في سابقة هي الأولى من نوعها، شنّت إسرائيل ضربة عسكرية استهدفت قادة من حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة وتغيّر معادلة السياسة في المنطقة. لم يكن وقع العملية عسكريًا فحسب، بل سياسيًا ودبلوماسيًا بامتياز، إذ أثارت منذ لحظتها الأولى عاصفة من التساؤلات حول ظروفها وتداعياتها.
متى بدأ التخطيط للهجوم؟ وأيّ مجال جوي استخدمته الطائرات الإسرائيلية للوصول إلى قطر؟ ولماذا وقع في هذا التوقيت تحديدًا؟ أسئلة أخرى تعلقت بواشنطن، إن كانت على علم مسبق بالعملية، وما إن كان الغضب الأميركي المعلن يعكس خلافًا حقيقيًا مع حكومة نتنياهو.
كما برزت تساؤلات حول الموقف القطري: هل تلقت الدوحة إشعارًا مسبقًا بالاستهداف؟ وكيف سينعكس هذا التطور على مسار المفاوضات الجارية بشأن غزة؟ ثم ما أثره على العلاقات الأميركية–القطرية التي تُعد ركيزة أساسية في التوازنات الإقليمية.
في هذا المقال، نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة تباعًا، استنادًا إلى المعطيات المتوفرة من مصادر ميدانية، وتقارير اخبارية، وتحليلات خبراء، لرسم صورة أوضح عن خلفيات الضربة وما قد تفتحه من مسارات جديدة.
1. ما الذي جرى فعلًا؟
بعد ظهر الثلاثاء، 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، نفّذ الجيش الإسرائيلي ضربة عسكرية على العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت قادة من حركة حماس في تطور وصفه محللون دوليون بأنه تجاوز لجميع الخطوط الحمراء. وأثارت العملية فورًا موجة إدانة واسعة، لما تمثّله من سابقة على أرض خليجية تستضيف المكتب السياسي للحركة منذ عام 2012، وبطلب أميركي آنذاك وفق مسؤولين قطريين.
ووفق الرواية الإسرائيلية، جاء الاستهداف موجّهًا إلى خليل الحية، أبرز قادة حماس في المنفى وكبير مفاوضيها بعد اغتيال يحيى السنوار في غزة وإسماعيل هنية في طهران العام الماضي. الهجوم وقع بينما كانت قيادات الحركة مجتمعة في الدوحة لمناقشة مقترح أميركي بوقف إطلاق النار، لكنهم نَجوا جميعًا، في حين قُتل 6 أشخاص، بينهم ضابط أمن قطري.

“إسرائيل” سارعت إلى تبنّي العملية علنًا، وخلال أقل من ساعة على تمام العملية، إذ أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “إسرائيل هي من بادرت، ونفذت، وهي تتحمل المسؤولية الكاملة.” وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية شملت مشاركة 15 طائرة مقاتلة أسقطت بما يعادل 10 قنابل، إلى جانب استخدام طائرات مسيّرة.
أهمية الضربة لم تقتصر على طبيعة أهدافها، بل أيضًا على توقيتها. فقد نُفذت بينما كانت الدوحة، التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، تستضيف الجولة الحاسمة من محادثات وقف إطلاق النار الرامية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد أن أودت بحياة أكثر من 64,600 شخص وأصابت 163,000 آخرين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ردّ قطر جاء سريعًا، إذ وصف وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني الهجوم بأنه “إرهاب دولة”، مؤكّدًا أن الرد على هذه الضربات “يجب ألا يُغفل”. أما في الأوساط الدولية، فقد تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أُبلغت مسبقًا، خاصة مع الطابع المفصلي للعملية وتزامنها مع مباحثات تقودها واشنطن نفسها.
