يشهد الموقف المصري إزاء الوضع في غزة حراكًا مكثفًا خلال الآونة الأخيرة، مقارنة بما كان عليه منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي كان محط تساؤلات وانتقادات في الداخل والخارج، أوقعت القاهرة في حرج سياسي وإنساني كبير، خاصة بعدما وصلت حرب الإبادة الإسرائيلية في القطاع، القابع على الحدود المصرية، لمستويات كارثية تضع حياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن على قوائم الموت.
تنوعت أدوات الحراك المصري ما بين دبلوماسي وإعلامي وعسكري في وقت يشهد فيه القطاع تطورات ميدانية متصاعدة في أعقاب إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، احتلال مدينة غزة، والمضي قدمًا في مخطط التهجير، ضاربًا بكل جهود التهدئة عرض الحائط.
تكثيف القاهرة لتحركاتها الدبلوماسية لإنجاز اتفاق تهدئة عاجل، والعمل على قيادة توجه إقليمي ودولي لتعزيز تلك الجهود، أثار الكثير من التساؤلات حول تلك الهٌبّة المفاجئة ودوافعها في هذا التوقيت، وماذا يريد الجانب المصري أن يحققه من أهداف من وراء هذا الحراك، وما إذا كان خرقًا حقيقيًا لجدران الموقف المصري أم التفافًا على كتلة المقاربات الصلبة.
سياق مهم.. محاولة لفهم الأحداث
لا يمكن قراءة الحراك المصري المكثف الأخير بمعزل عن عدد من المؤشرات والتطورات التي ترسم سياقًا عامًا ربما يكون كاشفًا لفهم طبيعة وحقيقة ما يجرى على الأرض:
– في الثامن من أغسطس/آب الجاري أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال أن المجلس الوزاري المصغر وافق على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل، خطة تشمل إجبار ما يصل إلى مليون فلسطيني على النزوح جنوبا، حيث الحدود مع مصر، وإنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة وإحكام السيطرة الأمنية.
– في الثاني عشر من أغسطس/آب أعاد نتنياهو الحديث مجددًا عما أسماه “إسرائيل الكبرى” فخلال مقابلة له مع قناة “i24 News” الموجهة للجمهوريين، أهداه المذيع اليميني المتطرف شارون غال قلادة تحمل خريطة لـ”أرض الميعاد” بحدود موسعة تشمل فلسطين المحتلة، وأجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر، ثم سأله عما إذا كان يشعر بـ”ارتباط” بهذه الرؤية، أجاب رئيس حكومة الاحتلال بحزم: “جدا”، مضيفا أنه يقوم بـ”مهمة تاريخية وروحانية” لتحقيق أحلام أجيال متعاقبة من الشعب اليهودي.
التصريح لا يمكن التعامل معه كتصريح عرضي أو زلة لسان أو محاولة استفزاز عابرة، بل يعري وبشكل لا لبس فيه جوهر المشروع الصهيوني، كاشفًا عن العقيدة التوسعية الممتدة منذ نشأة الحركة الصهيونية، كما أنه يفصح وبصورة متعمدة عن مشروع أيديولوجي راسخ ظل حاضرا في الفكر والسياسة الإسرائيلية، يتجدد كلما سنحت الظروف الإقليمية والدولية، وقد يرى نتنياهو أن الفرصة الآن مواتية لتحقيق هذا الحلم.
– يتعرض النظام المصري خلال الأسابيع الأخيرة لموجة انتقادات شعبية غير مسبوقة، تجاوزت فكرة الصمت والخذلان إلى إشهار تهم التواطؤ المباشر في حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع، ورغم المساعي الدبلوماسية المصرية لنفي تلك التهم إلا أن كرة النار الغاضبة تتدحرج خارج السيطرة.
حيث شهد عدد من السفارات المصرية والبعثات الدبلوماسية بالخارج هجومًا رمزيًا من قبل بعض المتظاهرين، تنديدًا بالموقف المصري المتخاذل إزاء المجاعة التي يتعرض لها سكان القطاع، انطلاقًا من قاعدة أن مصر هي دولة الجوار الأقرب جغرافيًا لساحة تلك المجاعة، فضلا عن مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية والسياسية كونها كبيرة الدبلوماسية العربية والشقيق الأكبر، هكذا يٌفترض.
