ترجمة وتحرير: نون بوست
سيتوجه ملايين الأشخاص إلى صناديق الاقتراع في مدينة نيويورك في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ولكن في انتخابات عمدة المدينة التي تحظى بمتابعة واسعة، فإن الشخصية البارزة وغير المحبوبة على الإطلاق هي التي تحظى بمعظم الاهتمام.
يُعد دونالد ترامب، الذي قضى قرابة سبعة عقود في نيويورك قبل أن يغادر المدينة بعد ولايته الرئاسية الأولى، هو الشبح الذي يطارد أكبر مدينة في أمريكا، بحضوره الذي يلح في الأفق بينما يدرس ما إذا كان سيستخدم نفوذه الكبير في السباق الانتخابي.
وأبدى ترامب اهتمامًا متزايدًا بانتخابات عمدة مدينته الأم في الأسابيع الأخيرة؛ حيث تؤكد التقارير أنه يفكر في دعم أحد المرشحين، وهو ما يعد تطورًا يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى سباق شهد بالفعل كل شيء: من تهديد ترامب للمرشح الرائد زهران ممداني بالترحيل، إلى محاولة واضحة للرشوة عن طريق وضع نقود في كيس من رقائق البطاطس.
وأجرى ترامب في الأسابيع الأخيرة مكالمة هاتفية حول السباق مع أندرو كومو، الحاكم الديمقراطي السابق لنيويورك ومنافس ممداني، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. جاء ذلك في الوقت الذي يسعى فيه أثرياء نيويورك إلى وقف مسيرة ممداني، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عامًا الذي أسعد اليسار الأمريكي عندما هزم كومو في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية. ويحاول كومو، الذي استقال من منصب العمدة في عام 2021 بسبب فضيحة تتعلق بسوء السلوك الجنسي، إحياء حلمه في أن يصبح عمدة من خلال الترشح كمستقل.
وتربط الرئيس أيضًا علاقات مع العمدة الحالي، إريك آدامز، الجمهوري الذي تحول إلى ديمقراطي ثم إلى مستقل، والذي استفاد أكثر من غيره من إعادة انتخاب ترامب. واتُّهم آدامز في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي بقبول رشاوى ومساهمات غير قانونية في الحملة من مسؤولين أتراك مقابل خدمات، وفي أبريل/ نيسان من هذا العام، نجحت وزارة العدل برئاسة بام بوندي الموالية لترامب في الضغط لإسقاط القضية ضد آدامز، وهي خطوة جاءت بعد أن اتخذ آدامز موقفًا أكثر تشددًا يتماهى مع موقف ترامب بشأن الهجرة.
لم ينجح أي من الرجلين حتى الآن في الحصول على تأييد ترامب، وأخبر مسؤول في البيت الأبيض صحيفة الغارديان أن الرئيس قال إنه لا ينوي التدخل، لكن التكهنات حول تدخل رئاسي لا تزال قائمة.
وقد صرح ترامب بأن كومو يجب أن يبقى في السباق، بل وأشاد بآدامز في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا، وصف خلاله ممداني بأنه “شيوعي”.
وقال ترامب: “لديكم مرشح مستقل جيد: العمدة آدامز شخص جيد جدًا. لقد ساعدته قليلًا. كان لديه مشكلة وتعرض للضرر بشكل غير عادل”.
تأتي هذه المؤامرات في الوقت الذي يوشك فيه ممداني على الفوز في السباق، بعدما أرعب لوبي العقارات القوي في نيويورك وطبقة المليارديرات بوعده بتجميد أسعار الإيجارات ورفع الضرائب – قليلاً – على أغنى 1 بالمائة من سكان نيويورك.
وأظهرت استطلاعات الرأي على مدار الأسابيع الماضية أن ممداني يتقدم على آدامز وكومو والجمهوري كورتيس سليوا، وأظهر استطلاع أجري هذا الأسبوع أن ممداني حصل على 42 بالمائة من الأصوات، بينما حصل أقرب منافسيه كومو على 23 بالمائة فقط، وأظهر الاستطلاع، الذي نشرته الجمعية الأمريكية للمتقاعدين، أن دعم ممداني سيزداد إذا انسحب كومو أو آدامز.
