ترجمة وتحرير: نون بوست
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الثلاثاء، تقاريرها السنوية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، كاشفةً عن إدارة تسعى لتبييض سجل بعض من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم.
وحذفت الوزارة التقارير المُفرغة من مضمونها، والتي تغطي ما يقارب 200 دولة وإقليمًا، الإشارات إلى التمييز ضد مجتمع المثليين، وقلّصت المعلومات المتعلقة بانتهاكات الحكومات، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي والفساد الحكومي. كما لم تعد تتضمن أقسامًا مخصصة للتمييز والعنف الممنهج على أساس العِرق أو الانتماء الإثني، أو إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم جنسيًا.
وتحولت التقارير الخاصة بحقوق الإنسان، التي يفرضها الكونغرس وتُستخدم لتوجيه قرارات الولايات المتحدة في مجالي الدبلوماسية والمساعدات، تحوّلت إلى وثائق سياسية بحتة تستهدف الدول التي اصطدمت معها إدارة ترامب، بينما تتغاضى عن الانتهاكات التي يرتكبها حلفاء الإدارة.
وحظيت “إسرائيل” ودول مثل السلفادور وجنوب السودان وإيسواتيني، التي وافقت على استقبال المرحَّلين من الولايات المتحدة وفي بعض الحالات سجنهم ضمن ما يشبه شبكة السجون العالمية المتزايدة لترامب، بتعامل متساهل. أما جنوب أفريقيا، التي تقود قضية جرائم الحرب ضد “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية في لاهاي، فقد تلقت تقريرًا أكثر حدّة.
وانخفض عدد صفحات التقرير عن “إسرائيل” والضفة الغربية وقطاع غزة، على سبيل المثال، بأكثر من 91 بالمائة، حيث تراجع من 103 صفحات في العام الماضي إلى تسع صفحات فقط. بينما تضمنت الإصدارات السابقة – بما في ذلك تقارير من الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب – مواد مهمة عن الانتهاكات التي وثقتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، تم حذف هذه الروايات تقريبًا بالكامل من التقرير الجديد.
وتقرير “إسرائيل”، رغم كونه فاضحًا، ليس استثناءً؛ حيث تقلص التقرير الجديد عن السلفادور من 44 صفحة العام الماضي إلى 11 صفحة فقط. أما التقرير الذي صدر في عام 2024 فقد قدّم تفاصيل عن السجون المكتظة، ووردت فيه تقارير عن “عمليات القتل التعسفي وحالات الاختفاء القسري والتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على يد قوات الأمن، وأوضاع السجون القاسية والتي تهدد الحياة، إضافة إلى الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي”، من بين انتهاكات أخرى.
وذكر تقرير هذا العام عن السلفادور أنه “لم ترد تقارير موثوقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، بينما ادّعى في تناقض واضح أنه “لم تحدث تغييرات كبيرة في أوضاع حقوق الإنسان في السلفادور خلال العام.”
ووثّقت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية حالات احتجاز جماعي تعسفي وتعذيب وعنفٍ جنسي ضد النساء والفتيات في مراكز الاحتجاز، إضافة إلى حالات الاختفاء القسري في السلفادور. فعلى سبيل المثال، رصد تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية انتهاكات لحقوق الإنسان شملت الاعتقالات التعسفية، وإخفاقات جسيمة في النظام القضائي والاكتظاظ في السجون وظروف الاحتجاز اللاإنسانية والتعذيب، إلى جانب العديد من الانتهاكات الأخرى.
وقدمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية والمعلقة السابقة في قناة “فوكس” تامي بروس دفاعًا مرتبكًا عن تأثير ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو في تخفيف التقارير يوم الثلاثاء، واصفةً ذلك بأنه موقف متساهل تجاه حقوق الإنسان. وقالت بروس: “أود أن أطلب من الناس أن ينظروا إلى الأمر باعتباره مؤشرًا على وجهة نظرنا بشكل عام، أنه لا توجد دولة يتم استهدافها للإدانة أو الإشادة. إنها طبيعة الاتساق في كيف ينظر دبلوماسيونا، وطريقة نظر الرئيس ترامب والوزير روبيو إلى طبيعة ما يحدث في تلك البلدان”، مدعيةً أن التخفيضات تزيد من “سهولة القراءة” بينما تقضي على “المطالب والادعاءات المتحيزة سياسيًا”.
