في ظلّ التدهور التاريخي الذي ضرب قيمة الليرة السورية خلال سنوات الحرب والعقوبات، تعود إلى الواجهة مجددًا قضية إعادة تقييم العملة الوطنية، مع إعلان الحكومة السورية عن خطة لحذف صفرين من الليرة وطباعة أوراق نقدية جديدة. هذه الخطوة، التي يُنتظر إطلاقها رسميًّا في ديسمبر/ كانون الأول 2025، تهدف وفق التصريحات إلى تبسيط العمليات المحاسبية وتقليص حجم الأرقام المتداولة، بحيث يتحول مثلًا سعر صرف الدولار من نحو 11,000 ليرة إلى 110 ليرات جديدة.
في هذا السياق، يبرز المفهوم الاقتصادي لما يُعرف بـ”حذف الأصفار”، أو ما يُطلق عليه اصطلاحًا إعادة تقويم العملة، وهو إجراء نقدي تلجأ إليه الدول التي تعاني من تضخم مفرط وانهيار في قيمة عملتها، بهدف تبسيط الأرقام وتحسين الصورة الرمزية للعملة دون أن يطرأ أي تغيير فعلي على قيمتها الحقيقية.
وتقوم فكرة حذف الأصفار على إزالة عددٍ معيّنٍ منها من الفئات الورقية، بحيث تتحول مثلًا فئة الـ10,000 ليرة إلى 100 ليرة جديدة، دون أن تتأثر القوة الشرائية للمواطن، فالغرض ليس رفع القيمة، بل إعادة تنظيم الشكل العددي للعملة بما يسهّل التعاملات اليومية ويخفف من وطأة الأرقام المتضخّمة.
حاكم مصرف #سوريا المركزي: الليرة تحسّنت 35% منذ سقوط النظام المخلوع، ولدينا خطة لإصلاح النظام المصرفي تشمل هيكلة المصارف ومنح تراخيص جديدة. وإطلاق عملة سورية جديدة تعكس تطلعات الشعب السوري. pic.twitter.com/UPcVfPTVJK
— نون سوريا (@NoonPostSY) August 23, 2025
تجارب سابقة
هذا الإجراء سبق أن لجأت إليه عدّة دول حول العالم، في تجارب متباينة النتائج، ففي إيران، أعلنت الحكومة خلال العام الحالي (2025) عن تنفيذ خطة لحذف أربعة أصفار من الريال، واعتماد “التومان الجديد” كوحدة نقدية، بحيث يُعادل كل تومان 10,000 ريال، في محاولة لمواجهة التضخم الذي تجاوز 40% سنويًّا.
أما زيمبابوي، فقد خاضت واحدة من أكثر التجارب تطرفًا، حيث قامت بين عامي 2006 و2009 بحذف 25 صفرًا من عملتها، بعد أن بلغ التضخم مستويات فلكية تجاوزت 79 مليار بالمئة، ما أدّى إلى فقدانٍ كاملٍ للثقة بالعملة الوطنية، واضطُرّت البلاد إلى اعتماد الدولار الأمريكي رسميًّا بدلًا منها.
وفي تركيا، نجحت الحكومة عام 2005 في حذف ستة أصفار من الليرة التركية، وتحويل مليون ليرة قديمة إلى ليرة واحدة جديدة، وقد ارتبط نجاح التجربة بإصلاحات اقتصادية واسعة واستقرار سياسي نسبي، ما جعلها نموذجًا يُحتذى به في بعض الأدبيات النقدية.
أما البرازيل، فقد خاضت تجربة حذف الأصفار ثلاث مرات خلال الثمانينات والتسعينات، إلى أن استقرت على الريال البرازيلي عام 1994، بعد سلسلة من الإجراءات النقدية والضريبية التي ساهمت في استعادة التوازن المالي تدريجيًّا.
هنا تنضم سوريا إلى قائمة الدول التي ستقوم بتطبيق هذه التجربة، حيث أكد حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر حصرية، في تصريحٍ له، أن قرار حذف صفرين من الليرة السورية وطباعة عملة جديدة قد تم حسمه نهائيًّا، ويُعدّ محطةً مفصليةً في تاريخ البلاد، ويهدف إلى تبسيط العمليات المحاسبية دون المساس بالقيمة الحقيقية للعملة.
