ترجمة وتحرير: نون بوست
أبرمت عائلة ترامب صفقة جديدة لمشروعها الرائد في مجال العملات المشفرة، ومن المتوقع أن تدرّ أكثر من نصف مليار دولار.
ومن العناصر اللافتة في هذه الصفقة أن الشركات المدعومة من ترامب كانت على طرفيها.
وقد أصبحت العملات المشفرة هي مجال النشاط التجاري الأبرز لعائلة ترامب، متفوقة على إمبراطورية العقارات التي أمضى الرئيس نصف قرن في تطويرها.
وفي قلب ثروة العملات المشفرة هذه تقف شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” (World Liberty Financial)، وهي شركة أطلقتها العائلة العام الماضي، وفي خطوة نُفذت مطلع هذا الشهر، استحوذت “وورلد ليبرتي” على شركة كانت تعمل في مجال الأدوية المسكنة وتحولت لاحقًا إلى شركة مدفوعات، والتي اشترت فيما بعد العملة المشفرة التي أنشأتها “وورلد ليبرتي” مؤخرًا، وذلك وفقًا للإفصاحات العامة.
وقد باعت شركة “ألت 5 سيجما”، المدرجة في البورصة، أسهمًا وجمعت 750 مليون دولار نقدًا من مستثمرين خارجيين لشراء العملة المشفرة الخاصة بـ”وورلد ليبرتي”، المعروفة باسم “دبليو إل إف آي” (WLFI)، ومن شأن هذه الصفقة أن تدر على عائلة ترامب أرباحًا ضخمة تُقدّر بحوالي 500 مليون دولار، إذ تحتفظ جهة تابعة للعائلة بما يصل إلى ثلاثة أرباع العائدات الناتجة عن مبيعات العملة المشفرة.
وهذا النوع من المعاملات الدائرية – حيث يكون الطرف ذاته هو البائع والمشتري، ويتعامل في منتجات أنشأها بنفسه – أكثر شيوعًا في عالم العملات المشفرة منه في عالم التمويل التقليدي.
وقال هوارد فيشر، المستشار القانوني السابق في هيئة الأوراق المالية والبورصات خلال إدارة أوباما وإدارة ترامب الأولى: “نحن في منطقة غريبة وغير مسبوقة في عالم الأوراق المالية. الناس يتخذون قرارات استثمارية لم يكونوا ليتخذوها في أوقات أخرى.”
ومن المتوقع أن تكتسب هذه الصفقة أهمية أكبر عندما تبدأ “وورلد ليبرتي” تداول العملة المشفرة “دبليو إل إف آي” والذي يعد بمثابة طرح عام أولي في عالم العملات المشفرة. ومن المقرر أن يبدأ تداول هذه العملة، المعروفة أيضًا باسم “الرمز”، يوم الإثنين.
وتُقدّر قيمة حيازات عائلة ترامب من عملة “دبليو إل إف آي” بأكثر من 6 مليارات دولار على الورق؛ حيث يمتلك الرئيس ترامب شخصيًا ثلثي هذه العملات، وذلك وفقًا لحسابات تستند إلى أسعار العقود الآجلة في بورصات العملات الرقمية، وبيانات البلوكتشين، والإفصاحات المالية الشخصية للرئيس.
ويمكن لعائلة ترامب من الناحية النظرية أن تجني مليارات إضافية على المدى الطويل من بيع 33 مليار عملة “دبليو إل إف آي” التي تحتفظ بها شركة “وورلد ليبرتي”، فضلًا عن قيمة العملات التي تحتفظ بها العائلة لنفسها. وسيتم تداول جزء صغير فقط من هذه الرموز يوم الإثنين، كما أن بعض حاملي الأسهم الداخليين لم يُسمح لهم بالبيع بعد.
قد يتغير إجمالي ثروة العائلة بشكل كبير عندما يبدأ تداول عملة “دبليو إل إف آي”، إذ يراهن بعض المتحمسين للعملات المشفرة على أن قيمة حيازات عائلة ترامب سترتفع بشكل كبير.
ومع ذلك، فإن العملات المشفرة المرتبطة بترامب التي أُطلقت في وقت سابق من هذا العام شهدت انخفاضًا حادًا بعد ارتفاعات أولية، كما أن تحويل هذه العملات إلى نقد قد يكون أمرًا صعبًا، إذ إن بيع كمية صغيرة منها قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار.
