قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب، السبت 16 أغسطس/آب الجاري، وقف تأشيرات الزيارة للأشخاص القادمين من قطاع غزة، بما فيهم المرضى والمصابين والأطفال، فيما أرجعت الخارجية الأمريكية في بيان لها على منصة (إكس) هذا القرار لإجراء “مراجعة كاملة وشاملة”.
القرار اعتبر استجابة لحملة الضغط المكثفة التي قادتها الناشطة اليمينية المتطرفة، لورا لوومر، صاحبة التاريخ المشين في الهجوم على كل ما هو إسلامي، والتي شنت، عبر سلسلة من التغريدات، هجوما لاذعا واصفة الرحلات القادمة من القطاع بأنها “تهديد للأمن القومي”، وهو الوصف الذي شاركها فيه النائب عن فلوريدا، راندي فاين.
وكانت جمعية شفاء فلسطين (HEAL Palestine) وهي منظمة غير ربحية وغير دينية مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية، تأسست في عام 2024 لتقديم الإغاثة العاجلة والدعم طويل الأمد للأطفال والأسر الفلسطينية، قد ساعدت منذ بداية حرب الإبادة الحالية التي يشهدها قطاع غزة في منح الغزيين تأشيرات دخول لأمريكا لتلقي العلاج بعدما دمّر الاحتلال المنظومة الصحية الغزية بأكملها.
القرار مثّل ضربة قاسية للمرضى الفلسطينيين، خاصة الأطفال منهم، والذين كانوا يستعدون لتلقي العلاج عبر منظمات خيرية أمريكية، فيما وصفته المنظمات الحقوقية بـ “القاتل”، ليس فقط لأنه يحرم أطفالًا من حق العلاج الذي كفلته المواثيق الدولية في كل زمان ومكان، بل لأنه يٌسخر حياة الفلسطينيين كورقة في لعبة سياسية، ويحول التأشيرات الإنسانية كأداة للمزايدة الانتخابية الرخيصة، وعلى الجانب الأخر يفضح الازدواجية الأمريكية في توظيف ملف الهجرة ويٌسقط عنها أقنعة الحضارة المزيفة والديمقراطية الهشّة.
حياة الالاف على المحك
أسفرت حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال ضد المدنيين في غزة عن إصابة أكثر من 56,000 فلسطيني، بينهم نحو 12,000 طفل ومثلهم من النساء، فضلًا عن استشهاد ما يقارب 62,000 شخص، منهم حوالي 19,000 طفل، و12,500 امرأة، و4,500 مسن، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في غزة.
وأحدثت المجازر التي ارتكبها المحتل والتي تجاوزت 14 ألف مجزرة عن حدوث إصابات بالغة بين الأطفال، ما بين حروق وبتر ومضاعفات جراء الجوع والمياه الملوثة، الأمر الذي يضع حياة عشرات الالاف منهم على قوائم الموت البطي، قصفًا أو تجويعًا، ووفق الإحصائيات يسقط طفل قتيل كل 40 دقيقة، وسيدة كل 60 دقيقة.
تتفاقم الكارثة مع التدمير الممنهج للمنظومة الصحية والذي يأتي في سياق مخطط دفع الغزيين نحو التهجير بعد وأد مقومات الحياة في القطاع، وتحويله إلى أرض قاحلة لا حياة فيها ولا سبل للعيش، ما يعني أن كل طفل مصاب أو جائع لا مصير له سوى الموت، فلا طعام مسموح له بالدخول ولا مشافي صامدة للعلاج فيها ولا مستلزمات طبية وأدوية تٌنقذ ما يمكن إنقاذه.
أمام هذا الوضع الإنساني المٌخزي ليس هناك من سبيل سوى مغادرة المصابين القطاع، بعدما خرج نهائيًا عن الخدمة، لتلقي العلاج بالخارج، وفي أعقاب العراقيل التي وضعت مؤخرًا أمام نقل الجرحى لدول الجوار، مصر والأردن تحديدًا، بات البحث عن منافذ أخرى ضرورة قومية لإنقاذ الأطفال خاصة أصحاب الحالات الحرجة، ومن هنا تصدت المؤسسات الخيرية الأمريكية لهذه المهمة الإنسانية.