وأوضح أن العملة الجديدة، التي ستحمل اسم “الليرة الجديدة”، ستصدر بست فئات، وتُطبع لدى جهات دولية موثوقة باستخدام تقنيات متقدمة مضادة للتزوير، دون زيادة في الكتلة النقدية، بل باستبدال الأوراق الحالية فقط. وأشار إلى تشكيل لجنتين، استراتيجية وتشغيلية، لمتابعة مراحل الطباعة وضمان تنفيذها بسلاسة، مؤكدًا أن الطرح سيتم تدريجيًّا عبر ثلاث مراحل: تداول موازٍ، ثم تبديل جزئي، وصولًا إلى التبديل الكامل عبر المصرف المركزي. واعتبر أن هذه الخطوة تعزّز الاستقلال المالي، وترسخ الثقة بالنظام المصرفي، وتمهد لإصلاحات اقتصادية أوسع.
ووفق العرض السابق، يتضح أن تجارب الدول في حذف الأصفار من عملاتها تراوحت بين نجاحات محدودة ونماذج يحتذى بها، وبين إخفاقات عميقة أدت إلى فقدان كامل للثقة النقدية.
لكن، ماذا عن الحالة السورية؟ هل تبدو هذه الخطوة ضرورية في ظل التضخم المفرط؟ وهل حقًّا هذه الخطوة ستمهد لإصلاحات اقتصادية أوسع؟ وما هي الآثار المتوقعة لتطبيق هذه التجربة في سوريا؟ وما التحديات والمحاذير التي قد ترافقها؟ وما الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لضمان عدم تحولها إلى مجرد إجراء شكلي؟ وماذا عن سعر الصرف؟ وهل سيشهد استقرارًا أم مزيدًا من التذبذب؟ وماذا عن تأثيرها على المعاملات التجارية والرواتب؟
جملة من الأسئلة تفرض نفسها على المشهد النقدي، نحاول الإجابة عليها عبر أخذ آراء أهل الاختصاص، وتحليل السيناريوهات المحتملة في ضوء الواقع الاقتصادي الراهن.
تحذير مصرفي
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، وجد أن خطوة حذف صفرين من العملة السورية وتبديلها تعد إجراءً بالغ الأهمية، شريطة أن تكون مدروسة بعناية ومقرونة بإصلاحات تشريعية واقتصادية متكاملة، ويؤكّد لـ”نون بوست” أن من أبرز هذه الإصلاحات إصدار قانون استثمار تحفيزي جديد يستلهم روح القانون رقم 10، الذي أسهم سابقًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي، مع إدخال تعديلات تضمن حقوق المستثمرين الأجانب وتكفل عوائدهم، وتدفع في الوقت ذاته نحو تنشيط الاستثمار المحلي عبر تأسيس شركات مساهمة فاعلة في مختلف القطاعات الإنتاجية، لا سيّما الصناعة والزراعة والخدمات.
ويشير قوشجي إلى أن تغيير العملة في هذا السياق لا يستهدف معالجة التضخم المفرط بشكل مباشر، بل يسعى إلى استعادة الثقة بالنظام النقدي، وتحسين إدارة السيولة، وتسهيل تداولها داخل الاقتصاد السوري، فالتضخم، بحسب رأيه، لا يعالج بتغيير القيمة الاسمية للعملة، بل يتطلب ضبط العلاقة بين حجم الكتلة النقدية المتداولة وحجم السلع والخدمات المتاحة، ويحذر من أن حذف الأصفار في بيئة غير مستقرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصةً أن الأسواق السورية غير حرة وتفتقر إلى آليات تسعير واضحة، ما يفتح الباب أمام التلاعب بالأسعار.
ويُقدم مثالًا توضيحيًّا: إذا كان سعر سلعة معينة اليوم 100,000 ليرة، فمن المفترض أن يصبح 1,000 ليرة بعد الحذف، لكن إذا ارتفع إلى 1,001 ليرة، فإن ذلك يترجم إلى زيادة فعلية في معدل التضخم وانخفاض في القوة الشرائية، الأمر ذاته ينطبق على سعر صرف الليرة مقابل الدولار؛ فإذا كان الدولار يعادل 11,000 ليرة، فيجب أن يصبح 110 ليرات بعد التغيير، وأي ارتفاع إلى 112 ليرة يعني تراجعًا مباشرًا في قيمة العملة الجديدة.
