أطلق الحوثيون في اليمن عشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية صوب “إسرائيل” خلال السنتين الماضيتين. وكان انفجار الطائرة الحوثية المسيّرة في صالة الوصول بمطار رامون من أخطر الضربات التي تلقتها “إسرائيل” من الجماعة اليمنية.
بدا نجاح الطائرة المسيّرة في اختراق الدفاعات الإسرائيلية حدثًا صادمًا، وفشلًا دفاعيًا واضحًا، ومؤشرًا إضافيًا على مستوى قدرات جماعة الحوثي. وقد تسببت هذه الضربة الأخيرة بإصابة شخصين بجروح طفيفة، وعطّلت المطار نحو 90 دقيقة.
نسبة ضئيلة فقط من الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها جماعة الحوثي استطاعت الوصول إلى أهدافها، ولم تُحدث دمارًا واسعًا في المرافق أو المباني داخل المدن المحتلة، وعلى الرغم من ضآلة الأضرار التي تتسبب بها هجمات الحوثي على “إسرائيل”، إلا أنها لا تزال مصدر إزعاج وإحراج للجيش الإسرائيلي، وتثير الرعب بين السكان من حين لآخر.
يؤكد الحوثيون أن هجماتهم ضد “إسرائيل” ستستمر بدافع دعم الفلسطينيين في غزة، المدينة التي حولتها “إسرائيل” إلى مقبرة جماعية لأكثر من مليوني إنسان، في ظل تواطؤ غربي وصمت عربي. وتتحدث القيادة السياسية للجماعة بثقة عن “الأيام السوداء” التي تنتظر إسرائيل، وتواصل إطلاق الصواريخ والمسيّرات أسبوعيًا أو مرتين في الأسبوع، فمنذ 18 مارس/آذار، أطلق الحوثيون 80 صاروخًا باليستيًا وما لا يقل عن 31 طائرة مسيّرة على إسرائيل التي تبعد نحو 1800 كيلومتر عن اليمن.
وفي ظل المواجهة المتصاعدة بين “إسرائيل” وجماعة الحوثي، ينقسم المواطنون في اليمن بشأن الموقف من استمرار الضربات، إذ يرى ملايين منهم أن مواجهة “إسرائيل” ضرورة وجودية لا مفر منها، بينما يعتبر آخرون أن الصدام معها مغامرة تستجلب الشر والدمار إلى اليمن.
بعد دقائق من وصول الطائرة المسيّرة الحوثية إلى مطار رامون يوم الأحد الماضي، انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن وتناقلته وسائل الإعلام المحلية. حينها، أبدى اليمنيون مشاعر متناقضة: البهجة بوصول المسيّرة إلى هدفها، والرهبة من ردّ الفعل الإسرائيلي.
يقول حمزة أحمد، طالب جامعي في صنعاء، لـ”نون بوست”: “يفرح الإسرائيليون وداعموهم عندما يرون غزة تحترق وتجوع وتُدمّر، إذاً يحق لنا أن نفرح عندما نصيب أهدافًا في إسرائيل”.
ويضيف: “لا أخفي قناعتي أن استمرار مقاومة إسرائيل أمر يدعو للفخر والبهجة، ودليل على أن الخنوع للقوة ليس في قاموس القيادة السياسية في صنعاء مهما كانت التضحيات. أنا لا أبتهج باستمرار الحرب، لكن الرد على المعتدي مسألة تستحق الفرح”.
في يوليو من العام الماضي، بدأت “إسرائيل” شن غارات جوية على مرافق مدنية في مناطق سيطرة الحوثيين شمال اليمن. وكانت الضربة الأكثر تأثيرًا تلك التي أدت إلى مقتل 12 مسؤولًا رفيعًا في حكومة الحوثي بصنعاء، بينهم رئيس الوزراء، وخلفت عشرات الجرحى في 28 أغسطس/آب 2025.
يقول أحمد: “نواجه النار بالنار والقوة بالقوة. يعتقد الكيان الإسرائيلي أن استهداف قيادتنا سيحبطنا ويرعبنا، لكن هذا مستحيل. كلما زاد جبروته، زاد صمودنا وزادت رغبتنا في الانتقام. لا نبكي عندما نقاوم المعتدي، بل نبكي فقط عندما نفقد القدرة على المقاومة”.
الحريق وتصاعد الدخان في مطار رامون جنوب “إسرائيل” جعلا أحمد وكثيرين غيره يشعرون بالفخر. ويتساءل عمار علي، مدرس في صنعاء، عن سر استمرار تطوير السلاح المسيّر رغم الحصار والرقابة، ويقول لـ”نون بوست”: “الأمر يدعو للاستغراب والفخر، إذ استطاعت قوات صنعاء تطوير القدرات الصاروخية، ولم تستسلم للحصار والضغوط الاقتصادية والحرب الاستخباراتية. يمكن القول إن الإرادة الحقيقية تهزم كل المعوقات”.
