عند سؤاله عما إذا كان ينوي تصنيف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، أكبر منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية للمسلمين في الولايات المتحدة والداعمة للفلسطينيين، كمنظمة إرهابية، أجاب وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بأن العمل جارٍ بالفعل في هذا الاتجاه، قائلاً: “كل ذلك قيد التنفيذ”.
روبيو وخلال مقابلة إذاعية له في بودكاست (Sid & Friends In the Morning) الثلاثاء 19 أغسطس/آب 2025، كشف وبشكل علني عن نوايا الإدارة الأمريكية في المضي قدمًا نحو استهداف المنظمة الحقوقية الداعمة للفلسطينيين، والعمل على تشريع ذلك قانونًا عبر إعداد الأدلة القانونية والوثائقية لتمرير تلك الاتهامات رسميًا، وتابع “أي مجموعة يمكن أن تقول: لسنا إرهابيين، لذلك يجب أن نُقدّم أوراقًا وأدلة مثل حل مسألة رياضية أمام المحكمة، لا يكفي أن نعرف الحقيقة، بل يجب أن نوثقها ونبررها قانونيًا، لأن هناك دائمًا قضاة فيدراليين مستعدون لإصدار أوامر قضائية شاملة تعرقل عمل الحكومة، لذا علينا أن نكون في غاية الحذر، ومع ذلك، فإننا نراجع باستمرار المنظمات التي قد يُعاد تصنيفها كداعمة للإرهاب أو إرهابية بحد ذاتها”.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي التي كشف بها النقاب عن منهجية استهداف كل صوت داعم للحقوق الفلسطينية في مواجهة العربدة الإسرائيلية، تزامنت مع حملات مؤدلجة تتبنى خطوطًا ومسارات ثابتة، تعزف على أوتار الشيطنة والترهيب وكسر موجة التعاطف العالمي مع الفلسطينيين والتي بلغت ذروتها مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي كان لها مفعول السحر في تغيير المزاج الشعبي الدولي ونسف السرديات الإسرائيلية المضللة عن دولة الحضارة المزعومة.
وبات خطاب “الحرب على الإرهاب” منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 حجر الزاوية الرئيسي في السياسة الدولية بصفة عامة والأمريكية الغربية على وجه الخصوص، حيث وظفته القوى الكبرى لتبرير سياساتها العسكرية والأمنية على المستوى الدولي، لكن مع مرور الوقت تحول هذا الخطاب إلى ورقة وأداة لتجريم الأصوات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وشيطنتها إما بالإرهاب أو معاداة السامية، بهدف تقييد حرية التعبير والتضامن مع القضية الفلسطينية ووأد الصوت الفلسطيني في المجتمع الغربي خاصة بعدما بلغ مستويات من الانتشار والتأثير أقلقت المنظومة الصهيونية وداعميها، لا سيما بعدما وضعت القضية الفلسطينية تحت مجهر الاهتمام العالمي.
حملة شيطنة ممنهجة
بدأت خطوط الاستهداف بحملة شيطنة ممنهجة، شاركت فيها وسائل إعلام وشخصيات سياسية ودينية، حاولت تشويه (CAIR) وبقية المنظمات الأمريكية الأخرى الداعمة للفلسطينيين بصفة عامة، تارة عبر إلصاق تهم الإرهاب بها وتارة عبر وصمها بجريمة معاداة السامية التي باتت ورقة ترهيب تٌشهر في وجه كل من يغرد خارج السرب.
الحاخام يعقوب مينكن، المدير الإداري لـ “ائتلاف القيم اليهودية”، وهي منظمة يهودية أمريكية محافظة “أرثوذكسية” تقترب فكريًا من التيار اليميني الأمريكي ومؤيدة بشدة لإسرائيل، وغالبًا ما يصدر بيانات ضد المنظمات الإسلامية أو المؤيدة للفلسطينيين، حاول في مقال له الربط بين مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) وما أسماه “الإرهاب منذ تأسيسه في التسعينيات”.