ويمتلك الرئيس ترامب أصولًا رقمية أخرى، تشمل حصصًا تُقدّر بعدة مليارات من الدولارات في عملة “ترامب” المشفرة، وهي عملة رقمية تُصنف ضمن فئة “ميم كوين”، بالإضافة إلى حصص في شركة “ترامب ميديا”، التي تُدير منصة “تروث سوشيال” وتقوم بشراء وحيازة العملات المشفرة.
وتأتي ثروة ترامب المتزايدة في مجال العملات الرقمية في وقتٍ وجّهت فيه إدارته السلطات لتخفيف القيود المفروضة على شركات العملات المشفرة. ولم يرد المتحدثون باسم شركتي “وورلد ليبرتي” و”ألت5 سيجما” على طلبات التعليق.
وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن “الرئيس وعائلته لم ولن ينخرطوا قط في أي تضارب مصالح”.
كل شيء يبقى في العائلة
وأعلن ترامب عن إطلاق شركة “وورلد ليبرتي” في سبتمبر/ أيلول الماضي، قائلاً إنها ستُسهم في “جعل أمريكا عظيمة من جديد، هذه المرة عبر العملات المشفرة”.
ويمتلك ترامب وعائلته نحو 40 بالمائة من شركة “وورلد ليبرتي” نفسها، وتُعد الشركة خاصة ولم تفصح عن قيمتها الإجمالية، وهي تُدير عملة رقمية مربوطة بالدولار تُعرف باسم “يو إس دي1″، وتخطط لإطلاق تطبيق هاتفي يتيح للمستخدمين إجراء معاملات بالعملات الرقمية.
وقد بدأت “وورلد ليبرتي” العام الماضي ببيع رموز “دبليو إل إف آي” بشكل خاص، وجمعت ما لا يقل عن 650 مليون دولار من مستثمرين، من بينهم الملياردير الصيني في مجال العملات الرقمية، جاستن صن. وتُصنّف “دبليو إل إف آي” ضمن فئة “رموز الحوكمة”؛ حيث تمنح حامليها حق التصويت على بعض عمليات الشركة، دون أن تمنحهم حصة في أرباحها.
وقال مورتن كريستنسن، مؤسس موقع “إير دروب أليرت” المتخصص في العملات الرقمية، والذي اشترى ما وصفه بكمية كبيرة من “رموز دبليو إل إف آي”، إنه يتوقع ارتفاعًا كبيرًا في قيمتها يوم الإثنين. وأضاف أنه يأمل أن يقوم الرئيس بالتغريد دعمًا للعملة الرقمية بمجرد أن تصبح قابلة للتداول علنًا، وقال: “هذا الرمز يحقق كل المعايير اللازمة لتحقيق ارتفاع كبير في قيمته”.
وقد ساهم استحواذ “وورلد ليبرتي” على شركة “ألت 5 سيجما”، التي كانت غير معروفة نسبيًا، في تعزيز قيمة واستخدام رموز “دبليو إل إف آي” قبيل انطلاق تداولها على نطاق واسع.
وأوضح مسؤولو “وورلد ليبرتي” أنهم اهتموا بشركة “ألت 5” لأنها كانت من بين المنصات القليلة المدرجة علنًا للدفع بالعملات الرقمية، وكانوا يخططون للاستفادة من تقنياتها في التجارة الإلكترونية لتوسيع استخدام عملة “يو إس دي1”.
وكانت “ألت 5” تُعرف باسم “جان وان” حتى منتصف العام الماضي، وكانت تقدم في الأساس خدمات إعادة التدوير والأدوية المسكنة. وفي مايو/ أيار من ذلك العام، وافقت الشركة على دفع غرامة لتسوية اتهامات وجهتها لها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، والتي اتهمت “جان وان” بتضخيم دخلها بشكل احتيالي، ولم تعترف الشركة أو تنكر هذه الاتهامات.
وفي الشهر نفسه اشترت “جان وان” شركة مدفوعات رقمية تُدعى “ألت 5 سيجما”، واتخذت اسمها الجديد منها.
وقد دفعت “وورلد ليبرتي” مقابل حصتها في أسهم “ألت 5” باستخدام رموز “دبليو إل إف آي”، والتي قدرتها الشركتان بقيمة 750 مليون دولار.