وأظهر كومو وآدامز علامات على أنهما قد يكونان مدعومان من ترامب، ففي تسجيل صوتي حصلت عليه “بوليتيكو”، أخبر كومو المتبرعين المؤيدين لترامب في منطقة هامبتونز الراقية أن الرئيس قد يتدخل لصالحه في الانتخابات.
وأخبر كومو المتبرعين بأنه يتوقع أن آدامز سينسحب، وقال إنهم يمكنهم إبطال تأثير سليوا، الذي قال إن على ترامب البقاء خارج السباق.
وقال كومو: “ترامب نفسه، وكذلك كبار الجمهوريين، سيقولون إن الهدف هو إيقاف ممداني. وستضيع أصواتكم على سليوا”. وقال متحدث باسم كومو – الذي كان والده المحامي والحاكم السابق يعمل في وقت ما لدى فريد ترامب، المطور العقاري الثري الذي سلم أعماله إلى ابنه دونالد ترامب في السبعينيات – لصحيفة الغارديان إن القصة “مبالغ فيها”.
وقال ريتش أزوباردي: “سُئل الحاكم عما سمعه على أنه افتراض حول ما إذا كان من الممكن أن تصبح الانتخابات سباقًا بين شخصين، وكان يتكهن”.
وأضاف: “نحن لا نطلب أو نتوقع مساعدة من أي شخص – قال [كومو] أيضًا إن العمدة سيضطر إلى الانسحاب، لكن العمدة قال إنه لن يفعل ذلك. العمدة كومو هو الفرصة الوحيدة لهزيمة ممداني وضمان بقاء أعظم مدينة في العالم أعظم مدينة في العالم“.
ومع ذلك، مع تقدم ممداني بشكل مريح في استطلاعات الرأي، وتنافس آدامز وكومو على دعم الناخبين، أصبحت النخبة اليمينية في نيويورك أكثر رغبة في تدخل ترامب.
فقد أرسلت صحيفة نيويورك بوست، وهي صحيفة شعبية يمينية يُعرف أن ترامب يقرأها، رسالة مباشرة إلى الرئيس في وقت سابق من أغسطس/ آب؛ حيث نشرت افتتاحية بعنوان: “الرئيس ترامب، افعل ما هو صواب لنيويورك وادعم إعادة انتخاب العمدة إريك آدامز.”
لكن ذلك لن يكون مفيدًا بالضرورة، وفقًا لتريب يانغ، الإستراتيجي الديمقراطي ومؤسس شركة “استراتيجيات تريب يانغ”، والذي قال: “دونالد ترامب يُعَدّ من أقل الشخصيات شعبية في تاريخ مدينة نيويورك. وأي شخص يريده ترامب أو يدعمه سيكون خاسرًا تلقائيًا في سباق عمدة المدينة. فهو شخصية سامة إلى أبعد الحدود”.
وحصل ترامب على نسبة 30 بالمائة فقط من الأصوات في مدينة نيويورك عام 2024، وهي نسبة متدنية بشكل ملحوظ لشخص وُلد ونشأ في هذه المدينة. ومع ذلك، فإنها تشير إلى أنه أكثر شعبية من آدامز، الذي وصلت نسبة تأييده إلى مستوى قياسي متدنٍ بلغ 20 بالمائة في وقت سابق من هذا العام.
ويُعتبر آدامز وكومو مرشحين يعانيان من عيوب كبيرة، فقد لاحقت كومو الفضائح في ولايته الأخيرة كحاكم، واضطر إلى الاستقالة بعد أن اتهمته 11 امرأة، معظمهن من موظفاته، بالتحرش الجنسي. وحاول كومو تحدي الصعاب بدخوله سباق انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، وكان في البداية المرشح الأوفر حظًا، لكنه خاض حملة باهتة اعتمدت على مؤتمرات صحفية مُحكمة بدلًا من الظهور الشخصي. ورغم الدعم المالي الكبير من الممولين الأثرياء – بعضهم سبق أن تبرع لترامب – وضخ الملايين في حملته الانتخابية، إلا أنه احتل المركز الثاني بفارق كبير عن ممداني.
