ترجمة وتحرير: نون بوست
واجه مسؤولو مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) موجة من الغضب وخيبة الأمل داخل أوساط الشركة في الشرق الأوسط بعد الكشف عن مساهمتها في إعداد برنامج المساعدات المدعوم من إسرائيل لسكان غزة، وعمل موظفيها على خطط لنقل الفلسطينيين من القطاع.
وقال أحد كبار المسؤولين في المجموعة لزملائه إنه “يشعر بالخجل” مما تم الكشف عنه، وفقًا لمحادثة في مجموعة دردشة اطلعت عليها صحيفة “فاينانشال تايمز”، بينما تسببت تصريحات الرئيس التنفيذي كريستوف شفايتزر خلال اجتماع عُقد في دبي في خروج عدد من الموظفين من القاعة.
وقد أدت هذه التطورات، التي كشف عنها عدد من موظفي وشركاء مجموعة بوسطن الاستشارية لصحيفة “فايننشال تايمز”، إلى اتساع الخلافات التي بدأت داخل الشركة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي تسببت في أزمة إنسانية داخل القطاع.
عمل فريق أمريكي من مجموعة بوسطن الاستشارية لمدة سبعة أشهر للمساعدة في إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية، وهي خطة لتوزيع المساعدات صُممت لتهميش دور الأمم المتحدة، وأدانتها المنظمات الإنسانية. وقد قُتل مئات الفلسطينيين أثناء توجههم للحصول الطعام من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية.
أعد الفريق أيضًا نموذجًا ماليًا لغزة بعد الحرب لصالح رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يدعمون مؤسسة غزة الإنسانية، وقد تضمن النموذج التأثير الاقتصادي المتوقع للحوافز المقدمة لسكان غزة للانتقال إلى الخارج.
ورغم أن الخطة تتضمن برنامجًا طوعيًا ومؤقتًا، إلا أن عددا من المنظمات تصف هذه الجهود لإعادة التوطين بالتطهير العرقي.
بعد أن كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن مساهمة المجموعة في إعداد هذا النموذج الشهر الماضي، أصبحت مجموعة واتساب غير رسمية يستخدمها موظفو وخريجو مجموعة بوسطن الاستشارية لدعم فلسطين ولبنان منصةً للتعبير عن الغضب.
كتب أحد الموظفين في رسالة اطلعت عليها فايننشال تايمز: “لا أعرف كيف يمكن العودة إلى أعمالنا وحياتنا الطبيعية ونحن نعلم حجم المعاناة المستمرة، ونعلم أن منظمتنا كانت جزءًا من خطة مروعة”.

قال بعض الأعضاء إنهم تأثروا بشكل خاص بتعليق كتبه إيهاب خليل، أحد شركاء مجموعة بوسطن الاستشارية، وهو يعمل مع صندوق الثروة السيادي السعودي، ويعدّ من أكثر المستشارين نفوذًا في المنطقة.
كتب خليل الشهر الماضي في مجموعة الواتساب: “لا أعرف ماذا أقول بعد الآن أو لمن أقوله. لم يعد لديّ كتف أبكي عليه. أشعر بالخيانة!!! آسف على هذه المشاعر. لكنني أشعر بالخجل للمرة الأولى…”. لم يرد خليل على طلب التعليق.
أقالت مجموعة بوسطن الاستشارية الشريكين اللذين قادا مشروع مؤسسة غزة الإنسانية عندما تم الإعلان عنه في يونيو/ حزيران، قائلة إنهما تجاوزا إجراءات الموافقة وقاما بأعمال غير مصرح بها.
تم تجريد اثنين من المديرين التنفيذيين الذين كانوا على علم بالمشروع من وظائفهم الإدارية، رغم أن مجموعة بوسطن الاستشارية تقول إنهما تعرضا للتضليل من قبل الشركاء المعنيين. كما تبرأت الشركة من الخطة المستقبلية، قائلة إن الشريك الرئيسي تم إبلاغه بعدم القيام بها دون مشاركة السكان المحليين.
لم ينجح ذلك في تهدئة الأجواء، وبحلول منتصف يوليو/ تموز كان الموظفون قد بدأوا بجمع التوقيعات لرسالة مقترحة إلى الرئيس التنفيذي تطالب باتخاذ إجراءات أقوى، بما في ذلك المزيد من المساءلة، وتقديم تبرعات للفلسطينيين، وفقًا لمصادر مطلعة.
على صعيدٍ منفصل، أعدّت مجموعة من خريجي مجموعة بوسطن الاستشارية رسالة احتجاجٍ موجهة إلى شفايتزر، جمعت أكثر من 100 توقيع، غالبيتها من الشرق الأوسط.
ووصفت الرسالة التي اطلعت صحيفة “فاينانشال تايمز” على نسخة منها، مؤسسة غزة الإنسانية والنموذج الذي تم إعداده لمستقبل القطاع بأنه “فشل أخلاقي ذريع” و”انهيار في تقدير المواقف وسير العمليات والمسؤولية على مستويات قيادية متعددة”.