2. منذ متى بدأ التخطيط؟
تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن الهجوم لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة تحضيرات طويلة الأمد. فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية، التي حملت اسم “قمة النار”، استغرقت “أشهرًا من التحضير”، فيما أوضح مسؤولون تحدثوا لشبكة CNN أن قرار مهاجمة الدوحة اتُّخذ منذ فترة، وأن التخطيط الفعلي امتد لشهرين أو ثلاثة أشهر، مع تسارع وتيرته في الأسابيع الأخيرة.
تزامنًا مع التنفيذ، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متمركزًا في مقر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، في إشارة إلى الطابع الاستثنائي للعملية وارتباطها بأعلى مستويات القيادة الأمنية.
وعلى الرغم من عدم وجود أية توقعات استخباراتية خليجية باحتمالية استهداف الدوحة، باعتبارها “منطقة محمية” من بحكم استضافتها المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012 من جهة، واحتضانها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة إلا أن المحلل المتخصص في الشؤون الدفاعية حمزة عطار يرى أن هذا “الغطاء الأمني” كان جزءًا من الخطة ذاتها.
حيث قال في تصريح لقناة الجزيرة الإنجليزية: “تعتقد إسرائيل أن الدوحة منطقة آمنة لتجمع قيادة حماس. وهذه ليست عملية تُنجز في يوم أو يومين، بل تُبنى على مدى سنوات، لتوفير ملاذ آمن لشخص ما، فيستمر في الذهاب إلى هناك، وفي النهاية يُستهدف بطريقة غير متوقعة.”
بهذا المعنى، تبدو الضربة تتويجًا لمسار مراقبة واستخبار طويل، أكثر من كونها رد فعل آنيًا على تطورات الميدان.
3. أيّ مجال جوي استُخدم؟
يبقى المسار الجوي الذي سلكته الطائرات الإسرائيلية نحو الدوحة أحد أكثر جوانب العملية غموضًا حتى الآن. فحتى اللحظة، لم تُكشف تفاصيل رسمية عن الأجواء التي عبرتها المقاتلات، وسط تضارب الروايات حول الدول التي فُتح مجالها الجوي أو جرى تجاوزه دون تنسيق معلن.
تجارب سابقة توفر بعض الإشارات. فعندما قصفت إسرائيل أهدافًا في إيران مطلع العام الجاري، اعتمدت على المرور عبر الأجواء السورية والعراقية، مستفيدة من غياب قدرة البلدين على اعتراض الطائرات الإسرائيلية. هذا السيناريو أعاد إلى الأذهان إمكانية استخدام مسارات مشابهة للوصول إلى قطر.
في المقابل، أكّد الأردن، الذي يمتلك أنظمة دفاع جوي متقدمة، أن إسرائيل لم تستخدم مجاله الجوي في العملية الأخيرة، ما زاد من غموض الصورة. ومع عدم إعلان أي دولة أخرى عن فتح مجالها الجوي، يبقى الاحتمال الأرجح أن العملية نُفذت عبر مزيج من المسارات غير المباشرة أو بتنسيق محدود مع أطراف لم تُفصح عن دورها بعد.
4. لماذا الآن؟
رغم أن العملية جرى التحضير لها منذ أشهر، برّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توقيتها بأنها رد مباشر على عملية إطلاق نار في القدس الشرقية المحتلة أسفرت عن مقتل 6 مستوطنين يوم الاثنين السابق للهجوم. لكن محللين عديدين يشككون في هذا التفسير ويرون أنه لا يفسّر وحده قرار استهداف الدوحة في هذا التوقيت الحساس.
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان يُكثّف جهوده لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، قبل الضربة مباشرة. إلا أن ميراف زونسزين، كبيرة محللي الشأن الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية، اعتبرت أن إسرائيل لم تُبد أي اهتمام حقيقي بهذه المفاوضات. حيث قالت في حديث مع قناة الجزيرة الإنجليزية: “خلاصة القول هنا أن إسرائيل ليست معنية بوقف إطلاق النار. ما جرى في الدوحة لم يكن إلا خدعة سياسية ومسرحية، والهجوم بدا أقرب إلى عملية منسقة إسرائيلية–أميركية منه إلى رد أمني منفرد.”