زعم مينكن المعروف بمواقفه المناوئة لفلسطين والداعمة بشدة لتل أبيب أن العديد من العمليات المتطرفة التي شهدتها كنائس الولايات المتحدة مؤخرًا كان لها علاقة بخطاب “كير” الداعم للفلسطينيين، مستشهدا بالهجوم على كنيس يهودي في تكساس عام 2022، كما حاول الربط بين مؤسسي المجلس ورابطة فلسطين الإسلامية (IAP)، التي وصفتها بأنها “واجهة لحماس”.
وحاول الحاخام المتطرف تصوير”كير” باعتبارها جماعة محرضة على الكراهية، مطالبًا الشارع الأمريكي بالتعامل معها وفق تلك الصورة بدلا من صورتها الرسمية المعروفة للجميع كونها مؤسسة مدنية حقوقية، في خطاب تحريضي مباشر يستوجب المحاسبة والعقاب إذا ما خٌضع لقوة القانون واللوائح.
في ذات السياق، شنّ السيناتور الجمهوري توم كوتون، الأسبوع الماضي، انتقادات حادة للمؤسسة، موجها رسالة إلى مصلحة الضرائب الأمريكية طالب فيها بإلغاء الصفة غير الربحية عنها، متهمًا المنظمة بوجود “صلات بأنشطة إرهابية” مرتبطة بـ”حماس والإخوان المسلمين”.
غزة السبب
أرجعت “كير” تلك الحملة التي تتعرض لها إلى موقفها العلني من الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، لافتًة أن هذا هو السبب الحقيقي وراء غضب المشرّعين المحافظين وجماعات الضغط الموالية لـ”إسرائيل”، وفي رسالة بعثت بها المؤسسة ردًا على ما تتعرض له من تشويه قالت: “بالنسبة لهذه الجماعات، التي تُعطي الأولوية القصوى لحماية الحكومة الإسرائيلية من أي انتقاد، فإن أي مسلم أمريكي يعترف بأن الفلسطينيين بشر يستحقون الحرية يُعتبر تهديدًا يجب تشويهه وإسكاته، والسبب الحقيقي وراء الاستهداف المستمر لـ CAIR هو دفاعنا الثابت عن حقوق الفلسطينيين”.
ودافع المجلس عن سجله الحقوقي على مدار سنوات طويلة، لافتًا إلى أنه يتعرض للهجوم من قبل جماعات متطرفة من مختلف الاتجاهات، وأنه على مدى 30 عامًا كان يرفع صوته ضد جميع أشكال التمييز والكراهية، بما في ذلك العنصرية ضد السود، والإسلاموفوبيا، والعنصرية المعادية للفلسطينيين، ومعاداة السامية، فضلًا عن جميع أشكال العنف غير العادل مثل جرائم الكراهية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والإرهاب.
كما أوضح أن المنظمة أمضت سنوات في تفنيد مزاعم متطرفين معادين للمسلمين وأيضًا متطرفين مسلمين يحاولون تصوير الإسلام كدين للعنف، وجاء في الرسالة: “في الواقع، لقد أدنّا الإرهاب لدرجة أن تنظيم داعش وضع مديرنا التنفيذي الوطني نهاد عوض على قائمة الاستهداف” وذلك في أعقاب مقال كتبه في مجلة “التايم” عام 2014 أدان فيه التنظيم، واصفًا إياه بأنهم “مجرمون معادون للإسلام وليسوا مجاهدين”
وفي المقابل أشار المجلس إلى أن جماعات الكراهية المعادية للمسلمين والفلسطينيين أمضت سنوات وهي تروّج لمزاعم زائفة وسخيفة تربط المنظمة في آن واحد بتنظيم داعش، والقاعدة، وحزب الله، وحماس، والسعودية، وتركيا، والإخوان المسلمين، معلقًا في رسالته: “لا شيء من ذلك منطقي لأنه ببساطة غير صحيح.”