وقال النائب غريغوري ميكس، وهو ديمقراطي من نيويورك والعضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: “لقد حولت وزارة الخارجية تحت إدارة الوزير روبيو بشكل مخزٍ أداة كانت ذات مصداقية في السياسة الخارجية الأمريكية التي فرضها الكونغرس إلى أداة أخرى لتعزيز المظالم السياسية لحركة ماغا (اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا) وهواجس الحرب الثقافية”.
وأضاف ميكس: “تواصل هذه الإدارة إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بمصداقية أمريكا وقيادتها العالمية بينما تتراجع عن الدفاع عن حقوق الإنسان في الخارج وتهاجم سيادة القانون والحريات المدنية للأمريكيين هنا في الوطن”.
وتُعرف تقارير الخارجية الأمريكية هذه رسميًا باسم “تقارير الدول حول ممارسات حقوق الإنسان”، وهذه الوثائق السنوية مطلوبة بموجب القانون لتكون “تقريرًا كاملًا وشاملًا بشأن حالة حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا” في ما يقرب من 200 دولة وإقليم حول العالم. وتُستخدم هذه التقارير “من قبل الفروع التشريعية والتنفيذية والقضائية في الولايات المتحدة كمصدر لصياغة السياسة وتوجيه القرارات وإثراء الجهود الدبلوماسية وتحديد توزيع المساعدات الخارجية والمساعدة في قطاع الأمن”، وفقًا لوزارة الخارجية.
وقالت أماندا كلاسينغ، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصرة في منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة: “مع صدور تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان، أصبح من الواضح أن إدارة ترامب انخرطت في توثيق انتقائي جدًا لانتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول. إن الفشل في الإبلاغ بشكل كافٍ عن هذه الانتهاكات يضر أكثر بمصداقية الولايات المتحدة في قضايا حقوق الإنسان. ومن المخزي أن تقدم إدارة ترامب والوزير روبيو السياسة فوق حياة البشر.”
واستهدفت التعليمات التي صدرت في وقت سابق من هذا العام لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية، الذي تم تفكيكه ضمن إعادة هيكلة “أمريكا أولاً” من قبل روبيو، بشكل خاص مبدأ عدم الإعادة القسرية – المشتق من كلمة فرنسية تعني “العودة” – الذي يحظر إرسال الأشخاص إلى أماكن يكونون فيها معرضين لخطر الأذى. وهو مبدأ أساسي في حقوق الإنسان الدولية وقانون اللاجئين والقانون الدولي العرفي، ومضمن في القانون المحلي الأمريكي.
وتلقى موظفو وزارة الخارجية تعليمات محددة بأن تتضمن التقارير القُطرية القادمة “إزالة أي إشارة” إلى “إعادة الأشخاص إلى بلد قد يواجهون فيه التعذيب أو الاضطهاد”، وفقًا للمذكرة التي حصلت عليها “ذي إنترسبت” قبل إصدار التقارير الجديدة.
ويأتي غياب مبدأ عدم الإعادة القسرية في تقارير حقوق الإنسان الجديدة في الوقت الذي تبني فيه إدارة ترامب سجونًا عالمية، وتسعى لعقد صفقات مع حوالي ثلث دول العالم لطرد المهاجرين إلى أماكن لا يحملون فيها جنسيتها. وبمجرد نفيهم، يُحتجز هؤلاء الذين يُطلق عليهم “مواطنو الدول الثالثة” أحيانًا أو يُسجنون أو يكونون في خطر الإعادة إلى بلدهم الأصلي الذي قد يكونون قد فروا منه هربًا من العنف أو التعذيب أو الاضطهاد السياسي.
وفي الشهر الماضي، رحلت الإدارة خمسة رجال – من كوبا وجامايكا ولاوس وفيتنام واليمن – إلى مملكة إيسواتيني في جنوب إفريقيا، وهي ملكية مطلقة ذات سجل سيء في حقوق الإنسان. وتبع ذلك عن كثب ترحيل الولايات المتحدة لثمانية رجال إلى جنوب السودان الذي يعاني من العنف، وهو واحد من أكثر الدول قمعًا في العالم. كما أبرمت الإدارة مؤخرًا صفقة لطرد 250 شخصًا إلى رواندا، وهي دولة تنتهك حقوق الإنسان بشكل دائم.