إلى جانب ذلك، يسلّط مراقبون الضوء على البعد الداخلي المرتبط بشخص نتنياهو نفسه. فمنذ أشهر، تزامنت ضرباته العسكرية مع محطات محاكمته في قضايا الفساد. وقد عاد في اليوم التالي للعملية، الأربعاء 10 سبتمبر/ أيلول إلى قاعة المحكمة في تل أبيب للإدلاء بشهادته مع استئناف الجلسات بعد انقطاع دام أكثر من شهر، في مشهد رأى فيه خصومه محاولة للهروب إلى الأمام عبر خلط الأوراق الميدانية والقضائية.
أما على المستوى الإقليمي، فقد جاء الهجوم وسط تصاعد المطالب الإسرائيلية بتهجير مزيد من الفلسطينيين من غزة، في وقت يواجه فيه القطاع أكبر عملية تجويع في التاريخ وضغوطًا دولية وشعبية متزايدة لإيقاف المجاعة.
5. هل كانت واشنطن على علم؟
أكّد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي على الدوحة، وإن دون تفاصيل وافية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه صرّح بأن الجيش الأميركي أبلغ إدارته بأن إسرائيل بصدد استهداف قادة حماس “المتمركزين للأسف في جزء من الدوحة”.
كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أوضحت أن ترامب طلب من مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إبلاغ السلطات القطرية بـ”هجوم وشيك”. ومع وجود قاعدة العديد الجوية الأميركية في قطر، يرى محللون أن من الصعب تصور تنفيذ عملية بهذا الحجم دون أن تكون واشنطن على علم بتحركات الطائرات الإسرائيلية ومسارها.
لكن هذا التنسيق لم يحجب علامات الاستياء. فقد صرّح ترامب للصحفيين بأنه “غير سعيد” بالهجوم، وكتب على منصته “تروث سوشيال”: “هذا قرار اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وليس قراري.” في المقابل، شددت ليفيت على الموقف الأميركي المزدوج بالقول: “القصف الأحادي الجانب لقطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة يعمل بشجاعة للتوسط في السلام، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أميركا. ومع ذلك، فإن القضاء على حماس هدف نبيل.”
يعكس هذا التناقض بين المعرفة المسبقة والاستياء العلني حساسية الموقف الأميركي، فواشنطن لم تستطع تجاهل العملية، لكنها أيضًا حرصت على إبقاء مسافة سياسية، خصوصًا مع قطر التي تمثل شريكًا استراتيجيًا في الوساطة الإقليمية.
6. هل أُبلغت قطر مسبقًا؟
سرعان ما تحوّل السؤال حول توقيت إبلاغ الدوحة إلى محور رئيسي في السجال الدبلوماسي. فالمسؤولون القطريون أكدوا أن أي اتصال من الجانب الأميركي جاء متأخرًا، بعد أن كانت الانفجارات قد دوّت بالفعل في أنحاء العاصمة. رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني أوضح أن المكالمة من واشنطن وصلت بعد عشر دقائق من بدء القصف.
وزارة الخارجية القطرية بدورها نفت بشكل قاطع ما تردد عن تلقي تحذير مسبق. وقال المتحدث ماجد الأنصاري في منشور عبر منصة X: “المكالمة التي وردت من مسؤول أميركي جاءت بالتزامن مع دوي الانفجارات الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة. وأي مزاعم بوجود إخطار مسبق غير صحيحة تمامًا.”
ما يتم تداوله من تصريحات حول أنه تم إبلاغ دولة قطر بالهجوم مسبقاً عارية عن الصحة، الاتصال الذي ورد من قبل أحد المسؤولين الأمريكين جاء خلال سماع دوي صوت الانفجارات الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة.
