أكدت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS) أن السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة ترتقي إلى الإبادة الجماعية وفق التعريف القانوني لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، ورغم أن هذا الاعتراف يأتي متأخرًا بعد نحو سنتين من نكبة الغزيين، إلا أنه يسلط الضوء على حجم المعاناة، ويضع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في القطاع في إطار أكاديمي وقانوني صارم، مستندًا إلى أدلة وإحصاءات موثوقة حول الضحايا المدنيين والتدمير المتعمد للبنية التحتية.
فضلًا عن ذلك تبرز أبعاد سياسية ودبلوماسية حاسمة للقرار، فالاعتراف العلمي يعيد تشكيل الخطاب الدولي حول غزة، ويزيد الضغط على الدول الداعمة لـ”إسرائيل”، ويمنح الفلسطينيين صوتًا أقوى في معركة الرأي العام العالمي. وفي الوقت ذاته، يفتح هذا القرار الباب أمام خطوات قانونية ومساءلة مستقبلية، بما يشمل القضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية وإمكانية فرض عقوبات أو إجراءات دولية.
• وافقت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية على قرار ينص على أن “إسرائيل استوفت بسياساتها وتصرفاتها في غزة، التعريف القانوني للإبادة الجماعية”.
• حظي القرار بتأييد 86٪ من المصوتين من بين 500 عضو في الجمعية.
• منذ أن تأسست الجمعية عام 1994 أصدرت 9 قرارت تعترف بوقائع… pic.twitter.com/6AmzSNetrb
— نون بوست (@NoonPost) September 1, 2025
ثقل أكاديمي غير مسبوق
رغم أن منظمات حقوقية فلسطينية ودولية قدّمت أدلة دامغة على ارتكاب “إسرائيل” إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، إلّا أن قرار الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS) حمل وزنًا استثنائيًا، لأنه صادر عن المرجعية الأكاديمية الأوسع والأكثر تخصصًا في هذا المجال على مستوى العالم.
هذه الجمعية التي تضم نحو 500 خبيرًا وباحثًا متخصّصًا في دراسات الإبادة، تُعدّ السلطة العلمية الأبرز منذ تأسيسها عام 1994، وقراراتها السابقة شملت الاعتراف بإبادات تاريخية ومعاصرة كإبادة الأرمن والروهينغا والإيغور.
أهمية القرار الأخير تتجلى في كونه إجماعًا غير مسبوق، فقد صوّت 86% من الأعضاء المشاركين لصالحه، في موقف يعكس ثقلًا علميًا وأخلاقيًا غير عادي. ونص القرار المؤلف من ثلاث صفحات على دعوة صريحة لـ”إسرائيل” إلى وقف جميع الأفعال التي ترقى إلى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما يشمل الهجمات المتعمدة على المدنيين والأطفال، والتجويع الممنهج، وحرمان السكان من المياه والوقود والمساعدات، والعنف الجنسي، والتهجير القسري.
الأهم أن القرار أوضح أن سياسات “إسرائيل” في غزة تفي تمامًا بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية الوارد في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، والتي تحدد خمسة أفعال ترتكب بقصد تدمير جماعة بشرية كليًا أو جزئيًا. وفي هذا السياق، أكدت إيملي سامبل، عضو مجلس إدارة الجمعية، أن “الحدّ القانوني للإبادة الجماعية يتحقق عند وقوع فعل واحد من الأفعال الخمسة، لكن في غزة وجدنا أدلة على تحققها جميعًا”. وأضافت: “هذا ما يجعل قرارنا أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: ما يحدث في غزة ليس مجرد انتهاكات جسيمة، بل إبادة جماعية مكتملة الأركان”.
بهذا الاستنتاج القاطع، انتقل توصيف ما يجري في غزة إلى مستوى جديد، لأول مرة يجمع علماء الإبادة الجماعية علنًا على وصفه كإبادة مكتملة الأركان. وبذلك يتجاوز الاتهام حدود الخطاب السياسي أو الحقوقي، ليصبح إجماعًا أكاديميًا متخصصًا يمنح التوصيف ثقلًا غير مسبوق ويضفي على القضية بعدًا قانونيًا وأخلاقيًا عالميًا.
أداة ضغط على الحكومات الداعمة للإبادة
يصدر قرار الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية في وقت يشهد فيه الرأي العام العالمي تحوّلاً متسارعاً ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة. ففي الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لـ”إسرائيل”، أظهرت استطلاعات الرأي أن نحو نصف الناخبين يعتبرون ما يجري في غزة إبادة جماعية، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا في تأثير السردية الإسرائيلية داخل واحدة من أبرز ساحات النفوذ الدولي.
استطلاع رأي لـ “رويترز/إيبسوس” يكشف أن أغلبية الأمريكيين تؤيد الاعتراف الدولي بفلسطين، و59% ضد حرب الإبادة على غزة. pic.twitter.com/yvhjOH1xcP
— نون بوست (@NoonPost) August 22, 2025
وعلى المستوى الأممي، وجّه أكثر من 800 موظف في وكالات الأمم المتحدة رسالة علنية غير مسبوقة طالبوا فيها باستخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” في التقارير الرسمية، ما يمنح القرار زخمًا إضافيًا ويعزز السردية الفلسطينية، مقابل الرواية الإسرائيلية التي فشلت منذ بداية العدوان في كسب ثقة الرأي العام العالمي.