ماذا عن الأسعار؟
يوضح قوشجي أنها ستُخفض قيمتها الاسمية تلقائيًّا بحذف صفرين، لكن التحدي يكمن في ضمان انخفاض أسعار السلع والخدمات بنفس النسبة، وفي ظلّ غياب الرقابة الفعالة، من المرجح أن تُستغل هذه العملية لرفع الأسعار، مما يفاقم العبء على المواطنين ويُضعف أثر الإصلاح النقدي.
أما بالنسبة للودائع المصرفية والمعاملات المالية، فيؤكد أن القروض والودائع والأسهم والسندات التي تحمل تاريخ إصدارٍ واضح يمكن تعديلها بسهولة وفق النظام الجديد دون إشكال، لكنه يحذر من أن الشيكات غير المؤرخة أو تلك التي تقع في فترة التحول قد تسبب نزاعات قانونية، ما يستدعي إصدار تشريع قضائي خاص لمعالجة هذه الحالات، إلى جانب حملات توعية واسعة لتوثيق أدوات الوفاء وتحديد قيمتها بدقة.
ويخلص الدكتور قوشجي إلى أن حذف صفرين من العملة وتبديلها يمكن أن يسهم في تبسيط العمليات الاقتصادية، وتقليص حجم النقد المتداول، وتحفيز عودة الأموال إلى الجهاز المصرفي، مما يساعد في ضبط الكتلة النقدية وتحسين كفاءة التبادل التجاري والاستثماري، لكنه يشدد على أن نجاح هذه الخطوة يتوقّف على مدى جاهزية البنية القانونية والرقابية، وعلى قدرة المؤسسات على تنفيذها ضمن إطارٍ إصلاحي شاملٍ يضمن الاستقرار ويعزز الثقة بالاقتصاد الوطني.
ولمعرفة تأثير هذا الإجراء على الأسواق والعمليات التجارية والصناعية، ذكر الصناعي فراس تقي الدين لـ”نون بوست” أن حذف الأصفار من العملة السورية سيؤدي إلى تبسيط التسعير على المدى الطويل، لكنه في الفترة الأولى قد يخلق حالة من الإرباك في السوق المحلي، ولا يستبعد أن تدخل الأسعار في فوضى، أو حتى ترتفع بعض الشيء، خاصةً فيما يتعلق بالكسور وجبر الأرقام لأقرب عدد صحيح للاحتياجات الاستهلاكية، فعلى سبيل المثال، مبلغ 17 ألف ليرة قد يعاد تسعيره ليصبح 200 ليرة جديدة، بدلًا من 170 ليرة.
أما تغيير شكل العملة، فقد يمنح ارتياحًا معنويًّا وشعورًا بالعبور إلى مرحلة جديدة عنوانها الانفتاح وحرية التعامل، لكنه لا يؤثر على الثقة الاقتصادية، لا سلبًا ولا إيجابًا، وهذا الإجراء سبق أن اتخذته دول عديدة، واضطُرّت في بعض الأحيان لتكراره مرّات عدّة.
تحديات أمام مجتمع الأعمال
بالنسبة لمجتمع الأعمال، يعد الأمر في البداية عبارةً عن إجراءات وأعمال إضافية، ريثما تتعود الأسواق على النظام الجديد، فالثقة الحقيقية في الاقتصاد لا تأتي من شكل العملة، بل من توافر مناخٍ متكاملٍ داعمٍ للإنتاج، ودوران حركة الأسواق، وحركة البنوك، والسيولة، وسهولة فراغ العقارات. ويضيف تقي الدين أن التحدّي الأكبر الذي قد يواجه التاجر يتمثل في إعادة تسعير الديون والالتزامات والأحكام القضائية وغيرها من المعاملات المالية، ويمكن تجاوز هذه الإشكالات إذا فرضت الدولة آلية إلزامية لإزالة الصفرين على جميع المعاملات، بما في ذلك القروض والأحكام القضائية، لتفادي أي تأويلات أو خلافات مستقبلية.