التأشيرات الإنسانية
قبل أسابيع، وبينما وصلت الأوضاع في غزة إلى مستويات بات بقاء الأطفال فيها انتحار، بدأت منظمة ( HEAL Palestine) ومقرها أوهايو، والتي تدير مطابخ للطعام في القطاع كذلك، بتنظيم ما وصفته بأنه “أكبر عملية إجلاء طبي منفردة للأطفال المصابين من غزة إلى الولايات المتحدة”، حيث جرى نقل أطفال مصابين ومرضى من غزة لتلقي العلاج في أميركا.
وبلغ من تم إجلائهم من القطاع للولايات المتحدة حتى كتابة تلك السطور 63 طفلاً، 11 منهم تتراوح أعمارهم بين 6 – 15 عامًا، أكثرهم يعانون من بتر أطرافهم، حيث تم نقلهم إلى عدة مستشفيات في تسعة مدن أمريكية، ومن المقرر أن يعودوا بعد انتهاء علاجهم إلى الأراضي المصرية حيث الالتحاق بأسرهم المقيمين هناك بحسب المنظمة.
وتصف الشريكة المؤسسة للمنظمة، الدكتورة زينة سلمان، الرحلات الطبية التي قامت بها خلال هذا الشهر بأنها مسألة حياة أو موت، قائلة إن “هؤلاء الأطفال لم يكن بوسعهم الانتظار… حياتهم على المحك، وهذه المهمة تتعلق بإعطائهم مستقبلًا، أما طبيب الطوارئ المتطوع في المؤسسة محمد صُبَه، فأشار إلى أننه سبق أن عالج بعض الأطفال الذين وصلوا مؤخرًا إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو خلال عمله في غزة، وأوضح أن الإصابات شملت صدمات عظمية وحروقًا شديدة، فاقمتها سوء التغذية.
حملة يمينية متطرفة.. شيطنة الإنسانية
خلال الأسابيع الماضية شهدت منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية حملة شيطنة ممنهجة من اليمين المتطرف ضد رحلات العلاج للفلسطينيين داخل الولايات المتحدة، قادتها الناشطة لوراء لوومر، التي تملك تأثيرًا كبيرًا على قرارات إدارة ترامب المتعلقة بالسياسات رغم عدم شغلها منصبًا رسميًا، فقالت إنها علمت بأمر الرحلات في وقت سابق من هذا الشهر.
وفي مقابلة لها قالت إنها “شعرت أن هذا أمر يستحق الانتباه… في ظل إدارة ترامب، هم يجلبون الغزيين إلى الولايات المتحدة، من الواضح أن هذا ليس ما صوّت له الناس.، كما سلطت الضوء على مقطع فيديو نشرته ( HEAL Palestine ) في 6 أغسطس/آب الجاري يُظهر أطفالًا فلسطينيين يصلون إلى مطار سان فرانسيسكو.
وواصلت الناشطة المتطرفة شيطنتها لتلك المؤسسة والعاملين بها ونواياها بشأن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأطفال العالقين في القطاع، زاعمة أن مثل تلك الكيانات مرتبطة بحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وأرسلت بمزاعمها تلك لعدد من المسؤولين الفيدراليين ونواب البرلمان الأمريكيين ممن تلقفوا تلك البضاعة الرخيصة وبدأوا في الترويج لها.
من جانبه علق النائب الجمهوري تشيب روي من تكساس على منشورات لوومر على منصة “إكس”، قائلاً إنه “قلق للغاية بشأن الرحلات القادمة” وإنه يجري تحقيقات، فيما أكدت الناشطة المتطرفة أنها تحدثت مع وزير الخارجية ماركو روبيو ليلة الجمعة 15 أغسطس/آب لتنبهه إلى الرحلات وما وصفته بـ “خطر غزو إسلامي”، لتتخذ الإدارة الأمريكية قرارها بوقف الموافقة على منح التأشيرات للغزيين في اليوم التالي مباشرة.
