في معظم المنعطفات السياسية الحاسمة التي واجهت بنيامين نتنياهو خلال مسيرته الطويلة في الحكم، ظل هناك رجل حاضر في الظل، يُنظر إليه باعتباره المستشار الأقرب والتوأم السياسي الذي لا يغيب عن دوائر القرار، وصاحب البصمة الأوضح في صياغة مساراته. إنه رون ديرمر، الذي يُوصف في الأوساط الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء بأنه “رجل نتنياهو في واشنطن” و”مهندس النفوذ الإسرائيلي في البيت الأبيض والكونغرس”.
امتلك ديرمر على مدار عقدين مفاتيح السياسة الأمريكية، خصوصًا عبر شبكة علاقاته العميقة مع الحزب الجمهوري، وقدرته على تحشيد المواقف الأمريكية وتوجيه بوصلة سياساتها في الشرق الأوسط بما يخدم الحكومات التي ترأسها نتنياهو.
ومن موقعه داخل مجلس الحرب الإسرائيلي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، لعب دورًا محوريًا في هندسة الاستراتيجيات العدوانية والتوسعية، ولم يكتفِ بصياغة الرؤى بل ترأس الوفد التفاوضي، ليكون العقل المدبر وراء إفشال جولات الوساطة، وصولًا للتمسك برفض أي صفقات جزئية، ومندفعًا نحو خيار “الحسم الشامل” الذي يعني تدمير قطاع غزة وإفراغه من مقومات الحياة.
ورغم أنه ليس من السياسيين الباحثين عن مقاعد الكنيست أو الشعبية الجماهيرية، فإن حضوره يتجاوز أي منافسة انتخابية، فهو يقدم نفسه كصاحب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لا تُقاس بمصير الأسرى أو الحسابات الداخلية الآنية، بل بمشروعه الأوسع لتصفية الوجود الفلسطيني في غزة ورسم ملامح “اليوم التالي” وفق أجندة يمينية صلبة، وحتى مع تلميحه المتكرر إلى رغبته في اعتزال السياسة قريبًا، يصر ديرمر على أن يترك بصمته الأخيرة كأحد أبرز مهندسي أطول حرب عرفتها إسرائيل.
النشأة والتعليم
وُلد رون ديرمر في 16 أبريل/نيسان 1971 في مدينة ميامي بيتش بولاية فلوريدا الأمريكية، وسط عائلة يهودية مهاجرة من بولندا قبل الحرب العالمية الثانية، وعُرفت عائلته بنشاطها السياسي، إذ شغل والده منصب عمدة ميامي بيتش لدورتين متتاليتين ممثلًا عن الحزب الديمقراطي، قبل أن يتولى شقيقه “ديفيد” المنصب ذاته لثلاث فترات.
وعلى الرغم من هذا الانتماء التاريخي للديمقراطيين، فقد انزاحت العائلة لاحقًا باتجاه الحزب الجمهوري، مدفوعة بعلاقات وثيقة مع شخصيات بارزة، من بينها شقيق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، ما عزز مكانتها داخل دوائر النفوذ السياسي الأمريكي.
تلقى ديرمر تعليمه الأولي في مدرسة دينية يهودية متشددة في مدينته، قبل أن يتجه إلى التعليم الجامعي في مجالات الاقتصاد والإدارة، ففي عام 1993، تخرج من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا متخصصًا في المالية والإدارة، وكان خلال دراسته ناشطًا في الأطر الطلابية الصهيونية، حيث انضم إلى أخوية زيتا بيتا تاو، وكان أحد المؤسسين لبرنامج التراث اليهودي الذي أطلقه الحاخام مناحيم شميدت.
انتقل لاحقًا إلى المملكة المتحدة ليدرس في جامعة أكسفورد، حيث أكمل درجة البكالوريوس الثانية في الفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية، وهناك تولى رئاسة جمعية طلابية يهودية باسم “لخايم” التي عملت على تعزيز الثقافة اليهودية داخل الحرم الجامعي، وهو ما مثّل انطلاقة مبكرة نحو مساره السياسي والفكري المرتبط بالهوية اليهودية والحركة الصهيونية.
