وقف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أمام مجلس العموم (البرلمان)، الاثنين 21 يوليو/تموز 2025، مٌلقيًا بيانًا مطولا أدان فيه الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، واستهداف المدنيين الجائعين في القطاع، لكنه قوبل بعاصفة من الانتقادات اللاذعة، حيث صرخ أحد نواب حزب العمال في وجهه قائلًا: “نحن نريد أفعالًا، وهذا ليس فعلًا”، فيما تساءل أخر “هل هذا كل شيء يمكن تقديمه ردًا على تلك المجازر؟”، فيما أضاف ثالث:”عند أي نقطة يمكن أن تتحرك إنسانيتنا لتتخذ نتخذ إجراءات أقوى؟ كثير منا يعتقد أن الخط الأحمر تم تجاوزه منذ فترة طويلة”.
كانت هناك – أو هكذا تبدو- حالة من الغضب تخيم على أجواء البرلمان، حيث رفضت الغالبية الاكتفاء بالكلمات وفقط دون إجراءات ملموسة، فيما اتهم بعضهم وزير الخارجية بـ”التواطؤ من خلال التقاعس”، محذرًا من أن ذلك قد يوصله إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، ليرد عليهم وزير الخارجية، محاولا امتصاص هذا الغضب “”رفع صوتي لن ينهي هذه الحرب، يؤسفني ذلك وأندم عليه، لكن هل أنا متأكد أن الحكومة البريطانية تفعل كل ما بوسعها؟ نعم، أنا متأكد”.
يتناقض هذا المناخ بطبيعة الحال مع الموقف البريطاني المٌعلن صراحة من تلك الحرب منذ بدايتها وحتى كتابة تلك السطور، ففي أعقاب عملية طوفان الأقصى أكد رئيس الوزراء البريطاني، وقتها، ريشي سوناك، أن بلاده “تقف بشكل لا لبس فيه” مع إسرائيل، ووصف الهجوم بالوحشي، ودافع عن حق الكيان في الدفاع عن نفسه.
تطابق هذا الموقف –وبشكل نادر التكرار- مع موقف حزب العمال (المعارض في ذلك الوقت)، حيث وصف زعيم الحزب حينها، كير ستارمر، هذا اليوم بأنه “أحلك يوم في التاريخ اليهودي منذ المحرقة”، مضيفًا أن الحركة “تريد فوضى الحرب.. تريد أن يعاني اليهود” مؤكدًا على ما أكد عليه سوناك “إننا نقف مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهابيي حماس”.
وفي التاسع من أبريل/نيسان 2024 خرج وزير الخارجية ديفيد كاميرون، ليعلنها صراحة أن حكومته لن توقف مبيعاتها من الأسلحة إلى تل أبيب، وهو التصريح الذي قوبل حينها بانتقادات شديدة من العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية، على رأسها “هيومن رايتس ووتش” التي حذرت من أن هذا الدعم قد يجعل المملكة المتحدة شريكة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وبعيدًا عما اتخذته الحكومة البريطانية مؤخرًا من إجراءات على استحياء لحفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي، مثل تعليق بعض تراخيص تصدير السلاح للكيان المحتل ( علقت 30 من أصل 350 ترخيص تصدير للسنة المالية 2024) إلا أن المسكوت عنه فيما يتعلق بالدعم العسكري والأمني والاستخباراتي الذي قدمته لندن لدعم جيش الاحتلال يجعلها متواطئة في تلك الحرب وضلعًا أصيلا في جريمة الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
العديد من التحقيقات الاستقصائية التي قامت بها مؤسسات إعلامية بريطانية مؤخرًا فضحت منظومة هذا الدعم السري الذي تخفى وراء شركات وهمية، والذي اتخذ من لندن قاعدة ارتكاز رئيسية، ما دفع زعيم حزب العمال السابق وعضو مجلس العموم، جيريمي كوربن، للمطالبة بفتح تحقيق شامل، مماثل لتحقيق جون تشيلكوت الذي صدر عام 2016 عن حرب بريطانيا الكارثية في العراق، انطلاقًا من حق الشعب البريطاني في معرفة مدى تواطؤ بلاده في الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
الدعم العسكري: RUK نموذجًا
في إحدى ضواحي لندن الهادئة، يقبع مقر رسمي لشركة بريطانية تدعى ( RUK Advanced Systems Limite) تبدو هذه الشركة على الورق مؤسسة مسجلة في المملكة المتحدة، تقدم نفسها بأنها “مستعدة لتصميم مستقبل جديد”. لكن خلف هذا الغلاف البراق، تتخفى خيوط اتصال مباشرة بإحدى أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية المملوكة للكيان المحتل وهي شركة (رافاييل) التي تأسست عام 1948 بالتوازي مع نشأة “إسرائيل” وأصبحت لاحقا الذراع التقني لوزارة الدفاع الإسرائيلية، المسؤولة عن تطوير الأسلحة المتطورة، من الصواريخ إلى الطائرات المسيّرة، التي استُخدمت مراراً في الهجمات على غزة.
