ترجمة وتحرير: نون بوست
“أمي، لماذا يقصفوننا؟” سألتني ابنتي الكبرى عام 2019، بينما كان التحالف السعودي يرتكب جرائم باستخدام الأسلحة الأمريكية. لماذا؟ هذا هو السؤال الأبدي.
عندما بدأت الحملة العسكرية المدعومة من الغرب بقيادة السعودية في مارس/ آذار 2015، شرعت في إعداد قائمة ذهنية لجميع الطرق التي كانت الحرب تحرق بها مفهوم الطفولة في اليمن. كيف تأخذ الحرب الآباء من أطفالهم، وتأخذ أطفالنا بعيدًا عنا؟ وكيف تجعل الحرب، لا الزمن وحده، أطفالنا يشيخون؟
في شوارع صنعاء، أمرّ على صور شباب تركوا الطفولة نحو إلى الرجولة، ثم الحياة نحو الموت. تحيط بصورهم الزهور وكلمة “شهيد”، وفي كل مرة أمرّ على ابتساماتهم الآخذة في التلاشي، أفكر في عدد الفتيان الذين سينتقلون من اللعب في الشوارع إلى الموت في ساحات القتال.
أما الأطفال الذين لم يُجندوا في الحرب، فقد وجدوا أنفسهم يخوضون حربًا أخرى، إذ تركهم الجوع بخدود غائرة وعيون منهكة، هذا الجوع الذي سرق الابتسامات من وجوههم، والأنفاس من صدورهم.
أصبحوا أضعف من أن يبكوا، يعانون من سوء التغذية، ومعرضون لخطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها.
أمهات غزة اللاتي فقدن أطفالهن تحت القصف الإسرائيلي والإبادة، فقدنهم قبل ذلك فعليا، لأن آلة الحرب لا تلتهم اللحم والدم والروح فحسب، بل تلتهم أيضًا الأحلام والآمال. مثلنا نحن أمهات اليمن، فقدن أطفالهن حين كانوا يتألمون بلا دواء، ويجوعون بلا خبز، ويُسجنون بلا عدالة، ويُعذبون، ويحملون أعباء الألم النفسي الناتج عن فقدان الأمل.
وهذا ينطبق أيضًا على من نجا من القصف في غزة، كما هو الحال في اليمن.
فالنجاة لا تعني بالضرورة الخلاص أو الحياة الحقيقية، تمامًا كما لا تُقاس الحرب بعدد القتلى مقابل عدد الناجين. كل الأرواح تتأثر، لأن للحرب طرقًا لا تُحصى لتحويل الحياة إلى موت.
ما الخيارات المتاحة لمن نجا من القصف حين لا يبقى له سوى حياة أشبه بعذاب بطيء – حياة أسوأ من الموت؟
أعرف معنى هذا جيدًا كامرأة تعيش في اليمن: إن لم نُدفن أحياء، فنحن نعيش مدفونين، ومسحوقين تحت أحكام المجتمع وصراعات القوى الإقليمية والدولية.
والقوى الدولية تعلم كل ذلك، من اليمن إلى غزة، بل إن كثيرًا منها متواطئ في سفك دماء المدنيين وتجويعهم، ويجني الأرباح من تسليح من يقصفنا ويحاصرنا. هذا هو التفسير الوحيد لصمتهم وعدم تحركهم.
لا يريدون سماع الشكاوى وصرخات الألم من مواطنيهم، فيُسكتونهم أيضًا.
وعن سؤال ابنتي، أجبتها: “إنهم يعتبروننا ضعفاء في هذا العالم، يسهل افتراسنا”.
بدت غير راضية عن إجابتي، فأضفت بعض الكلمات المفعمة بالأمل عن ضرورة الصمود في وجه الحرب، وأننا سنعيد بناء وطننا يومًا ما من خلال التعليم.
وعندما أتأمل الآن عدم رضاها، أرى أنه كان انعكاسًا لإرهاقي من الحرب: لماذا نلوم أنفسنا نحن كمدنيين؟ حين ينهار عقلي أحيانًا تحت وطأة هذه الأسئلة، أقول لابنتي: “الذين يشترون ويبيعون الأسلحة هم من يملكون الإجابات”.
نحن نعيش زمنًا يأخذ فيه الأقوياء ما يريدون، بدءًا بأرواح الأطفال، وتحطيم القلوب، والتسبب في انهيار العالم فوق رؤوس الأمهات. لن يتحقق السلام الحقيقي إلا حين يُنظر إلى الضعفاء ككائنات بشرية، لا كأهداف لمصالح الأقوياء وجشعهم.
المصدر: الغارديان