— د. ماجد محمد الأنصاري Dr. Majed Al Ansari (@majedalansari) September 9, 2025
هذا التباين الحاد بين رواية واشنطن وتصريحات الدوحة يعكس حجم التوتر الذي أضافته الضربة، ليس فقط في بعدها العسكري، بل في الثقة المتبادلة بين شريكين يُفترض أنهما يعملان معًا على إدارة الوساطة في غزة.
7. ما تداعيات هذه الضربة على المفاوضات في غزة؟
نظريًا، أبدت قطر غضبًا علنيًا واضحًا معتبرة أن الضربة اعتداءً على سيادتها وعلى جهودها في التوسط، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها ستواصل محاولاتها. هذا الموقف يبقي العملية التفاوضية قائمة من حيث المبدأ، لكنه يزيد من هشاشتها ويجعلها أكثر صعوبة من الناحية اللوجستية.
لكن يصعب القول أن العملية لم تتلقى ضربة مباشرة موازية لما جرى على الأرض. إذ أنها فتحت فجوة في الثقة بين الوسطاء والأطراف المعنية. فبينما أقرّ البيت الأبيض بأنه كان على علم بالعملية، بدا أن تنفيذها في هذا التوقيت أثار احتكاكًا غير مسبوق بين واشنطن وتل أبيب في مرحلة حساسة.
عدا عن أن محاولة استهداف المفاوضين قد عطّل القنوات حتى على المستوى الداخلي، إذ أن قيادات من حماس كانوا بصدد مراجعة مقترح جديد لوقف إطلاق النار، في وقت كانت لا تزال فيه الحركة تميل للتمسك بشروطها المعلنة.
ردود الفعل الدولية أيضًا جاءت غير معتادة. إذ أدان مجلس الأمن الضربة في بيان حظي بدعم أميركي، في إشارة سريعة ونادرة إلى أن واشنطن نفسها رأت أن التوقيت يقوّض فرص الوصول إلى اتفاق. أما في العواصم العربية، فقد أثارت الضربة غضبًا واسعًا، خصوصًا أنها وقعت في عاصمة خليجية حليفة، ما قد يُجمّد مسارات التطبيع التي كانت قيد النقاش.
على صعيد الخطاب السياسي، برزت إشارات عدة متناقضة، فقد قال ترامب إن ضربات إضافية في قطر “لن تحدث”، بينما حذر نتنياهو من أن “إسرائيل” قد تكرر السيناريو إذا اقتضت الحاجة. هذه الازدواجية ولّدت حالة من عدم اليقين لدى الوسطاء وزادت من تردد الأطراف الأخرى في المضيّ قدمًا.
من الوارد أيضًا ألا تكون تداعيات هذه الضربة على مسار التفاوض في غزة قصيرة الأجل فقط. فقد يحدث ركود مؤقت ريثما تُعاد صياغة الترتيبات الأمنية وربما نقل الجلسات إلى أماكن أخرى مثل القاهرة أو أنقرة، مع تراجع استعداد الأطراف لتقديم تنازلات إبداعية.
أما صفقة الأسرى فتزداد هشاشة بدورها، فاستهداف الدوحة زاد من حالة الاحتقان الشعبي الخليجي على مستوى عام. خاصة في السعودية والإمارات، اللتان كانتا منخرطات في حديث “اليوم التالي”، مما يعرض إمكانية الحشد الإسرائيلي لدعم مالي وسياسي لخطر كبير، وهو عنصر جوهري لإنجاح الاتفاق.
في المقابل، يبقى احتمال حدوث “ارتداد عكسي” قائمًا، إذ قد يراهن نتنياهو على أن التصعيد سيجبر حماس والوسطاء على المرونة، في محاولة لإغلاق الملف برمته. لكن التجارب السابقة تشير إلى أن مثل هذه الضربات تؤدي عادةً إلى تصلب المواقف وإطالة أمد النزاع بدلًا من تسويته.
