ترجمة وتحرير: نون بوست
يقترح التسريب السخيف المعروف باسم “ريفيرا” منح الفلسطينيين مجرد ٥ آلاف دولار لمغادرة المنطقة، ويتضمن مشاريع مثل “منطقة التصنيع الذكي إيلون ماسك” و”‘طريق إم بي إس الدائري”
عظيم! بالطبع، يجب أن يُطلق على المقترح الجديد لما بعد الحرب في غزة اسم “عظيم”! تمامًا مثل الرجل نفسه. إنه “عظيم” لدرجة أنه يحتاج إلى خطة “عظيمة” لإعمار غزة. إنها “عظيمة” إلى حد أنها تفتقد فقط ظهور الشخصية الكرتونية “النمر توني” وهو يزأر قائلاً: “أنت عظيم!” في الفيديو المُنتج بالذكاء الاصطناعي الذي سيرافق هذا المقترح بلا شك.
فلنلقِ نظرة إذًا على مقترح “غريت تراست” (إعادة إعمار غزة وتسريع النمو الاقتصادي والتحول)، الذي صاغه مجموعة من الإسرائيليين (بالتأكيد)، ممن لم يروا غزة على الأرجح إلا من داخل دبابة إسرائيلية. أما الشريك الآخر في هذا المقترح فهو القائمون على “مؤسسة غزة الإنسانية” (مؤسسة التجويع الناتج عن الإبادة الجماعية)، أولئك الذين يديرون ما يُسمى “مراكز المساعدات” التي تحولت إلى “مواقع للقتل“؛ حيث يُطلق الجنود الإسرائيليون النار على الفلسطينيين الجائعين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. ما الذي قد يحدث بعد ذلك؟
المقترح الذي نُشرت تفاصيله الكاملة لأول مرة عبر صحيفة واشنطن بوست، مليء بالأخطاء الإملائية لدرجة أن ترامب سيُعجب به من أعماق قلبه. إنه ليس سوى حلم إسرائيلي جامح: تطهير غزة عرقيا بتمويل خارجي، أي الدول العربية وأوروبا، بطبيعة الحال. وبعد الانتهاء من تطهير غزة عرقيًا، سيدفع أصحاب العقول “العظيمة” الذين صاغوا هذا المقترح نحو إقناع الممولين ببناء ناطحات سحاب و”مشاريع ضخمة” تحمل أسماء مذهلة مثل “منطقة التصنيع الذكي إيلون ماسك” ( تم اقتراحها على الأرجح قبل أن يفقد إيلون ماسك مكانته لدى ترامب العظيم)، و”‘طريق إم بي إس الدائري” (نسبة إلى محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية)، و”الطريق السريع المركزي إم بي زد” (نسبة إلى محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات).
بالطبع، لن تكتمل أي نسخة من الريفييرا دون مشروع “ريفييرا وجُزر ترامب” (المسمّى تيمنا بـ”عظمته”)، حيث ستُشيّد منتجعات عالمية وجُزر على غرار جزر النخيل في دبي. وتعرض لنا الشرائح، بشكل مذهل، أفقًا مرسومًا بعناية فائقة، نرى فيه بعض سيارات تسلا، لإضفاء لمسة عصرية. وبالطبع، من سيعيش في غزة: عرب من الخليج (وبشكل أدق، يظهر في العرض الدعائي – الذي يفتقر إلى أي احترافية – أحد عشر رجلًا وامرأة واحدة فقط). يا لها من “عظمة”!
ولكن، لكي تبدو عملية التطهير العرقي التي وصفتها صحيفة واشنطن بوست – بحماس شديد – بأنها “إعادة توطين طوعية”، مشروعة ونظيفة، سيعتمد العباقرة الإسرائيليون الذين صاغوا مشروع “غريت تراست” على جهة أخرى لدفع مبلغ 5000 دولار للفلسطينيين كي يغادروا، إلى جانب دعم غير محدد للإيجار والطعام، من المؤكد أنه لن يكون على حساب إسرائيل. نعم، 5000 دولار! “بالطبع، يجب أن يشعروا بالرضا مقابل 5000 دولار. فغزة مجرد كومة من الأنقاض”، هكذا على الأرجح برّر واضعو الخطة الأمر لأنفسهم: “فلماذا لا يغادرون؟”.
يمكنني أن أتخيل مندوبي تسويق المشروع الآن! سيقولون للفلسطينيين: “انظروا، يمكنكم البقاء فوق هذه الكومة من الأنقاض (إذا أصابتكم الكحة، فهذا ما صنعناه بعد أن قصفنا المكان إلى أن تحوّل إلى رماد)، أو يمكنكم أخذ 5000 دولار والذهاب إلى… أي مكان آخر. فقط تخيّلوا: يمكنكم تعليم أطفالكم (أي.. بعد أن دمّرنا جميع الجامعات وقتلنا معظم أساتذة العلوم والرياضيات)، ويمكنكم علاج أمراضكم (أي.. لقد قصفنا جميع المستشفيات الـ36).”

أما للمستثمرين المحتملين، سيقولون: “يمكنكم بناء ناطحة سحاب بجوار البحر المتوسط. لا تقلقوا إن كان الموقع مقبرة جماعية. لدينا خبرة واسعة في طمس مثل هذه الأشياء”.