وشهدت جميع هذه الدول انخفاضًا كبيرًا في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان فيها. فقد تم تقليص عدد صفحات تقرير وزارة الخارجية عن حقوق الإنسان في جنوب السودان بنسبة 65 بالمائة، من 57 صفحة في العام الماضي إلى 20. وشهدت إيسواتيني انخفاضًا بنسبة 57 بالمائة، من 40 صفحة إلى 17، بينما تقلصت مساحة لانتهاكات الموثقة بالنسبة لرواندا بنسبة 54 بالمائة، من 52 إلى 24 صفحة.
ولم يرد مسؤولو وزارة الخارجية على الأسئلة المتكررة من “ذي إنترسبت” بشأن الدور الذي لعبته عمليات ترحيل إدارة ترامب الخاصة بالدول الثالثة في تغيير التركيز.
وفي الوقت الذي قامت فيه وزارة الخارجية بتلميع سجلات حقوق الإنسان للدول ذات القادة ذوي التوجهات المشابهة، استهدفت الدول التي اصطدمت معها إدارة ترامب، منتقدة تراجع حرية التعبير في أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة على سبيل المثال.
ويشير تقرير هذا العام عن جنوب أفريقيا، التي اتهمت إدارة ترامب حكومتها بالتمييز العنصري ضد الأقلية البيضاء من الأفريكان، إلى أن سجل حقوق الإنسان في البلاد “تدهور بشكل كبير”. وانتقد التقرير جنوب أفريقيا لاتخاذها “خطوة مقلقة إلى حد كبير نحو مصادرة أراضي الأفريكان ومزيد من الانتهاكات ضد الأقليات العرقية في البلاد”. وقد زعم ترامب منذ فترة طويلة أن مصادرة الأراضي من البيض في جنوب أفريقيا أمر شائع، وهو ادعاء كاذب روّجت له الجماعات اليمينية في البلاد.
وكرّر ترامب وروبيو انتقاد قوانين المساواة العرقية في جنوب أفريقيا هذا العام، وخصوصًا إجراء صدر حديثًا يسمح للحكومة بمصادرة الأراضي المملوكة للقطاع الخاص دون تقديم تعويض، إذا اعتُبرت المصلحة العامة مقتضية لذلك. وأوضح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، في وقت سابق من هذا العام، أن بلاده لم تقم فعليًا بمصادرة أي أراضٍ.
في فبراير/ شباط، خفّض ترامب المساعدات إلى جنوب أفريقيا، متهمًا الحكومة بالتمييز ضد الأقلية البيضاء في البلاد من خلال سن “سياسات تهدف إلى تفكيك تكافؤ الفرص في العمل والتعليم والأعمال”. وأصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا دعا فيه الولايات المتحدة لإعادة توطين الأفريكان كلاجئين، واصفًا إياهم بـ”ضحايا التمييز العنصري غير العادل”. وقد أكّد الخبراء أنه لا توجد أي دلائل على استهداف المزارعين البيض بسبب عرقهم.
ويدعي التقرير الجديد لوزارة الخارجية عن جنوب أفريقيا أن حكومة رامافوزا “لم تتخذ خطوات موثوقة للتحقيق في المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الخطاب العنصري التحريضي ضد الأفريكان والأقليات العرقية الأخرى، أو العنف ضد الأقليات العرقية”.
وقالت أماندا كلاسينغ من منظمة العفو الدولية إن التقارير الجديدة لوزارة الخارجية كانت غير مسبوقة في وضع السياسة بشكل مباشر فوق حقوق الإنسان، وأضافت: “لقد انتقدنا التقارير السابقة عندما كان ذلك مبررًا، لكننا لم نر تقارير مثل هذه من قبل. ولم يسبق أن ذهبت التقارير إلى هذا الحد في إعطاء الأولوية لأجندة سياسية للإدارة على حساب توثيق متسق وصادق لانتهاكات حقوق الإنسان حول العالم”.
وتابعت كلاسينغ: “يعرف الوزير روبيو جيدًا من وقته في مجلس الشيوخ مدى أهمية هذه التقارير في توجيه القرارات السياسية وتشكيل المحادثات الدبلوماسية، ومع ذلك فقد اتخذ القرار الخطير وقصير النظر بإصدار نسخة مختصرة لا تروي القصة الكاملة لانتهاكات حقوق الإنسان. وهذا يرسل رسالة مخيفة بأن الولايات المتحدة مستعدة لتجاهل بعض الانتهاكات، مما يشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان قد يتركون لمواجهة مصيرهم بأنفسهم.”
المصدر: ذي إنترسيت