ترجمة وتحرير: نون بوست
طلاب السنة النهائية هم آخر دفعة تتذكر المدرسة الثانوية قبل ظهور شات جي بي تي. ولكن بالكاد، فقد تم إطلاق روبوت الدردشة الذي ابتكرته “أوبن إيه آي” بعد أشهر من بدء دراستهم في السنة الأولى. ومنذ ذلك الحين، لم تعد كتابة المقالات المدرسية تحتاج أساسا إلى الكتابة. عندما يتخرج هؤلاء الطلاب في الربيع المقبل، سيكونون قد أكملوا ما يقرب من أربع سنوات كاملة من الدراسة الثانوية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
لقد ولّت الأيام التي كان فيها استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة مقال مدرسي يعني نسخ وإلصاق المحتوى كما هو. لتجنب اكتشاف الأمر، يقوم الطلاب الآن بدمج مخرجات من عدة نماذج للذكاء الاصطناعي، أو يطلبون من روبوتات الدردشة إدخال أخطاء إملائية لجعل أسلوب الكتابة يبدو وكأنه من إنتاج بشري.
وكانت النسخة الأصلية من شات جي بي تي تسمح فقط بالأوامر النصية، أما الآن فيمكن للطلاب تحميل صور (من فضلك قم بحل هذه المسائل الفيزيائية) ومستندات كاملة (كيف يمكنني تحسين مقالي بناءً على هذا المعايير؟). لا يعتبر كل ذلك غشًا. يستعين الطلاب بالذكاء الاصطناعي للتحضير للامتحانات، وإنشاء ملفات دراسية واختبارات تجريبية، والحصول على ملاحظات قبل تسليم الواجبات. لكن إذا كنت ولي أمر طالب في المدرسة الثانوية وتعتقد أن ابنك لا يستخدم روبوتات الدردشة للمساعدة في الواجبات، سواء كان ذلك مسموحًا به أو غير قانوني، عليك أن تفكر في الأمر مرة أخرى.
سيطرة الذكاء الاصطناعي على الفصول الدراسية بدأت للتو. يستخدم العديد من المدرسين الذكاء الاصطناعي في عملهم، حتى لو لم يعجبهم أن تمنح روبوتات الدردشة الطلاب طرقًا جديدة للغش.
بالإضافة إلى الوقت الذي يقضونه في التعليم، يقوم المدرسون بالكثير من المهام الإدارية: فهم يصممون الواجبات لتتوافق مع المناهج، ويصححون الاختبارات وفق معايير محددة مسبقًا، ويملؤون النماذج لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الإضافية. ويشير نحو ثلث المدرسين في المراحل التعليمية من رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية، إلى أنهم استخدموا هذه التكنولوجيا على الأقل مرة في الأسبوع خلال العام الدراسي الماضي.
تقول سالي هوبارد، مدرسة الرياضيات والعلوم للصف السادس في ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، إن الذكاء الاصطناعي يوفر لها من الوقت ما بين 5 إلى 10 ساعات أسبوعيًا من خلال مساعدتها في إعداد الواجبات ودعم المناهج الدراسية، مضيفة: “إذا قضيت كل هذا الوقت في الإعداد والتصحيح والبحث، فلن يكون لدي طاقة كافية خلال الحضور الفعلي وبناء علاقات مع الطلاب”.
وبعيدًا عن شات جي بي تي وغيره من روبوتات الدردشة الشهيرة، يتجه المدرسون إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصًا لهم. باستخدام منصة “ماجيك سكول إيه آي”، يمكن للمدرسين تحميل مواد الفصل الدراسي ووثائق ذات صلة لإنشاء معايير تقييم، وأوراق عمل، وتعليقات على بطاقات التقييم. ويستخدم المنصة حاليًا نحو 2.5 مليون مدرس في الولايات المتحدة.
وقال مؤسس الشركة، عديل خان: “لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن هناك مستخدمًا لمنصة ماجيك سكول في كل المناطق المدرسية في جميع أنحاء البلاد. لقد جربتُ المنصة بنفسي، وقد أنشأت إحدى الأدوات مسألة حسابية للصف السادس حول تذاكر جولة تايلور سويفت: إذا ارتفع السعر بمعدل ثابت، فما هو معدل التغير بالدولار لكل يوم؟”.