ورغم إسقاط تهم الفساد الموجهة ضد آدامز، ما زالت الأسئلة مطروحة حول نوعية الأشخاص المحيطين به. فقد وُجهت اتهامات بالفساد لعدة أشخاص على صلة به، وفي حادثة غريبة هذا الأسبوع، سلّمت ويني غريكو – متطوعة في حملته والتي كانت تعمل حتى العام الماضي منسقته مع الجالية الآسيوية – صحفيًا من صحيفة “ذا سيتي” كيس رقائق بطاطس من نوع “هارز”، بداخله ظرف أحمر مليء بالنقود. وقال محامي غريكو، التي تم إيقافها من قبل حملة آدامز، للصحيفة أن خدعة “النقود في كيس البطاطس” كانت مجرد سوء فهم.
وقال المحامي: “في الثقافة الصينية، غالبًا ما يتم إعطاء النقود للآخرين كبادرة صداقة وامتنان”.
وقال آدامز في تصريح لصحيفة “الغارديان”: “لم أُتهم بأي مخالفة، ومازال تركيزي منصبًا على خدمة 8.5 ملايين شخص من سكان نيويورك من خلال جعل مدينتنا أكثر أمانًا وأقل تكلفة يوميًا”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، ترك آدامز مجالًا للمناورة عندما سُئل عما إذا كان سيقبل تأييد ترامب، وقال لإذاعة 77 إيه بي سي: “أريد تأييد سكان نيويورك. أعتقد أن الرئيس سيتخذ قراره بشأن ما سيفعله في سباقه”، أما كومو فقد صرّح بأنه لن يقبل أي تأييد.
ومن المرجّح أن يكون ذلك تصرّفًا حكيمًا نظرًا لعدم شعبية ترامب، لكن هناك تكهّنات بأن الرئيس قد يتدخّل من وراء الكواليس، حيث ذكرتصحيفة نيويورك تايمز أن مانحين وحلفاء لكل من آدامز وكومو “يتطلّعون” لتدخّل ترامب.
ويعتقد يانغ أن هذا لن ينجح؛ حيي قال: “أحيانًا يمكن تمرير ذلك في سباق محلي صغير لا يلفت الانتباه. لكن انظروا: انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، بالنسبة لنا هنا في نيويورك، هو بمثابة السوبر بول. أي نوع من المكالمات الخاصة أو الاجتماعات الخاصة، يتضح فورًا أنه يتسرب مباشرة إلى الصحافة.”
وقال: “سيكون لذلك أثر سلبي في الواقع. سيكون أمرًا جيدًا لممداني. يمكنك أن تشتري الكثير من الأشياء، لكن لا يمكنك أن ترتبط بدونالد ترامب في مدينة نيويورك إذا كنت تحاول الفوز في الانتخابات.”
ما هو واضح هو أنه لو جرت الانتخابات اليوم بدلًا من يوم الثلاثاء 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، لكان ممداني هو الفائز. وحتى الآن، يبدو أن الأسئلة حول علاقات ترامب بكل من آدامز وكومو بمثابة نعمة للمرشح الأوفر حظًا.
لقد ردّ ممداني هذا الأسبوع على التسريب الصوتي لكومو بكتابة منشور على إنستغرام قال فيه: “هذا ليس مجرد صفقة مشبوهة خلف الكواليس من قِبل سياسي ساخر، بل هو أمر يستوجب الاستبعاد. إنه خيانة. يرسل دونالد ترامب عملاء مقنّعين لاختطاف جيراننا من الشوارع، ويمزق شبكات الخدمات الاجتماعية التي يعتمد عليها كثير من سكان نيويورك، ويهدد بترحيلي لمجرد جرأتي على الوقوف في وجهه وفي وجه أصدقائه المليارديرات.”
وأضاف ممداني: “مهمة عمدة مدينة نيويورك ليست أن يكون مهرجًا لملك طموح، بل أن أحمي سكان هذه المدينة.”
ومع بقاء أقل من ثلاثة أشهر على الانتخابات، يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب سيتحرك لاختيار “مهرج” له، أو سيترك سكان مدينة نيويورك، المدينة التي رفضته، وشأنهم.
المصدر: الغارديان