وعيّنت “ألت 5” زاك ويتكوف، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ”وورلد ليبرتي”، رئيسًا لمجلس إدارتها، كما ضمّت إريك ترامب إلى مجلس الإدارة. ووافقت “ألت 5” أيضًا على أن ترشّح شركة “وورلد ليبرتي” مديرًا جديدًا للاستثمارات، وهو مؤسس شركة عملات رقمية تهدف إلى تعزيز الاعتماد على عملة “يو إس دي1”.
واحتفل إريك ترامب وزاك ويتكوف بالصفقة في 13 أغسطس/ آب من خلال قرع جرس افتتاح التداول في بورصة ناسداك، وقد ألقى ويتكوف، نجل المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، كلمة ألقاها نيابةً عن الشركتين.
وأعلنت شركة “ألت 5″، التي تبلغ قيمتها السوقية حوالي مليار دولار، أنها ستستحوذ على رموز “دبليو إل إف آي” ضمن ما يسمى بإستراتيجية الخزانة، وقد استوحي هذا النهج من شركة البرمجيات “ستراتيجي”، المعروفة سابقًا باسم “مايكروستراتيجي”، التي أصدرت أسهمًا لتمويل شراء مليارات الدولارات من البيتكوين.
ولكن على خلاف “ستراتيجي”، التي تشتري البيتكوين من السوق المفتوحة، فإن “ألت 5” تشتري الرموز من شركة “وورلد ليبرتي”، وهي جهة ذات صلة تُسيطر أيضًا على المعروض من تلك الرموز.
وأعلنت “ألت 5” أنها اشترت رموز “دبليو إل إف آي” بسعر 20 سنتًا للرمز الواحد، أي بزيادة قدرها 50 بالمائة عن السعر الذي فرضته “وورلد ليبرتي” في عملية بيع خاصة حديثة لمستثمر خارجي، مما عزز القيمة الإجمالية لرموز “دبليو إل إف آي”. وقال ويتكوف بعد الإعلان عن الصفقة إن سعر 20 سنتًا كان مخفضًا مقارنة بالسعر الذي تشير إليه العقود الآجلة المرتبطة بـ”دبليو إل إف آي” المتداولة في بورصات العملات المشفرة.
إن هذه الممارسة التي تتبعها عائلة ترامب ليست غريبة عن عالم العملات المشفرة، فعلى سبيل المثال، تعاونت شركة البلوكتشين “ترون” التابعة لجاستن صن مع شركة مرتبطة بها لشراء عملة مشفرة تقوم بإصدارها.
وقد أعرب بعض المنظمين السابقين عن قلقهم من أن الغموض والمعاملات الداخلية في مثل هذه الصفقات قد يُعرّض المستثمرين للخطر.
وقال كوري فراير، المسؤول السابق في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية خلال إدارة بايدن، والذي أشرف على سياسات العملات الرقمية: “هذا الهيكل يُدخل أسوأ ممارسات منظومة العملات المشفرة إلى الأسواق العامة المنظمة”.
“الفريق المناسب”
وبعد أن استحوذت “وورلد ليبرتي” على “ألت5″، قامت الشركة المدرجة بجمع 750 مليون دولار نقدًا من مستثمرين، من بينهم صندوق التحوط “بوينت 72 أسيت مانجمنت” التابع لستيف كوهين، و”سول فينتشرز”، وهي شركة عائلية مقرها هونغ كونغ.
وقال وارن هوي، المؤسس المشارك لـ”سول فينتشرز”، والذي ضخ 85 مليون دولار في هذا الاستثمار، إن الشركة تعتبر هذه الصفقة رهانًا على قدرة “وورلد ليبرتي” على النمو لتصبح رائدة في هذا القطاع.
وأضاف: “إنهم يطلقون منتجهم في الوقت المناسب ومع الفريق المناسب”، مشيرًا إلى دور أبناء ترامب. ووصف السعر الذي دفعته “ألت 5” مقابل رموز “دبليو إل إف آي” بأنه “عادل”.
وفي امتداد للصفقات الدائرية، تخطط “وورلد ليبرتي” لاستخدام الأرباح الناتجة عن عملتها المستقرة “يو إس دي1” لشراء المزيد من رموز “دبليو إل إف آي”، في خطوة تُشبه قيام شركة بإعادة شراء أسهمها الخاصة.
وقد نشر أحد المطورين العاملين في “وورلد ليبرتي” منشورًا على منصة “إكس” مؤخرًا، قال فيه إن هذه الخطوة ستخلق “ضغط شراء دائم”.
المصدر: وول ستريت جورنال