منحه نشاطه في المؤسسات الأرثوذكسية اليهودية داخل الولايات المتحدة نفوذًا متزايدًا في الأوساط اليهودية الأمريكية، خصوصًا مع خلفية عائلته الجمهورية وعلاقاتها المباشرة بمراكز القرار.
وعلى الصعيد الشخصي، فقد ديرمر زوجته الأولى آدي بلومبرغ بعد عامين فقط من الزواج. لاحقًا، ارتبط بالمحامية رودا باجانو التي أنجب منها خمسة أبناء، ليجمع بين حياته العائلية في إسرائيل وبين انغماسه الكامل في عالم السياسة والدبلوماسية.
حياته السياسية: كاتب للخطابات وزعيم الهسباراه
بدأت ملامح الانخراط السياسي المبكر لرون ديرمر وهو لا يزال طالبًا في جامعة أكسفورد، حين انضم عام 1995 إلى حملة ناتان شارانسكي الانتخابية لرئاسة حزب “إسرائيل بعلياه”، وهو الحزب الذي كان يمثل آنذاك قاعدة للمهاجرين من الاتحاد السوفيتي السابق.
وبعد عامين فقط، أي في 1997، هاجر ديرمر إلى “إسرائيل”، ليبدأ صعوده السياسي من بوابة العمل الاستشاري والإعلامي، حيث تولى مسؤولية كتابة الخطابات لشارانسكي أثناء عمله عضوًا في الكنيست ووزيرًا، كما منحه موقعه هذا فرصة للكتابة بصورة دورية في صحيفة جيروزاليم بوست، الأمر الذي ساعده على بلورة صورة مثقف سياسي وخبير استراتيجي.
في عام 2004، أصدر ديرمر بالاشتراك مع شارانسكي كتابه الشهير “قضية الديمقراطية” (المترجم إلى العبرية بعنوان ميزة الديمقراطية)، الذي لفت الأنظار عالميًا بعد أن تبناه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ودعا العالم لقراءته. وعزز هذا الكتاب مكانة ديرمر كـ”يهودي جمهوري” بارز داخل الدوائر السياسية الأمريكية.
وقد اعتُبر الكتاب بمثابة بيان سياسي أيديولوجي يرى أن الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست نزاعًا محليًا فحسب، بل هي إحدى جبهات الحرب العالمية بين المجتمعات الحرة والدكتاتوريات، وهو تصور يتطابق إلى حد كبير مع خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس لاحقًا.
استمر ديرمر حتى سقوط حكومة إيهود باراك عام 2000 مستشارًا لشارانسكي، لكن علاقته الوثيقة مع الأخير كانت الجسر الذي أوصله إلى نتنياهو، حيث بدأ بكتابة خطاباته والمساهمة في صياغة رسائله الموجهة إلى الرأي العام الإسرائيلي والأمريكي.
ومع عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 2009، أصبح ديرمر أحد أقرب مستشاريه وأكثرهم تأثيرًا، وأسندت إليه مهمة رئاسة قسم الإعلام (الهسباراه) في مكتب رئيس الوزراء، حيث كان مسؤولًا عن صياغة الخطابات وتوجيه الرسائل الدعائية والسياسية والأمنية، ليصبح بذلك زعيم ماكينة الهسباراه الإسرائيلية في مواجهة الإعلام الدولي والحملات المؤيدة للفلسطينيين.
لاحقًا، ومع إعادة افتتاح وزارة الشؤون الاستراتيجية، حصل ديرمر عام 2022 على حقيبتها الوزارية، التي تحولت في عهد نتنياهو إلى أداة مركزية في إدارة الملفات الأكثر حساسية، مثل مواجهة المشروع النووي الإيراني، تعزيز اتفاقات التطبيع العربية – الإسرائيلية، وتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة.