من جهة أخرى، لا يتوقع أن يكون لحذف الأصفار تأثير مباشر على العمليات الصناعية أو التجارية، كما أنه لا يرتبط بتخفيض تكلفة الإنتاج، إذ إن الإجراء يظل محصورا في الجانب النقدي والتنظيمي، دون أن ينعكس على بنية الإنتاج أو كلفته التشغيلية. أما طباعة العملة الجديدة، فمن المرجح أن تُحدث إرباكًا في البداية، إلى حين استيعاب المواطنين والشركات للفئات الجديدة. ومع ذلك، فإن حذف الصفرين سيسهم حتمًا في تسهيل التعاملات، وهي ميزة كان يمكن تحقيقها سابقًا عبر إصدار فئات أكبر من العملة القديمة.
ويختم فراس تقي الدين بالقول بأن الفائدة الكبرى المرجوة، برأيه الشخصي، تكمن في إجبار الكتلة الكبيرة من الليرة السورية القديمة (والتي يُقال إن أغلبها بيد أركان النظام الساقط، وخارج الحدود، ومناطق سيطرة الدولة)، على العودة إلى سيطرة المصرف المركزي، حيث سيُبادر جميعهم للتخلص منها واستبدالها بأسرع وقت، قبل انتهاء المهلة المحددة، لكن التخوف يكمن في أن يؤدي العرض الكبير لتلك الكتلة، خاصةً في المناطق الخارجة عن الحدود وسيطرة الدولة، إلى التخلص منها وتبديلها بالدولار وبأيسر سعر، ما قد يضغط على سعر الصرف ويؤدي إلى هبوطٍ مبدئي في قيمة الليرة القديمة أمام الدولار، وبالتالي الليرة الجديدة أيضًا، نظرًا لارتباطها بالقديمة بعد إزالة الصفرين.
الخبير المصرفي ومعاون مدير المصرف العقاري سابقًا، أنس الفيومي، اعتبر أن توقيت اتخاذ قرار حذف الأصفار من العملة السورية وطباعة عملة جديدة، رغم ابتعاده عن القواعد العامة التقليدية، يعد مناسبًا ضمن الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد، والتي فرضتها تداعيات انهيارات اقتصادية متتالية على مدى سنوات، موضحًا أن جزءًا كبيرًا من الكتلة النقدية المتداولة فُقد نتيجة الأحداث العامة، من سرقات طالت مناطق واسعة، إضافةً إلى السياسات الحكومية الفاشلة خلال العقد الذي سبق سقوط النظام، والتي تمثّلت في حبس السيولة، وفرض قيود صارمة على الحسابات المصرفية، وتعليمات مقيّدة في البيوع العقارية، وهذه الإجراءات دفعت أصحاب المصالح والأعمال التجارية إلى تخزين كتل نقدية خارج النظام المصرفي، لضمان الوفاء بالتزاماتهم، ما أدّى إلى أزمة سيولة خانقة، حتى داخل المصارف العاملة.
وأشار الفيومي لـ”نون بوست” إلى أن هذه القيود ساهمت في تداول فئات نقدية مهترئة، مغيبة عن التداول الفعلي نتيجة التضخم، ما أفقد الليرة السورية هيبتها، وأصبحت مجرد وسيلة تبادل، بغض النظر عن حالتها الفنية، التي باتت تتسم بوجود لصاقات وكتابات على الأوراق النقدية، والأخطر، بحسب الفيومي، أن بعض العصابات المدعومة من جهات أمنية استغلّت هذا الواقع لطرح فئات نقدية مزورة، بدقة فنية يصعب على جهات غير محترفة إنتاجها، ما عزز الاعتقاد بوجود دعم تقني لهذه العصابات.
وأكد أن حذف الأصفار ليس هو الإشكال، طالما أن القيمة الموازية للعملة قبل وبعد الحذف تبقى متساوية، لكن النقطة الجوهرية تكمن في قدرة المصرف المركزي على إدارة السيولة العامة مقارنةً بالكتلة النقدية المتداولة، وهي معادلة شبه مفقودة حاليًّا بسبب غياب الأرقام الدقيقة، ما يُفقد المركزي جزءًا مهمًّا من دوره الرقابي، كما أن من نتاج قدرة المركزي على إدارة السيولة، التحوّل إلى ما صرّح به السيد الحاكم حول تعويم العملة، وهذا الإجراء لا يمكن أن يتم دون سيطرة المركزي على السيولة وإدارة المال وحجم التداول.