حاول موقع “Declassified UK؟” الاستقصائي الذي تأسس عام 2019 في لندن، ومتخصص بالتحقيقات الصحفية المكثفة حول سياسات المملكة المتحدة الخارجية والعسكرية والاستخباراتية، كشف ملابسات تلك الشركة (RUK) وعند زيارة العنوان الرسمي لها في فينشلي شمال لندن، لم يجد الصحفيون أي أثر لها، فالمبنى كان عبارة عن مدرسة خاصة، والموظفون هناك أكدوا أن الشركة تستأجر مجرد مكتب صغير دون أي نشاط ظاهر.
وهنا وجد الصحفيون أنفسهم أمام سؤال كبير: كيف يمكن لشركة تقول إنها “تصنع” أسلحة متطورة أن تدير عملياتها من مكتب مدرسي بلا أي لافتة أو دليل على نشاط صناعي؟ الغريب أنه بعد أسئلة Declassified، أٌزيل الموقع الإلكتروني للشركة خلال أقل من 12 ساعة، كما غيّرت هيكلها القانوني في خطوة زادت من الريبة.
الغموض هنا لم يقتصر على مقر الشركة في فينشلي وفقط، فهناك عنوان أخر وسط لندن كان مسجلا باسم شركة تابعة لـ (RUK) تٌدعى ( ARKAS BV)، وعند الوصول إلى الموقع، أكٌتشف أنه شبه مهجور، ومغلق منذ ست سنوات، وفق شهادة الجيران، فلم يظهر أي أثر لشركة تدّعي أنها تمثل الشريك البريطاني لرافاييل الإسرائيلية.
المفاجأة هنا أن تلك الشركة إسميًا تُعرّف نفسها بأنها “شركة بريطانية”، لكن الوثائق تؤكد أنها مملوكة لوزارة المالية الإسرائيلية برئاسة الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش الخاضع لعقوبات بريطانية، وأنها متخصصة في صناعة الصواريخ التي تستخدمها قوات الاحتلال في قصف قطاع غزة.
وهكذا يتضح أن ما يسمى بالمقرات الرسمية لتلك الشركات ليست سوى واجهات ورقية، تستخدم على ما يبدو لتجاوز قوانين أو لتقديم صورة “بريطانية” لشركة في حقيقتها إسرائيلية، حيث تزودها بالصناعات الدفاعية اللازمة لاستخدامها في حرب الإبادة التي تشنها ضد المدنيين الفلسطينيين.
ويفضح هذا الاستقصائي التناقض الفجّ بين المواقف السياسية المعلنة لبريطانيا ضد بعض الشخصيات الإسرائيلية، وبين استمرار العلاقات التجارية مع الكيان، ففي الوقت الذي تفرض فيه الحكومة البريطانية عقوبات على وزير المالية الإسرائيلي الذي كان قد دعا صراحة إلى “محو غزة”، تواصل شركات مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية إدارة أعمالها داخل المملكة المتحدة، لدعم جرائم الإبادة المرتكبة، مستخدمة ثغرات قانونية وبنى تنظيمية غامضة.