مستشار #نتنياهو الخفي.. من هو رون ديرمر، العقل المدبر لاتفاقات التطبيع وقائد مفاوضات #غزة؟ pic.twitter.com/G4NlWgI4rB
— نون بوست (@NoonPost) March 2, 2025
وقد جعلت هذه المكانة من الوزارة، التي كانت تُعتبر هامشية في السابق، إحدى أدوات “الدبلوماسية الموازية” خلف الكواليس، والأهم أن نتنياهو منحه مقعدًا مراقبًا في مجلس الحرب الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو موقع لم يُمنح حتى لوزراء يتولون وزارات مركزية، ما يعكس مستوى الثقة الاستثنائي الذي يحظى به.
“لن أنكر أمريكا أبدًا”: من الملحق الاقتصادي إلى سفير فوق العادة
مع بداية الألفية الجديدة، انتقل رون ديرمر إلى واحدة من أكثر المحطات تأثيرًا في مسيرته، ففي عام 2003، حين كان بنيامين نتنياهو وزيرًا للمالية في حكومة أريئيل شارون، استدعاه ليكون مستشارًا استراتيجيًا له.
وبعد عام، عُيّن ديرمر ملحقًا اقتصاديًا لـ”إسرائيل” في واشنطن (2004 – 2008)، وهو المنصب الذي أجبره على التنازل عن جنسيته الأميركية، لكنه حرص على التأكيد في مقال نشره في نيويورك صن قائلاً: “لن أنكر أميركا أو شعبها أبداً، وبصفتي ابنًا مخلصًا لها، فلن أخون مبادئها”.
استغل ديرمر موقعه ليبني شبكة علاقات واسعة داخل الحزب الجمهوري، خصوصًا مع شخصيات صاعدة آنذاك مثل دونالد ترامب، وتمكن في عام 2007 من الدفع بولايات أميركية نحو تشريعات تقضي بسحب الاستثمارات من إيران، لتكون ولايته الأم فلوريدا السباقة في هذا المسار. كما ساهم في تأمين مذكرة التفاهم لعام 2007 الخاصة بالمساعدات العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل”، وهو إنجاز عزز مكانته كوسيط بارع بين تل أبيب وواشنطن.
مع تعيينه سفيرًا لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة عام 2013، دخل ديرمر إلى قلب السجال السياسي في واشنطن، ونظرت إدارة باراك أوباما إليه باعتباره ناشطًا سياسياً يمينيًا أكثر منه دبلوماسيًا محترفًا، حتى أنها ناقشت إمكانية رفض أوراق اعتماده، لكنها تراجعت في النهاية.
ومنذ اللحظة الأولى، خاض مواجهات مباشرة مع البيت الأبيض، خصوصًا في ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبره “صفقة رديئة للغاية”، إضافة إلى خلافاته العلنية بشأن الاستيطان ورفضه التام لفكرة حل الدولتين، وهو الموقف الذي ظل يتبناه لاحقًا في مواجهة مواقف إدارة جو بايدن.
في ذروة هذه المواجهة، لعب ديرمر دورًا أساسيًا في صياغة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس عام 2015، حيث وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي ليهاجم مباشرة سياسة أوباما بشأن إيران أمام مشرعين أميركيين، في خطوة مثيرة للجدل أبرزت ديرمر باعتباره العقل المدبر وراء استعراض القوة الإسرائيلي في واشنطن.
لم يقتصر نشاطه على التصدي لإيران، بل كان أحد أبرز مهندسي اتفاقات التطبيع المعروفة بـ”الاتفاقات الإبراهيمية“، فقد عمل بشكل وثيق مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره، لإتمام الصفقة التي قادت إلى تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين عام 2020، ما عزز صورته كأحد أهم الفاعلين في إعادة تشكيل الخريطة الدبلوماسية للشرق الأوسط.
ولم تكن أهمية ديرمر في العاصمة الأميركية خافية على زملائه. فـ مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، وصفه بأنه “الرجل الذي يملك الصلاحيات كافة”، بينما اعتبره جيسون غرينبلات مبعوث ترامب السابق إلى الشرق الأوسط “موردًا بالغ الأهمية للعلاقة الأميركية – الإسرائيلية” وذلك لما اعتبره “فهمه العميق للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والديناميكيات الإقليمية”.
