ترجمة وتحرير: نون بوست
عام 1980، عندما كان ليونيد بريجنيف يرأس الاتحاد السوفيتي، وكان دونالد ترامب يعمل في مجال التطوير العقاري، قام قادة الدول التسع في المجموعة الأوروبية آنذاك بأول خطوة دبلوماسية مشتركة كبيرة. كان الأمر يتعلق بالشرق الأوسط، وتضمن الدعوة لإقامة دولة فلسطينية.
جاء في إعلان البندقية الذي دعا إلى منح الفلسطينيين حق تقرير المصير: “لقد حان الوقت لتعزيز الاعتراف بتطبيق مبدأين مقبولين عالميًا من المجتمع الدولي: حق جميع الدول في المنطقة في الوجود والأمن، بما في ذلك إسرائيل… والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
بعد أكثر من 45 عامًا على ذلك الإعلان، والعديد من بيانات التنديد والتعبير عن القلق، تعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات حادة بسبب عدم قدرته على لعب دور فعال في إحلال السلام في الشرق الأوسط أو حتى الاستجابة لإحدى أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحًا في العالم.

قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز هذا الأسبوع إن استجابة أوروبا لأزمة غزة كانت فاشلة. وعلى نفس المنوال، وصفت رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار السياسة الإسرائيلية بأنها “إبادة جماعية” وتساءلت عن كيفية تقبل بعض السياسيين، بما في ذلك في دول الاتحاد الأوروبي، لتشريد المدنيين وتدمير المنازل والنقص الحاد في المواد الضرورية داخل قطاع غزة.
وفي موقف استثنائي، كتب 209 من السفراء السابقين والموظفين الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي رسالة إلى قادة الاتحاد الشهر الماضي للتعبير عن “خيبة أملهم العميقة” بسبب عدم اتخاذ الاتحاد أي تدابير جوهرية للضغط على إسرائيل لإنهاء حربها الوحشية على غزة.
ومع تعرض قادة دول أوروبا لضغوط من أجل التحرك، قد يكون اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر محطة جديدة تُظهر الانقسامات الأوروبية بشأن إسرائيل، بما في ذلك مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية.
أعلنت كل من فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما سيكون خطوة رمزية مهمة من ثلاث دول من مجموعة السبع الكبار، وعضوين دائمين في مجلس الأمن.
تعترف حوالي ثلث دول الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، وتشمل المجموعة الأولى عدة دول من وسط وشرق أوروبا اعترفت بها عام 1988 تحت تأثير الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك بولندا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا. وتشمل المجموعة أيضًا المجر التي يقودها فيكتور أوربان، أحد أقوى المدافعين عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوروبا.
وقد كانت تشيكوسلوفاكيا جزءًا من هذه المجموعة قبل انقسامها، لكن جمهورية التشيك تصف بيان عام 1988 بأنه “قرار ناتج عن اعتبارات سياسية ويندرج في سياق تنظيم العلاقات الدولية في تلك الفترة”. وتقول براغ إنها تدعم حل الدولتين، لكنها لا تعترف بفلسطين ولا تنوي “الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد”.
تتكون المجموعة الثانية من دول الكتلة الغربية في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بفلسطين ردًا على سياسة إسرائيل وممارساتها في السنوات الأخيرة. اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية عام 2014، بعد فترة وجيزة من انتخاب حكومة اشتراكية ديمقراطية بدعم من حزب الخضر المؤيد لفلسطين وأحد الأحزاب اليسارية. اتخذت أيرلندا وإسبانيا والنرويج (ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي) قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مايو/ أيار 2024 ردًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة، وسعياً للحفاظ على حل الدولتين.
سرعان ما انضمت إلى المجموعة كل من فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا. أعلن إيمانويل ماكرون في يوليو/ تموز الماضي أن فرنسا ستعترف بفلسطين “وفاءً بالتزامها التاريخي بتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط”. وأصبحت بلجيكا هذا الأسبوع أحدث دولة تعلن اعترافها بفلسطين في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد مفاوضات معقدة كادت أن تزعزع استقرار حكومتها المكونة من خمسة أحزاب. وتنص التسوية التي توصل إليها الائتلاف الحاكم على عدم صدور مرسوم ملكي بشأن الاعتراف حتى يتم الإفراج عن آخر رهينة إسرائيلية تحتجزها حماس.