🚨 BREAKING 🚨
Following the release of my reports yesterday exposing flights of GAZANS arriving at airports all across the US, the US State Department just announced that “All visitor visas for individuals from Gaza are being stopped” while the US @StateDept “conducts a full… https://t.co/mI5APTairz
— Laura Loomer (@LauraLoomer) August 16, 2025
لم تكن حملة “لوومر” هي الأولى من شأنها، فلها تاريخ طويل من النشاط المعادي للإسلام، ففي عام 2017، نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تعليقًا رحّبت فيه بموت 2000 لاجئ غرقًا أثناء محاولتهم الفرار من العنف في سوريا ودول أخرى ذات أغلبية مسلمة عبر البحر المتوسط، كما كانت من أشد الداعين لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، كما مارست ضغوطا على أعضاء الكونغرس والإدارات المتعاقبة لتحقيق ذلك، وفي الأسبوع الماضي، قال روبيو إن مثل هذا التصنيف من وزارة الخارجية “قيد التنفيذ”.
حملة الشيطنة تلك لم تتوقف عند حاجز الرحلات العلاجية للفلسطينيين وفقط، بل طالت كل من تجرأ وأبدى دعمه لما يتعرض له أطفال غزة من إبادة، أخرها المعلمة والإعلامية الأمريكية، “ميس رايتشل”، مؤسسة قناة “Songs for Littles” على يوتيوب، التي تركز على تطوير اللغة للأطفال من حديثي الولادة حتى سن ما قبل المدرسة.
في مايو/أيار 2024 أطلقت رايتشل حملة جمع تبرعات عبر منصة (Cameo) لدعم أطفال غزة بعد الحرب، وبالفعل جمعت خلالها أكثر من 50,000 دولار لدعم الأطفال في غزة والسودان وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. كما ظهرت في مقطع فيديو مؤثر مع الطفلة رهف من غزة، التي فقدت ساقيها في غارة جوية، مما أثار ردود فعل متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي .
وعلى الفور تعرضت الناشطة الأمريكية لهجوم شرس من قبل إحدى المنظمات الداعمة لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة تسمى (STOP Anti-Semitism) فقط لأنها نشرت بوستات داعمة لأطفال الحروب، وصلت إلى حد المطالبة بتحقيق رسمي معها بزعم الترويج لأفكار خاصة بحماس مقابل تلقي تمويلات منها.
حين تكون الإنسانية ورقة انتخابية
في دولة الحريات المزعومة توظف الإنسانية كورقة ابتزاز سياسي رخيصة، ويتم التعاطي مع ملف التأشيرات الممنوحة لعلاج الأطفال المبتورين والمرضى من أبناء غزة كسلاح انتخابي لكسب ود تيار ما لحصد أصواته الانتخابية ودعمه المالي واللوجستي، وهو ما تفعله الإدارة الأمريكية الراهنة من الجرحى الغزيين.
فالجمهوريون يميلون لتصوير أي انفتاح تجاه الفلسطينيين كخطر على “الأمن القومي”، ويستثمرون في خطاب التخويف لكسب أصوات القاعدة اليمينية المتطرفة التي تتعامل مع القضية الفلسطينية برمتها كمسألة حياة أو موت، وترمومتر دقيق لقياس مدى أهلية تيار أو شخص ما لكسب الدعم والتأييد.
وعلى الجانب الأخر يتجنب الديمقراطيون المواجهة والصدام مع أبناء المتطرفين الشعبويين، خاصة في ظل تنامي قاعدتهم الانتخابية، وعليه يغضون الطرف عن أي ممارسات متشددة تجاه الفلسطينيين، وفي الغالب ما يبررون تلك القيود بمسوغات “إجرائية” أو “أمنية”، خشية اتهامهم بالتساهل مع “الإرهاب”.
وهكذا تحول ملف التأشيرات من مسألة قنصلية خالصة، تخضع لتقدير قنصلي مهني، وفق ضوابط وشروط محددة، وذات اعتبارات عدة من بينها الاعتبار الإنساني، إلى ملف خاضع لميزان قوى الداخل، خاصة في مواسم الانتخابات، ليصبح الطفل الفلسطيني، حتى وإن كان على مشارف الموت وبحاجة ماسة للعلاج، إلى أداة في مسرح الاستقطاب الحزبي.