وبغضّ النظر عن التفاصيل الكثيرة والبشعة التي يتضمنها مقترح “غريت تراست”، فإن هناك إشكاليات عميقة ومقلقة تتعلق بمبدأ وجود خطة إسرائيلية أو أمريكية لمستقبل قطاع غزة.
أولًا، لماذا يحق لإسرائيل، الدولة التي نفذت وتواصل تنفيذ إبادة جماعية بلا خجل وبلا هوادة، أن تحدد مستقبل فلسطين والفلسطينيين؟ بأي منطق يمكن أو ينبغي لإسرائيل أو الإسرائيليين أن يكون لهم أي كلمة فيما يخص مستقبل قطاع غزة وسكانه؟
ثانيًا، لماذا لا تُسمع أصوات الفلسطينيين أو، والأمر الأخطر، لماذا لا يُشركون على الإطلاق في أي مقترح يزعم رسم مستقبلهم؟ منذ بداية الإبادة الجماعية، كان الفلسطينيون واضحين في تحذيراتهم من أن أهداف إسرائيل هي: 1) الإبادة الجماعية و2) التطهير العرقي. وهذا ليس مجرد خيال: نحن، كأشخاص نجونا من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، نعرف جيدًا من خبرة قرن تقريبًا ما يمثله المشروع الصهيوني: إنه مسعًى لمحو وجودنا. فكيف، رغم تحذيراتنا المتكررة والصريحة، لم تُسمع أصواتنا؟
ثالثاً، أين الوكالة الفلسطينية من كل هذا؟ لماذا لا يمكن للفلسطينيين أن يحددوا مستقبلهم بأنفسهم؟ هذه “الخيالات الترابية” التي يمارسها الإسرائيليون منذ عام 1948 بشكل عام، وبما يخص قطاع غزة منذ 2005 بشكل خاص، حيث تقارَن غزة بدبي، تكشف بوضوح الطبيعة الأجنبية الجذرية للحركة الصهيونية وطموحاتها الاستعمارية: فالأشخاص الذين يفكرون بهذه الطريقة ليس لهم أي صلة بالأرض. ويضم قطاع غزة إحدى أقدم الكنائس في العالم، ويعد موطناً لإحدى أقدم الحضارات، وتُعتبر مدينة غزة واحدة من أكبر المدن الفلسطينية. ولا يمكن إلا لمن لا صلة له بهذه الأرض أن يتخيل هذا الدمار الشامل ويحلم بمحو سكانها الأصليين لإفساح المجال للأجانب.
في عام 2005، شهدتُ “الخيال الترابي” عن قرب: حينها قررت الحكومة الإسرائيلية إجلاء 7,000 مستوطن غير قانوني، قضوا عقوداً في إرهاب الفلسطينيين، وهدم المستوطنات غير القانونية. وبدلاً عنهم، قدم الإسرائيليون سلسلة لا حصر لها من المقترحات المليئة بالأخطاء، شبيهة بهذا المخطط “غير العظيم”، وروّجوا لها من زعيم إلى آخر، مع وعود بتحويل غزة إلى سنغافورة (آنذاك لم يكن معروفاً لهم دبي). وبالطبع، تجاهل الإسرائيليون السيطرة المستمرة على أجواء غزة ومياهها الإقليمية ومعابرها، والتحكم بكل شيء يدخل ويخرج منها.
تماماً كما يسعى هذا المخطط “غير العظيم” لفرض ما ينبغي أن يريده الفلسطينيون، تجاهلت خطط 2005 رغبات الفلسطينيين تماماً: غزة ليست سنغافورة، بل نريدها أن تزدهر كجزء أصيل من أمتنا الفلسطينية العربية، حرة من أي شيء إسرائيلي، بما في ذلك خططهم الغريبة. وما كان واضحاً في تلك الخطط هو نفسه ما هو واضح اليوم: هذه الخطط مجرد وسيلة لإخفاء الرغبة الحقيقية لإسرائيل في خنق غزة وتطهيرها عرقياً على أمل أن تختفي في البحر. وبالمناسبة، حصل المستوطنون الـ7,000 حينها على مبالغ تتراوح بين 150,000 و400,000 دولار لكل عائلة (ما يعادل اليوم نحو 250,000 إلى 660,000 دولار) مقابل مغادرة مكان لم ينتموا إليه أصلاً، وهو فرق شاسع مقارنة بالمقترح الحالي البالغ 5,000 دولار فقط.
أما إذا كنا نتحدث عن “التهجير”، فلا بد أن نكون واضحين: نحو 80 بالمئة من سكان غزة هم لاجئون من المناطق المجاورة للقطاع، فإذا كان الحديث عن نقلهم، فالأجدى أن يعودوا إلى أماكنهم الأصلية في ما أصبح اليوم إسرائيل: ويافا، والمجدل، وعسقلان، والجورة، والخصاص، وهربيا، ونجد، ودمرة، وغيرها. هذا الحل عملي أكثر، وأرخص، وأسهل، وأسرع لإعادة الناس إلى ديارهم… وهنا يكمن المعنى الحقيقي لـ”العظمة”!
المصدر: زيتيو