ويضيف: “أما الأداة الأخرى “نكات المعلمين” فكانت أقل إبهارًا، فعندما طلبتُ منها نكتة عن الحرب الباردة لطلاب الصف الحادي عشر، كتب روبوت الدردشة: لماذا لم تشتعل الحرب الباردة أبدًا؟ لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق على درجة الحرارة!”.
حتى الآن، كانت أغلب تجارب استخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية محدودة النطاق، يقودها مدرسون متحمسون للتكنولوجيا مثل هوبارد. في الربيع الماضي، وضعت هوبارد مواد فصلها الدراسي في أداة ذكاء اصطناعي لإنتاج بودكاست قصير عن الديناميكا الحرارية، واستمع طلابها إلى مقدمي بودكاست مبتكرين بالذكاء الاصطناعي يناقشون قوانين الديناميكا الحرارية. قالت هوبارد لطلابها: “يقول الذكاء الاصطناعي شيئًا غير منطق.. حاولوا أن تستمعوا إليه”.
لكن بعض المناطق التعليمية تراهن على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل. حظر نظام المدارس العامة في ميامي، ثالث أكبر نظام في البلاد، استخدام روبوتات الدردشة في بداية الأمر، لكنه عدل سياساته خلال العام الماضي، وسمح باستخدام روبوت الدردشة جيميني من غوغل في المدارس الثانوية. وفي الوقت الحالي، يستخدمه المدرسون لتجسيد شخصيات تاريخية وتقديم دروس خصوصية وتعليقات فورية على الواجبات.
ورغم أن المبادرات استخدام الذكاء الاصطناعي على مستوى المناطق تستهدف غالبًا طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، فقد بدأ اعتماد التكنولوجيا مع الطلاب الأصغر سنًا. في ولاية أيوا، تم توفير تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي لجميع المدارس الابتدائية الحكومية خلال العام الماضي، وفي أماكن أخرى تسد روبوتات الدردشة النقص في عدد المستشارين المدرسيين.
لا تزال العديد من المدارس تفرض حظرًا على أدوات الذكاء الاصطناعي. وأظهرت دراسة حديثة حول استخدام الأطفال للذكاء الاصطناعي في 20 ولاية بالجنوب والغرب الأوسط، أن الطلاب في المناطق الريفية وأبناء العائلات ذات الدخل المنخفض كانوا الأقل ميلا للإبلاغ عن سماح مدارسهم باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتقدّم المنطقة التعليمية المستقلة للمدارس في هيوستن دراسة حالة عما يمكن أن يحدث من مشاكل عند دخول الذكاء الاصطناعي إلى مناهج التعليم. ففي العام الدراسي الماضي، بدا أن المناهج الدراسية في المنطقة قد شابتها عدة أخطاء بسبب الذكاء الاصطناعي، وفقًا للأولياء. ففي فبراير/ شباط، شاهد طلاب الصف الثامن عرضًا تقديميًا يصوّر أعمالًا فنية تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي تحاكي أسلوب “نهضة هارلم”.
ووفقًا لمقال رأي في صحيفة “هيوستن كرونيكل” كتبه اثنان من أولياء الطلاب في المنطقة التعليمية المستقلة للمدارس في هيوستن، تم أيضًا تزويد الطلاب بأوراق مليئة بالأخطاء (إحداها حول وسائل النقل، تُظهر مزيجا من سيارة وعربة يجرها حصان بثلاثة أرجل خلفية)، وأسئلة غامضة (كان محتوى أحد الأسئلة: “ما هي علامة التعجب لشيء فاجأك؟”).
وقال متحدث باسم المنطقة التعليمية المستقلة للمدارس في هيوستن، إن صور “نهضة هارلم” كانت بالفعل مولدة بالذكاء الاصطناعي باستخدام كانفا، وهي أداة لتصميم الرسوم، لكنه لم يوضح ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قد استُخدم في الحالات الأخرى التي تطرق إليها المقال.