كشف الجدل الداخلي في بلجيكا عن مدى الإرباك الذي سببته الحرب الإسرائيلية على غزة على صعيد السياسة الأوروبية، حيث قسمت الأحزاب وزعزعت استقرار الحكومات الائتلافية الهشة. استبعدت الحكومة الهولندية الاعتراف في الوقت الحالي، لكنها خسرت وزير خارجيتها، كاسبار فيلدكامب، السفير السابق لدى إسرائيل، الذي استقال من الحكومة المؤقتة في أغسطس/ آب بسبب رفض شركائه في الائتلاف فرض عقوبات أشد على إسرائيل. كما رفضت فنلندا الاعتراف بفلسطين، وسط انقسامات حول هذه القضية بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء، رغم أن كليهما عضو في نفس الحزب من وسط اليمين.

يجادل مارتن كونيتشني، مدير منظمة المشروع الأوروبي للشرق الأوسط، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل، بأن الاعتراف بفلسطين خطوة مهمة، ولكنها قد تصبح فارغة من المضمون دون ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لتغيير سياساتها فيما يتعلق بتدمير غزة وبناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
وقال: “إذا كنت تعترف بفلسطين وتريد إقامة دولة فلسطينية، عليك أن تقرن ذلك بالضغط على الحكومة الإسرائيلية التي تبذل حالياً كل ما بوسعها لتدمير فلسطين على الأرض”. وأضاف: “الحكومة الإسرائيلية تدمر غزة فعليًا وتوسع المستوطنات بطريقة تجعل حل الدولتين مستحيلًا، وبهذا يتم محو فلسطين من الخارطة فعليا، وليس ذلك من قبيل المبالغة”.
لم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراءات ضد حكومة نتنياهو بعد مرور عامين تقريبًا على بدء إسرائيل عملياتها الانتقامية ردًا على هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، التي قتلت فيها حماس حوالي 1200 شخص واحتجزت 251 رهينة. في غضون ما يقارب 23 شهرًا، قتلت إسرائيل أكثر من 63,700 فلسطيني وفرضت مجاعة متعمدة على غزة.
وخلصت دائرة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن إسرائيل تنتهك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، ثم حددت لاحقًا العقوبات المحتملة. واقترحت المفوضية الأوروبية ما يمكن اعتباره أقل الإجراءات حدةً، وهو تعليق جزئي لعضوية إسرائيل في برنامج الاتحاد الأوروبي للبحوث، لكن هذا الاقتراح لم يحصل على الأغلبية اللازمة، حيث امتنعت ألمانيا وإيطاليا عن دعمه.
وخلص سفين كون فون بورغسدورف، ممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية حتى عام 2023، بعد أن شغل أيضًا منصب مبعوث الاتحاد في القدس، إلى أنه لن يكون هناك رد جماعي من الاتحاد الأوروبي على أزمة غزة في الوقت الحالي. ساعد بورغسدورف في إعداد الرسالة الأخيرة التي وجهها الدبلوماسيون إلى قادة الاتحاد الأوروبي، وهي الثالثة في سلسلة رسائل تحث الاتحاد على اتخاذ إجراءات ضد الحكومة الإسرائيلية.
دعت الرسالة الأخيرة في أغسطس/ آب، الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات أحادية ضد إسرائيل، مثل حظر بيع الأسلحة، ووقف التعاون مع الجامعات الإسرائيلية، وإنهاء تجارة السلع والخدمات مع المستوطنات غير القانونية، وفرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان. كما حثت الرسالة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات مشتركة، لكن بورغسدورف يعتقد أن الاتحاد الأوروبي أصبح عاجزًا في الوقت الحالي.
وقال الدبلوماسي الأوروبي لصحيفة الغارديان إن الدول الأعضاء يجب أن تعمل خارج أُطر الاتحاد الأوروبي، وأن تتعاون مع دول الجنوب العالمي. وأضاف قائلًا: “أرى مشهدا يصبح فيه الاتحاد الأوروبي أقل أهمية في ملف غزة، وتصبح التحالفات بين الدول ذات الإرادة حول العالم أكثر تأثيرًا”.
المصدر: الغارديان