قد يتماشى هذا القرار مع النهج العام لإدارة ترامب التي تعتبر المهاجرين تهديدًا للأمن العام الأميركي، لكن من الصعب جدًا تصور كيف يمكن لطفل جاء إلى أميركا لتلقي علاج ينقذ حياته أن يشكل خطرًا على الأمن القومي، كما جاء على لسان نائبة مدير برنامج سياسة الهجرة الأميركية في معهد سياسات الهجرة، جوليا غيلات، التي أوضحت أن أكثر من 9,000 شخص يحملون وثائق سفر صادرة عن السلطة الفلسطينية دخلوا الولايات المتحدة بتأشيرات زيارة خلال السنة المالية 2024.
هذا ما أكد عليه الدبلوماسي الأمريكي، أندرو ميلر، المسؤول السابق رفيع في وزارة الخارجية لشؤون الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي في إدارة بايدن، والذي قال إن الغزيين لا يحصلون على تأشيرات للولايات المتحدة إلا عبر السفارات في القدس أو القاهرة أو عمّان، وبعد اجتياز فحوصات أمنية، وأحيانًا يتطلب الأمر موافقة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مضيفًا “من خلال خبرتي، أي ادعاء بأن هذه الحالات تشكّل مخاطرة أمنية استثنائية لا أساس له؟.
ازدواجية تسقط الأقنعة
كشف هذا القرار بشكل لا لبس فيه عن الازدواجية الفجّة التي توصم بها السياسة الأمريكية، فحين يقارن الموقف إجمالا بين كيفية التعاطي مع الأوكرانيين والفلسطينيين، في ظل القواسم المشتركة الخاصة بالظروف المتشابهة نسبيًا، في حدودها الإنسانية الدنيا، تسقط الكثير من الأقنعة المزيفة التي طالما ارتدتها أمريكا تحت شعار الإنسانية والدفاع عن الحقوق.
فمنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، قدّمت واشنطن مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية واقتصادية، كما فتحت البلاد أبوابها بسهولة أمام الأوكرانيين للهجرة المؤقتة واللجوء الإنساني، بجانب دعمهم دبلوماسيًا على كل المستويات الدولية، فيما سٌلط الضوء إعلاميًا على معاناة المدنيين الأوكرانيين بشكل مكثف، مع التأكيد على حقهم في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم الإنسانية، وهو ما لم يتحقق مع الفلسطينيين.
بالنسبة للأوكرانيين، يتم التعامل معهم غالبًا وفق قوانين حماية اللاجئين والحالات الإنسانية الطارئة، أما بالنسبة للفلسطينيين، غالبًا ما تُربط الإجراءات بتقييمات الأمن القومي أو بالمصالح السياسية، مثل الادعاءات الأمنية التي ساقتها لوومر بشأن الرحلات الطبية، ويخلق هذا الاختلاف ازدواجية صارخة في تطبيق المعايير الإنسانية والقانونية.
وعليه تتبنى واشنطن معايير مزدوجة في هذا الملف، دعم مباشر وواسع للأوكرانيين مقابل تسييس ومعوقات للفلسطينيين، فيما تضع الأمن والسياسة كأولوية مقدمة على الإنسانية، فالفلسطينيين يُقَيَّدون تحت ذريعة الأمن القومي، بينما الأوكرانيون يُعاملون كضحايا يستحقون الحماية.
تأشيرات الفلسطينيين.. تاريخ من التسييس
لم يكن قرار السادس عشر من أغسطس/آب 2025 هو الأول من نوعه بشأن تعليق تأشيرات دخول الفلسطينيين للولايات المتحدة، فهو امتداد لتاريخ طويل من تسييس هذا الملف، منذ ثمانينات القرن الماضي، ففي أعقاب هجوم ميونيخ 1972، دشّنت إدارة الرئيس ريتشادر نيكسون ( 1913 – 1994) ما عُرف بـ”عملية بولدر”، وهي خطة لتعزيز التدقيق الأمني على القادمين من الشرق الأوسط، وعلى رأسهم الفلسطينيون.
ومنذ ذلك الحين، ارتبطت الهوية الفلسطينية في المخيلة الأمنية الأمريكية بمفهوم “الخطر” و”التهديد المحتمل”، ما وضعها في خانة استثنائية مقارنةً بجاليات أخرى.