حراك مكثف
شهد الموقف المصري منذ بداية الشهر الحالي حراكًا مكثفًا على كافة المستويات:
على المستوى السياسي الدبلوماسي، أصدرت الخارجية المصرية العديد من البيانات التي ربما اتسمت بلغة أكثر ندية بعض الشيء، فنددت فيها بتصريحات نتنياهو وأدانت قرار احتلال غزة، معتبرة أن ذلك يقوض عملية السلام ويهدد الاستقرار الإقليمي، كما أجرى الوزير بدر عبدالعاطي العديد من اللقاءات والاتصالات مع بعض نظرائه في المعسكر الغربي على رأسهم وزير الخارجية الألماني الذي شدد خلال اتصال معه على على ضرورة تحرك الاتحاد الأوروبي لوقف التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وفي الثامن عشر من الشهر الحالي زار وزير الخارجية المصري، رفقة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، معبر رفح، ضمن جولة ميدانية لتأكيد استمرار التزام القاهرة بفتح المعبر من الجانب المصري، وتعزيز التنسيق بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
عبدالعاطي وخلال تلك الزيارة جدد تأكيده على أن المعبر “مفتوح من الجانب المصري” وأن مصر ترفض التنسيق مع الجانب الإسرائيلي وتصرّ على التعامل فقط مع الإدارة الفلسطينية، كما شدد على ضرورة خروج إسرائيل من الجانب الفلسطيني من المعبر وإدارته عبر السلطة الفلسطينية مع رقابة دولية.
وكان قد سبق تلك الزيارة أخرى مماثلة في أبريل/نيسان الماضي، حين اصطحب السيسي نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمدينة العريش القريبة من رفح، وأطلقا مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة ورفض التهجير الجماعي، وهي الزيارة التي روجت لها القاهرة بشكل دبلوماسي كبير.
على المستوى الإعلامي، تبنى الإعلام المصري خطابًا سياسيًا واضحًا كاشفًا لدور مصر الرافض لمخطط التهجير والمندد بسياسة الاحتلال، حيث مٌنح الضوء الأخضر لتوجيه انتقادات حادة للقيادة السياسية الإسرائيلية، عكس ما كان معمول به في السابق، فيما حرص وزير الخارجية خلال زيارته الأخيرة لرفح رفقة رئيس الوزراء الفلسطيني على اصطحاب مراسلة شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
وخلال لقاء مقتضب أجراه معها داخل الطائرة الخاصة التي أقلته من القاهرة لرفح أكد عبدالعاطي رفض بلاده التام والقاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مشدداً على أن قضية التهجير تمثل “خطاً أحمر” لا يمكن القبول به أو المشاركة فيه أو السماح بحدوثه، مضيفًا أنه لا يوجد أي مبرر أخلاقي أو قانوني أو سياسي يدعم التهجير، متسائلاً: “لماذا يتم إجبارهم على مغادرتها؟”.
كما حرص في الوقت ذاته على تفنيد ما أسماه بـ “الادعاءات” التي تتعلق بعرقلة مصر إدخال المساعدات للقطاع، واصفًا إياها بـ “الكذبة الكبيرة، مؤكدًا أن معبر رفح يمتلك بوابتين: واحدة على الجانب المصري وهي مفتوحة حالياً، والأخرى على الجانب الفلسطيني، والتي تعرضت لأربع عمليات تدمير من قبل الإسرائيليين، بالرغم من محاولات مصر لإصلاحها.
على المستوى العسكري، لم يشهد الشريط الحدودي على رفح أي تحركات لافتة من قبل الجيش المصري خلال الشهر الجاري، رغم بعض التقارير التي تشير إلى ذلك، إلا أن المؤسسة العسكرية خلال الأيام الماضية شهدت بعض التطورات التي لا يمكن قراءتها بمعزل عما يحدث في القطاع.
في 20 أغسطس/آب، التقى وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد المجيد صقر، بعدد من مقاتلي المنطقة الشمالية العسكرية، بحضور الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من قيادات القوات المسلحة، مستعرضَا التحديات المطروحة على الصعيدين الدولي والإقليمي في ضوء المتغيرات بالمنطقة، مؤكدًا أن “الدفاع عن الوطن وحماية الأمن القومي مهمة مقدسة تتطلب الاستعداد القتالي الدائم وبناء قوة قادرة على مواجهة التحديات تحت مختلف الظروف”، مشيرًا إلى أن “تطوير القدرات القتالية والفنية للوحدات والتشكيلات على رأس اهتمامات القيادة العامة”، كما حث المقاتلين على الحفاظ على الروح المعنوية العالية، والتدريب الجاد، والفهم الصحيح لمتطلبات المرحلة.
وقبلها بعشرة أيام، طالب وزير الدفاع خلال لقاءه مع عدد من مقاتلي القوات الخاصة من المظلات والصاعقة، في حضور الاركان وعدد من قادة القوات المسلحة، بضرورة “الحفاظ على أعلى معدلات الكفاءة والاستعداد القتالي، والارتقاء بالمستوى المهاري والبدني بالتدريب المستمر والحفاظ على الروح المعنوية العالية، لتظل القوات المسلحة دائماً درعاً قوياً للوطن”. جاء ذلك خلال لقاء وزير الدفاع عدداً من مقاتلي القوات الخاصة من المظلات والصاعقة، في حضور رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، أحمد خليفة، وعدد من قادة القوات المسلحة.