كان الشرق الأوسط بيئة خصبة لنمو أعمال شركات الاستشارات خلال العقد الماضي، وقد فرضت مجموعة بوسطن الاستشارية نفسها كلاعب رئيسي، مع إنشاء مكاتب لها في الرياض ودبي وأبوظبي والدوحة.
سافر شفايتزر إلى المنطقة لعقد اجتماع في 17 يوليو/ تموز في محاولة لتخفيف التوترات، لكن جهوده لم تكن مثمرة وفقًا لبعض الحاضرين في الاجتماع.
عُقد الاجتماع في ثلاثة مواقع، وحضره مسؤولون تنفيذيون في الرياض والدوحة إلى جانب شفايتزر في دبي؛ وبلغ عدد الحاضرين حوالي 370 شخصًا. لم يكن هناك بث مباشر للأشخاص الذين لم يتمكنوا من الحضور شخصيًا في أحد المواقع الثلاث.
بدأ شفايتزر الاجتماع بالقول إنه لن يعلق على الصراع في غزة أو السياسات في المنطقة. سعت مجموعة بوسطن الاستشارية، مثل غيرها من الشركات، إلى الحفاظ على الحياد على الصعيد السياسي، وأخبر شفايتزر الحاضرين بأنه لن يدلي بأي تصريحات تتناقص مع هذا التوجه.
عندما وصف أحد المشاركين الحكومة الإسرائيلية بأنها نظام إبادة جماعية، قال شفايتزر إن الإبادة الجماعية “كلمة كبيرة”، وفقًا لمصادر مطلعة على الاجتماع.
وأكدت المصادر أن هذا التعليق أثار غضب بعض الحاضرين في دبي، مما دفع عددا منهم إلى مغادرة القاعة.
وقالت مجموعة بوسطن الاستشارية في بيان إن شفايتزر “أوضح أن هذه المحادثات كانت تركز على ما حدث، وما تعلمناه منه، ومسارنا المستقبلي”. وأضاف البيان: “كما في الماضي، تناول شفايزر المعاناة الإنسانية العميقة، وكان واضحًا في تأكيده على أنه لا يستطيع التعليق على الصراع نفسه أو القضايا الأوسع نطاقًا في المنطقة”.
وأضافت مجموعة بوسطن الاستشارية: “شملت ردود الفعل على هذا الاجتماع المفتوح والعديد من المحادثات السابقة التي أجراها السيد شفايتزر ومسؤولون آخرون مع هذه المجموعة فكرة عقد منتدى مفتوح رغم تعقيد القضية”.
ساد التوتر داخل الشركة منذ الأيام الأولى للحرب، في ظل ردود الفعل المتباينة بين موظفي مجموعة بوسطن الاستشارية حول العالم على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول والحرب التي أعقبته. وقد جادل بعض الموظفين في أجزاء من الشرق الأوسط بأن مجموعة بوسطن الاستشارية يجب أن تتخذ موقفًا علنيًا ضد الهجوم الإسرائيلي أو تغلق مكتب الشركة في تل أبيب.
وسبب هذه الحساسيات جزئيًا، أكدت إدارة الشركة أن موظفي تل أبيب لم يشاركوا في عمل مؤسسة غزة الإنسانية، وأوضحت أن البرنامج وضعه مستشارون أمريكيون سافروا إلى تل أبيب ولم يعملوا من مقر مكتب الشركة هناك. ولم يكن الموظفون المحليون على دراية بما كانوا يعملون عليه.
ووفقًا لأشخاص مطلعين، فقد عمل الفريق مباشرةً مع مؤسسة غزة الإنسانية في فندق شيراتون غراند، رغم أن مكتب تل أبيب أُبلغ بوجودهم في البلاد. وقد طُلب من أعضاء الفريق القادم من الولايات المتحدة الانضمام إلى مجموعة دردشة مع الموظفين الإداريين في مكتب تل أبيب للتواصل معهم في حالات الطوارئ.
ووصف المصادر المطلعة هذا الإجراء بأنه أمر معتاد بالنسبة للموظفين العاملين في مناطق عالية الخطورة.
يسعى مسؤولو المجموعة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط إلى أن لا تتفاقم التوترات الداخلية بسبب التطورات الأخيرة.
بعد أن وصل عدد أعضاء مجموعة الواتساب الداعمة لفلسطين إلى أكثر من 600 عضو – عدد منهم من خارج مجموعة بوسطن الاستشارية – غيّر المسؤولون الشهر الماضي اسم المجموعة وحذفوا أي إشارة إلى اسم الشركة، وحثّوا الموظفين على الامتناع عن مناقشة الشؤون الداخلية.
ووفقًا لأشخاص مطلعين على هذه الخطوة، أنشأ موظفو مجموعة بوسطن الاستشارية منتدى جديدًا للنقاش على نظام المراسلة الداخلي “سلاك” بدلاً من مجموعة الواتساب.
المصدر: فاينانشال تايمز