وأضاف أن إعادة الثقة بالنقد الوطني والمصارف تعد نقطةً محوريةً لهذا الإجراء، خاصةً في ظل وجود قيادة مصرفية وحكومية تحظى بقبولٍ نسبي، وأشار إلى أنه لو تم اتخاذ هذا القرار في عهد النظام السابق، لحدث انهيار كبير في قيمة الليرة، وفوضى واسعة في السوق والمؤسسات المالية، نظرًا لانعدام الثقة بالحكومات السابقة، وبأي إجراء تتخذه، حتى لو بدا في ظاهره أنه يصب في المصلحة العامة.
وبين الفيومي أن لا علاقة مباشرة بين الاستبدال ومعالجة التضخم كحالةٍ اقتصادية، لكنه قد يحمل أثرًا نفسيًّا غير مباشر، عبر بناء ثقة جديدة بالليرة السورية الجديدة، كما وصفها حاكم مصرف سورية المركزي، وقد أشار الأخير في تصريحٍ مهم إلى أن عملية الاستبدال ستكون على فترة زمنية غير قصيرة، ما يعزز وجود خطة لدى المركزي، والتي يُتوقع أن تتسارع خطواتها كلما زادت ثقة المواطنين بالإجراءات الحكومية، خاصةً مع الإعلان عن ست فئات نقدية جديدة، في حين أن التداول الفعلي اليوم يقتصر على أربع فئات فقط، إحداها تالفة جدًّا.
وتوقع الفيومي تحسنًا في سعر الصرف، مشيرًا إلى أن موضوع حذف الأصفار هو عملية حسابية بحتة، لا تؤثر على القيمة السوقية أو سعر الصرف، إذ إن الحسابات الدائنة والمدينة، بما فيها القروض، ستعامل بنفس الطريقة الحسابية.
ويرى أن هذا الإجراء سيُحرّر المصارف من بعض القيود المفروضة عليها، ما سيعزز الثقة بالعمل المصرفي، الذي يعد حاليًّا من أبرز عوائق الاستثمار، ويدفع العديد من أصحاب رؤوس الأموال السوريين في الخارج إلى التردد في العودة، وإذا ما ترافق هذا التحرر مع إزالة العوائق أمام المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات العمرانية والصناعية والزراعية والخدمية والسياحية، فقد نشهد عودةً تدريجيةً لرؤوس الأموال.
ورغم التفاؤل الكبير بإجراء تغيير اقتصادي مهم في المرحلة القادمة، لا يُنكر الفيومي وجود تخوفات، لكنها لا ترتقي إلى مستوى القلق الحقيقي، خاصةً أن تصريحات حاكم المصرف المركزي تشير إلى أن هذه المخاوف تدخل في حسابات المركزي، الذي سيعتمد على عملية استبدال تدريجية، وسحب الكتلة النقدية القديمة من السوق.
وحذر من احتمال استغلال ضعاف النفوس وبعض المجرمين طرح فئات نقدية غير سليمة، داعيًا إلى تضافر جهود الأفراد والمؤسسات المالية والأمن العام، لضبط أي حالات تُسيء إلى اسم الليرة السورية، وختم بالقول إن التحدي كبير، والعمل يتطلب جهودًا جبارة من المصرف المركزي والمصارف العاملة، لكنه في نهاية المطاف خطوة تدخل ضمن قاعدة “لا بدّ ممّا ليس منه بدّ”.
ختامًا، في ظل واقع اقتصادي مثقل بالأزمات والتشوهات النقدية، يبدو أن خيار حذف الأصفار وطباعة عملة جديدة لم يعد ترفًا نظريًّا أو إجراءً تجميليًّا، بل ضرورة فرضتها تعقيدات المرحلة وتآكل الثقة بالمنظومة النقدية. وبين التخوّفات المشروعة والتفاؤل الحذر، يبرز هذا الإجراء كخطوة أولى في مسارٍ طويل لإعادة الاعتبار لليرة السورية، واستعادة دور المصارف كركيزةٍ للاستقرار والاستثمار.