عاد مشروع الاستيطان الإسرائيلي المجمّد “إي1” إلى الواجهة بعد أن صادق وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على خطة لبناء أكثر من 3400 وحدة سكنية في مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس. خطوةٌ اعتبرها قادة المستوطنين حاسمة لعزل المدينة عن الضفة الغربية، و”تقريب إسرائيل من إحلال السيادة الكاملة” عليها.
المخطط الذي يربط المستوطنة بشرق القدس، يعني عمليًا فصل شمال الضفة عن جنوبها، ما يقوّض إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة. وقد حذّرت جهات دولية من أن المشروع، إذا نُفّذ، سيشكل ضربة قاضية لأي حل سياسي قائم على حل الدولتين.
وبينما تقول الحكومة الإسرائيلية إنها تسعى إلى “توسيع التجمعات السكانية وتحقيق الأمن”، يرى منتقدوها أن الهدف الحقيقي هو فرض وقائع ميدانية تجعل من أي تسوية سياسية مستقبلية أمرًا شبه مستحيل.
في هذا التقرير، نستعرض عبر ستة أسئلة ماهية مشروع “إي1″، ولماذا يعد خطيرًا، وما خلفياته السياسية، وأبرز ردود الفعل عليه، والتداعيات المحتملة، ومبررات الحكومة الإسرائيلية.
1. ما هو مشروع “إي1″؟
يمثل “إي1” أحد أضخم مشاريع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ويقع في المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة “معاليه أدوميم” المقامة على أراضي الفلسطينيين شرق المدينة. يمتد المخطط على مساحة تقارب 12 كيلومترًا مربعًا، وتشمل خطته بناء أكثر من 3400 وحدة سكنية، إلى جانب مرافق وخدمات وبنى تحتية مرتبطة بالمستوطنة.
الهدف المعلن من المشروع هو ربط “معاليه أدوميم” بالقدس الشرقية عبر حزام عمراني متواصل، بينما الهدف الفعلي ـ وفق منظمات حقوقية وخبراء ـ هو فرض واقع جغرافي يجعل القدس الكبرى تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، ويمنع عمليًا أي تواصل جغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
المخطط ليس وليد اللحظة؛ فقد طُرح لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي خلال حكومة إسحاق رابين، لكنه ظل مجمّدًا بسبب الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نظرًا لتأثيره المباشر على فرص التسوية السياسية.
2. لماذا يعتبر المشروع خطيرًا على القضية الفلسطينية؟
تكمن خطورة مشروع “إي1” في كونه يضرب أحد أهم مقومات الدولة الفلسطينية المستقبلية: التواصل الجغرافي. فتنفيذه يعني عمليًا فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتحويل القرى الفلسطينية الواقعة بين القدس ومدينة أريحا إلى جيوب معزولة ومحاصرة بالمستوطنات والطرق الالتفافية.
هذا الفصل سيجعل من إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية أمرًا شبه مستحيل، إذ لن تبقى هناك حدود متصلة يمكن أن تشكّل نواة لدولة قابلة للحياة. كما أن المشروع سيعزز السيطرة الإسرائيلية على القدس الشرقية ومحيطها، ما يُضعف الموقف الفلسطيني في أي مفاوضات مستقبلية، ويكرّس مفهوم “القدس الموحدة” تحت السيادة الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، يحذّر خبراء من أن “إي1” سيضاعف من معاناة السكان الفلسطينيين في المنطقة، عبر مصادرة المزيد من الأراضي الزراعية، وفصل طرق التنقل، وزيادة القيود العسكرية، وهو ما يعني تكريس نظام الفصل العنصري على الأرض.
3. ما هو البعد التاريخي والسياسي للمخطط؟
يعود طرح مشروع “إي1” إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، حين وضعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خططًا لتوسيع مستوطنة “معاليه أدوميم” شرقي القدس وربطها بالمدينة عبر حزام استيطاني متواصل. وكان الهدف المعلن هو “تعزيز أمن القدس” وربطها بالكتل الاستيطانية الكبرى، بينما يكمن الهدف السياسي في فرض وقائع ديموغرافية وجغرافية تحول دون أي انسحاب مستقبلي من هذه المنطقة.
في عام 2004، منح رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون الضوء الأخضر لبدء تنفيذ المخطط، لكن ضغوطًا أميركية ودولية حالت دون المضي فيه، ليبقى مجمّدًا لفترات طويلة رغم محاولات متكررة لإحيائه، خاصة من قبل حكومات اليمين.
سياسيًا، يندرج المشروع ضمن استراتيجية أوسع للسيطرة على “القدس الكبرى” التي تسعى “إسرائيل” لضمّها فعليًا عبر توسيع المستوطنات وبناء البنية التحتية التي تربطها، وهو ما يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر القدس الشرقية أرضًا محتلة. كما أنه يعكس تحوّل الخطاب الإسرائيلي من إدارة الصراع إلى حسمه ميدانيًا، عبر استباق أي تسوية سياسية بفرض حدود أمر واقع.
أما عن أسباب السعي وراءه، فقد بيّن الباحث المقدسي أن “إسرائيل” -بهذا المشروع- تسعى إلى تكريس فكرة “إسرائيل الكبرى” التي يكون مركزها “الهيكل” المزعوم مكان المسجد الأقصى، لتتحول القدس إلى مركز السيطرة على المنطقة بأسرها وفق الرؤية الصهيونية.
4. ما هي ردود الفعل الدولية على إعادة تفعيل المشروع؟
أثار إعلان إعادة تفعيل المشروع موجة انتقادات دولية، إذ حذرت الأمم المتحدة من أن المضي في تنفيذ المخطط يقوّض أي فرصة لتحقيق حل الدولتين، ويشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ولا سيما قرارات مجلس الأمن التي تحظر النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 1967.