تصاعد الأمر لاحقا في التسعينات وإن خفت قليلا بعد اتفاقيات أوسلو 1993، ليعاود التصعيد مجددُا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011، حيث وضع الفلسطينيون – كما العرب والمسلمون- على دوائر التدقيق الأمني المشدد، وإن كانت معاناة الفلسطينيين مزدوجة، مرة بحكم انتمائهم الجغرافي–القومي، ومرة ثانية بفعل عدم امتلاكهم دولة معترفًا بها تمنحهم جوازات سفر “موثوقة”
ثم جاءت حرب غزة الحالية لتفضح المتبقي من عار التسييس الذي شاب هذا الملف، فبعد أيام قليلة من اندلاعها قُدّمت مشاريع قوانين في الكونغرس مثل ( GAZA Act ) وSAFE Act) ) تهدف إلى حظر منح التأشيرات أو اللجوء للفلسطينيين، وإلغاء أي إقامة أو تأشيرة حصلوا عليها بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023. ورغم أن هذه المشاريع لم تُصبح قوانين نافذة، إلا أن مجرد طرحها يُظهر كيف بات الوجود الفلسطيني في أمريكا موضوعًا انتخابيًا وحزبيًا.
كارثة محققة.. حبيبة نموذجا
لعل قصة الطفلة الفلسطينية حبيبة نموذجا صارخًا على الأثار المترتبة على التأخير في علاج الأطفال، إذ فقدت ذراعيها وساقها بسبب أنها لم تتلق العلاج المطلوب في الوقت المناسب، وهناك عشرات الالاف مثل حبيبة عليهم أن يواجهوا نفس المصير إذا لم يتم علاجهم في أسرع وقت وقبل فوات الأوان.
الأطباء المعالجون لحبيبة، التي غادرت لاستكمال علاجها في الأردن، يقولون إنه كان الممكن إنقاذ أطرافها لو أُطلق سراحها وسمح لها بالسفر للعلاج بالخارج، لافتين أن كل شيء داخل القطاع مُصمم للقتل أو إلحاق أكبر ضرر ممكن، محذرين في الوقت ذاته من تداعيات أي قرار من شأنه تأخير السفر لتلقي العلاج المناسب، فكما أن هناك صراع مع المرض فهناك صراع مواز مع الزمن.
القرار الأمريكي الأخير أصاب العديد من المنظمات الخيرية الأمريكية مثل صندوق إغاثة أطفال فلسطين (PCRF) بالصدمة، فيما وصفته منظمات حقوقية داخلية بالقاتل، إذ يختزل حياة الطفل في لعبة سياسية داخلية، لا تري أي اعتبارات إنسانية ولا أخلاقية، ويضع عشرات الالاف منهم على قوائم الموت البطيء.
ومع كل دقيقة في تأخير سفر المصابين للعلاج في الخارج يتفاقم المشهد وتزداد قوائم الموت اسما تلو الأخر، وهي الخطوة التي لا يقتصر أثرها على المريض فحسب، بل على عائلته كذلك، إذ يرون أن حياة أبنائهم باتت أسيرة خطاب انتخابي أمريكي وأداة لكسب حفنة أصوات لا قيمة لها.
حتى المنصفين من الأمريكان يعلمون جيدًا أن مثل تلك القرارات العنصرية تعمل على تآكل صورة واشنطن الدولية، فكيف يمكن لدولة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن تمنع تأشيرة طفل يحتاج إلى عملية قلب أو علاج سرطان، وعليه تضعف قدرتها على تقديم نفسها كوسيط “محايد” في الصراع، وتعزز الرواية القائلة إنها طرف منحاز يضع اعتبارات إسرائيل فوق أي التزام إنساني.
في الأخير.. فإن أقبح ما في ملف تسييس تأشيرات العلاج للفلسطينيين، أنه يُفرغ المفهوم الإنساني من معناه، ويحول حياة طفل أو امرأة إلى “ملف أمني” أو “ورقة انتخابية” لتواصل الولايات المتحدة سقوطها الفاضح في هذا الاختبار الكاشف، فحين يتعارض البعد الإنساني مع الحسابات السياسية، تنتصر السياسة ولو على حساب حياة طفل وضعه القدر في حرب إبادة لا ناقة له فيها ولا جمل.