لا شيء من ذلك يُبطئ من انتشار الذكاء الاصطناعي في المدارس. ففي الربيع الماضي، وقّع الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يشجع على استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس بهدف تدريب المدرسين على دمج “الذكاء الاصطناعي في جميع المواد الدراسية”، حتى يكتسب الأطفال خبرة في الذكاء الاصطناعي “منذ سن مبكرة”.
وقد شددت جهود البيت الأبيض في مجال تبني الذكاء الاصطناعي في التعليم من رياض الأطفال حتى نهاية الثانوية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يبدو أن شركات التكنولوجيا تتبناه بالفعل. في الشهر الماضي، تعهدت شركة مايكروسوفت بتقديم أكثر من 4 مليارات دولار لدعم تطوير التعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية والثانوية والكليات المجتمعية والفنية والمنظمات غير الربحية.
وفي الأسبوع نفسه، أعلن اتحاد المعلمين الأمريكي، أحد أكبر نقابات التعليم في البلاد، عن شراكة بقيمة 23 مليون دولار مع مايكروسوفت وأوبن إيه آي وأنثروبيك. ومن أولى مبادرات هذه الشراكة إطلاق “الأكاديمية الوطنية لتعليم الذكاء الاصطناعي”، التي ستفتتح في مدينة نيويورك هذا الخريف. سوف يتعلم المدرسون كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء الدروس وغيرها من المهام. ويخطط البرنامج بعد ذلك للتوسع على المستوى الوطني ليشمل 10 بالمائة من المدرسين في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة.
تواجه المدارس موقفًا مربكًا للغاية. يبدو أن الجميع متفقون على أن التعليم بحاجة إلى تحديث لمواكبة عصر الذكاء الاصطناعي. وقد أكد لي ميغيل كاردونا، وزير التعليم في إدارة جو بايدن السابقة أن “طلابنا لن يكونوا في وضع ملائم على الصعيد الدولي إذا لم نتطور”.
لكن لا يبدو أن هناك اتفاقًا حول شكل هذه التغييرات. منذ إصدار شات جي بي تي، شهدت بعض المدارس عودة جزئية لكتابة المقالات داخل الصف والامتحانات الشفوية، في محاولة لمنع الطلاب من الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في كل ما يتعلق بمهام الكتابة والتفكير.
في الوقت نفسه، يهدف الذكاء الاصطناعي إلى جعل العمل أكثر كفاءة، وهو بالضبط ما يستخدمه الطلاب من أجله. ومن هذا المنظور، فإن اعتبار استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي في واجباتهم المدرسية غشا هو “مسألة دلالية تقريبا”، حسب رأي أليكس كوتران، المؤسس المشارك لمشروع تعليم الذكاء الاصطناعي، وهي منظمة غير ربحية تركز على محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد حاول إقناع أحد أولياء الأمور المتشككين بوجهة نظره.
ويشير كوتران إلى أن هناك حلا وسطا بين تجاهل استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي وتشجيعهم على الاعتماد عليه باستمرار. وقال لي: “حتى إذا كنت تعتقد أن الجميع سيستخدم الذكاء الاصطناعي في المستقبل، فهذا لا يعني بالضرورة أن الأولوية القصوى هي تدريب الطلاب عليه على الفور”.
تخيل لو أن المدارس في عام 2007 قررت أن أفضل طريقة لإعداد الأطفال للمستقبل هي إجبار كل طالب على قضاء اليوم بأكمله أمام جهاز “آي فون”.
بغض النظر عن مواقف المدرسين والطلاب وأولياء الأمور تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في المدرسة، فإنه واقع يجب التعامل معه. المسار الذي ستسلكه المدارس من الآن فصاعدًا له تأثير مباشر على مستقبل الذكاء الاصطناعي بشكل عام. كلما اعتمد الأطفال على التكنولوجيا بشكل أكبر حاليا، أصبح للذكاء الاصطناعي دور أكبر في حياتهم مستقبلا. وبمجرد أن تتبنى المدارس الذكاء الاصطناعي بالكامل، لن يكون هناك مجال للتراجع.
المصدر: ذا أتلانتيك