثين من فلسطين إلى المعهد في كل فصل دراسي، للتدريب والتوجيه على يد أحد أعضاء هيئة التدريس.
وقالت سارة ماكدونيل، من مكتب الاتصالات في المعهد، في بيان عبر البريد الإلكتروني: “أعرب قادة هيئة التدريس عن دعمهم لاستضافة كلا البرنامجين”.
وعلى بُعد شارع من المعهد، واجهت جامعة هارفارد ضغوطًا متزايدة من الجمهوريين ورئيسها السابق لورانس سامرز لإنهاء شراكتها مع جامعة بيرزيت، بسبب ما زُعم عن ارتباط اتحاد الطلبة فيها بحركة حماس.
وفي وقت سابق من هذا العام، وبعد موافقتها على إقامة شراكة رسمية مع جامعة إسرائيلية غير محددة كجزء من تسوية دعاوى قضائية بشأن معاداة السامية، علّقت كلية الصحة العامة في هارفارد شراكتها مع بيرزيت. وكانت الكلية غالبًا تتعاون مع باحثين في بيرزيت وتقدّم دورة صيفية في الأردن تركز على الصحة الفلسطينية.
وقال عامر، الذي أُجبر على الفرار من غزّة ويعمل الآن باحثًا زائرًا في جامعة كامبريدج: “هذا عمل من أعمال المقاطعة الأكاديمية للجامعات الفلسطينية. إنهم يوجهون رسالة مفادها أنهم يعتبرون الطلاب والأكاديميين والمؤسسات الفلسطينية شيئًا يمكن الاستغناء عنه. حياتهم ليست متساوية”.
وبحسب مايا ويند، فإن الفجوة بين الروابط الوثيقة للمؤسسات الإسرائيلية مع الجامعات الأميركية وتهميش نظيراتها الفلسطينية كان لها أثر ملموس. وقالت لموقع +972: “الدولة الإسرائيلية عزلت الأكاديميين الفلسطينيين عمدًا، ودمرت جامعاتهم، وأفقرت مواردهم، وحاولت منعهم من إقامة أي تبادل مع بقية المجتمع الأكاديمي الدولي”.
تمرير شراكات جديدة خلسة
وبعد أقل من شهر على بدء عدوان إسرائيل على غزّة، في أعقاب هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدأ الطلاب في الجامعات الأميركية بالتعبئة للاحتجاج على القصف الجوي الإسرائيلي والمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بالاِحتلال والجيش الإسرائيلي.
وسارع رؤساء الجامعات الإسرائيلية التسع المعترف بها من الدولة إلى التصدي لهذه الجهود، حيث أرسلوا رسالة مشتركة إلى نظرائهم في الولايات المتحدة أعربوا فيها عن قلقهم من أن الحرم الجامعي أصبح “أرضًا خصبة لمشاعر معادية لإسرائيل ومعادية للسامية”، وعزوا ذلك إلى “فهم ساذج ومنحاز للصراع”.
في نيسان/أبريل 2024، اقترحت المجموعة نفسها من رؤساء الجامعات، في رسالة منفصلة إلى نظرائهم في الجامعات الأميركية، أن “الظروف القصوى قد تتطلب إجراءات تتجاوز الأدوات التقليدية المتاحة لإدارات الجامعات”، وهو ما يمكن فهمه كإشارة ضمنية إلى تأييد استخدام أجهزة إنفاذ القانون ضد طلابهم.
بين منتصف نيسان/أبريل ومنتصف تموز/يوليو 2024، جرى اعتقال أو احتجاز أكثر من 3000 شخص في الجامعات الأميركية. كما اتخذت الجامعات إجراءات تأديبية داخلية بحق الطلاب، فحظرت مجموعات مثل “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، وفرضت عقوبات تشمل الإيقاف والفصل، وحجب الشهادات، وفرض لوائح جديدة وتشديد القيود على الاحتجاج وحرية التعبير.
ويستمر القمع مع استعداد الطلاب للعودة في الفصل الدراسي الخريفي. ففي نهاية تموز/يوليو، أبلغت جامعة كولومبيا نحو 80 طالبًا بأنهم يواجهون عقوبات تصل إلى الإيقاف لمدة ثلاث سنوات أو الفصل النهائي بسبب مشاركتهم في احتجاجات واعتصامات داخل الحرم الجامعي.
لكن رغم أن هذه الإجراءات خلقت أثرًا رادعًا، فإنها لم تُنهِ دعوات الطلاب لسحب الاستثمارات، ولم تُزد من دعم “إسرائيل” في الجامعات الأميركية، بل على العكس تمامًا؛ إذ حذّر تقرير موسع أصدره “المعهد اليهودي للسياسات الشعبية” هذا الشهر من أن مجال “دراسات إسرائيل” بات “يقترب من أن يصبح مجالًا منبوذًا” و”على وشك الانقراض”.
وأشار التقرير إلى أن “معهد إسرائيل”، وهو المنظمة الرئيسية التي تموّل برامج الأساتذة الزائرين قصيرة الأجل والأنشطة الأكاديمية في مجال دراسات إسرائيل، قد قلّص عملياته بشكل كبير، على ما يبدو بسبب قيود الميزانية. وفي الوقت نفسه، فإن قرار “جمعية دراسات الشرق الأوسط” الأميركية سنة 2022 بمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية قطع فعليًا علاقاتها مع “جمعية دراسات إسرائيل”، التي ينتمي معظم أعضائها إلى جامعات إسرائيلية.
وبينما تفتقر الشراكات الجديدة بين الجامعات الإسرائيلية والأميركية إلى قبول واسع بين الأساتذة والطلاب الأميركيين، ترى ويند أن تصوير هذه الشراكات كتعويض عن مزاعم “التمييز” ضد الطلاب اليهود أو الإسرائيليين “هو أسلوب ساخر ولكنه فعال للغاية لضمان تحصين هذه الشراكات من أي مساءلة”.
وأضافت: “في اللحظة التي يتضح فيها بجلاء أن هناك معارضة كاسحة [لهذه الشراكات] بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعات الأميركية، يتم تمريرها خلسة”.
المصدر: +972