وفي الثامن من الشهر الجاري أوصى الوزير بـ”الحفاظ على الأسلحة والمعدات وتعظيم الاستفادة منها، لتظل القوات المسلحة في أعلى درجات اليقظة والاستعداد لتنفيذ أي مهمة تسند إليها تحت مختلف الظروف” مؤكدًا على “أهمية مواصلة البحث والاطلاع للارتقاء بمستوى الوعي لأفراد القوات المسلحة، ليكونوا على دراية تامة بكل ما يدور حولهم من أحداث ومتغيرات على الأصعدة كافة”.
جدير بالذكر أنه في أوائل العام الجاري، خاصة في فبراير/شباط ومارس/أذار الماضيين، رصدت تقارير إسرائيلية حراكًا استثنائيًا للجيش المصري في سيناء، تحشيد مكثف للقوات، تضاعف إلى نحو أربع مرات مقارنة بما تسمح به معاهدة كامب ديفيد، كما أشار إعلام عبري، بجانب تطوير بنى تحتية جديدة مثل مطارات عسكرية وأنفاق وجسور طرق قد تم إنشاؤها.
وكانت تل أبيب قد أبدت قلقها من هذ الحشد، مستخدمة عبارات مثل “ليس مقبولًا” و”تجاوز واضح” للإشارة إلى التجييش العسكري المصري في سيناء والذي شمل كتائب كاملة من القوات والأسلحة الثقيلة، بما فيها دبابات وناقلات جنود وتوسعة البنى، فيما دعا مسؤولون إسرائيليون رسميًا إلى إجراء مناقشات مع القاهرة بخصوص هذا الأمر.
على المستوى اللوجستي، حاولت مصر الانخراط لوجستيًا في المشهد، حين قدمت خطتها لإعمار القطاع قبل أشهر، الخطة التي مٌررت عربيًا وحظيت بدعم إقليمي ودولي لكنه رٌفضت إسرائيليًا وتٌحفظ عليها أمريكيًا، لكن القاهرة ماضية قدمًا في الترويج لها والإعداد لمساراتها بالتوافق مع الوسطاء وشركاء الإقليم.
وقبل أيام كسرت القاهرة حاجز الصمت إزاء الجمود الذي يخيم على خارطتها المقدمة واليوم التالي للحرب، مٌبدية على لسان وزير خارجيتها عدم ممانعتها في نشر قوات دولية داخل قطاع غزة، بشرط أن يكون ذلك ضمن إطار سياسي واضح يقود إلى تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، وأضاف الوزير أن هناك توافقًا على أعضاء لجنة الإسناد المجتمعية التي ستتولى إدارة القطاع بعد الحرب، مشيرًا إلى أن القاهرة قدمت مقترحات قابلة للتنفيذ في حال توفرت الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي.
مقاربات ثلاثة
تنطلق القاهرة بحراكها المكثف هذا من خلال ثلاثة مقاربات رئيسية:
المقاربة الأمنية: بدأ الجانب المصري يستشعر الخطر الحقيقي إزاء تطورات المشهد في القطاع، فالأمر تجاوز جغرافيته الفلسطينية إلى ما هو أبعد من ذلك، كما جاء على لسان نتنياهو الذي لم يٌنكر تمسكه بحلم “إسرائيل الكبرى” التي تتضمن جزءً من الأراضي المصرية، ما يحول الدولة المصرية من وسيط إلى طرف في تلك المواجهة.
كما أن قرار احتلال غزة عسكريًا وتهجير سكانها إلى الجنوب، ينطوي على تهديد أمني مباشر لمصر، إذ مثلت المقاومة والقطاع لسنوات حائط ضد متقدم للأمن القومي المصري، لتصبح مصر اليوم في مواجهة إسرائيل وجها لوجه، وهو ما بدأت تفطن إليه القاهرة لكن بعد فوات كثير من الوقت، وبعدما ساهمت بقصد أو جهل في تطبيق الحصار على المقاومة مما سهًل للمحتل هيمنته على القطاع.
المقاربة السياسية: رغم تطبيع العلاقات بين القاهرة وتل أبيب إلا أن هناك حالة من التربص المتبادل، فليس من مصلحة الدولة المصرية توغل النفوذ الإسرائيلي بهذه الطريقة، وأن يكون الكيان هو اللاعب الأهم والأبرز في المنطقة، ففي ذلك خلل بميزان القوى يقوض الثقل السياسي المصري، وهو ما يضعه المصريون في الحسبان وإن لم يتعاملوا معه بموضوعية وحزم.