تأتي أهمية القرار من كونه يُعيد تشكيل لغة النقاش السياسي والدبلوماسي، فبدل الحديث عن “نزاع مسلح” أو “أعمال عسكرية”، يتم توصيف الأوضاع باعتبارها إبادة جماعية، وهو توصيف يحمل تبعات مباشرة على السياسات الدولية، من قطع المساعدات العسكرية إلى فتح المجال أمام الملاحقات القضائية.
وبينما تكافح “إسرائيل” للحفاظ على شرعيتها في الساحة الدولية، يمنح هذا القرار الفلسطينيين أداة دبلوماسية إضافية لتحريك الرأي العام العالمي والضغط على الحكومات الغربية لمراجعة مواقفها، فكلما اتسعت دائرة الاعتراف بالإبادة، ازداد الحرج السياسي والقانوني على الدول الداعمة لـ”إسرائيل”، وارتفعت كلفة استمرار هذا الدعم. وهكذا، يتحوّل القرار من مجرد توصيف أكاديمي إلى ورقة ضغط دولية تُقوّي الحضور الفلسطيني في المعادلة السياسية، وتساهم في إعادة التوازن إلى خطاب طالما احتكرته الدعاية الإسرائيلية.
🧵موانئ الإبادة: أسلحة الغرب تتدفق إلى “إسرائيل” عبر البحار
📌 “إسرائيل” ليست وحدها في جرائم #غزة، فالسلاح الذي تستخدمه يصلها من دول غربية عبر شحنات بحرية متواصلة، لتتحول الموانئ العالمية إلى جزء أساسي من ماكينة الحرب.
📌 بين عامي 2020 و2024، استوردت “إسرائيل” 66% من أسلحتها من… pic.twitter.com/5dKFRRmofr
— نون بوست (@NoonPost) August 28, 2025
ورقة ضد “إسرائيل” أمام المحاكم الدولية
محكمة العدل الدولية كانت قد خلصت في الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، إلى أنّ تصرفات تل أبيب في غزة “من المحتمل جدًا” أن ترقى إلى إبادة جماعية، وألزمتها باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوعها. وفي هذا السياق، فإن بيان علماء الإبادة يقوي فرضية الادعاء بأن الشروط القانونية للجريمة متحققة، حيث دعا البيان صراحةً “إسرائيل” إلى الامتثال لتدابير المحكمة الدولية، وطالب الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية بتسليم المسؤولين الإسرائيليين الواردة أسماؤهم في مذكرات التوقيف.
إضافة إلى ذلك، يمنح القرار دفعة إضافية لملفات القضايا المرفوعة أمام المحكمتين، فعلى الرغم من أن هذه الهيئات القضائية تعتمد على أدلة قانونية صارمة، فإن موقفًا صادرًا عن أرفع رابطة أكاديمية متخصصة بالإبادة يمكن أن يُستخدم كمرجع أو بمثابة “شهادة خبرة جماعية” في النقاشات القضائية، بما يعزز من ثقل الحجج المقدمة ضد “إسرائيل”.
في هذا السياق، أكد نائب رئيس الجمعية تيموثي وليامز أن الجمعية حصلت على أدلة دامغة خلال العامين الماضيين تثبت أن ما تقوم به “إسرائيل” في غزة يشكل إبادة جماعية واضحة، موضحًا أن الجمعية ستعمل على دفع الدول لمعاقبة “إسرائيل” ووقف تزويدها بالأسلحة، بعدما باتت النية المعلنة لتدمير الفلسطينيين أمرًا مثبتًا بالأدلة والتصريحات الرسمية لقادة “إسرائيل” السياسيين والعسكريين. كما أعرب عن أمل الجمعية في تعزيز عمل محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين ومعاقبة قادة “إسرائيل”.
“كيف تجرؤين على تبرير الإبادة الجماعية هنا؟ لن تنجحوا في ثنينا عن دعم فلسطين”… سياسي بلجيكي يلقّن السفيرة الإسرائيلية درسًا لن تنساه.#FreePalestine pic.twitter.com/XzAjR5QIbm
— نون بوست (@NoonPost) June 26, 2025
ورغم محدودية أدوات إنفاذ قرارات المحاكم الدولية، حيث يبقى مجلس الأمن الجهة الوحيدة القادرة على فرض عقوبات دولية مع امتلاك حلفاء “إسرائيل” حق النقض، إلا أن تزايد الدعم الأكاديمي والقانوني يضاعف الضغوط ويزيد فرص تقديم دعاوى إضافية أو فرض عزلات سياسية كحظر تصدير الأسلحة. ويعزز جهود المجتمع الدولي في كسر حالة الإفلات من العقاب التي لطالما تمتعت بها “إسرائيل”.