وردًا على مزاعم تلقيه تمويلا من جهات داعمة للفلسطينيين، أكد المجلس أنه منظمة أمريكية مستقلة غير ربحية، تلتزم بجميع القوانين الفيدرالية والمحلية، ولم تكن يومًا عضوًا أو فرعًا أو تابعًا لأي منظمة أجنبية، مختتمًا رسالته بقوله “الاختلاف في الرأي ليس مبررًا للتشهير العلني، فضلاً عن اتخاذ إجراءات قانونية.”
قوانين الإرهاب كـ”ورقة ضغط”
ثمة مؤشرات تبرهن على أن جزء كبير من القوانين الأمريكية لمكافحة الإرهاب كانت مدفوعة بأجندات معادية للفلسطينيين منذ بدايتها، على رأسها قانون “دعم الإرهاب” (Material Support to Terrorism)، الذي تحول إلى سلاح لتجريم الدعم السياسي والحقوقي للفلسطينيين، حتى وإن كان هذا الدعم يشمل أنشطة سلمية مثل تقديم المساعدات الإنسانية أو المشاركة في حملات المقاطعة.
وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك منها حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات (BDS) التي أطلقتها منظمات فلسطينية عام 2005، بهدف الضغط على “إسرائيل” لإنهاء الاحتلال وتحقيق حقوق الفلسطينيين، حيث تتعرض لحملات تشويه واسعة، إذ صٌنفت من قبل بعض الحكومة الأمريكية والعديد من المنظمات كحركة إرهابية، وجٌمدت حسابات بنكية تابعة لها مما أثر سلبًا على قدرتها على جمع التبرعات وتنفيذ مشاريعها، الوضع ذاته في ألمانيا، حيث صنفتها الحكومة كحركة متطرفة، مما أدى إلى تقييد أنشطتها في الجامعات والمؤسسات العامة.
وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلنت الولايات المتحدة وكندا بشكل مشترك عن فرض عقوبات إرهابية على منظمة “الصامد” للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين، ومقرها فانكوفر (غرب كندا)، بزعم أنها تعمل كـ “جهة جمع تبرعات دولية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (PFLP)”، التي صُنفت كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في 1997، كما صنفت خالد بركات، المواطن الكندي، كـ “إرهابي” بسبب تورطه مع المنظمة.
وزارة الخارجية الأمريكية توقف إصدار جميع تأشيرات زيارة الفلسطينيين من #غزة.. من يقف وراء القرار؟ pic.twitter.com/7k1DgauxP6
— نون بوست (@NoonPost) August 19, 2025
كما أقر مجلس النواب الأمريكي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مشروع قانون ( H.R.9495) المعروف باسم “قانون وقف تمويل الإرهاب والعقوبات الضريبية على الرهائن الأمريكيين”، الذي يسهّل على الحكومة الأمريكية إنهاء الوضع الضريبي المعفي للمنظمات المساندة للإرهاب، بما في ذلك منظمات تعمل لصالح الحقوق الفلسطينية، كما قدمت النائبة فيرجينيا فوكس مشروع قانون (H.R.10257 لحماية الحرية الاقتصادية، الذي يمنع أي مؤسسة تعليمية أمريكية تشارك في مقاطعة تجارية لإسرائيل من الحصول على مساعدات طلابية اتحادية، في سياق تشريعات محلية مشابهة في 37 ولاية أمريكية.
وهناك عشرات القضايا المرفوعة لترهيب الداعمين للقضية الفلسطينية والمنددين بـ”إسرائيل”، مؤسسات وأفراد، بعض تلك القضايا تم حفظه والأخر عٌطل بأمر قضائي، ففي يوليو/تموز الماضي أوقف قاضٍ فيدرالي أمرًا تنفيذيًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهدف موظفين في المحكمة الجنائية الدولية بعد محاولات المحكمة مقاضاة مسؤولين إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب.
