ترجمة وتحرير: نون بوست
“ثمانية آلاف دولار لتزويد الجيش الإسرائيلي بطائرة مسيّرة حرارية، و600 دولار لشراء خوذة، و150 دولارًا للوحة حماية للرشاش”، هذه بعض التبرعات المعفاة من الضرائب التي يمكن للمواطنين الأمريكيين تقديمها لدعم الجيش الإسرائيلي.
تُدير هذه الحملة جمعية أمريكية مسجّلة بدأت منذ الأشهر الأولى للحرب بجمع التبرعات لشراء طائرات مسيّرة ومعدات عسكرية أخرى لصالح الجيش الإسرائيلي. وتُعرف المنظمة باسم “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا”، وهي جهة غير ربحية تركّز في نشاطها على تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، وقد أطلقت حملة بعنوان “معدات تكتيكية طارئة” بعد أسابيع من أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ومنذ ذلك الحين، واصلت المنظمة جهودها في جمع التبرعات المعفاة من الضرائب من الأمريكيين لتزويد الجنود الإسرائيليين بمعدات متنوعة تشمل السترات الواقية، وألواح الحماية، والخوذ، والحقائب الطبية، والطائرات المسيّرة المزودة بتقنيات التصوير الحراري.
تربط منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” علاقات وثيقة مع حركة المستوطنين اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وقد تحوّل تركيزها تدريجيًا من مجرد النشاط الدعائي لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة إلى تقديم دعم ميداني مباشر للجيش الإسرائيلي عبر أموال تُجمع من المواطنين الأمريكيين. وتتيح هذه التبرعات للمانحين تقليل العبء الضريبي المفروض عليهم من الحكومة الأمريكية، وتحويل تلك الأموال لدعم الجيش الإسرائيلي في حروبه في غزة وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط.
جاء في نص ترويجي لحملة أُطلقت سنة 2024 تحت عنوان “حملة الطائرات المسيّرة الحرارية”، قبل أن يتم حذفها لاحقًا، أنه “مع تقدم الحرب نحو انتصار كامل للجيش الإسرائيلي على حماس، تسعى منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” لتزويد الجنود على الخطوط الأمامية بالمعدات الأساسية التي يحتاجونها لتحقيق هذا الانتصار”. وقد وُصفت الحملة بأنها مخصصة لـ”أبطالنا” الذين يقاتلون في غزة، وجاء فيها: “تبلغ تكلفة كل طائرة مسيّرة حرارية 8,000 دولار. نرجو منكم أن تشاركوا معنا لتوفير هذه الطائرات لوحدات الجيش الإسرائيلي التي تحتاجها بشدة. التبرعات معفاة من الضرائب وفق البند 501(سي)3، عبر المنظمة”.
نشرَت المنظمة عددًا من المقاطع الترويجية عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر فيها الطائرات المسيّرة والمعدات التي تم شراؤها وهي تُسلّم وتُستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي. وتشمل هذه المقاطع مشاهد لجنود إسرائيليين داخل قطاع غزة وهم يشغّلون طائرات مسيّرة تحمل شعار المنظمة. ويقول الجندي الذي يصوّر المشهد قائلاً: “طائرات منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” المسيّرة، داخل غزة. نستخدمها في واحدة من أكبر العمليات ضد حماس. نحن هنا، بدأنا العمل بطائراتكم، شكرًا جزيلًا. شكرًا من غزة. أم يسرائيل تشاي”، وهي عبارة بالعبرية تعني “شعب إسرائيل حي”.
youtube.com/watch?v=SuBMAGGjoSI&feature=youtu.be
في مقاطع أخرى نُشرت على حسابات المنظمة في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر ممثلون عنها وهم يسلّمون معدات بشكل مباشر لوحدات من الجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل لاستخدامها في الميدان، بما في ذلك تسليم صندوق يحتوي على طائرة مسيّرة صغيرة من فئة الاستخدام المدني لأفراد من لواء المظليين 646، الذي شارك مؤخرًا في المعارك قرب مدينة غزة.