التطبيع الأمني كأداة للشرعية السياسية: (RCDS) مثالا
نموذج أخر يفضح التواطؤ البريطاني في حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، لكنه يتعلق هذه بالمرة بتدريب الضباط الإسرائيليين في بريطانيا، حيث كشف تحقيق أخر للمنصة الاستقصائية ذاتها عن انضمام عدد من ضباط جيش الاحتلال لبرامج تدريبية داخل الكلية الملكية لدراسات الدفاع (RCDS) في لندن، المعروفة دوليًا كمنصة تجمع ضباطاً من مختلف أنحاء العالم لصقل مهاراتهم الاستراتيجية.
لكن حضور ضباط إسرائيليين في هذه المؤسسة البريطانية، في وقت تتهم فيه تل أبيب بارتكاب جرائم حرب في غزة، أثار أسئلة حادة حول دور بريطانيا: هل هي مجرد مضيف لبرنامج أكاديمي؟ أم شريك في إعادة إنتاج نخبة عسكرية متهمة بانتهاكات جسيمة؟ إذ تستند برامج الكلية الملكية لدراسات الدفاع البريطانية إلى ما يُعرف بـ القوة الناعمة العسكرية، فبدلاً من استخدام السلاح المباشر، تسعى الدول عبر هذه البرامج إلى بناء شبكات علاقات مع قيادات عسكرية مستقبلية حول العالم.
ولم يقتصر دعم بريطانيا لإسرائيل من خلال تدريب عدد من ضباطها في تلك المؤسسة على الجانب التقني والعسكري وفقط، بل يساعد في ترسيخ شرعية سياسية، من خلال تقديم الكيان المحتل كدولة “طبيعية” لها مكان بين جيوش العالم، وبناء شبكة علاقات مع نظراءه من أوروبا وآسيا وأفريقيا، بجانب اكتساب خبرة استراتيجية تُستخدم لاحقاً في إدارة الصراع مع الفلسطينيين.
ويعد التطبيع الأمني ساحة أكثر هدوءً من التطبيع السياسي المثير للجدل، وعليه يساعد التدريب العسكري في RCDS عددًا من الأهداف التي تخدم الأجندة الصهيونية مثل تقديم الضباط الإسرائيليين كـ “زملاء” بين ضباط دول أخرى، يتعلمون ويُدرّسون في قاعات تحمل شعارات “القانون الدولي” و”الأمن العالمي”، بينما تُتهم دولتهم بانتهاك هذه القوانين ذاتها، ثم يعودون إلى تل أببيب ليشغلوا مواقع عليا، من قيادة القوات الجوية إلى إدارة وزارة الدفاع، وهنا يصبح التدريب البريطاني جزءاً من حلقة إعادة إنتاج القوة الإسرائيلية، بل ومنحها غطاءً من الشرعية الدولية.
دعم استخباراتي لوجستي
وفق التحليل الرصدي الذي قامت به وكالة “سند للرصد والتحقق” -التابعة لشبكة الجزيرة- لنشاط الرحلات الجوية العسكرية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و حتى مطلع نفس الشهر من عام 2024، باستخدام أدوات المراقبة الملاحية والتحليل الجغرافي، أظهرت تسجيل ما يزيد عن 6 آلاف رحلة عسكرية غربية في المنطقة، استنادًا لبيانات موقع رادار بوكس.
ورصدت “سند” -من خلال تحليل البيانات الملاحية- نحو 1900 رحلة نقل عسكري، توجهت أكثر من 70% منها إلى القواعد العسكرية في قبرص واليونان وإيطاليا، والتي استخدمت منذ بداية الحرب كقواعد دعم متقدم لإسرائيل، بينما توجهت البقية إلى تل أبيب مباشرة، كما تتبعت أكثر من 1600 رحلة استطلاع جوي نفذت منها إسرائيل نحو 20% فقط، بالإضافة لتوثيق 1800 رحلة لتزويد الطائرات بالوقود في سماء المنطقة.
البيانات أظهرت احتلال بريطانيا المرتبة الأولى بين الدول الأكثر دعما للاحتلال، وذلك بأكثر من 47% من رحلات الاستطلاع، كما كشفت البيانات أن القوات الجوية البريطانية استعانت بطائرة من طراز “شادو آر1” في غالبية الرحلات، والتي تتميز بمجموعة متقدمة من أجهزة المراقبة والاستشعار تمكنها من تنفيذ المهام الاستخباراتية وفرض مراقبة مستمرة للتحركات على الأرض وتتبع المركبات وتنفيذ مهام تحديد الأهداف.