على مواقع التواصل الاجتماعي، أشاد يمنيون كثر بنجاح المسيّرة الحوثية في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، وقالوا إن الهجوم على مطار رامون يعني أن التقنية التي تستخدمها الجماعة أصبحت أكثر تقدمًا من ذي قبل.
انها يد اليمن الطولى..
انها جندي من جنود الله..
انها سيف في يد رسول الله..انها اولى خطى التصعيد الواثقة.. تضرب مطار رامون الذي يبعد 3 كيلومترات عن مطار اللد
والقادم اعظم بعون الله
شاهد المزيد 👇 pic.twitter.com/7D7zr2BwTK
— علي جاحز (@ALIz1975m) September 7, 2025
استفزاز يجلب الدمار
مع كل هجوم حوثي على “إسرائيل”، يقلق كثير من اليمنيين بشأن العواقب والرد الإسرائيلي المحتمل، ويعتقدون أن الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها الجماعة استفزاز يجلب الدمار إلى اليمن ومغامرة غير محسوبة.
يقول عبدالعليم، 22 عامًا، صاحب محل تجاري في صنعاء، لـ”نون بوست”: “الضربات الحوثية على إسرائيل لم تنقذ غزة خلال السنتين الماضيتين، وقد تجرّ صنعاء إلى مصير مشابه، وتتعمّق المأساة الإنسانية في اليمن بشكل غير مسبوق. سقوط المسيّرات الحوثية في إسرائيل ليس مدعاة للبهجة، بل ذريعة للعدوان الإسرائيلي لتدمير البنية التحتية في اليمن وقتل وتشريد المدنيين”.
ويتابع متسائلًا: “لم يستطع أحد إنقاذ غزة من الوحشية الإسرائيلية، فمن سيأتي لإنقاذنا عندما تحل الفوضى على أيدي الإسرائيليين؟ من سيمنع إسرائيل من تدمير بلدنا؟”.
الأمر الأكثر إثارة للقلق، بحسب عبدالعليم، هو تعثر تدفق المنتجات الغذائية ومشتقات الوقود مثل الديزل والبترول، واختلال الوضع الأمني نتيجة استهداف القيادات في مناطق سيطرة الحوثيين، ويضيف: “نخشى توقف الموانئ في بلادنا أكثر من الحرب، لأن توقفها سيخلق أزمة غذائية وأزمة وقود، وهو ما سيؤدي إلى معاناة شديدة للملايين. لقد عشنا صراعًا داخليًا لمدة عشر سنوات، ونعرف تداعيات مثل هذه الأزمات، ولا نريدها أن تتكرر”.
في مايو/أيار من هذا العام، أعلنت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية، التابعة للحوثيين، أن الأضرار التي لحقت بموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى نتيجة “العدوان الصهيوني الأميركي” بلغت نحو 1.387 مليار دولار، منها 531 مليون دولار خسائر مباشرة، و856 مليون دولار خسائر غير مباشرة بسبب توقف الخدمات وتعطّل تدفق الإمدادات.
وتُعد موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى شريانًا اقتصاديًا وإنسانيًا لملايين السكان شمال اليمن، حيث تمر عبرها كميات ضخمة من واردات الغذاء والدواء، لذلك فإن تعطيل هذه الموانئ تهديد مباشر للأمن الغذائي والدوائي في البلاد، وهو ما يخشاه الكثير من اليمنيين عند الحديث عن الحرب مع “إسرائيل”.
يقول عبدالعليم: “نحن مع غزة، ويؤلمنا ما يحصل للمدنيين هناك. لكن مساندتهم تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا لإيقاف العدوان الإسرائيلي. اليمن بمفرده لا يستطيع وقف الوحشية الإسرائيلية. عندما نهاجم إسرائيل وحدنا، تستطيع أن تلحق بنا أضرارًا فادحة وكوارث يصعب التعامل معها، ولهذا لا أبتهج عندما تسقط الصواريخ أو المسيّرات الحوثية في إسرائيل”.
ويعتقد ناشطون إعلاميون أن وصول المسيّرة الحوثية إلى مطار رامون في جنوب “إسرائيل” سيدفع تل أبيب إلى تدمير ما تبقى من مصالح ومرافق يمنية في مناطق الحوثيين. ويقول الكاتب اليمني علي البخيتي عبر حسابه على فيسبوك: “الحفرة التي أحدثها صاروخ الحوثي في مطار بن غوريون في مايو/أيار تسببت بتدمير ميناء الحديدة ومطار صنعاء وطائرات مدنية، ومؤخرًا استهداف الحكومة في صنعاء. الآن وبعد الضربة الأخيرة في مطار رامون، ستدمر إسرائيل ما تبقى من مصالح ومصانع في اليمن”.
الصراع الحوثي الإسرائيلي لا يزال في بدايته وقد يطول كثيرًا، فاليمن اليوم ساحة حرب جديدة لـ”إسرائيل”، والبعد الجغرافي بين الدولتين لن يُعجزها عن إلحاق الدمار بالمدن اليمنية، ما يجعل كثير من المدنيين في اليمن يخشون من أن تتحول البلاد إلى مسرح واسع لعمليات الطائرات الإسرائيلية.