كما أن المخاوف من تصفية القضية الفلسطينية، وفق المؤشرات الحالية، بدأت تتصاعد بشكل مقلق لدى الرؤية المصرية التي وإن كان لها مواقفها من المقاومة ومن حماس تحديدًا لكنها توقن حتمًا أن القضاء على مستقبل القضية وإجهاض حقوق الشعب الفلسطيني فيه خطورة سياسية متفاقمة، ستزيد معاناة القرار العربي وتدفع به رسميًا نحو التبعية وتسقطه في فخاخ الاستقطاب الأعمى.
ولعل الزيارة الخاطفة غير المعدة مسبقًا التي قام بها السيسي للسعودية، الخميس 21 من الشهر الجاري، والتقى خلالها ولي العهد محمد بن سلمان والتي لم تستغرق سوى سويعات قليلة، تعكس حالة القلق والترقب ومساعي تدشين موقف عروبي موحد للتعامل مع تلك المستجدات التي تتطلب تعاطيًا مختلفًا مقارنة بما كان عليه الوضع بداية الحرب.
المقاربة الأخلاقية: تبذل الدبلوماسية المصرية المدعومة بجيش إعلامي جرار جهودَا مضنية لتفنيد الاتهامات التي تتعرض لها بشأن شبهة التواطؤ التي تواجهها على ألسنة الشارع المصري والعربي، والتي تجسدت في الخطاب الشعبي التصعيدي، داخليًا وخارجيًا، والاستهداف الرمزي للسفارات المصرية بالخارج كنوع من الضغوط على القاهرة للتحرك العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومع تفاقم الوضعية الإنسانية في غزة والتي وصلت إلى مستويات كارثية، حد الاعتراف رسميًا بالمجاعة من قبل المنظمات الأممية، وتعريض حياة مئات الالاف من الأطفال والنساء للخطر المحدق، إن لم يكن قصفًا فجوعًا، تصاعدت الضغوط الأخلاقية على مصر كوسيط من جانب وكجار من جانب أخر، وهو ما وضع النظام في مأزق حقيقي مهما حاول تبرئة ساحته بالتصريحات العنترية والبيانات شديدة اللهجة.
اختبار جديد.. ماذا تريد القاهرة؟
وفق المعطيات والشواهد الأخيرة فإن الخيارات أمام القاهرة تتقلص تباعًا، إذ لم يعد لديها رفاهية التأرجح بين أدوارها المتعددة، كجار ووسيط وقوة إقليمية، بعيدة عن الانخراط الإجباري في المشهد، وذلك بعدما دفعها التصعيد الإسرائيلي الأخير لأن تكون طرفًا مباشرًا في الحرب، سواء عبر تصريحات نتنياهو المتطرفة أو من خلال التطورات الميدانية والمضي قدمًا في احتلال غزة وترجمة مخطط التهجير عمليًا.
حتى كتابة تلك السطور لم تفارق مصر مقارباتها التقليدية، التزام الدبلوماسية الناعمة، الحفاظ على مسافة هادئة مع الجانب الإسرائيلي، تجنب استخدام ما لديها من أوراق ضغط أو حتى التلويح بها، وعلى العكس تتعاظم معدلات التجارة المتبادلة مع تل أبيب، مع الحرص على عدم تصعيد لغة الخطاب السياسي مع الكيان، كما جاء في بيان الخارجية ردًا على تصريحات نتنياهو حول إسرائيل الكبرى، إذ لم يٌسمي الأمور بمسمياتها، مستخدمًا لغة فضفاضة مائعة.
المشهدية الراهنة تجاوزت حاجز الإدانات والبيانات بمسافات شاسعة، فالوضع ما عاد يحتمل، والعار بات يلاحق الجميع، فما يتعرض له مليونا إنسان في غزة سٌبّة في جبين الإنسانية، فالساحة الآن مكشوفة ومفتوحة على كافة السيناريوهات، ويبقى الفعل والتحرك العملي هو الفيصل والترمومتر الدقيقي لتقييم المواقف والتوجهات، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي الذي لا يطحن.
القاهرة أمام اختبار سياسي وأخلاقي جديد، ربما يكون الأخير، فإذا ما أرادت أن تتصدر المشهد كلاعب محوري، وأن تغسل سمعتها التي تعرضت لتشوهات عدة منذ بداية الحرب، فعليها أن تعيد النظر في مقارباتها، وأن تنتقل من خانة الوسيط الناعم، المتهم أحيانًا بالتواطؤ، إلى الشريك المنخرط الفعّال، الساعي لإنقاذ كارثة إنسانية محققة، فلديها أوراق ضغط يمكنها قلب الطاولة إذا ما توفرت الإرادة السياسية.