قصته مع الولايات المتحدة ارتبطت أيضًا بجذوره الشخصية فقد كانت أول وظيفة لديرمر بعد تخرجه في جامعة بنسلفانيا مع الجمهوري فرانك لونتز، خبير استطلاعات الرأي، الذي يروي حادثة دراسية لافتة: حين طُلب من ديرمر أن يتقمص دور الطرف الفلسطيني في مناظرة جامعية عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وقاد فريقه للفوز، مما أرعبه، ليسارع ويؤكد أمام الحاضرين أن “السبب الوحيد لانتصاره هو أنه كذب في جميع ادعاءاته”. في ذلك المشهد، كما يقول لونتز، برزت أولى ملامح شخصية ديرمر التي تُقدّم الولاء لإسرائيل فوق أي اعتبار آخر.
من تطرف المواقف إلى الإمعان في الإبادة
مع اندلاع حرب الإبادة على غزة، برز اسم رون ديرمر باعتباره أحد العقول الأكثر تشددًا خلف كواليس القرار الإسرائيلي، فبحسب تقرير نشرته صحيفة يسرائيل هيوم، أوكل إليه نتنياهو مهمة صياغة خطط تهدف إلى تقليص عدد السكان الفلسطينيين في القطاع إلى “الحد الأدنى”، عبر استخدام الأزمة الإنسانية وضغوط الحرب لدفع مصر إلى فتح أبوابها لتدفق الفلسطينيين، بالتوازي مع اقتراح فتح ممر بحري يتيح “الهروب الجماعي” إلى دول عربية وأفريقية.
أما يديعوت أحرونوت، فكشفت أن ديرمر نفسه أقرّ بمشاركته في إعداد خطة “اليوم التالي” للحرب، مؤكدًا أن أي تصور إسرائيلي يتطلب حشد الولايات المتحدة ودول المنطقة، وهو ما يعكس قناعته بضرورة تدويل مشروع تصفية غزة.
ورغم افتقاره إلى أي خبرة عسكرية، عُيّن ديرمر عضوًا مراقبًا في مجلس الحرب الإسرائيلي الذي تشكل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى جانب نتنياهو وغالانت وغانتس وآيزنكوت، ما شكّل دليلًا إضافيًا على الثقة المطلقة التي يمنحه إياه نتنياهو.
ومن هذا الموقع، قاد مهمات دبلوماسية حساسة إلى واشنطن، بعضها برفقة وزير الحرب المُقال يوآف غالانت، لإدارة الخلافات مع الإدارة الأميركية حول تكتيكات الهجوم على رفح أو بشأن تعليق شحنات السلاح.
كما أوفد في زيارة غير معلنة إلى أبوظبي لعرض خطة “اليوم التالي” أمام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ومبعوث الإدارة الأمريكية السابقة بريت ماكغورك، ما يبرز دوره كـ”واجهة نتنياهو” في الملفات الأكثر سرية.
مواقفه الصلبة صدمت حتى الأوساط الإسرائيلية، فقد نقلت عائلات الأسرى الإسرائيليين أنه رفض بشكل قاطع تأييد أي اتفاق يوقف الحرب دون “القضاء الكامل على حماس”، وهو الموقف الذي جعلهم يتهمونه، كما نتنياهو، بعرقلة فرص التوصل إلى صفقة تبادل.
فيما كشف عضو مجلس الحرب المستقيل غادي آيزنكوت أن نتنياهو كان يدير كابينيت الحرب “بدكتاتورية” لا يستمع فيها إلا إلى الوزير ديرمر، ما يعكس مدى تأثيره على مسار القرارات العسكرية والسياسية.
أيديولوجيًا، يقف ديرمر كتوأم سياسي لنتنياهو: رفض مطلق لحل الدولتين، إيمان عميق بوجود خطر إيراني استراتيجي، دعم غير محدود للاستيطان اليهودي، والدعوة إلى “إعادة صياغة المناهج الفلسطينية” كجزء من معركة أوسع على الهوية والوعي.