وتشير التقارير إلى مساعدة تلك الطلعات الجوية استخبارات الاحتلال في تحديد المناطق التي يجب قصفها، وتتبع قيادات المقاومة تمهيدًا لاستهدافها، بجانب تكثيف العمل للكشف عن أماكن اختباء الأسرى المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، مستعينة في ذلك بطائرات أكثر تقدمًا مثل “بي-8” والتي كانت تنطلق بشكل أساسي من قواعد خاضعة للهيمنة البريطانية في قبرص واليونان.
الدعم السياسي: LFI حالة
وبعيدًا عن الجانب التقني العسكري الاستخباراتي، هناك نافذة دعم أخرى لا تقل أهمية تفتحها بريطانيا على مصراعيها مساعدة لحليفها الإسرائيلي، حيث ترسيخ أركان اللوبي المؤيد للكيان المحتل في الداخل البريطاني، أو ما يعٌرف بـ “مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال” (Labour Friends of Israel – LFI) وتعزيز نفوذه بشكل كبير.
هذه المجموعة المكونة من 75 نائبًا من حزب العمال الحاكم ( زاد عددها بشكل لافت منذ بداية الحرب في غزة) يشكلون نحو 20% من إجمالي نواب الحزب، تلقت أكثر من 180 ألف جنيه إسترليني في شكل تبرعات من لوبي إسرائيل داخل بريطانيا، بينهم 15 نائبًا تلقوا تمويلًا مباشرًا من تل أبيب، وفق ما كشف تحقيق آخر لـ (Declassified UK ).
وتعمل تلك المجموعة المدعومة من اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا على خدمة المصالح الإسرائيلية وتمرير القوانين التي تصب في صالح تل أبيب، والتصدي لأي محاولات لتقليص الدعم والمساعدات المقدمة لـ “إسرائيل” خاصة المساعدات العسكرية، حيث وقفت تلك المجموعة أمام الكثير من المحاولات لتعليق تراخيص تصدير السلاح للكيان منذ بداية الحرب، فيما نفسها رسميًا بأنها “جماعة ضغط مقرها ويستمنستر تعمل مع حزب العمال لتعزيز دولة إسرائيل”.
ويتلقى أعضاء تلك المجموعة على تمويلات في صورة تبرعات ورحلات لتل أبيب من شخصيات موالية لإسرائيل مثل الملياردير تريفور تشين، بجانب جهات حكومية رسمية بينها وزارة الخارجية الإسرائيلية، ورغم أنها لا تكشف عن مصادر تمويلها، إلا أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدولة الإسرائيلية.
وكما هو معروف فإن شركة ( RUK Advanced Systems Limite) المرتبطة بشركة “رفاييل” الإسرائيلية ترعى بشكل أساسي المجموعة البرلمانية الموالية لإسرائيل داخل حزب العمال ( LFI) لكن مما يزيد الريبة أن تلك الرعاية بلغت 1499 جنيهاً استرلينياً، أي أقل بجنيه واحد فقط من الحد الأدنى (1500 جنيها إسترلينيًا) الذي يفرض على المجموعة إعلان الرعاية وفق القوانين، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الأمر مجرد مصادفة أم أسلوباً مقصوداً للتحايل على الشفافية والقانون وإخفاء حقيقة رعايتها لهذا اللوبي البرلماني.
تواطؤ بريطاني واضح
تكشف تلك التحقيقات الاستقصائية وتحليل بيانات الملاحة البحرية أن هناك تواطئًا بريطانيًا مباشرًا في جرائم الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة، وذلك عبر إخفاء ملكية بعض الشركات المتخفية تحت ستار أوراق رسمية بريطانية لكنها في الحقيقة تعمل لصالح تسليح جيش الاحتلال، بجنب نفوذ سياسي يمارس عبر مجموعات برلمانية بطرق شبه قانونية تٌمول من الإسرائيليين واللوبي الدعم لهم في بريطانيا.