"مارست إسرائيل حملة دعائية هائلة لتشويه صورة المسلمين عند الشعب الأمريكي".. استمع إلى ما قاله الإعلامي الأمريكي التركي، جينك أويغور، حول الموضوع#غزة pic.twitter.com/s19GaHlJ2m
— نون بوست (@NoonPost) August 19, 2025
كما رفض قاضٍ فيدرالي آخر الأسبوع الماضي دعوى قضائية اتهمت منظمات مؤيدة لفلسطين، بينها “طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)”، بنشر “دعاية حماس”، وأوضح القاضي أن المدعين لم يقدّموا أي دليل على أن الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 جرى التخطيط له أو تمويله أو تنفيذه داخل الولايات المتحدة.
وتعليقًا على تكريس الولايات المتحدة لمنظومتها القانونية لمكافحة الإرهاب لاستهداف كل صوت داعم لفلسطين ومندد بجرائم الاحتلال بعثت المستشارة القانونية العامة ومديرة التقاضي الوطنية في “CAIR” لينا مصري، برسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي وصفت فيها تصريحاتها بأنها “غير عقلانية” وأضافت “ردك، سواء كان مقصودًا أم لا، بدا وكأنه يثير احتمال أن وزارة الخارجية تحاول إيجاد وسيلة لاستخدام قوانين الإرهاب الفيدرالية كسلاح ضد CAIR ومؤسسات المسلمين الأمريكيين الأخرى، بناءً على نظرية مؤامرة مفنّدة”.
الترهيب وبث الخوف
ما لا يتحقق بالقانون يمكن تحقيقه بالترهيب وبث الخوف بين الداعمين لفلسطين وتفتيت لحمتهم الداخلية وزرع بذور الفتنة بداخلهم، هذا ما تحاول السلطات الأمريكية فعله خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد حالة السعار التي أصابت التيار الصهيوني جراء اتساع رقعة المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني في الداخل الأمريكي.
فرع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في فيلادلفيا كان قد أصدر تنبيهًا موجّهًا إلى الشخصيات العامة البارزة والناشطين الميدانيين الداعمين لحقوق الإنسان في فلسطين، بشأن مخطط تزوير مثير للقلق يهدف إلى إثارة الانقسام وإسكات أصوات المدافعين، وذلك بعدما نما إلى علمه أن ممثلة مشهورة معروفة بمواقفها العلنية الداعمة لغزة كانت مستهدفة برسالة مزوّرة أُرسلت باسم أستاذة الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا والناشطة الدكتورة هدى فخر الدين. هذه الرسالة — التي لم تكتبها أو تُجزها الدكتورة فخر الدين — تبدو مصممة لإثارة الشكوك وزرع انعدام الثقة بين المؤيدين البارزين لحقوق الإنسان الفلسطيني وبين الناشطين على الأرض.
وبعد دراسة الرسالة وتفحيصها تبين أنها مزورة، وأنها “محاولة مدروسة لبث الخوف وتمزيق صفوف الحركة المطالبة بحقوق الإنسان الفلسطيني” كما قال مدير الشؤون القانونية في فرع المجلس في فيلادلفيا، آدم عطية، الذي حث المشاهير الذين عبّروا عن دعمهم لغزة، وكذلك الناشطين على المستوى الشعبي، على التزام اليقظة ، وألا يأخذوا مثل هذه الرسائل بظاهرها “تحققوا قبل الرد وأبلغوا فورًا عن أي رسائل مشبوهة”.
تزامن ذلك ما اعتقال السلطات في عدة ولايات أمريكية للعشرات من الشباب الداعم لفلسطين في رسالة ترهيب واضحة ومباشرة، أخرهم الشاب جرماياه يوسف سواقيد ( 25 عامًا أمريكي من أصل فلسطيني) والذي اعتقله الأمن في ولاية ماساتشوستس، الشهر الماضي، ووجهت إليه اتهامات بكتابة شعارات مؤيدة لفلسطين على مبانٍ بارزة، منها مقر برلمان الولاية ونصب تذكارية.