ورغم مسيرته الطويلة في إسرائيل، يظل وفاؤه السياسي والفكري للجمهوريين الأميركيين راسخًا، ففي خطاب ألقاه عام 2014 بمدرسة وارتون، كشف أنه اختار الانضمام إليها بعد أن قرأ كتاب دونالد ترامب “فن الصفقة”، في إشارة صريحة إلى انبهاره المبكر بشخصية ترامب وميله السياسي الثابت نحو الحزب الجمهوري، وهو ما طالما أثار امتعاض إدارات ديمقراطية متعاقبة في واشنطن.
لا قيود انتخابية ولا طموحات سياسية
يمثل رون ديرمر حالة فريدة في المشهد السياسي الإسرائيلي؛ فهو سياسي بلا قاعدة انتخابية، ووزير لا يبحث عن مقعد في الكنيست أو عن شعبية جماهيرية، بل يقدّم نفسه باعتباره رجل الاحتراف والكفاءة والقدرة على إدارة الملفات المعقدة، لا رجل الحشود والشارع. هذا الطابع الخاص، إلى جانب ولائه الشخصي الصلب لبنيامين نتنياهو، جعله يُوصَف في وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية بأنه “دماغ بيبي” أو بديله المحتمل في أكثر اللحظات حساسية.
ولاء ديرمر لنتنياهو بلغ حدًا جعله في عام 2018 يتحمل اللوم بالنيابة عنه في إحدى الفضائح السياسية، فيما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت أن شخصيته المنطوية على العمل خلف الكواليس “منسجمة بعمق مع مؤسسات أميركية مؤثرة تعمل على إحداث تحولات كبيرة في نهج إسرائيل الأمني”. وتفسر هذه الخلفية ما الذي دفع نتنياهو لمنحه الحقيبة الوزارية من خارج الكنيست، وإتاحة إدخاله مباشرة إلى الكابنيت الأمني.
ومنذ ذلك الحين، أصبح ديرمر بمثابة وزير الظل الأكثر قربًا إلى رئيس الحكومة، مكلفًا بمهام خاصة تتراوح بين التنسيق مع واشنطن وإدارة قنوات التواصل مع دول التطبيع، وصولًا إلى قيادة المفاوضات الشائكة بشأن الأسرى الإسرائيليين ومستقبل الحرب في غزة.
أدواره لم تقتصر على الملفات الأمنية – الدبلوماسية، بل برز أيضًا في الأزمة الداخلية حول الإصلاح القضائي عام 2023، عندما كُلف بصياغة تسوية مقبولة بين الحكومة والمعارضة لوقف الاحتجاجات الواسعة، ما عكس ثقة نتنياهو بقدرته على التلاعب بالمعادلات السياسية الداخلية بمهارة.
وعلى الرغم من تضخم نفوذه خلال الحرب، صرح ديرمر مؤخرًا أنه لا يطمح لمسيرة سياسية طويلة. فبحسب يسرائيل هيوم، يفكر في اعتزال السياسة بعد إنجاز هدفه الأسمى المتمثل في “القضاء على التهديد النووي الإيراني”، لكنه في الوقت ذاته لم يستبعد البقاء لفترة أطول لتولي أدوار إضافية قبل انسحابه النهائي.
وفي مقابلات أخيرة، طرح رؤيته لما بعد الحرب على غزة، القائمة على قاعدة غزة بلا حماس وبلا سلطة فلسطينية، في تأكيد لميله الأيديولوجي الصلب وخطاب نتنياهو الذي يكرر صدى أفكاره.
هكذا، يبدو ديرمر وهو في الرابعة والخمسين من عمره، سياسيًا بلا قاعدة انتخابية، لكن بسلطة عميقة متأتية من موقعه كأقرب المقربين إلى نتنياهو، وصاحب الكلمة المؤثرة في صياغة مستقبل الحرب، والسياسات الإسرائيلية في الداخل والخارج، ورغم حديثه عن “التقاعد القريب”، يبقى مرجحًا أن يواصل الحضور في صورة مستشار الظل، حتى وإن غادر الحكومة رسميًا.