8. ما مصير العلاقات الأميركية القطرية؟
رغم الصدمة التي أحدثتها الضربة الإسرائيلية في الدوحة، فليس من المتوقع أن تؤدي إلى قطيعة بين قطر والولايات المتحدة، بل إلى شراكة متضررة علنًا ومستقرة في جوهرها. فالدوحة قد تضغط على واشنطن للحصول على ضمانات ومساءلة أكبر، فيما ستستمر العلاقات في مجالات الأمن والطاقة والوساطة، لأن كلا الطرفين يحتاج إليها.
أول مظاهر الخلاف تجلّى في العلن، إذ دعمت واشنطن إدانة نادرة في مجلس الأمن للضربة، في إشارة إلى استيائها من توقيت العملية وأثرها على المفاوضات. هذا الموقف منح قطر غطاءً سياسيًا للاستمرار في التواصل مع الولايات المتحدة، حتى وهي تدين انتهاك سيادتها.
في الكواليس، يُرجَّح أن تخرج قواعد جديدة لفض النزاع، مثل آليات إبلاغ أكثر صرامة أو قيود على أي عمليات قد تعرّض القواعد الأميركية أو حلفاء واشنطن في الخليج للخطر. ومن المتوقع أن ترافقها خطوات طمأنة واضحة، تشمل زيارات رفيعة المستوى وبيانات مشتركة وتدابير لتعزيز أمن القواعد.
إحدى النقاط الخلافية البارزة تتمثل في “من كان يعلم ومتى؟”. فالمسؤولون القطريون أكدوا أن الإخطار الأميركي وصل بعد نحو عشر دقائق من بدء القصف، وهو ما يفاقم الانطباع بغياب التنسيق ويزيد من مطالب الدوحة بمراجعة آليات الاتصال العسكري والاستخباراتي.
ورغم هذا التوتر، يظل الترابط الأمني قائمًا. فقاعدة العديد الجوية، أكبر مركز عسكري أميركي في المنطقة ومقر قيادة العمليات الجوية للقيادة المركزية، تجعل من الصعب على قطر أن تتخلى عن دورها، كما لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل تبعات خسارة منصتها الأساسية في الخليج. ويزداد هذا الترابط أهمية في ظل التهديدات الإيرانية المتصاعدة.
إلى جانب البعد الأمني، يرسّخ التعاون في قطاع الطاقة الشراكة الثنائية. فمشروعات الغاز الطبيعي المسال الضخمة مع شركات أميركية مثل إكسون موبيل وكونوكو فيليبس تجعل العلاقة الاقتصادية أكثر عمقًا، ما يدعو إلى احتواء الأضرار بدلًا من الانفصال.
إقليميًا، أثارت الضربة غضبًا في العواصم الخليجية، ما سيدفع واشنطن إلى إعادة تأكيد التزاماتها الأمنية. وفي غياب ذلك، قد تتجه بعض الأطراف، بما فيها قطر، إلى موازنة علاقاتها بشكل أكبر مع قوى أخرى مثل تركيا أو الصين، وهو احتمال تسعى الدبلوماسية الأميركية لاحتوائه.
أخيرًا، يمكن القول أن خلال الأسابيع المقبلة، ستُختبر العلاقة عبر ثلاثة مؤشرات أساسية: صدور بيان مشترك بين واشنطن والدوحة يتعهد بعدم تكرار ما حدث وتعزيز التنسيق؛ استئناف قناة التفاوض بشأن الأسرى ووقف إطلاق النار مع بقاء قطر وسيطًا رئيسيًا ربما إلى جانب مصر أو تركيا؛ وأخيرًا، الإعلان عن إجراءات أمنية ملموسة في قاعدة العديد الجوية بما يشمل بروتوكولات جديدة لتبادل المعلومات.
فيما ستظل العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر مشحونة في الخطاب، فاترة في الثقة، لكنها مستقرة في بنيتها الأساسية، مدفوعة بضرورات ملف غزة، ومقتضيات الردع الإقليمي، وشبكات التعاون في مجال الغاز الطبيعي المسال.