كما اتهمته النيابة بالانتماء إلى حركة “العمل المباشر من أجل تحرير فلسطين (DAMPL)”، وتحمله مسؤولية أعمال مشابهة في معهد MIT ونُصُب جورج واشنطن التذكاري، وتصل التهم إلى التخريب، وتدمير الممتلكات، وتشويه نصب تذكاري للحرب، إضافة إلى حيازة أو استخدام “جهاز وهمي”، وكانت المحكمة قد حددت كفالة مالية بقيمة 30 ألف دولار مع احتمال إلزامه بتنفيذ 500 ساعة من الخدمة المجتمعية إذا أدين. وتشير تقارير الشرطة إلى أن القبض عليه تم بعد تعقب نشاطاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبة منزله، بمساعدة مجموعات صهيونية خارجية.
تضييق الخناق
الاستهداف تجاوز المؤسسات والشخصيات العامة والمؤثرة إلى الطلاب والحركات الطلابية التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين داخل الجامعات والمدارس، حيث تعرضت خلال الآونة الأخيرة لضغوط متزايدة، مادية وإدارية، وحملات تشويه ممنهجة طالت عمداء كليات وأساتذة، ناهيك عن الطلاب وتعريض حياتهم ومستقبلهم للخطر بسبب مواقفهم السياسية الداعمة للشعب الفلسطيني.
بل وصل الأمر إلى ترويض الجامعات التي شهدت احتجاجات منددة بجرائم الاحتلال، وتهديدها بورقة التمويل والدعم المادي، كما حدث مع جامعة كولومبيا التي تعرضت لابتزاز قاسي وواجهت اتهامات بمعاداة السامية، وعٌلق تمويلها، رغم التحذيرات الحقوقية من تنامي القمع الأكاديمي ضد الأصوات ذات الآراء السياسية الخاصة.
لا شك أن استخدام خطاب “الحرب على الإرهاب” لتجريم التضامن مع الفلسطينيين سيكون له تأثيرات سلبية على الحركات الحقوقية والديمقراطية وعلى الصوت الداعم لفلسطين في الغرب، فأمام تلك الضغوط الممارسة قد تجد العديد من المنظمات الحقوقية نفسها مضطرة للتراجع عن مواقفها أو تعديل خطابها لتجنب الملاحقات القانونية أو التشويه الإعلامي، ما قد يضعف قدرتها على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وإن كان الأمر ليس سهلا كما يتخيل أصحاب هذا الخطاب في ظل تنامي الوعي بالحق الفلسطيني بعدما شاهد العالم على مرأى ومسمع وعبر الهواء مباشرة إجرام الكيان المحتل وعنصريته النازية.
هذا بخلاف التأثير الأكثر خطرًا والمتعلق بتداعيات تلك الحملات الإعلامية الممنهجة على صورة الفلسطيني والمناصر للقضية لدى الشارع الغربي، إذ يٌخشى من أن يكون لها ارتداداتها في تغذية خطاب الكراهية مما يعزز من مشاعر العداء والتطرف، بما يشكل تهديدًا على حياة المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني.
في الأخير.. تفضح مثل تلك الممارسات ازدواجية السياسة الغربية في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وملف حقوق الإنسان بصفة عامة، وتٌسقط عنها أقنعة الحضارة المزيفة التي ارتدتها لعقود طويلة، ففي الوقت الذي تٌصنف فيه المقاومة -التي تدافع عن أرضها وعرضها- ككيان إرهابي، ويلاحق كل من يتجرأ على دعم الفلسطينيين، تشويهًا وترهيبًا واعتقالا، تُقدم “إسرائيل، الدولة المحتلة، كحليف رئيسي في “الحرب على الإرهاب” وتٌشرعن انتهاكاتها تحت مزاعم “الدفاع عن النفس”.