النتائج التي خلصت إليها تلك التحقيقات تفضح ازدواجية الموقف البريطاني، ففي الوقت الذي يصرح فيه سياسيون بريطانيون مثل كير ستارمر وديفيد لامي بانتقادات حادة لإسرائيل بسبب حرب غزة، فإن مؤسسات الدولة تستمر في استقبال الضباط الإسرائيليين في برامج تدريبية رفيعة، وتسمح بتوريد الأسلحة والتكنولوجيا عبر شركات مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية، كما تروج لفكرة أن هذه التدريبات “تعزز الالتزام بالقانون الدولي”، رغم أن الواقع على الأرض يقول العكس.
ورغم إدخال قواعد جديدة على القانون البريطاني للحد من نفوذ الحكومات الأجنبية داخل الدولة، إلا أنه لم يتم التحقيق أو معاقبة مجموعة ( LFI) الداعمة لتل أبيب، وهو ما يشكك في مزاعم الشفافية والنزاهة التي تتشدق بها الحكومة البريطانية، مما يرسخ ويعمق من الازدواجية المكشوفة في التعاطي مع الملفات والقضايا، خطاب علني يدين الاحتلال والحرب، يقابله دعم عملي يعزز قدرات الجيش الإسرائيلي حتى لو كان عبر الانقلاب على القانون والدستور وبما يمسّ الاستقلال والسيادة الوطنية.
المطالبة بفتح تحقيق.. الجريمة لن تختفي
في الثاني من يونيو/حزيران الماضي وفي مقال له بصحيفة “الغارديان” كتب زعيم حزب العمال السابق وعضو مجلس العموم البريطاني، جيريمي كوربن قائلا إن الشعب البريطاني يستحق، أن يعرف مدى تواطؤ بلاده في الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، موضحًا أن بريطانيا بحاجة إلى تحقيق مماثل لتحقيق جون تشيلكوت الذي صدر عام 2016 عن حرب بريطانيا في العراق.
كوربن تعهد بفتح تحقيق موسع داخل البرلمان لإظهار الحقيقة بشأن تعاون بريطانيا العسكري والاقتصادي والسياسي مع إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والكشف عن طبيعة الأسلحة التي تم توريدها لجيش الاحتلال، وتحديد ما استخدم منها لقتل الفلسطينيين، وما المشورة القانونية التي تلقتها الحكومة؟ وما إذا كان قد استُخدمت قاعدة أكروتيري الجوية الملكية كطريق لتوصيل الأسلحة إلى غزة؟ وما المعلومات الاستخبارية التي تم نقلها إلى إسرائيل؟
واستشهد البرلماني البريطاني بما حدث في العراق، لافتا أنه بعد 22 شهرًا من الحرب الإسرائيلية في غزة لم تتوقف إمدادات بريطانيا من الأسلحة التي ظلت تتدفق على إسرائيل دون توقف، منوها أن حزب العمال قد وافق على تراخيص تصدير أكثر مما وافق عليها المحافظون بين عامي 2020 و2023، رغم إعلان الحكومة تعليقا جزئيا في سبتمبر/أيلول 2024.
وتعجب كوربن كيف لحكومة لا تزال تٌصدر أسلحة لدولة أخرى رئيس وزرائها مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مطالبًا أكثر من مرة بالكشف عن حقيقة دور القواعد العسكرية البريطانية في قبرص، ونقل الأسلحة إلى إسرائيل وتوفير المعلومات الاستخبارية العسكرية، ولكن أسئلتهم قوبلت بالمراوغة والعرقلة والصمت من الحكومة على حد قوله.
في الأخير بات واضحًا حجم التواطؤ البريطاني الفاضح في جرائم الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال ضد المدنيين في غزة، يرقيها لدرجة الشريك المتورط المٌستوجب للعقاب والملاحقة، وأن الإجراءات التي اتخذتها حكومة ستامر من تعليق لمحادثات بعض الاتفاقيات التجارية مع تل أبيب أو فرض عقوبات على عدد من المستوطنين غير الشرعيين في الضفة، لا تعدو كونها ذرًا للرماد في العيون ومسعى لتجميل الصورة وامتصاص غضب الرأي العام الثائر ضد هذا التواطؤ، محاولة تجميل فاشلة تفضحها مثل تلك التسريبات التي تكشف المستور وتسقط الأقنعة.