من جانبها، جدّدت دول الاتحاد الأوروبي موقفها الرافض للاستيطان، إذ أصدرت كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا بيانات مشتركة تطالب “إسرائيل” بالتراجع عن إعلان المشروع فورًا، محذّرة من أنه يقوّض الجهود الدبلوماسية لإحلال السلام، ويزيد في ترسيخ نظام الفصل العنصري بحكم الأمر الواقع.
كما اعتبرت وزارة الخارجية التركية أن هذه الخطوة تتجاهل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وتستهدف وحدة أراضي دولة فلسطين وتنسف الأرضية التي يقوم عليها حل الدولتين وآمال السلام الدائم. وقالت في بيان “ندين موافقة إسرائيل على مخطط بناء المستوطنات في المنطقة (إي1)”.
ونددت منظمات حقوق الإنسان، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، بما وصفته بـ”الهندسة الممنهجة” للخريطة الجغرافية والسياسية في الضفة الغربية، معتبرة أن مشروع “إي1” ليس مجرد بناء استيطاني بل خطوة ضمن خطة أوسع لضم الأراضي المحتلة وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.
5. ما هي التداعيات المحتملة في حال تنفيذ المخطط؟
لن يقتصر تنفيذ مشروع “إي1” على إضافة آلاف الوحدات الاستيطانية، بل سيعيد رسم الخريطة الديموغرافية والجغرافية للضفة الغربية بشكل جذري. أول تداعياته المباشرة تتمثل في عزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني الشرقي، عبر إحاطة المدينة بحزام استيطاني متصل يحول دون أي تواصل جغرافي بينها وبين الضفة، ما يعني ضرب إمكانية أن تكون القدس الشرقية عاصمة مستقبلية لدولة فلسطينية.
كما سيؤدي المشروع إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، من خلال قطع الطريق الرئيس الواصل بين رام الله وبيت لحم، وهو ما سيجعل حركة الفلسطينيين بين شطري الضفة مرتبطة بممرات وأنفاق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مما يعمّق التجزئة الداخلية ويعقّد إدارة أي كيان فلسطيني موحد.
ومن الناحية الاقتصادية، سيحرم الفلسطينيين من الوصول إلى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والمناطق الحيوية للتوسع العمراني، ويقيد فرص الاستثمار والبنية التحتية. إذ يقع المشروع على حدود البلدات المقدسية عناتا والعيسوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس، وهي بلدات ستهدد بالزوال كليًا، مما يعني تغييرًا في المنطقة لمصلحة الإسرائيليين.
ويرى خبراء أن تنفيذ “إي1” قد يدفع باتجاه موجة جديدة من التوترات والمواجهات، ليس فقط في الضفة الغربية بل في عموم المنطقة، نظرًا لما يحمله من دلالات على إغلاق باب الحلول السياسية، واستبدالها بفرض الأمر الواقع بالقوة.
6. ما مبررات حكومة نتنياهو لإقامة هذا المشروع؟
تقدّم حكومة بنيامين نتنياهو مشروع “إي1” على أنه خطوة “أمنية وتنموية” تخدم ما تصفه بـ”تعزيز الترابط الجغرافي” بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس المحتلة. ويؤكد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ـ الذي دفع باتجاه المصادقة الأخيرة ـ أن المشروع ضرورة لحماية المستوطنين وضمان سيطرة “إسرائيل” على الممرات الشرقية للقدس، خاصة في ظل ما يصفه بـ”التهديدات الأمنية المتصاعدة” في الضفة الغربية.
إلى جانب البعد الأمني المعلن، تروّج الحكومة الإسرائيلية للمخطط باعتباره جزءًا من “النمو الطبيعي” للمستوطنات الكبرى، مدّعية أنه يستجيب لاحتياجات سكانية و”حق تاريخي” في المنطقة، في إطار رؤية أوسع لفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية.
ويرى مراقبون أن هذه المبررات ليست سوى غطاء سياسي وقانوني لفرض وقائع ديموغرافية وجغرافية على الأرض، تقطع أوصال الضفة وتمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. ويستدل هؤلاء بأن المشروع ظل مجمّدًا لسنوات بفعل الضغط الدولي، ولم يُعد طرحه إلا في ظل صعود غير مسبوق لليمين القومي والديني في حكومة نتنياهو.
“أشعر بأنني في مهمة تاريخية وروحية”.. نتنياهو يعلن تمسكه برؤية “إسرائيل الكبرى” التي تضم أجزاء من فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزء مصر. pic.twitter.com/SNDU18uwIQ
— نون بوست (@NoonPost) August 13, 2025
كما أن تحقيق المشروع يأتي في سياق أوسع يكرّس ما يعتبره نتنياهو “مهمته التاريخية والروحية” لتأسيس ما يصفه بمشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يجعل من القدس مركزًا للسيطرة على المنطقة بأسرها وفق الرؤية الصهيونية.
في المحصلة، لا يمكن قراءة مشروع “إي1” إلا كخرق صارخ للقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يدين الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية ويعتبرها غير شرعية. لأن إعادة تفعيله بعد سنوات من التجميد تمثل تحديًا مباشرًا للنظام القانوني الدولي، ومحاولة لفرض سيادة بحكم الأمر الواقع على أراضٍ محتلة بالقوة.
ووفق خبراء القانون الدولي، فإن ضمّ المنطقة فعليًا عبر الاستيطان وتغيير طبيعتها الديموغرافية قد يرقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.