وكان أفراد من لواء المظليين 646، الذي شارك فيه يغئال ديلموني، أحد مؤسسي منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا”، بصفة قيادية خلال الحرب، قد أدلوا بتصريحات تكشف عن نواياهم لإبادة سكان غزة. وغرّد الرائد بن يعقوب سابو، قائد وحدة القيادة الأمامية في اللواء، قائلًا: “في غزة لا يوجد شخص بريء”، مضيفًا أن “قنبلة نووية على غزة كلها لا تعتبر عقوبة كافية لهؤلاء الجراثيم”.
وشغل يغئال ديلموني سابقًا منصب المدير التنفيذي لمجلس “يشع”، وهو هيئة إسرائيلية تُشكّل مظلة تنظيمية للمجالس البلدية التي تمثل مصالح المستوطنين في الضفة الغربية. ويضم المجلس الاستشاري لمنظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” شخصيات بارزة من هذا المجلس، من بينهم الرئيسة السابقة شيرا ليفمان، والرئيس الحالي يسرائيل غانتس، إلى جانب عدد من رؤساء بلديات المستوطنات في الضفة الغربية.
بالإضافة إلى دعمها للاستيطان في الضفة الغربية، طالب “مجلس يشع” علنًا الحكومة الإسرائيلية بضمّ رسمي للمنطقة، باعتباره وسيلة لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل. وفي اجتماع عُقد مؤخرًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مستوطنة عوفرا بالضفة الغربية، نُقل عن أحد أعضاء المجلس قوله: “إن فرض السيادة بعد صدور إعلان من الأمم المتحدة سيُنظر إليه كخطوة رد فعل، وسيمنح الشرعية للرواية التي يروّج لها أعداء إسرائيل. علينا قلب المعادلة – السيادة أولًا، وعندها لن يبقى شيء يُعلن”، مضيفًا أن “تردّد إسرائيل في السنوات الأخيرة هو ما يغذّي التحركات الدبلوماسية الداعمة لفكرة إقامة دولة فلسطينية”.
وفي إقراراتها الضريبية لسنة 2023، ذكرت المنظمة أنها قدّمت معدات وقائية وسترات واقية وحقائب إسعاف وطائرات مسيّرة لقرى داخل إسرائيل بهدف “حماية سكان الوادي”، إلى جانب تنظيم جولات تثقيفية من الولايات المتحدة لتعريف المشاركين بتاريخ إسرائيل.
وفي تلك السنة، أدرجت المنظمة في سجلاتها المالية مساهمات بقيمة 137,525 دولارًا. وتشير الوثائق نفسها إلى تحويل مبلغ قدره 132,481 دولارًا إلى جهة إسرائيلية تُدعى “مشروع آري فولد”، يقع عنوانها في “غفعات هشلوشاه، السامرة”. وقد سُمّي المشروع على اسم الناشط الأمريكي الإسرائيلي المؤيد للاستيطان، آري فولد، الذي انتقل إلى الضفة الغربية وقُتل على يد فلسطيني في هجوم بالطعن سنة 2018. ويعرّف المشروع نفسه بأنه يختص بتوجيه المعدات إلى وحدات الجيش الإسرائيلي في الميدان، وتشمل المعدات التي قدّمتها منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” للمشروع: “سترات واقية، وحقائب إسعاف أولي، وطائرات مسيّرة لأغراض الحماية”.
