ترجمة وتحرير: نون بوست
في سياق مسعاها المستمر لتدمير غزّة، شنت إسرائيل هجومًا على حليفتها قطر، كاشفة أن محادثات وقف إطلاق النار مع حركة حماس لم تكن سوى خدعة جديدة.
جاء القصف الإسرائيلي الذي استهدف قادة من حماس في الدوحة بقطر بعد يومين فقط من إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما وصفه بـ”التحذير الأخير” للحركة الفلسطينية. وكتب ترامب على وسائل التواصل: “الإسرائيليون قبلوا بشروطي. حان الوقت كي تقبل حماس أيضًا”.
وتضمنت شروط ترامب، الواردة في وثيقة من 100 كلمة، مطالبة حماس بإطلاق جميع الأسرى المتبقين مقابل وقفٍ لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، دون أي التزام بإنهاء دائم لحملة القتل في غزّة. وخلال هذه الهدنة، نصّ المقترح الأميركي على أن “الرئيس ترامب سيضمن أن الأطراف تتفاوض بحسن نية حتى يتم التوصل إلى اتفاق”.
وسبق لترامب أن قدّم وعدًا مشابهًا مطلع السنة، حين أقنع حماس بالإفراج عن الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، لكنه واصل دعم القصف الإسرائيلي وحصار التجويع بعد الإفراج مباشرة.
غير أن المبادرة الجديدة جاءت هي الأخرى خالية من حسن النية، فبينما كان مسؤولون من حماس مجتمعين لبحث إنذار ترامب، دخلت عشر طائرات حربية إسرائيلية الأجواء القطرية وقصفتهم. ووفق التقارير، قُتل ستة أشخاص، فيما أعلنت حماس نجاة قيادتها العليا.
وكما حدث مع إيران في يونيو/ حزيران، استغل ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو غطاء المفاوضات لتنفيذ عمل عدواني قوّض أي احتمال للتوصل إلى اتفاق. وقبيل الهجوم، قدّم الموساد تطمينات للقطريين بأن “لن نهاجم على أرضكم“، ليتضح لاحقًا أن ذلك كان جزءًا من الخدعة. فالقاعدة العسكرية الأميركية في قطر – وهي الأكبر في الشرق الأوسط – قادرة على رصد أي هجوم قادم، لكنها لم تفعل دفاعاتها الجوية، في مؤشر على تورط إدارة ترامب. ولتأكيد ذلك، سارعت صحيفة جيروزاليم بوست إلى نشر خبر، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، يفيد بأن واشنطن “أعطت الضوء الأخضر للعملية”، وهو ما دأبت على فعله مع كل عملية إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول وما قبلها.
وبعد أن مهّد البيت الأبيض الطريق لضربة إسرائيلية استهدفت دولة حليفة تستضيف نحو 10 آلاف جندي أميركي، جاء ردّه مرتبكًا؛ فقد صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، للصحفيين بأن ترامب “يشعر بسوء شديد تجاه موقع” الضربة الإسرائيلية، في إشارة إلى توقيتها المحرج، إذ كانت قطر قد قدّمت لترامب مؤخرًا طائرة بوينغ 747-8 فاخرة بقيمة 400 مليون دولار، إلى جانب تعهدات استثمارية بقيمة 1.2 تريليون دولار، وفق ما أعلن البيت الأبيض. ورغم إقرار الإدارة بأن الهجوم “لا يخدم أهداف إسرائيل أو أميركا”، أكد ترامب أنه ما يزال يرى أن “القضاء على حماس… هدف يستحق”.
وردّت قطر على الهجوم بتعليق جهود الوساطة التي كانت تتولاها، غير أن المحادثات فقدت جديتها منذ أن خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في مارس/ آذار، لتتحول إلى مجرد مهزلة. فكما فعلت إدارة بايدن سابقًا، واصلت إدارة ترامب تحميل حماس مسؤولية التعثر، حتى بعد أن أبدت موافقتها المتكررة على شروط أميركية ـ إسرائيلية متبدلة. ففي الشهر الماضي، وافقت حماس على مقترح نقله مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، يقضي بالإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين أحياء مقابل هدنة لمدة ستين يومًا والإفراج عن 150 أسيرًا فلسطينيًا في السجون الإسرائيلية.
غير أن أن نتنياهو تجاهل هذه المبادرة ومضى في خططه لتدمير مدينة غزة، آخر المناطق القابلة للعيش في القطاع بعد نحو عامين من العنف الإسرائيلي المتواصل. وقد شملت الأهداف الأخيرة أبراجًا سكنية تضم عشرات الآلاف من السكان، فضلًا عن مقار منظمات حقوقية، استُهدفت أحيانًا دون إنذار أو بإنذار محدود. واستكمالًا لحملة الأرض المحروقة، أمرت إسرائيل جميع من يحتمون في مدينة غزة – ويقدَّر عددهم بنحو مليون شخص، أي نصف سكان القطاع – بإخلائها.
وفي خطاب دعائي متكرر، زعم نتنياهو أن الهجمات تستهدف “أبراجًا إرهابية” تستخدمها حماس في أنشطتها العسكرية، بينما الواقع أنه ينفّذ المرحلة النهائية من خطته الرامية إلى دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى المنفى الدائم.
وبحسب ما نُقل عن نتنياهو أمام أعضاء الكنيست في مايو/ أيار، فإن الجيش الإسرائيلي “يدمّر المزيد والمزيد من المنازل” حتى “لا يجد الفلسطينيون مكانًا يعودون إليه”، مضيفًا: “النتيجة الواضحة الوحيدة هي أن الغزيين سيختارون الهجرة خارج القطاع”. ويظل خياره الأول مصر الواقعة جنوب غزة، لكن مسؤولين إسرائيليين حاولوا أيضًا إقناع دول أخرى، من بينها جنوب السودان، باستقبال الفلسطينيين المُرغمين على النزوح.
وقد طُرحت هذه الخطة مباشرة بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إذ تضمّن تقرير مسرّب للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بتاريخ 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 دعوة إلى “إحداث تغيير جوهري في الواقع المدني” في غزة. ومن بين ثلاث خيارات مقترحة، اعتُبر “إجلاء السكان المدنيين من غزة إلى سيناء” هو “الخيار الذي يحقق نتائج إيجابية وإستراتيجية طويلة المدى لإسرائيل”.
واليوم، وبعد مرور ما يقارب العامين، تتواصل عملية التطهير العرقي في غزة وفق المخطط المرسوم، فيما يظل الراعي الأمريكي شريكًا ومتواطئًا في كل مرحلة، حتى وإن استلزم ذلك تسهيل العدوان الإسرائيلي على دولة حليفة أقل أهمية.
المصدر: آرون ماتيه