إلى جانب مساهمتها في تسليح إسرائيل خلال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، تواصل منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” جمع التبرعات لدعم جهودها العسكرية في لبنان ضد حزب الله. وقد أطلقت المنظمة حملة تمويل جديدة تستهدف دافعي الضرائب الأمريكيين تحت عنوان “الحملة الطارئة من أجل الشمال”، طالبت فيها بتبرعات لشراء معدات عسكرية تهدف إلى تعزيز الحدود الشمالية لإسرائيل، بما في ذلك إتاحة الفرصة للمانحين لرعاية حزم كاملة من المساعدات العسكرية، تشمل معدات طائرات مسيّرة بقيمة آلاف الدولارات، والكاميرات، وأنظمة الألياف الضوئية لتزويد الجيش الإسرائيلي بها.
وذكرت الحملة في بيانها: “لقد حان وقت التحرك والتبرع من أجل تزويد جيشنا بمعدات حيوية لإنقاذ الأرواح، بما يعزز من قوة الجنود ويؤهلهم بشكل أفضل للمرحلة الحالية وما بعد انتهاء الحرب”.
“الجهة المرجعية لكل ما يتعلق بيهودا والسامرة”
تأسست المنظمة في يناير/ كانون الثاني 2023 بهدف أن تكون “الجهة المرجعية لكل ما يتعلق بيهودا والسامرة”، وفقًا لما صرّح به رافي لازروفيتز، رجل أعمال من بروكلين يتولى قيادة المنظمة. ويُستخدم مصطلح “يهودا والسامرة” من قبل المتطرفين الدينيين في إسرائيل والولايات المتحدة للإشارة إلى الضفة الغربية، وهي أرض محتلة يُعترف بها دوليًا كأساس محتمل لقيام دولة فلسطينية مستقبلية.
بالإضافة إلى حملاتها التي تهدف إلى جمع التبرعات لدعم جهود الاحتلال وتوفير المعدات للجيش الإسرائيلي، تُقدّم منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” نفسها أيضًا كجهة تعليمية وتوعوية تسعى إلى تعزيز الوعي بأهمية ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل. وتقوم المنظمة بتوجيه رسائل إلى الجمهور وصنّاع القرار في الولايات المتحدة حول “الضرر الذي يُلحقه غياب السيادة الإسرائيلية بدولة إسرائيل، وكيف أن تطبيق السيادة سيعود بالنفع على جميع من يعيشون في المنطقة، وعلى إسرائيل نفسها”.
وتُعد المنظمة واحدة من عدة جهات تستفيد من الوضع الضريبي غير الربحي في الولايات المتحدة لتمويل وحدات عسكرية إسرائيلية أو مشاريع استيطانية. وقد كشف موقع “دروب سايت” السنة الماضية عن جمعية أخرى تُدعى “أصدقاء وحدة القنّاصة المظليين 202″، جمعت أكثر من 300 ألف دولار لدعم وحدة عسكرية إسرائيلية شارك أفرادها مقاطع مصوّرة تُظهرهم وهم يطلقون النار على فلسطينيين عُزّل أثناء عملياتهم في غزة.
وتعمل منظمات أخرى في تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، من بينها “الصندوق المركزي لإسرائيل”، وهي جهة أمريكية كشف تحقيق للصحفي أليكس كين سنة 2021 أنها موّلت مجموعات تعمل على طرد الفلسطينيين من القدس. وتُعد هذه الروابط ممتدة منذ سنوات، إذ أظهرت تقارير سابقة نشرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن جمعيات خيرية مسجّلة في الولايات المتحدة قامت، ما بين 2009 و2013، بتحويل ما يقارب 220 مليون دولار إلى منظمات استيطانية إسرائيلية.
وقد اتخذ هذا النوع من النشاط غير الربحي الأمريكي الداعم للحكومة الإسرائيلية شكلًا جديدًا خلال جريمة الإبادة الجارية، حيث بات يشمل شراء معدات تُستخدم بشكل مباشر في تنفيذ أعمال عنف.
بالإضافة إلى منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا”، هناك منظمة غير ربحية أخرى بموجب المادة “501(سي)3” تُدعى “أصدقاء إسرائيل” جمعت أموالًا لشراء طائرات مسيّرة تُستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي، وقدمت دعمًا لوحدات الطوارئ المسلحة في الضفة الغربية. ووفقًا لإقراراتها المالية الأخيرة، فإن المنظمة، المسجّلة رسميًا باسم “مؤسسة أصدقاء العالم”، جمعت أكثر من 12 مليون دولار لبرامجها في إسرائيل. ومن بين حملاتها التمويلية برنامج “الحلول التكنولوجية المتقدمة”، المخصّص لشراء طائرات مسيّرة للجيش الإسرائيلي، تصل تكلفة بعضها إلى 10,000 دولار للنظام الكامل المزود بكاميرا حرارية. ويعرض فيديو ترويجي بعنوان “عيون في السماء“، يتضمن لقطات لطائرات إسرائيلية تُظهر اغتيال القيادي في حماس يحيى السنوار، الطرق المختلفة التي يمكن استخدام الطائرات المسيّرة بها، بهدف جذب المتبرعين.
تتعاون منظمات أمريكية غير ربحية بارزة أخرى مع جهات إسرائيلية لدعم ما يُعرف بـ”الجنود الوحيدين”، وهم مواطنون أمريكيون ينتقلون إلى إسرائيل للانضمام إلى الجيش، أو يُشاركون في رحلات تطوعية تشمل العمل في قواعد عسكرية إسرائيلية.
وتربط منظمة “أصدقاء يهودا والسامرة في أمريكا” علاقات وثيقة مع الجيش والحكومة الإسرائيلية، يتجلى ذلك في تركيبة قيادتها. فغابرييل بوكسر، المدير المُسجّل وعضو مجلس إدارتها، يُعرف أيضًا كمؤثر على منصات التواصل باسم “كوشِر غورو”، وقد ترشّح سابقًا لمجلس شيوخ ولاية نيويورك سنة 2022، ويُشار إلى أنه يعمل كمستشار لعضو الكنيست الإسرائيلي سمحا روثمان. كما ظهر مؤخرًا في تسجيل مصوّر داخل قطاع غزة خلال زيارة ميدانية برفقة الجيش الإسرائيلي.
وظهر غابرييل بوكسر في مقطع نُشر على حسابه في إنستغرام في ديسمبر/ كانون الأول 2023 وهو يرتدي قميصًا يحمل شعار الجيش الإسرائيلي، ويتحدث إلى المتحدث السابق باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، تحت تعليق يقول: “لدينا كل الحق في الدفاع عن وطننا وأمتنا. إنها حرب عادلة تُشنّ ضد إسرائيل”. وفي مقابلة مع وكالة الأنباء اليهودية في أغسطس/ آب، تحدّث بوكسر عمّا شاهده داخل الأراضي المحاصرة أثناء مرافقته للجيش الإسرائيلي، واصفًا الجيش بأنه “الأكثر إنسانية وأخلاقًا في العالم”، مشيرًا إلى أنه اطّلع على أنفاق تابعة لحماس مليئة بالأسلحة، بُنيت مباشرة تحت أسرّة الأطفال.
وفي زيارات سابقة إلى غزة، شارك غابرييل بوكسر مقاطع مصوّرة على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيها برفقة جنود من لواء المظليين 646 التابع للجيش الإسرائيلي، وهو يعلّق أمام الكاميرا أثناء تنفيذ عمليات تفجير لمنازل ومبانٍ داخل القطاع.
وفي أحد المقاطع التي نشرها غابرييل بوكسر على حسابه الشخصي في إنستغرام، ظهر فيه أثناء مرافقته لوحدات من الجيش الإسرائيلي وهو يصف بحماس عملية تفجير منازل فلسطينية قائلاً: “لقد رأينا، نعم، تلك المنازل تُفجّر هناك في الخلف في خان يونس”، قبل أن يضيف: “واو، هذا كل ما يمكنني قوله!”.
المصدر: دروب سايت